|
أبعد من التنويعات التي تتزخرف حول نفس التيمات,
وتنتهي برسم خريطة بلدٍ وهميّ مصنوعاً من الخيال البوليووديّ, هناك ثلاث
موتيفاتٍ رئيسية تجتمع, أو تتعارض في معظم الأفلام الروائية الهندية:
ـ تشكيل العلاقة بين الرجل, والمرأة, واستقرارها.
ـ تقلبات الروابط الأسرية.
ـ الحسّ الوطنيّ المُدرك في الاشارات المُتعددة
لتحديث البلاد.
ومن ثمّ, فإنّ الزواج, المرغوب, المشكوك به, أو
المحسود, والمُتجسد بشكلٍ كوميديّ, أو دراما عاطفية, يُشكل نقطة الالتقاء
بين تلك الموتيفات الثلاثة, ويشارك في شحن السيناريو.
في الأفلام المُتواضعة, تلك الخاصة, على سبيل
المثال, بـالثنائيّ "
Abbas-Mastan"
(الأخويّن
Burmawalla), يقتصر سيناريو الزواج على مخططٍ يعتمد على
أنماطٍ سردية أولية :
شابٌ, وريث ثروة طائلة, يُجبر على الزواج تحت ضغط
جدّه الثريّ الراغب بحفيدٍ يُخلد اسمه, وتلك هي عقدة فيلم " Chori Chori Chupke Chupke"/2001 :
راج" Salman Khan", رافضٌ للفكرة بدايةً, ولكنه في حفل زواج أحد أصدقائه, يلتقي
بالحلوة برييا " Rani Mukerji", ويقع في غرامها, ومن المُفترض بأن تنتهي القضية في الثلث الأول من
الفيلم, ولكن, تظل إمكانية الاختيار موجودة, بين السعادة الزوجية, أو
الميلودراما, وبالتأكيد, تخيّر الأخويّن " Abbas-Mastan" الحلّ الثاني :
بعد أن تتعرض "برييا" لسقطةٍ, تضطر للإجهاض,
وتخضع لعمليةٍ تمنعها من الحمل مُستقبلاً.
يستثمر السيناريو هذا السرّ المُخزيّ, والألم
الصامت, ويلجأ الزوجان إلى " أمّ حاضنة " عن طريق عقدٍ مع إحدى العاهرات
(يتمّ تعليمها فيما بعد على طريقة فيلم
Pretty Woman لمُخرجه غاري مارشال), ومن ثمّ
يسافرا إلى سويسرا بهدف إخفاء الخدعة عن العشيرة.
وبينما تظلّ المسألة العائلية مركزية في الأفلام
الجماهيرية, فإنّ الأكثر طموحاً منها يُشركها مع عقدةٍ اجتماعية ذات أصداء
وطنية, تصبح, في نهاية المطاف سباقةً على قصة الحبّ.
في "Guru", يُمجد مخرجه "Mani Ratnam"
صعود قرويّ يصبح أهم رجلٍ صناعيّ هنديّ, وذلك بتأسيسه لشركةٍ عملاقةً
للبتروكيماويات متخصصة بصناعة البوليستر, ويقدمه الفيلم كواحدٍ من هؤلاء
المُتبصرين المُساهمين بإخراج البلاد من اعتمادها على "صندوق النقد
الدوليّ".
عند " Ashutosh Gowariker", التضافر بين الفكرتين أكثر حذقاً, شريطة أن تتدفق في الشخصية
الأنثوية.
الهند, بالنسبة له, هي المرأة, محسوسة بطريقة خفية
منذ "
Lagaan",
ويصبح هذا التزاوج غير قابل للانفصال عن العقدة, والإخراج في " Swades", ويرتعش كتصريح حبّ, بدايةً من
أجل جيتا "
Gayatri Joshi",
ومن خلالها, إلى الوطن بكامله, ومع أنّ الشخصية المُحورية (رجاليةٌ
بالضرورة) هي النجم "Shahrukh
khan" والذي يؤدي دور مهندسٍ في الNASA
, عاد إلى البلاد ليعثر على مُربيته, ومع ذلك الفيلم مصممٌ حول الوعيّ
المُؤلم المُتولد من لقائه مع "جيتا", معلمةٌ في قريةٍ متروكة لقدرها,
تُجاهد" لتوعية أطفال المدارس على الرغم من محنة تلخص في حد ذاتها هواجس
السينمائي المتعلقة بالآلام التي تعاني منها البلاد :
ـ عدم المساواة في الحصول على التقدم الاقتصادي.
ـ الأفكار المُتخلفة.
ـ الغرق في نظام الطبقات.
" Ashutosh Gowariker" يعتبر الزواج هدفاً يجب أن يمتدّ الفيلم نحوه منتشراً, عليه أن
يتجاوز العلاقة بين العاشقيّن نحو الانصهار مع الوطن.
ولهذا, تحتل العناصر, وأحلام اليقظة مكانة كبيرة
في سينماه.
وبالمُناسبة, البعد المادي, هيكليّ إلى حدٍّ بعيد
في الإنتاج البوليوودي, بحيث نستطيع تصنيف الأفلام بمُقتضى العنصر السائد
الذي تنتمي لها.
على هذا النحو,
Devdas في فيلم "
Sanjay Leela Bhansali"
والذي يُستهلك بتوهج من مشهدٍ إلى آخر, هو فيلمٌ ناريّ, بينما " Swades" هو فيلمٌ مائيّ.
للتعبير عن قصة الحبّ, والإتحاد الروحيّ/ الجسديّ
مع الوطن, يُشرك "
Ashutosh Gowariker"
العنصر السائل في كلّ المراحل التي يمرّ بها موهان " Shahrukh khan", و"جيتا".
منذ البداية, يرتبط "موهان" بعلاقةٍ مع الماء :
يُطوّر قمراً صناعياً مهمته دراسة الأمطار العالمية.
عندما يشاهد طفلاً على الرصيف ينهار تحت وطأة ثقل
حمولته, فيعطيه كوباً من الماء, وتعاسة الأكثر فقراً تصفع وجهه, فجأةً, كي
يساعد القرويين, يُركب محركاً, ويلتقط مُخصباً بهدف إنتاج الكهرباء
الضرورية لهم.
"جيتا", بالنسبة لها, عاشقةٌ, تعيش أحلام يقظتها,
وتستمتع بزخات المياه بالقرب من معبد "رام, وسيتا" قبل أن تغني على حافة
حوضٍ يمتلئ بأزهار اللوتس.
في بعض الأفلام, مثل " Guru", تكشف الرقصات بوضوح عن اللقاء الحميميّ بين العاشقين, مثل اجتماع
الماء, والنار.
مهما تكن نوعية, وذكاء أفلام " Ashutosh Gowariker", إلا أنها تحترم المراحل المُشفرة بعناية لعلاقة
الحب كما تتجسّد في معظم الأفلام.
النظرة, تُعتبر دائماً الناقل الرئيسيّ للحالة
الشهوانية, وخاصةً خلال مرحلة الاقتراب, بدلاً من النظرة العارية,
المُباشرة, والوقحة أحياناً, تُفضل بوليوود النظرة المُصفاة, المُختطفة, أو
المسروقة.
الأحاسيس, بدورها, مقسمة بنفس المنطق, بدءاً من
مجموعةٍ محدودة نوعاً ما, حيث تتوالى مشاهد افتتان اللقاء, أحلام العشق,
التصريح بالحبّ, ألم سوء الفهم, احتجاج الحب, ....
يجب أن تكون اللحظة التي تقع فيها البطلة في الحبّ
محسوسة, وتمنح نوعاً من الانقلاب الداخلي, يُترجم بابتسامةٍ غامضة, وعينين
مسبلتيّن.
وفيما يتعلق بالقبلة على الشفاه, والمُدركة
كمرحلةٍ أخيرة قبل الزواج, يتمّ التمهيد لها عن طريق مشاعر دافئة محسوبة,
باقتراب الوجوه, وأحياناً بقبلةٍ بديلة على الجبين.
ولأنّ القدر هو الذي يجمع بين البشر, تقتصر
المُتناقضات الخارجية على اتفاقاتٍ درامية بسيطة, مثل متنافسين يتدفقون من
فيلم إلى آخر, وتتموقع التهديدات الضاغطة على العاشقيّن في مكانٍ آخر, في
منطقة وسيطة بين قدرية السلوكيات البشرية, وغنائية الاختيار الوجوديّ, تثير
بدائل جديرة بصحافة أخبار النجوم : البطل, وريثٌ افتراضيّ, أو شابٌ عصريّ,
ومتعلم, أكمل تعليمه خارج البلاد,..
أليس عاشقاً متقلباً ؟
ألم ينسى تلك التي أحبها عندما كان طفلاً ؟
هل يُفضل بلده, حتى وإن كان ناقصاً, على إغراءات
الرفاهية الأمريكية ؟.
بالتوازي, ركب سينمائيّو المهجر(ٍ Gurinder Chadha,
Mira Nair) الموجة باستلهامهم القواعد
الرئيسية للحكاية البوليودية, بقصد تحويل مسارها, وأكثر من ذلك,
(Bride & Prejudice) ينقل "جين أوستن" إلى
البنجاب, ويلعب " Monsoon Wedding" بشكلٍ مقصود مع نمطيات النوع, تحضيرات العرس عند عائلةٍ ثرية في
نيودلهي تمنح إطاراً مثالياً لفحص العشيرة.
ألوان المظاهر الخارجية, والأعراف الاجتماعية,
تتشقق بسرعةٍ كافية, وكلّ ما ليس له مكان في بوليوود, يعود مثل موجةٍ هادرة
: العلاقات الجنسية قبل الزواج, الخيانة, وحتى الاعتداءات الجنسية على
الفتيات الصغيرات.
يتبع الفيلم تيار سينما المُؤلف الهندية, وهي, منذ
عقدٍ من الزمان, تضع القضية النسائية في قلب مشاغلها, سواء مشاهد إجهاض
الجنين الأنثويّ (Matrubhoomi عالمٌ بدون نساء, لمُخرجه
Manish Jhâ),
الاغتصاب الطقسيّ/الدينيّ للفتيات الصغيرات (Maya لمُخرجه
Digvijay Singh), المثلية الجنسية متجسدةً كمهربٍ من سيطرة الذكور (Fire لمُخرجته
Deepa Mehta).
بإمكاننا التساؤل فيما إذا كانت بوليوود, والتي
بدأت تتحدث عن الطلاق, وتعرف نقد التقاليد,حتى وإن كانت وُفق معاييرها
الخاصة, تتجرأ يوماً في الحديث عن هذه الموضوعات, والتي ما تزال من
المُحرمات.
*عن مجلة "Positif" الفرنسية, العدد577- مارس 2009(صفحة 105-106).
* باسكال بينيترويّ :
ناقدٌ سينمائيّ فرنسيّ.
موقع "إيلاف" في 9
أبريل 2009
|
|