|
في اللغة المحلية الدارجة, يستخدم المصريون أحياناً تعبير (فيلم هندي),
نعتاً شائعاًً للإشارة إلى حكايةٍ(أو تجربةٍ) لا معقولة, تتكوّن من أحداثٍ
مركبة, ومتداخلة, يختلطُ فيها الواقع بالخيال,..
وبمُشاهداتي المُتوالية للسينما الهندية (بوليوود تحديداً), أحسبُ, في
الكثير منها, بأنني أشاهد أفلاماً مصرية, وكأنّها تمتلك عناصر مُشتركة فيما
بينها(مع استثناءٍ هنا, وآخر هناك) على الرغم من الاختلافات الحضارية,
الثقافية, والدينية بين البلدين,..
منذ سنواتٍ طويلة, فقدت الأفلام الهندية رواجها, وشعبيتها في الدول
العربية, انسحبت من الصالات التجارية, واكتفت بأجهزة المُشاهدة المنزلية,
وعلى حدّ علمي, لا تُعرض الأفلام المصرية في الأسواق الهندية المُكتفية
بوفرة إنتاجها المحلي, وهنا, لا أعرف من ينسخُ عن من؟ أومن يتأثرُ بمَن ؟
وفرضية التشابه هذه بين السينما المصرية, والهندية تشمل الأفلام الجيدة,
والسيئة معاً, ولا تعني تحقيراً لأيّ واحدةٍ منهما, كيف لنا مثلاً تجاهل
أفلام (راج كابور) التي نجد فيها قواسم مشتركة مع أفلام (أنور وجدي), ومن
يشاهد فيلم (Tarana)
من إنتاج عام 1951لمخرجه(Ram
Daryani)
سوف يتذكر على الفور أفلام السينما المصرية في الخمسينيّات.
ومن جهةٍ أخرى, يُعتبر (Kamjori)
من إنتاج عام 2004 لمخرجه(ٍSandeep
BHAT),
واحدٌ من الأفلام الهندية الرديئة التي تُذكرنا بأسوأ الإنتاج المصريّ على
طول تاريخه .
(بونتي) شابٌ من أسرةٍ ثرية, يعيش حياته لهواً, وعبثاً, ونساءً, يلتقي
بالحلوة (باربيتا) التي تنتمي إلى عائلةٍ من الطبقة المُتوسطة, متمردةٌ على
ظروفها, وتربيتها الصارمة, وتتطلع إلى حياةٍ أفضل, يعاني والدها من أزمةٍ
مالية, وصاحب البيت يطالبه بمبلغ كبير, في الكلية التي تتابع فيها دراستها
الجامعية, تتعرف على (مونيكا) الشريرة التي تقرضها مبلغاً من المال بعد
إجبارها على توقيع ورقة بيضاء, يشتهيها (بونتي), وبمساعدة (مونيكا), يُغرر
بها, ويقودها إلى الفراش, وتفقد عذريتها, يشعر (بونتي) بتأنيب الضمير, يقرر
الزواج منها, يرفض والده, يسافر إلى أمريكا, يظهر المجرم (آجاي), يقتل
زوجته, وعشيقها, ورجلاً ثرياً ذهبت إليه (باربيتا) لقضاء ليلة معه كي تسدد
الدين ل(مونيكا), تشهد (باربيتا) على الجريمة, يريد (آجاي) الزواج منها,
ترفض بشدة, تتدخل الحبيبة الأولى ل(مونتي), وتحاول إبعاد (باربيتا) عنه,
تتعقد الحكاية, يهددها (آجاي) بفضح أمرها, تشتبه الشرطة بها, تعترف بوجودها
في مكان الحادث, وتكشف عن القاتل الحقيقي, يعود (مونتي) من أمريكا, ويتزوج
(باربيتا),.....
طبعاً, هناك أحداثٌ, وتفاصيل أخرى مُرهقة, ولا فائدة من الإشارة إليها,
لأنّ القارئ المُتابع للسينما الهندية(والمصرية), سوف يتذكر أفلاماً كثيرة
مُشابهة لها .
في السينما الهندية(والسينما بشكلٍ عام), هناك أفلامٌ اجتماعيةٌ, سياسيةٌ,
مغامرات, خيال علمي, رعاة بقر, رعب,.. وتندراً, يمكن إدراج (Kamjori)
في قائمة (أفلام المُؤخرات), لأنّ الكاميرا فيه لا تنهك من تصويب عدستها
الثابتة, أو المُتحركة(زوم) نحو الشخصيات النسائية, تحاول الكشف عما يُخبئن
تحت ملابسهن القصيرة جداً, بينما كان البطل (بونتي) يؤدي دوره في أغلب
مشاهد الفيلم عاري الصدر.
وكما القصة المُكررة, والمُستهلكة, والمُعالجة المُتسرعة, والمُتهالكة,
والشخصيات النمطية, الكرتونية, يأتي الحوار مُصطنعاً, ومثيراً للسخرية :
في أحد دهاليز الكلية, تلتقي الصديقة الشريرة (مونيكا) بأستاذها, ويدور
بينهما حوارٌ من نوعية :
ـ أستاذ, أنا ضعيفةٌ في الدراسة, ولكنني قويةٌ في أشياء أخرى.
وتعرض عليه الكشف عن صدرها مقابل اجتياز الامتحانات بنجاح.
وتتجسّد الطبقة الثرية التي ينتمي إليها (بونتي) بحوض سباحةٍ في منزل
عائلته, يتحول إلى لازمةٍ لتبرير مشاهدة بطلاته في مايوهاتٍ مثيرة.
ويفتقد الفيلم في مجمله أيّ حسٍّ سينمائي, حيث تُسجل الكاميرا بطريقةٍ آلية
ما يحدث أمامها فقط, مع القليل من حركات المُتابعة البانورامية, أو الزوم,
ولا أستثني من هذا الشحّ الإبداعيّ أكثر المشاهد أهميةً, والذي سوف تتمحور
الأحداث اللاحقة حوله(مشهد الحبّ بين بونتي, وباربيتا) .
ويبدو بأنّ بوليوود تخلصت من عقدة الجنس, والعلاقات المُحرمة, ولكنها
مازالت تقدمها على استحياء, ومن الطريف بأن الأبطال يمارسون العشق
بملابسهم, إنها ليست غلطات إخراجية, فقد تكررت في الفيلم مرتين, وفي مشهدين
داليّن :
بجانب حوض السباحة, وبعد أن تضع (مونيكا) منوماً في كأس باربيتا( التي كانت
ترتدي مايوه زهريّ اللون), يحملها بونتي (كان يرتدي شورت سباحة), ونجدهما
لاحقاً فوق السرير, باربيتا (ترتدي شورت قصيرً, وحمالة صدر سوداء), وبونتي
(يرتدي بنطالاً).
وعلى الرغم من العلاقة الجسدية التي حصلت بينهما, تواجه (باربيتا) حبيبها
المُزيف (بونتي) بنفس الملابس, تمدّ أصابعها نحوه, وتُحرك رأسها يميناً,
ويساراً (على الطريقة الهندية), تُعنفه, وتمنحه درساً أخلاقياً:
.......لم أسجل بداية الحوار
ـ ....لأنّ أيّ فتاةٍ هندية تحتفظُ به لزوجها(المقصود هنا عذريتها التي
فقدتها للتوّ), نحن من عائلةٍ صغيرة, في مدينة صغيرة(هل بومبايّ صغيرة؟),
مع أحلامٍ صغيرة,....
بدون الحاجة لمشاهدَ تالية, استشارة صديقٍ, الذهاب إلى إحدى الحانات, المشي
بتمهلٍ في الشوارع الفارغة, أو محاولة النوم, والتقلب على السرير...لم
يتطلب الأمر أكثر من ثوانٍ كي يشعر (بونتي) بالذنب, وتأنيب الضمير, ..
وفي نفس المشهد, يردّ عليها :
ـ للمرة الأولى في حياتي أدركُ بأنّ هناك فتيات مثلك في هذه المدينة,.. .
وبعد مشهدٍ, أو اثنين, يعرض عليها الزواج, تفرح, وتبتهج, يغنيان, ويرقصان.
والحقيقة, كان عليهما بأن يفعلا ذلك منذ بداية الفيلم, وحتى نهايته, فهما
يُجيدا الرقص أكثر من التمثيل(الغناء بأصوات مغنين آخرين طبعاً).
يطال الاستسهال(أو فقدان الموهبة) المشهدية البصرية للأغنية الأولى من
الفيلم (والمعروف بأنّ المخرجين الهنود بارعون في تصوير الأغاني), ويبدو
بأن(Sandeep
BHAT)
صورها في أقرب حديقةٍ لبلاتوه المشاهد الداخلية, وتذكرنا بالكثير من لقاءات
الأحبة في السينما المصرية التي صُورت في حديقة الحيوان, أو النوادي
الخاصة, أو بالقرب من شاطئ نهر النيل.
في البداية, يرفض والد (بونتي) زواج ابنه من (بارتيبا) بسبب الفوارق
الطبقية طبعاً, ولكن, تنصحه الأم بأن يوافق مشترطاً سفر (بونتي) إلى أمريكا
للحصول على عقدٍ يتعلق بأعماله, وخلال فترة غيابه, سوف يتعرف على غيرها,
وينساها.
بعد ساعةٍ من الفيلم, تتحول الأحداث إلى مسارٍ آخر..
يعود (آجاي) من دبيّ, هو الذي كان يعتقد بإخلاص زوجته, وحبها له, ولكنه
يكتشف خيانتها, وللمرة الثانية, تتأكد لنا قصدية اللقاءات الجنسية بملابس
الشخصيات.
تخرج الزوجة الخائنة من الحمام, فترى زوجها مُستلقياً على السرير, وفي يده
مسدس صغير, ولا تسألوني لماذا بقيّ العشيق في الداخل, وكأنّ أمراً عادياً
يحدث في الغرفة المُجاورة :
الزوجة: أنتَ ؟
الزوج (بانفعالٍ مسرحيّ) : نعم, أنا.
الزوجة(مُرتبكة, ومُتوسلة): ما شاهدتَه كان احتياجاً جسدياً, سنتان طويلتان
من الغياب, كيف لي قضاء هذا الوقت مع ذكرياتك ؟ ...
الزوجة الخائنة في السينما الهندية تدفع الثمن غالياً, آجلا,ً أم عاجلا.ً
يقتل (آجاي) زوجته, وعشيقها.
ولتخفيف الأجواء, تأتي الأغنية الثانية في الفيلم, وهذه المرة بين
(مونيكا), و(غولو), ومجموعة من الشباب المتسكعين في شارعٍ ما فيه القليل من
الخضرة, والأشجار.
أغنيةٌ مملة, كلماتها ساذجة, تفتقد أيّ جمالياتٍ إخراجية, وتثير السخرية,
والغضب..
وكما جاء في تلخيصي المُقتضب للأحداث, يريد (آجاي) الزواج من(باربيتا) التي
ترفض بشدة, يهددها بفضح أمرها, تشتبه الشرطة بها, تعترف بوجودها في مكان
الحادث, وتكشف عن القاتل الحقيقي(آجاي), يعود (مونتي) من أمريكا, ويتزوج (باربيتا),....
(Kamjori)
في اللغة الهندية تعني الضعف, ولا أجد أيّ علاقة ما, ظاهرة, أو ضمنية بين
العنوان, وأحداثه, ولكن, ربما يتضمّن إشارةً مسبقةً, واضحةً, وصريحةً لضعف
الفيلم نفسه.
سينماتك في 30
يوليو 2008
|
|