السينما الهندية, وعلى الرغم من كلّ الأفكار المُسبقة عنها, والمواقف
السلبية منها, والرغبة المُتعمّدة بتهميشها, وتغيّيبها عن أدبيات النقد
السينمائيّ العربي, إلا أنها, ويوماً بعد آخر, تفرض تنوّعها, ثرائها,
طموحها, وانتشارها.
فبعد أن شاهدتُ (Koi
MIL GAYA)
ـ فيلم خيالٍ علميّ من إخراج (Rakesh
Roshan),
وإنتاج عام 2003, ها أنا أتعرّف على فيلمٍ آخر من نفس النوعية, (Love
Story 2050)
لمخرجه(Harry
Baweja),
وإنتاج عام 2008.
ومع أنه خلطةٌ من أفلام هوليوودية متعددة(كما الحال مع
Koi MIL GAYA),
إلاّ أن سيناريو (Love
Story 2050)
يعتمد بشكلٍ خاصّ على فيلم (THE
TIME MACHINE)
لمخرجه (Simon
Wells),
وإنتاج عام 2002, والذي تدور أحداثه في نيويورك عام 1899, وتحكي قصة
(ألكسندر), فيزيائيّ متألقٌ في جامعة كولومبيا, يتعرف على (إيما), ويحبها
بجنون, وفي مساءٍ ما يلتقيا في إحدى الحدائق, يستجمع شجاعته, ويكشف لها عن
حبه عندما يقطع خلوتهما لصّ يريد سرقة خاتم الخطوبة, ولكن (إيما) تدافع عن
نفسها, فتُصيبها رصاصة مسدسه, وتموت في أحضان حبيبها.
يرفض (ألكسندر) مصيرها الحزين, ويُخصصّ علمه, وطاقته في اختراع آلةٍ تجتاز
الزمن, ويُجهزها للعودة إلى الماضي لتغيّير ما حدث, وإنقاذ حبيبته, وبدون
علم أحد, ينتقل في رحلة الحظ الأخيرة تلك, ويجد نفسه في القرن الواحد
والعشرين.
****
وبالعودة إلى (Love
Story 2050),
فإنّ أبسط العناصر الميلودرامية المُستخدمة في السينما الهندية, بأن يكون
البطل يتيم الأمّ, ويفتقد الحنان الأبويّ.
وبينما يُقربنا هذا الوضع الإنسانيّ من الحياة اليومية, ويُثير تعاطف
المتفرج, تُساهم الموسيقى التصويرية المُرافقة, والمُؤثرات الصوتية الداعمة
بإبعاد الأحداث عن الواقع (الخالي من الموسيقى المُصاحبة), وتجعله متخيلاً
(سينمائياً) يصول فيه, ويجول بطلٌ سينمائيّ رومانسيّ خارق, ليس له مثيلاً
في الهند, أو على وجه الأرض (ماعدا هوليوود).
كاران (Harman
Baweja)
شابٌ في العشرينيّات من عائلةٍ ثرية, وسيمٌ, جذابٌ, مرحٌ, رياضيّ مفتول
العضلات, وهو على استعدادٍ لاجتياز كلّ المخاطر من أجل الفوز بقلب سناء(Priyanka
Chopra)
التي التقى بها صدفةً في رحلةٍ بعيداً عن عيون العائلة (تمّ تصوير الفيلم
في أديلايد جنوب أوستراليا), ويعبّر عن مشاعره, ورغباته غناءً, ورقصاً.
وكما عادة الكثير من الأفلام الهندية, لا تكشف (سناء) عن مشاعرها الحقيقية
إلاّ بعد الكثير من النفور المُصطنع, والمُمانعة المُحببة التي تجعل
(كاران) يركض بأقصى سرعته في شوارع مدينةٍ يجهل خفاياها كي يلحق الحافلة
التي تستقلها محبوبة قلبه.
يفترق العاشقان, ويعود كلّ واحدٍ منهما إلى مدينته بدون أن يتبادلا
عناوينهما, وينتظر (كاران) صدفةً مماثلةً كي يلتقي معها(وتمتلك سيناريوهات
السينما الهندية موهبةً خارقة في اختلاق الصدف).
وكما أشرتُ في قراءاتٍ سابقة, تمتلك الأمطار حضوراً خاصاً في السينما
الهندية, مفردةٌ جماليةٌ, شعريةٌ تختصر المسافات, وتقرّب العاشقين, لقد
جمعتهما في تلك الرحلة القصيرة, وسوف تجعلهما يلتقيا من جديدٍ في المدينة
التي تعيش فيها (سناء).
بعد حوالي ساعةٍ من بداية الأحداث (وكدتُ أنسى بأنه فيلمٌ مستقبليّ), يبدأ
السيناريو بالتمهيد للخيال العلميّ, فقد اخترع العمّ د. ياتيندر خانا(Boman
Irani)
آلةً تعبر الزمن, والطريف بأنّ مختبره مفتوحٌ على مصراعيّه, يدخله العاشقان
(كاران), و(سناء) بسهولةٍ, يتجولا في أركانه بحرية, ويكتبا رموزاً, وإشارات
على سبورةٍ مليئة بالأرقام, والمُعادلات الرياضية, وفي تلك اللحظة بالذات,
يكتشف المتفرج واحدةً من مواهب (كاران) التي لم أذكرها سابقاً, إنه خبيرٌ
بأسرار الكمبيوتر, ويعرف كيف تعمل آلة الزمن, ..
يلهو العاشقان, وتتمنى (سناء) العودة إلى (بومباي) التي وُلدت فيها, ولأنها
مُغمضة العينين, وخائفة, فإنها تكتب 2050 بدلاً من 1986 تاريخ ميلادها,
كانت المسألة بسيطة للغاية, و(كاران) لا يتخلى عن روحه الهزلية.
ومع أن الفيلم يتحدث عن السفر بين الأزمنة, يقدم لنا 70 دقيقةً لا فائدة
منها غير الاستطراد في علاقةٍ عاطفية يمكن تلخيصها في دقائق.
بعد تلك المدة الزمنية من الفيلم, تبدأ فعلياً أحداث الخيال العلميّ التي
كان علينا مشاهدتها منذ البداية(يحتوي الفيلم على 9 أغنيات بمدةٍ زمنية
إجمالية 50 دقيقة).
المتفرج الذي لم يشاهد(THE
TIME MACHINE),
سوف تصعقه المفاجأة في (Love
Story 2050),
خلال لقاءٍ شاعريّ, تشتهي (سناء) الآيس كريم, وفي لحظة عبورها الشارع
لمُلاقاة (كاران) كي تمنحه قبلةً باردةً كما اتفقا, لم يُمهلها القدر(أو
بالأحرى السيناريو), حيث تصدمها حافلةٌ طائشة, وتموت في أحضان حبيبها.
يمكن اعتبار ذلك المشهد بدايةً معقولةً للفيلم مع هذه الحادثة المُستعارة
من (THE
TIME MACHINE)
والتي تنضح هنا بأقصى حالات الفجيعة.
بشكلٍ عام, يُعتبر موت الحبيب, أو الحبيبة في نهاية أحداث أيّ فيلمٍ صدمةً
عاطفية تهزّ مشاعر المتفرج, فكيف يكون الحال عندما يحضر عزرائيل في بداية
علاقة غرامية, ويختطف صبيةً بسبب رعونة سائقٍ, أو لصٍ حقير؟
وبوليوود تتقن جيداً العزف على أوتار هذه العناصر الميلودرامية, وتعرف كيف
(تحلب) عيون المتفرجين, وتُغرقهم في دموعهم تعاطفاً مع آلام شخصيات الفيلم,
وبدورها, تتهادى الموسيقى, ملتاعةً, وتنفلتُ الحناجر غناءً جارحاً للأفئدة.
ومن المُؤسف في الفيلم, بأن يكتسب العمّ المُخترع مظهراً كاريكاتورياً لا
يُناسب الجدية اللازمة للإقناع, لقد بدا شاب الملامح على الرغم من شعره
الأبيض الطويل(باروكة واضحة), ونظاراته الطبية.
وبطريقةٍ مُسلية(هزلية بالأحرى), يستوحي العمّ من شخبطة العاشقيّن على
السبورة عندما تنزها في مختبره, ويكتشف المُعادلة الصحيحة لتشغيل الآلة.
ولكن, من الطريف حقاً, بأنّ هذا العالم الفذّ لا يستطيع برمجة تلك الآلة
الفريدة لإعادة الزمن بعض الأيام إلى الوراء كي يتحدى العاشقان القدر,
ويمتنعا عن الخروج إلى أيّ مكان, وتنسى(سناء) الآيس كريم إلى الأبد, ويطلب
السيناريو من ذلك السائق الأرعن البقاء في بيته, لا يقرب حافلته في ذلك
المساء الكئيب,.
في لهوها الصبيانيّ, كتبت (سناء) رقماً محددا, وأخرجت آلة الزمن لسانها
سخريةً من شخصيات الفيلم, تُذكرهم بكاتب السيناريو الذي طلب منها بأن
تُعاند, وتتوقف عند ذلك التاريخ, وإلاّ كيف له إنجاز فيلم خيال علميّ ؟
من المُشهيات التي أضافها الفيلم مقارنةً مع أصله الأمريكي, بأنه سمح
للطفل(راهول), والطفلة (تيّيا) ـ اخوة سناء ـ بصعود المركبة المُستقبلية
خفاءً للمُشاركة في تلك الرحلة (المركبة بحجم سيارة, ولا أعرف أين, وكيف
اختفيا بعيداً, أو قريباً عن أنظار كاران, وعمّه).
معهما, سوف يكتسب الفيلم طابعاً كوميدياً مُوجهاً للأطفال, والمُراهقين,
ويفقد جديته العلمية, وقابليته على الإدهاش, وبشكلٍ خاصّ عندما تظهر مدينة
(بومباي) المُتخيّلة مستقبلاً شبيهة بصور لعبة إلكترونية.
في الأفلام الهندية تلعب الحيوانات دوراً درامياً نبيلاً لا يقلّ أهميةً عن
الشخصيات الإنسانية :
ـ العنكبوت في الفيلم الألمانيّ (Le
Tombeau Hindou/الضريح
الهندي) ـ الذي تدور أحداثه في الهند ـ من إخراج (Fritz
Lang),
وإنتاج عام 1959.
ـ الحصان في فيلم (Zabak)
من إخراج (Homi
Wadia),
وإنتاج عام 1961.
ـ الحصان, والأفيال في فيلم (Suraj)
من إخراج (T.
Prakash Rao),
وإنتاج عام 1966.
ـ الثعابين(في أدوارٍ مزدوجة) في فيلم (Milap)
من إخراج(B.R.
Ishara),
وإنتاج عام 1972.
ـ الأرنب, والحيوانات البحرية في فيلم(Rani
Aur Lalpari)
من إخراج(Ravikant
Nagaich),
وإنتاج عام 1975.
ـ الحصان في فيلم(Muthu
Maharaja)
من إخراج(K.
S. Ravikumar),
وإنتاج عام 1975.
ـ المعزة, والجمال, والحصان في فيلم (Abdullah)
من إخراج(Sanjay
KHAN),
وإنتاج عام 1980.
ـ الحصان, والكلب في فيلم (Khoon
Bhari Maang)
من إخراج (Rakesh
Roshan),
وإنتاج عام 1981.
ـ الصقر(رمز العناية الإلهية) في فيلم(Coolie)
من إخراج(Manmohan
Desai
و
Prayag Raj),
وإنتاج عام 1983.
ـ الكلب في فيلم (ChaalBaaz)
من إخراج(Pankaj
Parashar),
وإنتاج عام 1989.
ـ الثعبان الأسود في فيلم(Suryaa:
An Awakening)
من إخراج(Esmayeel
Shroff),
وإنتاج عام 1989.
ـ الطيور, والحصان في فيلم (krrish)
من إخراج (Rakesh
Roshan),
وإنتاج عام 2006.
وفي (Love
Story 2050)
كانت الفراشة مفردةٌ دراميةٌ, جماليةٌ, وشعرية ظهرت عندما التقى (كاران)
لأول مرةٍ مع حبيبته (سناء) في إحدى حدائق مدينة عطلتهما.
وفي محطة القطار بدأت تحوم أمام جدول مواعيد السفر, وارتاحت فوق اسم
المدينة التي سافرت إليها (سناء) .
وفي بومباي 2050 كانت تُجسّد المُعادل الشعريّ لبوصلة قلب (كاران), ودليله.
(سناء) التي تعرّف عليها (كاران) في عام 2008 أصبحت (زايشا) في بومبايّ
المستقبل.
يسأل (كاران) المرأة الآلية
QT
:
ـ أين أن أجد زايشا ؟
ـ في السماء.
وبالفعل, تظهر صورتها الافتراضية في سماء المدينة, مغنيةٌ, ونجمةٌ كونية,
وهي فرصةٌ لمُشاهدة عرضاً راقصاً مستقبلياً,..
كيف حال الرقص في المُستقبل ؟
بمُقتضى الفيلم, لا يختلف كثيراً عن الرقصات الغربية الحالية, ولم يُحلق
خيال مصمّمها بعيداً لإبداع الجديد, والمُدهش.
ومن المُؤسف حقاً بأن يقدم المخرج تصوراً مستقبلياً عن (بومباي) يشبه
كثيراً أيّ مدينةٍ أمريكية متخيلة (كما شاهدناها في أفلامٍ كثيرة).
ويتخطى الجانب المظهريّ للجمهور المُعجب بالمُغنية (زايشا) سنواتٍ قليلة من
العام الذي نعيش فيه, ..
السؤال هنا : هل سيكون حال البشر هكذا في المستقبل, يتجمعون كما الحاضر
أمام مدرجات مسرحٍ, أو قاعةٍ ينتظرون خروج نجمتهم المحبوبة, أم نتوقع بأن
ينزوي كلّ واحدٍ منهم في بيته يتابع فعلاً آخر لا علاقة له بالفنّ, وربما
تختفي إمكانيات الفرجة الجماعية لصالح النشاط الفردي ؟
منذ لحظة الوصول إلى بومباي 2050أصبحت الأحداث تناسب رغبات الأطفال,
والمُراهقين, وفقد الفيلم رغبته الطموحة باجتياز الواقع, والتحليق في عوالم
الخيال.
وأعتقد بأن المُخيلة الهندية, ومعها الغربية المُشاركة في تصميم الديكورات,
والملابس, والحاجيات المُستقبلة, ...توقفت عند حدّ نسخ الأنماط الأمريكية,
وافتقدت أيّ خصوصيةٍ هندية, وكانت مزيجاً من الحاضر, وبعض السنوات القادمة,
بدون أن تصل إلى عام 2050(ما عدا النمط المعماريّ للمدينة في لقطاتها
العامة).
في مرةٍ استثنائية, يقدم لنا الفيلم ديكوراً مستقبلياً مستوحى من الشرق,
وبالتحديد, مشهد اللقاء بين (كاران) و(زايشا) في إحدى غرف بيتها (مغارة علي
بابا كما تُسميها).
لم ينسى (كاران) بأن يجلب معه مذكرات (زايشا) التي كانت تكتبها قبل أن
تنتقل إلى حياتها المُستقبلية, تقرأها بذهولٍ, وتستعيد بعضها في صورٍ
مشوّهة, ومتسارعة مونتاجياً.
لم يكتفِ (Love
Story 2050)
باستنساخ قصة(THE
TIME MACHINE),
ولكنه استعار أيضاً بعض المشاهد القتالية من (Star
Wars)
لمخرجه(George
Lucas),
و(Matrix)
لمخرجيّه الأخويّن(Wachowski),
وقلدّ أبطال النينجا اليابانية, والكونغ فو,...
لقد صدقنا بطولات (كاران) في الجزء الأول من الفيلم, كانت تتناسب مع الزمن
الذي يعيش فيه, ولكن, كيف نقتنع بأفعاله الخارقة في عام 2050 والتي تبلغ
مداها في قتاله مع (د.كوشي) الذي يريد الاستيلاء على آلة الزمن ليُسيطر على
العالم, ولا نفهم عجزه عن اختراع آلةٍ مُماثلة (وأفضل منها) وهو يعيش في
المستقبل, وأكثر من ذلك, يُعتبر نصف بشر, ونصف إله(حالةٌ معهودةٌ في
السينما الهندية مستمدّة من الأساطير الهندوسية) .
يعود العاشقان (كاران), و(سناء) إلى الحاضر( وهي فكرةٌ تتنافى مع
المُعتقدات الدينية السماوية) بصحبة (بوو) الدبّ الآليّ الزهري اللون .
في(Love
Story 2050)
يتغلب الحبّ على الموت, وبمُقتضى أحداث الفيلم, يكفي انتظار اختراع تلك
الآلة العجيبة كي يسافر أحفادنا إلى الماضي, أو المُستقبل, ويعيدونا إلى
الحاضر من جديدٍ, بشرط أن يمتلكوا قلباً كبيراً, وقوةً خارقةً مثل (كاران).
سينماتك في 16
نوفمبر 2008
|