|
كنتُ أتمنى بأن يكون (Abdullah)
فيلماً عربيّ الإنتاج, فهو يُجسّد حكايةً جميلةً, مُسليةً, ومؤثرة عن
شخصيةٍ مسلمة تُضحي بحياتها من أجل حماية صبيّ بوذيّ, حتى وإن خرجت الأحداث
من عالم الخيال, واقتربت من حكايات ألف ليلةٍ وليلة بشخصياتها, وأجوائها,
إلاّ أن الصناعة السينمائية الهندية المُزدهرة سبقت السينما العربية في
إنجاز هذا الفيلم الذي أخرجه(Sanjay
KHAN)
عام 1980, وصُورت مشاهده الخارجية في الصحراء الهندية الكُبرى الواقعة على
الحدود ما بين ولاية راجستان(شمال غرب الهند), وباكستان.
ملخصٌ نادرٌ في أحد المواقع الإلكترونية يُحدد القصة في بلاد الفرس, وفي
الوقت الذي يتحاشى الفيلم نفسه الإشارة إلى مكانٍ, وزمانٍ محدديّن, تُوحي
الشخصيات, والأسماء, والعادات, والتقاليد .. بمكانٍ ما من شبه الجزيرة
العربية فترة الأربعينيّات تقريباً مع بداية اكتشاف النفط في أراضيها.
تبدأ الأحداث في قريةٍ هادئة, (ياشودا) امرأةٌ هنديةٌ تطلب من زوجها العودة
إلى بلدهما لإنجاب طفلهما المُنتظر, ولكن القدر لن يمهلهما لتحقيق رغبتهما,
حيث يهاجم الوحش خليل (Danny
Denzongpa),
ورجاله أهالي القرية, ويحرقوا بيوتهم, وينهبوا ممتلكاتهم, ويأسروا إحدى
صباياهم.
في قلعةٍ حصينة, ترقص تلك الأسيرةٌ المسكينة وسط اللصوص الجاهزين للانقضاض
عليها في أيّ لحظة, ويتخيّر المخرج الابتعاد عن بشاعة المشاهد السابقة,
فيُجسّد الاغتصاب مجازياً من خلال رقصةٍ تُثير الرغبات (الدفينة) للمتفرج,
و(المُعلنة) لأفراد العصابة الأشرار, البشعين, والمعتوهين .
في تلك الصحراء العربية هناك أخيارٌ أيضاً, الشيخ محمد الكمال(Sanjay
Khan)
أمير راجستان, فارسٌ عربيّ شهمٌ, وشجاعٌ, نصيرٌ للضعفاء, والمساكين, وعدوٌ
للمجرمين, وقطاع الطرق.
يتزوج من حبيبته زينب(Zeenat
Aman),
وفيما يخصّ مشاهد الزواج, سوف أتغاضى عن الموسيقى الهندية المُستخدمة في
الرقص, ولكن, لن أغفر لمُصمّم الصوت استخدامه لمُؤثراتٍ صوتية مُقلقة,
غريبة, ومزعجة عند ظهور الوحش خليل(لاحظتُ استخدام هذا النوع من المُؤثرات
في أفلامٍ هندية عديدة, حيث تنتفض فجأةً مع ظهور الشرير على الشاشة) .
وبينما استمرت الأحداث السابقة بإخلاصٍ نسبيّ للملابس, والأسماء, والحياة
البدوية, ..انحرفت قليلاً(بالأحرى كثيراً), وتذكر المخرج تقاليده الهندية,
وبالتحديد عندما يصل (الشيخ محمد الكمال), وزوجته(زينب) إلى ديار أهله,
تستقبلهما الأم (أو المُربية) بطبقٍ من الألوان, والأزهار, وتضع على جبينه
علامةً حمراء, وهو طقسٌ معروفٌ في الأفلام الهندية.
الأكثر طرافةً في ذلك المشهد الغرائبيّ, حمامٌ مبهرٌ في الخيمة (نجده في
القصور الفخمة, هندية, أو عربية), ويتعمّد المونتاج حشر لقطاتٍ مختلفة
للزوجة تستمتع بحمامها, وحولها جواريها, حتى أنها تنظر في مرآةٍ بجانبها,
وتبتسم لنفسها, ولا أدري كيف كان أفراد القبيلة يحملون ذلك الحمام الحجريّ
خلال ترحالهم ؟
حتى تلك اللحظات التمهيدية من الفيلم, تجمعت في شريط الصوت مختاراتٍ
عشوائية من موسيقى عربية, وهندية, ورافقت الصورة لإخفاء عيوب السردّ.
في مثل هذه الأفلام التي تستهدف جمهوراً واسعاً, تُعتبر الموسيقى التصويرية
جزءاً من المُشهيّات الصوتية, وعنصر جذبٍ للتأثير على المتفرج المُستسلم
للأحداث, وبدونها, ربما يستغرق في النوم, ويحلم بفيلمٍ آخر.
الديكور المُتخيلٌ (كما حال الفيلم كله) يُوحي بأنهما في قصرٍ هنديّ
الطراز, وليس في خيمةٍ وسط الصحراء.
مدير التصوير مولعٌ بحركة (الزوم) ذهاباً, وإياباً على وجهيّ الزوجين
لإظهار خجل الواحد من الآخر, والأفلام الهندية تستخدم الأغنية حلاً سحرياً
للتغلب على الحياء, لأن كلماتها, ولقطاتها تُعوّض عن الحوار الداخلي
للشخصيات( أو رغباتها) .
يغني البطل مُغرياً حبيبته البطلة, وهي تستدير خجلا,ً وتنسدل ستارة الشباك
الأول(نعم, هناك شباكٌ في الخيمة), يقترب من شفتيّها, تبتعد حياءً,
يتبعهاً, تهرب منتشيةً, وتضع أصابعها على وجهها, إشارة حياءٍ تستخدمها
البطلات الهنديات في مشاهد مُشابهة.
الخيمة محشوّة بباقات الزهور, ولا أعرف من أين جاءت, وبهذه الكمية
المُغرية؟
المُبررات بسيطةٌ للغاية, بما أن أحداث الفيلم تدور في صحراءٍ قاحلة, فقد
استعاض المخرج عن الطبيعة الخلابة, والحقول, والحدائق بباقات زهور مُتدلية
من سقف الخيمة, وأخرى موزعة في أركانها.
لم تكن تلك الأغنية مقدمةً لمُمارسة الزوج حقه الطبيعي في تلك الليلة, بل
كانت تجسيداً مجازياً لما حدث بينهما, لن تستلقي (زينب) على السرير بدونها,
ولكن, هل كان للمشهد ضروراتٍ درامية حقيقية ؟ .
وكما في أفلامٍ مصرية كثيرة, يقترب الزوج من شفتيّها, فتخجل الكاميرا,
وتُشيح بعدستها نحو الشباك, وتُفاجئ القمر هلالاً يضئ تلك الليلة المُعتمة.
آه, ...الطريف في الأمر...
يعثر الشيخ أمير(Sanjeev
Kumar)
على المرأة الهندية الحامل, فيأخذها إلى بيت حارس البئر الشيخ عبد الله (Raj
Kapoor),
وأمام صمتها, وحالتها الصحية الصعبة, يقترح بأن يأخذها إلى المُستشفى (أيّ
مستشفى في الصحراء ؟), ويستعير معزةً لإرضاع الطفل المُنتظر.
في رحلة القافلة, يهجم الوحش خليل, ورجاله للسرقة, والنهب(كالعادة), يُقتل
الشيخ أمير, والزوجة الهندية الحامل(هي التي فُجعت في بداية الفيلم بمقتل
زوجها), وتعود المعزة المُستعارة إلى بيت الشيخ عبد الله, فيفهم ما حدث,
ويلحق القافلة ليُنقذ ما يُمكن إنقاذه.
في ذلك المشهد, استعاض مدير التصوير عن الإضاءة الليلية للمكان بمُؤثراتٍ
لونية زرقاء, وخضراء, وهناك يجد الشيخ عبد الله المرأة الحامل, يساعدها على
إنزال الجنين من بطنها, تلد ولداً, وقبل أن تموت, يتراءى لها المعبود
كريشنا يقود عربةً ذهبية, فتمنح ابنها اسمه.
ماذا يفعل الشيخ عبد الله المُسلم بصبيّ هندوسيّ؟ ولكنه أقسم للمرأة بأن
يعتني به, ويرعاه, يتبناه, وفي مشهدٍ لاحقٍ, يرفض بأن يصبح الصبيّ مسلماً,
ويردّ على تساؤلات الشيخ أحمد(Mehmood)
:
ـ لم تكن امرأة فحسب, كانت أماً, والجنة تحت أقدام الأمهات.
يتلقى (الشيخ محمد الكمال) رسالةً من سلطات البلد تطلب منه القبض على خليل
الوحش, ورجاله, فيذهب للبحث عنه, ..
زوجته (زينب) حامل في شهرها الثالث, تصحبها جواريها للنزهة بجانب النبع,
ولم تكن تدري بأن الشرير خليل, ورجاله قد سبقوها إليه, وأكثر من ذلك,
يتلصصون على محاسنها.
تحت ماء الشلال الصغير (تمّ التصوير في ديكورٍ داخلي) تغني (زينب), وتتزيّن
بالمياه المُنتعشة بجسدها .
يتكرر هذا المشهد كثيراً في السينما الهندية, ويُعتبر لازمةً, علامةً
مُسجلة, وأيقونة, وفيه تُظهر البطلة ما يحب المتفرج أن يراه.
صورٌ متخيّلة خارجةٌ لتوّها من صفحات ألف ليلةٍ, وليلة, حوريات في جنات
النعيم يقضين أوقاتهن بالاستحمام في بركٍ من الحليب, والعسل, وعصارة
الزهور.
لقد خطفت العصابة جواريها, وعندما حاول خليل الوحش اغتصاب (زينب), دافعت عن
جسدها بشجاعة, وانتفض حصانها لحمايتها بأقدامه, وحوافره, وشهامته,..(فكرةٌ
شعريةٌ ذكيةٌ, ومُبتكرة).
لسوء الحظ, وصل (الشيخ محمد الكمال) متأخراً بعض اللقطات/الطلقات, فقد
أصابها الوحش ببندقيته.
ولأن(Zeenat
Aman)
نجمةُ مشهورةٌ في ذلك الوقت, فقد تسامح المخرج مع نزواتها, وتركها تحتفظ
بتسريحة شعرها, وزينتها على الرغم من كلّ الأهوال التي تعرضت لها.
يريد السيناريو بأن تبقى على قيّد الحياة, ويموت جنينها, ولكنها لن تنعم
بالإنجاب مستقبلاً, ومُسبقاً, سوف نتوقع بعض تفاصيل الأحداث اللاحقة.
في نفس الوقت, يعتني الشيخ عبد الله بالطفل كريشنا, ويُحضر له ألعاباً
حديثة, لا أعرف من أين حصل عليها في تلك الصحراء البعيدة أياماً عن
المدينة.
كبر (كريشنا) فجأة,ً وأصبح في السادسة, أو السابعة من عمره تقريباً.
وتنفيذاً لنصيحة الشيخ أحمد يرغب الشيخ عبد الله تأكيد هندوسية الطفل عن
طريق طقوس دينية, يعرف الشيخ أحمد كاهناً هندوسياً, وبسرعة البرق يصل إلى
معبدٍ مبنيّ من الحجر (هذه مبالغةٌ كبيرةٌ من السيناريو, ولكن سوف نبلعها),
استغرقت رحلة العودة 10 أيام, استمتع فيها الشيخ أحمد, ومرافقيه بالتفاح
(نعم, التفاح بدلاً من التمر, والبلح).
وكما حال البطل المصريّ, عندما يكتئبُ البطل الهندي, يجد في الغناء مواساةً
لأحزانه, وهو ما فعله الشيخ محمد الكمال, تتوافق أغنيته التي صُورت في
الصحراء مع فكرة القحط, وعقم زوجته, وكانت كلماتها بمثابة دعاءٍ .
يعرف الكاهن الهندوسي قصة الطفل كريشنا, فيقول للشيخ عبد الله :
ـ لقد سافرت 10أيام في هذه الصحراء الحارة, ولكن, حتى لو استغرقت الرحلة
100 يوم من أجل لقاء رجلٍ مثلك, إنها مثل الحج بالنسبة لي,..
تنفيذاً لنصيحة الساحر, يريد الوحش خليل قتل الصبي كريشنا قبل أن يقتله
(كما جاء في الأسطورة الدينية), يخطفه, ويصلب الشيخ عبد الله على باب بيته.
يمنح سيناريو الفيلم دوراً نبيلاً للحيوانات, في مشهدٍ سابق, خلال رحلة
الشيخ أحمد إلى المستشفى لإنقاذ المرأة الهندية الحامل, وبعد مقتله, تعود
المعزة التي استعارها إلى بيت الشيخ عبد الله الذي يفهم ما حدث, ويتمكن من
إنقاذ الطفل كريشنا.
وفي مشهدٍ آخر, أنقذ الحصان (زينب) زوجة (الشيخ محمد الكمال) من محاولة
اغتصابها, وهاهي الجمال بدورها تنقذ الشيخ عبد الله, وتخلع المسمار من كفه,
وتفكّ الكف الأخرى من قيّدها.
وفيما بعد, يتعمّد السيناريو إحداث حالةٍ من سوء الفهم المقصودة درامياً,
لقد خطف الوحش خليل أيضاً طفلاً مسلماً يقضي بعض الوقت مع الطفل كريشنا,
ويُعجب بقلادته الهندوسية, يهربا معاً, ويُقتل الطفل المُسلم, فيترك له
كريشنا قلادته, يعثر الشيخ محمد الكمال على الصبي كريشنا, ويصبح ابناً له
بدون معرفته بديانته الأصلية(التي يجهلها الطفل نفسه, فقد تربى في أجواء
مسلمة), وبعد مطارداتٍ, ومعارك, يتمكن خليل الوحش من اختطاف الصبي كريشنا.
(زينب) مقيّدة, الشيخ عبد الله مقيّد, وينتظر الجلاد أوامر الوحش خليل لقطع
رأس كريشنا.
يدعو الشيخ عبد الله ربه, ويتمتم كريشنا : يا رب.
في السينما الهندية, تستجيب الآلهة للدعاء, ولسنا بحاجة للانتظار كثيراً,
لقد وصل (الشيخ محمد الكمال) في آخر لحظة, يهتزّ فوق حصانه, رافعاً
بندقيته, ومن خلفه رجاله الأشداء.
اللقطات في حركةٍ بطيئة تُضاعف إحساس المتفرج بالارتياح, إنه المشهد
الختاميّ, من ينتصر على من ؟ الموسيقى التصويرية في أوجها, رجال الوحش خليل
يصوبون المدافع نحو الشيخ محمد الكمال, ورجاله.
تنطلق رصاصةٌ, وتصيب السيف الجاهز للسقوط على رقبة الصبيّ كريشنا.
الشيخ عبد الله يحميه من الرصاص, ويموت, يُسلمه للشيخ محمد .
لن تتخلى الشخصيات المُسلمة في الفيلم عن تسامحها, وتعايشها مع الأديان
الأخرى, ولن يصبح الطفل كريشنا مسلماً رغماً عنه.
لقد أخبر الكاهن الهندوسي عائلة الصبيّ, فجاءت جدته من بلاد الهند لتُعيده
معها, لقد كانت رغبة الشيخ عبد الله أيضاً بأن يكبر الصبي بين أهله, ويحتفظ
بديانته الهندوسية .
(Abdullah)
فيلمٌ يجمع بين التسلية, والمُتعة, والفائدة, ويتحلى برسالةٍ نبيلة تجعل
المتفرج (المُتسامح) يتغاضى عن خيالية الأحداث, افتعالها, تصطنعها,
ومبالغاتها.
سينماتك في 4
سبتمبر 2008
|
|