|
في قراءتي للفيلم الهنديّ(aatma)
من إنتاج عام2006, وإخراج(Deepak
Ramsay),
كتبتُ وقتذاك : (يبدو بأنّ بوليوود تُعاند في منافسة السينما الأمريكية
بكلّ أنواعها, وربما, سوف أعثرُ قريباً على أفلام رعاة بقر, وخيالٍ علميّ,
...).
ولم أنتظر طويلاً كي أجد نسخةً من (Koi
MIL GAYA)
ـ وتعني بالعربية (عثرتُ على صديق..) ـ فيلم خيالٍ علميّ من إنتاج عام
2003, وإخراج (Rakesh
Roshan),
وهو النسخة البوليوودية من فيلميّن أمريكييّن للمخرج (ستيفن سبيلبرغ) :
(Close
Encounters of the Third Kind)
من إنتاج عام 1977, و(E.T.:
The Extra-Terrestrial)
من إنتاج عام 1982.
من الأول نقل حكاية عالم فرنسيّ (د. كلود لاكومب) مُتخصصٌ في ظواهر الأطباق
الفضائية, يُستدعى إلى المكسيك للمُشاركة في التحقيق عن اكتشاف طائراتٍ
حربية اختفت في عام 1945, وتمّ العثور عليها في حالةٍ جيدة, وفي نفس الوقت,
تحدثُ وقائع غريبة فوق سطح الأرض, وتتحدد مهمة (د.لاكومب) بإيجاد علاقةٍ ما
بين تلك الأحداث, ومن ثمّ إثبات فرضية وجود مخلوقاتٍ فضائية, ومحاولة
التواصل معها.
ومن الثاني استوحى حكاية الصبيّ (إليوت) الذي يعيش مع أمه المُنفصلة عن
أبيه, ويعتقد بأن الصداقة مع الآخرين أصبحت أبعد من آخر نقطةٍ في هذا
العالم, حتى يعثر على
E. T.
, المخلوق الفضائي الذي هبط إلى الأرض مع مجموعةٍ من أشباهه, وخلال ملاحقة
الحكومة الأمريكية لهم, ضلّ طريقه, بينما هرب الآخرون عائدين إلى الفضاء,
ويضطر للاختباء في منزل (إليوت) الذي يتعاطف معه, ويحاول مساعدته, فيخفيه
عن أمه خوفاً عليها من الهلع, ويلجأ إلى أصحابه الصغار, وتتوطدّ صداقةٌ
جميلةٌ بينهما, يتعلم منها كلّ واحدٍ من الآخر, وعلى الرغم من ذلك, يرغبُE.
T.
العودة إلى بيته, بينما تحاول السلطات إمساكه بغرض دراسته, ويفعل (إليوت)
وأصحابه ما بوسعهم لإنقاذه, وإعادته إلى بيته..
وبالإضافة للفيلميّن السابقيّن, تتضمّن أحداث (Koi
MIL GAYA)
مرجعياتٍ فيلمية متعددة :
ومن فيلم(Forest
Gump)
من إنتاج عام 1994, وإخراج(Robert
Zemeckis),
نقل حكاية عجز (فوريست غامب), وملاحقة الصبيان الأشرار له, وقدرته على
الركض أسرع من أيّ واحدٍ منهم, وفيما بعد, سوف يصبح بطلاً في ألعابٍ رياضية
عديدة, ..وسوف يتزوج من فتاة أحلامه.
كان من الأفضل بأن ينقل (Deepak
Ramsay)
عن الأفلام الأمريكية السابقة بدون إضافة الكثير من البهارات الهندية التي
منحت (Koi
MIL GAYA)
مذاقاً حارقاً لا يتحمّله إلاّ المُتفرج الهنديّ, والمُولع بالسينما
الهندية(من غير الهنود) الباحث عن متعةٍ عابرة, وتسليةٍ سهلة.
بالنسبة لي, وعلى الرغم من التحفظات المُتعلقة بالاستيحاء الواضح, والتشويه
المُتعمّد الخاصّ بتحويل شخصية الطفل (إليوت) إلى (رونيت) الشاب المُتخلف
عقلياً,.. يمتلك الفيلم استحقاق محاولة ضخّ السينما الهندية بنوعياتٍ
فيلمية مختلفة عن تيماتها المُعتادة, والأفكار المُسبقة عنها باجترارها
للكوميديا المُوسيقية, والميلودراما الاجتماعية.
ومن الاستخدامات السينمائية الشائعة في السينما الهندية, حكاية أحداث
الفيلم عن طريق شخصيةٍ خارجية (الراوي), أو على لسان إحدى الشخصيات
الفاعلة, وفي(Koi
MIL GAYA
), تحكي سونيا ميهرا(Rekha)
حكاية زوجها د. سانجاي ميهرا(أداء المخرج نفسه) الذي كان شغوفاً بالكشف عن
حياةٍ مُحتملة في كواكب أخرى, وحاول مراراً التواصل مع كائناتٍ فضائية,
ولكنه مات في حادث سيارة عندما فُوجئ الاثنان بهبوط مركبةٍ بالقرب من
المدينة التي يعيشا فيها, وبدورها نجت من الموت مع جنينها,..
ولن تمضِي دقائق من الفيلم, حتى نجد تبريراً لهذا الاختيار السرديّ, ونعرف
بأن بدايته هي مشاهد استرجاعية(فلاش باك) تحكيها الزوجة للطبيب الذي يفسر
لها فيما بعد عجز ابنها (رونيت) بسبب الحادثة السابقة, ويكشف لها بأنه سوف
يكبر, ولكنه سوف يبقى دائماً بعقل طفل, ولا يوجد أيّ علاج ممكن لحالته
المُتفردة هذه.
تمنيتُ بأن يظلّ الفيلم مخلصاً لطموحاته الاختلاف, والاستمرار في تطوير
تيمة الخيال العلمي التي تخيّرها(حتى مع اكتشاف المتفرج فيما بعد بأنها
مقتبسة عن أفلام أمريكية), ولكنّ إدمان السينما الهندية لأغانيها, لا يسمح
لها التخلي بسهولةٍ عنها, حتى في أفلام الخيال العلمي(والرعب أيضاً), كما
الهوس بتصوير مشاهدها الخارجية (الأغاني بشكلٍ خاصّ) في بلدانٍ بعيدة( وهذه
المرة في كندا).
درامياً, وسينمائياً, يُعبر الفيلم عن مرور الزمان(ويحافظ على وحدة المكان)
في لقطةٍ واحدة : كان الطفل (رونيت) يلعبُ مع أصدقائه الصغار, فيكسر زجاج
نافذة الشرطي(الذي سوف يقع على عاتقه الجانب الكوميدي من الفيلم).
تلحقها لقطةٌ تالية, وفيها نشاهد (رونيت) شاباً في العشرين من عمره, ولكنه,
ما يزال كما السنوات الماضية يلعب مع الأطفال, ويكسر زجاج نافذة الشرطي, ..
يتمهل السيناريو كثيراَ للوصول إلى موضوعه المُتوقع, الخيال العلمي, ساعةٌ
زمنيةٌ من الفيلم, تتضمّن مقالب مع الحلوة (نيشا), والتغلب على مضايقات
أصدقاءها, ومن ثمّ تتعاطف مع اختلافه, ويتصالحا, ويصبحا صديقان, ويغني لها
(رونيت) أغنيةً تحت المطر, ولا يتورع المخرج عن إظهار إعلاناتٍ صريحة لسلعٍ
تجارية (تمنعها القوانين الأوروبية, والأمريكية), ويؤكد هذا التوجه
المُتعمد حشرها في ديكورات, وإكسسوارات ثلاثة أغاني (حتى المخلوق الفضائي
جادو يتلذذّ بذاك المشروب الغازيّ).
وخلال عرض الفيلم, أو الاستراحة بعد ساعةٍ, ونصف من بدايته, يمكن لنا بأن
نتخيّل إقبال الجمهور الهنديّ على شراء السلعتيّن.
بعد تلك الساعة من الأحداث, يلهو (رونيت) بأزرار الكمبيوتر القديم الذي
تركه والده, وخبأته أمه في مستودع قريب من المنزل, ووُفق التعليمات التي
تظهر على شاشته, يرسل نفس الإشارات التي كان يستخدمها والده للتواصل مع
كائناتٍ فضائية مُفترضة, والمُفاجأة (المُتوقعة طبعاً), يتلقى الجهاز
إجاباتٍ صوتية خاصة, ولا تتأخر المخلوقات الفضائية عن الهبوط فوق سطح
الأرض, وخلال تلك الزيارة المُبتسرة, والغير مفهومة الغرض, يتخلف واحدُ
منهم(واسمه في الفيلمJadoo
), ويضيع في الغابة, وتعود المركبة إلى الفضاء بدونه, ..
سوف نفهم لاحقاً من خلال حلم المخلوق الفضائي نفسه ـ وربما كان مشهداً
استرجاعياً(عودة إلى الماضي) ـ بأن المخلوقات الفضائية كانت تتجول في
الغابة, عندما انتفض أمامها فجأة أفيالٌ ضخمة أرعبتها, فهربت تاركة المسكين
(جادو) خلفها.
ومن هنا تبدأ الأحداث المُشابهة لحكاية الصبي (إليوت) في فيلم((E.T.:
The Extra-Terrestrial),
ونبدأ بفهم الأسباب التي تعمّد السيناريو من أجلها بأن يكون (رونيت) شاباً
بعقل طفل, بدل أن يظلّ طفلاً عادياً, كما الحال في
E.T
.
والهدف(من وجهة نظري) تحوير الحكاية الأصلية قليلاً, وتبرير المُشهيّات
الإضافية المُناسبة لذوق المتفرج الهندي, وزجّ (Hrithik
Roshan)
في الأحداث لأداء شخصية رونيت, و(Preity
Zinta)
في دور (نيشا), وتطوير الصداقة البريئة التي تتكون بينهما, وتحولها
المُتوقع إلى قصة حبّ سوف تزعج العاشق القديم (راج), وأصدقائه الأشقياء
الذين يواجهون بنذالةٍ (رونيت) الطيب, والضعيف, وأصحابه الأطفال الأبرياء.
من المُفيد الإشارة, بأنّ الفيلم عُرض في فرنسا عام 2004تحت عنوان (Jadoo
l'extraterrestr)
في إطار تظاهرة بعنوان (بوليوود فوق نهر السين).
وعلى حدّ علميّ, وحتى معلوماتٍ مُناقضة(ربما يُصححها عشاق بوليوود/ الخيال
العلمي), يُعتبر (Koi
MIL GAYA)
أول فيلم خيال علميّ في تاريخ بوليوود, ويعود السبب ـ رُبما ـ إلى الحماس
الفاتر للمتفرج الهندي لمثل هذه النوعية من الأفلام.
المُثير للانتباه أيضاً, بالإضافة لتيمته الجديدة على السينما الهندية,
جودة المُؤثرات البصرية, والصوتية المُستخدمة, وبشكلٍ خاصّ, مشهديّ هبوط
المركبة الفضائية في بداية الفيلم, ونهايته, وأيضاً, حادثة انقلاب سيارة
(د.سانجاي ميهرا), ووُفق المعلومات المُتوفرة عن الفيلم, فقد تمّ تنفيذها
تقنياً من طرف الأمريكييّن (مارك كولبي, وغريغ مومّا) اللذان نفذا
المُؤثرات الخاصة لفيلميّ (غودزيلا, ويوم الاستقلال), والأوسترالي (جيمس
كولمر) الذي صممّ المخلوق الفضائي (جادو).
وكما الحال في صناعة السينما الهندية, يُعتبر (Koi
MIL GAYA)
فيلماً عائلياً, فقد أنتجه(Rakesh
Roshan),
وأخرجه, وأدى فيه دور( د.سانجاي ميهرا), وكانت شخصية (رونيت) من نصيب ابنه
(Hrithik
Roshan),
بينما كان أخوه(Rajesh
Roshan)
مؤلف الموسيقى.
من جهةٍ أخرى, (Rakesh
Roshan)
ابن الموسيقيّ الأشهر في السينما الهندية(Roshan)
متزوجٌ من المُمثلة(Pinky
Roshan)
ابنة المخرج(J.
Om Prakash).
الشرق
الأوسط في 5
ديسمبر 2008
|
|