هل النقد حرفة، أم هواية؟
محمود قاسم
هل يحتاج الأمر للالتحاق بمعهدٍ للنقد الفنيّ لمعرفة أصول
النقد علي أيدي اساتذة أكاديميين، متخصصين، هم بدورهم تعلموا
بالسليقة، والمُمارسة قبل أن يتمّ انشاء أيّ أكاديمية، وسرعان
ما أعلنوا أنّهم صُناع النظريات، والقواعد، سوف تكتشف مع الزمن
أنّ دوائر المعرفة التي يمتلكونها محدودة لا تتطور، وسوف
يروّعك أنّ الجديد بالنسبة لهم هو مشاهدة الأفلام الحديثة، دون
بذل أيّ مجهود لإضافة الجديد في التعرف علي النصّ، بمعني أنّ
النقاد كثيراً ما يجدون انفسهم يكتبون عن كافة القديم، والجديد
في السينما بالتناول نفسه، وفي الوقت الذي يقوم السينمائيون
بتطوير المهنة بكافة أشكالها التقنية، والفنية، فإنّ التناول،
الفهم، والاسلوب الذي يمارسه الناقد يظلّ ثابتاً متحجراً طوال
عقود.
لعلّ المكان الأمثل للنقد السينمائي هو مساحات الصحف السيارة،
باعتبار أنّ الفيلم مصنوعٌ لجماهير عريضة، يجب أن يقرأ الناس
عن الأفلام، وهل النقد السينمائي مكتوب علي طريقة النقد
الأدبي، وأنّ أغلب نظريات، وأساليب، وقواعد النقد الأدبي، وجدت
سبيلها الي النقد السينمائي.
اذا تعرفنا علي معنى محدد للنقد، فهل الايدولوجية تفسده، أم
تخدمه، ورُبما سؤالٌ اضافيٌّ، هل الناقد الايدولوجي يخدم بما
يكتبه الاتجاه الفكري، والسياسي، ماذا يفعل لو تغيرت الأمور،
وهل من الحسنات ان يتغير الناقد في مواقفه، لقد تغيرت
الايدولوجيات، او انتهت، وما مصير الكتابات في أمم كثيرة خدم
فيها النقاد بكتاباتٍ بالغة الحماس، قبل، وبعد انتهاء
الايدولوجية، مثلاً في هذه الأحوال، هل يصير النقد مرناً، أم
من مصلحة الناقد أن يعتزل؟
• وهل يعتزل المرء لقمة العيش، ويكفّ عن السفر الي المهرجانات،
والسعيّ الي جوار صُناع البهجة، وسارقي الأضواء، هل هناك
تقاربٌ، او تشابهٌ بين النقد السينمائي، والمسرحي، ونقد
الدراما، والموسيقى، والفن التشكيلي، في مصر لدينا معهد للنقد
الفني، بالإضافة الى معاهد متخصصة في اغلب الفنون المعاصرة،
منها معهد للسينما، ومعهد لفنون المسرح، ومعهد النقد الفني،
وفيه يتعلم الطلاب أصول النقد، ومن هنا جاء المصطلح الشائع
حالياً "الناقد الفني"، هذا الناقد يجب أن يكون علي درايةٍ
شاملة للفنون المتعددة، منها الموسيقى، والفن التشكيلي،
والثقافة العامة، بما يعني أنّ معهد النقد الفني يستعين
بأساتذة من كلياتٍ أخرى منها الآداب بالطبع.
• لكن أين يمارس الناقد الفني مهنته، هل عليه أن يعمل في
الصفحات الفنية بالجرائد، والمجلات، وما الفارق بين المحرر
الفني الذي كان موجوداً في العهود القديمة، وبين المصطلح
اللوذعيّ المنتشر حالياً "الناقد الفني"؟ كلّ ما حدث هو تبديل
الكلمة، وهو في الغالب الذي يكتب في الصفحات الفنية، عليه أن
يكتب حسب المواسم، فإذا حلّ شهر رمضان صارت السينما من
الممنوعات، لأنّه موسم الدراما، والفوازير، والبرامج الحوارية
حول الحياة الخاصة لنجوم المجتمع، ومنهم أهل الفن.
• ترى هل الناقد السينمائي يجب ألاّ يكتب في مجالات الفن
الأخرى، هل يستوعب كافة الاصدارات في مختلف المجالات الفنية،
ترى هل العاملون ببرامج اليوتيوب الذين يعيشون حالة من الأنشطة
في مواسم الأعياد، ويحرصون على عدم حرق قصة الفيلم، هل هم من
فصيلة النقاد؟ بالطبع لا، فالناقد ايضاً هو متكلمٌ مثلما هو
كاتب.
• أتنهد، وسط طرح كلّ الاسئلة، وأمنع نفسي عن طرح الأسئلة،
وأنا اعرف أنّ الأمر غليظ، فالموضوع يخصّ مهنةً مرموقة في
بلادنا، وغيرها، وهي مزدهرة بازدهار الفنون بكلّ ما تعيش عليه
الأن من مهرجاناتٍ لا تنتهي، وصالاتٍ لا تفرغ من الرواد،
وبرامج إعلامية، واعلانية، وعروض أزياء تتطور يوماً وراء يوم،
ويصبح طرح كلّ هذه الأسئلة، وتوابعها نوعٌ أصيلٌ من الهلوسة.
• وكم في عالم النقد من أسئلةٍ لا يطرحها أحد، وليس لها
اجاباتٍ ثابتة. |