تعدّ السينما هي الفنّ الجديد الوليد الذي استقبله العالم، ويتمتع
به، ويضع له النظريات، والدراسات. السينما هي نتاج الإبداع البشري
المستمرّ الذي استهله الإنسان مع فنون العمارة، وجمعت السينما
فنونه الست الشهيرة حيث (العمارة، النحت، الفنون البصرية،
الموسيقى، الشعر، المسرح)، حيث الفن السابع الجامع لجميع الفنون،
والذي استقى منها جميعاً عناصره التعبيرية، سواء على الصعيد
البصري، أو المضمون.
الفيلم القصير هو جانبٌ من صناعة السينما التي باتت جزءاً أصيلاً
من الترفيه في العالم، يُعتبر الفيلم القصير من أكثر جوانب الصناعة
تجريبيَةً، حيث أنه أكثر أريحية لصناع الأفلام للخروج عن القواعد
التجارية المعتادة، إذّ عادة ما تُقرأ السينما القصيرة وسط ملامح
أكثر فنية من الأفلام الطويلة، لاسيما التجاري منها.
من أبرز ملامح السينما القصيرة هو التكثيف، حيث التركيز على لحظة
ما، أو موقف معين واضح، يتم فيه التعبير عن الحالة الدرامية من
خلال العناصر السينمائية، كما هو الحال مع الشعر، والتركيز على
لحظة معينة يتمّ اقتطاعها من تاريخ البشرية، سواء كانت لحظة ذاتية،
أو عامة، يتمّ قراءتها برؤية صاحبها، صانع الأفلام\الشاعر.
حالة من التكثيف اللحظي، والقدرة على التعبير بقليل من
المشاهد\قليل من الكلمات، يتلاقى السرد الشعري مع السرد الدرامي
بالفيلم القصير، كما هو الحال أيضاً مع فن القصة القصيرة، حيث
الوقوف على اللحظة.
شاعرية الصورة
يبدو أن العالم يجنح نحو التكثيف في الفنون، فخلال العقود الماضية
الأخيرة ظهر نوعٌ جديد من الشعر حيث الشعر القصير جدا، أبيات شعرية
قليلة تتناول لحظة بعينها، كما بات للسينما القصيرة محبيها،
ومتذوقيها، والمهرجانات التي تعبر من خلالها إلى أعين المشاهدين،
وبات لها سمات خاصة تمتاز بها هذه السينما عن غيرها.
تتسم سينما الفيلم القصير بشاعرية بصرية تتجلى مع توظيف رؤية
صانعها للعناصر المكونة للصورة السينمائية، من خلال التركيز على
الجوانب الإنسانية، والعاطفة لدى المشاهد، وخلق صلة بين المُشاهد
وعالم الفيلم، كما هو الحال مع الصور الشعرية المكثفة التي تصف
اللحظات النماذجية التي يمرّ بها الإنسان.
عادةً ما
ينطلق الشعر من نقطة خاصة إلى العام، حيث الإنسانية، وقضاياها،
وأزماتها، لا يخلو الشعر من ذاتية قائله، وكذلك سينما الفيلم
القصير، حيث عادة ما ينتقل الموقف الذاتي البسيط إلى عالم كبير
يتقاطع مع الوعيّ الجمعيّ العام، والشعور الإنساني العام، إذّ لا
يقف الفيلم القصير عند الجوانب التقنية، وسبل السرد التقليدية حيث
البداية، والوسط، والنهاية فقط، لا تقف عند حدّ القصة التي تسردها
سواء بطريقة تقليدية، أو أكثر تجريباً، وتتجه نحو قول الكثير من
وراء الشريط السينمائي القصير التي يقدمه.