للأسف ليست هناك
كلمةٌ فعليةٌ باللغة العربية للتعبير عن: النظر إلى الفيلم
بقراءةٍ صحيحة، وسليمة لمعرفة ما له، وما عليه، فكلمة «نقد» لم
تتوفر لإسباغها على ما نمارسه، هي، في «لسان العرب» وسواه،
تعني استخدام النقود، ومع أنّ بعض «النقاد» استغلّ منصبه
ليُزيد من «نقوده»، الاّ أنّ الكلمة في مجملها ما زالت سلبية.
يسألكَ: “ما هي
مهنتكَ؟”، تقول له: “ناقد أفلام”، أو “ناقد سينمائي”، غالباً
ما يكون جوابه بحدّ ذاته سلبياً: “وهل هذه مهنة تعتاش منها؟”،
أو “تكتب عن الأفلام؟”، هذه الأخيرة طرفها مبلولٌ بالإهانة رغم
أنها حقيقية.
عندما وصلت باريس
للعيش لأول مرّة (سنة 1977) تعرفت سريعاً على فتاةٍ فرنسية،
وسريعاً كذلك - وكما لو كنا في فيلم مصري قديم- أخذتني لتعريفي
بأهلها، نسيت أسمها، ونسيت شكلها، ونسيت أشياء أخرى عنها، لكني
لن أنسَ هذا الإعجاب الذي تبدّى على وجهيّ والديها، أبوها قال
بالإنكليزية «ناقد سينما»، وابتسم معجباً.
لكن لا يهم، هذا ما
نقوم به، وهو أفضل بكثير من أن نعمل كتاباً سياسيين ننصاع لمن
يدفع، كذلك هو بالتأكيد ثقافة لا يمكن أن تشتريها بالمال،
وعلمٌ نافعٌ للعباد، ومحاولة لإنماء الذوق لا السينمائي وحده،
بل كلّ ما يتعلق بالسينما: التصوير، الموسيقا، الكتابة،
الإخراج، المسرح، الرسم، التوليف، وما يتعلق بـ الفورمات،
ومدارس التعبير، يداخل السينما الشعر، والرمز، والواقع،
والخيال، والتجريب، والسوريالية، والتعبيرية، والتكعيبية، وكلّ
النماذج، والمفاهيم الفلسفية، والفنية التي زرعها الإنسان منذ
قرون.
إذا كان على الناقد
أن يفسّر ما يقوم به، وأتكلم عن الناقد الفعلي، وليس عن من
يوزع الكلمات مثلما يرش الفرّان الزعتر على المناقيش، فهو
التواجد كصلةٍ ما بين الفيلم، وجمهوره، أيّ فيلم، وأيّ فئة من
الجمهور، ليس ضرورياً أن يكتب عن كلّ فيلم، لكن من الضروري أن
يكتب عن الأفلام بلغة الأفلام.
المشكلة هي أن من
يعرف هذه اللغة قليلون، ما يُكتب تحت مُسمّى النقد حتى بين عدد
من المعروفين في هذا المجال، هو إنشاءاتٍ لغوية، وشروحاتٍ
وصفية، وسعيّ للتميّز عن طريق الاستعلاء على الفيلم، بالنسبة
إليه، أن يناسب مفهومه، وفهمهن لا العكس، والعكس هو الصحيح.
الفيلم عنده هو مصعد
كهربائي تكبس على الزرّ، فيصعد حيث يقف ليستقله، خادمٌ مطيع
لما حفظه من تعابير، ومواقف سياسية، وثقافاتٍ مفيدة أحياناً
يمكن لها أن تناسب مجلة شعرية، أو أدبية، أو سياحية، هذا إذا
كانت جيدة.
لا عجب أنّ هناك فجوة
كبيرة بين النقاد ومعظم السينمائيين، وبين النقاد ومعظم روّاد
الأفلام، فالجمهور لا يأتي الناقد ليتعلم الفقه، والتنظير،
يأتي ليستكشف ما للفيلم، وما عليه، ليرى إذا ما كان يستحقّ
المشاهدة (إن لم يكن شاهده بالفعل)، أو لكي يقارن رأيه برأيّ
الكاتب، أو يخرج بأبعادٍ لم يكن يعرفها.
والأسوأ من بين كلّ
مدّعي النقد، هو أنهم يطمرون المعرفة القليلة بالكثير من
التراب لسدّ النقص مستخدمين بذلك كلّ تلك الكلمات التي لا تعني
شيئاً، لأنها تخرج من بال لا يفقه بعد شيئاً، بذلك، لا يمكن
لهؤلاء أن يكونوا عشاق سينما، بالتالي، لا يمكن أن يكونوا
ممارسين النقد حباً به، بل كرهاً له، للتأكيد على ذلك يمكن
ملاحظة كيف يختارون الأفلام التي يكتبون عنها، وكيفية الكتابة
عنها.
ما تقوم به مجلة
«شورت/كراسات الفيلم القصير» هنا (ومنذ أن صدرت) هو ضبط
الحقيقة السينمائية ضمن منظار صحيح، لا يهمّ اختلاف الآراء
(والنقد ليس رأياً بل علماً)، بل يهمّ أنّ هناك من يسعى للعمل
على تطوير الملكية الفنية، والثقافية لدى المتلقي، الفيلم
القصير نواة شاملة كما الفيلم الطويل، له تلك الشروط التي
ترفعه، أو تودي به، لكنّ المعرفة، كما تمارسها هذه المجلة، هي
التي تكشف عن واقع الفيلم، والسينما. وكأيّ مجلة جادة في مجال
السينما (والغرب ما زال غنياً بها)، فإنّ رسالتها تبقى نقدية
سواء تناولت الفيلم، أو السينما بحدّ ذاتها.