محطات «وجه القمر» فاتن حمامة
كتب: ريهام جودة
علامات وشخصيات وتحولات فنية مرت بها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، عكست
تلونها وموهبتها وفقا للظروف التي شهدتها صناعة الفن على مدى عقود طويلة،
ونرصد خلالها محطات عديدة، تلوّنت خلالها بعدة شخصيات، اختتمت بأدوار تعكس
نساء المجتمع وكان لها علامات لافتة بها، من خلال جمل حوارية رددتها أو
أداء معين للشخصية .
«الأكل النهارده حلو قوي»
جملة لن ينساها عشاق سيدة الشاشة، وعكست براءتها ولباقة واحدة من أصغر
الممثلات على الشاشة وقتها، وكانت أول مااشتهرت به في طفولتها حينما مثلت
وكان عمرها 6 أعوام أمام محمد عبدالوهاب في فيلم يوم سعيد عام 1940 للمخرج
محمد كريم، الذي اقتنع بموهبتها بعدما أرسل والدها الموظف في التربية
والتعليم صورها له، وعادت لتمثل أمام عبدالوهاب في فيلم رصاصة في القلب عام
1944.
دنيا
كان ثالث أفلام فاتن حمامة عام 1946 الذي رسخت به قدماها في عالم الفن فيلم
دنيا، وبنجاحها فيه انتقلت عائلتها من الدقهلية إلى القاهرة لتحترف العمل
بالتمثيل.
ومن الذي لاتبكيه نجمة الميلودراما؟
كان أول أفلامها مع يوسف وهبي وعمرها 15 عاما، عام 1946، وبدء دخولها مرحلة
الميلودراما في دور الفتاة الحزينة مرهفة الحس التي تبكي بسرعة وتتمتع
بحساسية عالية، التي تغلبها الأقدار السيئة وتوالت أعمالها مع وهبي وغيره
لتسكن في تلك الشخصية، فقدمت كرسي الاعتراف واليتيمتين.
التلوّن والخروج من أسر النمطية
مع دخول المخرج صلاح أبوسيف للعمل السينمائي، واتجاهه للواقعية، قدمت فيلم
لك يوم ياظالم والذي عرض في مهرجان كان السينمائي الدولي، وبدأت في تغير
شخصياتها تباعا وتتلوّن بحسب تنوع المخرجين الذين عملت معهم بأفلام بابا
أمين 1950 وصراع في الوادي 1954 مع يوسف شاهين، ولاوقت للحب 1963 إخراج
صلاح أبوسيف، في فترة العصر الذهبي للسينما، كما قدمت لا أنام، وتلك
الشخصية الشريرة للابنة التي تفسد زيجة أبيها من أخرى بعد وفاة والدتها.
الحب في الواقع وعلى الشاشة
ومثلما كان تقبيلها لعمر الشريف في فيلم صراع في الوادي رغم رفضها للقبلات
من قبل كان سببا في طلاقها من المخرج عز الدين ذو الفقار، وزواجها من عمر
الشريف، وكان أيضا سببا في علاقة رومانسية انعكست على الشاشة والواقع وبرز
فاتن والشرف كثنائي يعشقه الجمهور في نهر الحب وأيامنا الحلوة وغيرها.
وين هنادي ياآماي؟
نموذج آخر قدمته فاتن حمامة يعكس تلونها ونضجها الفني مع ازدياد خبرتها في
فيلم دعاء الكروان عام 1959، حين قدمت الفتاة الصعيدية آمنة التي تنتقم
لشقيقتها هنادي، التي قتلها خالها ثأرا لشرف العائلة، بعد أن أهدرته مع
البشمهندس، ويعكس الفيلم المراحل التي تمر بها آمنة، وتبرز موهبة فاتن
انتقالا من الفتاة البريئة المصدومة في فاجعة وفاة شقيقتها مرورا بالمرأة
المغوية التي تثير البشمهندس دون أن تمنحه ما يريده منها، وصولا إلى
العاشقة التي تبكيه ويموت في أحضانها بعد أن تغير على يديها.
6 أعوام من الغياب في العهد الناصري
«احتجاجا على الظلم وأخذ الناس من بيوتهم من قبل زوار الفجر»، هكذا بررت
فاتن حمامة سفرها خارج البلاد في فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
وتحديدا في الفترة من 1966 – 1971، والتي قيل أنها بسبب محاولات وضغوط من
المخابرات المصرية في عهد صلاح نصر لتتعاون معهم، على غرار فنانات آخريات
مثل سعاد حسني ومريم فخر الدين لكنها رفضت وآسرت ترك البلاد، ولم تعد إلا
بوفاة عبدالناصر الذي كان قد كرمها في بداية الستينيات، ومنحها وساما
فخريا.
إمبراطورية النضج
بعودة فاتن حمامة إلى مصر بعد 6 أعوام من الغياب، كان العمر وآثار الزمن قد
لعبا دورهما، إلا أنها لم تشغل تفكيرها بذلك، وقدمت أعمالا تناسب عودتها
بعد تقدم عمرها وتناسب المجتمع، فظهرت في دور الأم العزباء التي تربي
أولادا بمفردها في «امبراطورية ميم»، أو الفلاحة العانس التي اتوجعت من
مشاركة شقيقتها الإنفاق على أبنائها وسط تكاسل زوج الأخت في أفواه وأرانب،
في رسالة للتراجع عن الكثرة العددية الضعيفة وضرورة تنظيم النسل والقضاء
على الأمية.
حين صرخت فاتن «ياابن الكلب»
مشهد لا ينسى للمتابع لأعمال فاتن حمامة، وهي تخرج عن وقارها المعهود في
فيلم الخيط الرفيع، عندما تكتشف خيانة واستغلال حبيبها محمود يس لها وحنثه
لوعده لها، تمزق ملابسه وتلقيها بغضب وغل لم ينته إلا وهي تسبه «ياابن
الكلب»، سباب كان غير مألوف بالنسبة لما يخرج عن فاتن حمامة، وانتقدت
بسببه.
لسان حال النساء.. «تمردي باحترام»
في أفلام كثيرة منذ بدايتها كانت نموذجا للمرأة التي تتحرر من القيم
البالية للمجتمع، لكن مع الحفاظ على الضوابط الأخلاقية، فهي ليست الأنثى
التي تتمرد للانحلال، بل لتغير الموروثات التي تقيد حقها نحو العمل
والتعليم والإبداع، كما في «الأستاذة فاطمة» عام 1952 والعمل في المحاماة
أسوة بالرجال، وفي «الباب المفتوح» هي الفتاة العصرية التي تقف جنبا إلى
جنب مع الرجل في ممارسة حقوقها السياسية، وفي «أريد حلا» عام 1975 هي
الزوجة المعلقة التي تبحث عن حقوقها في الطلاق وإنصاف الحياة لها بعد حياة
زوجية مع زوج يتعسها.
يوم مرويوم حلو
عشقها للسينما جعلها تعود مع مخرجين جديدين وقتها خيري بشارة في يوم مر يوم
حلو، في دور الأم المعدومة والمهمشة، ومع داوود عبدالسيد في فيلم أرض
الأحلام، في دور الأرملة التي يضيع جواز سفرها، وتنساه مع رجل يعمل مهرجا،
ورغم عدم النجاح الجماهيري المتوقع بعودة فاتن حمامة للتمثيل في
الثمانينات،، إلا أنه كان كعادة أعمالها قدمت دورين وأداءين موفقين، وفقا
لتقييمات النقاد.
أشهر ناظرة مدرسة وأشهر ضمير إنساني
مثال للانضباط وقدوة للأجيال في زمن بدأ الفساد يسيطر عليه وصولا لمنظومة
التعليم والتربية، في التسعينيات، هكذا قدمت فاتن حمامة شخصية ناظرة
المدرسة أبلة حكمت في أول تجاربها التليفزيونية، والذي حقق نجاحا كبيرا
وقتها.
ابتسام البستاني
عادت إلى الشاشة الصغيرة عام 2000 بمسلسل وجه القمر من خلال شخصية ابتسام
البستاني المذيعة التي تنتقد الممارسات الإسرائيلية وتدافع عن الانتفاضة
الفسطينية، وأحدث المسلسل الذي عرض على 24 قناة مصرية وعربية جدلا بعد
اعتراض مؤلفته الكاتبة ماجدة خير الله على ما وصفته بالقطع والبتر لمشاهد
من المسلسل على التليفزيون المصري، وكان العمل أخر أعمال سيدة الشاشة.
18 فيلما ضمن أفضل إنتاجات السينما المصرية
في عام 1996 وبمناسبة الاحتفال بمرور 100 عام على إنشاء السينما المصرية،
كرمت فاتن حمامة ومنحت جائزة أفضل ممثلة واختير 18 فيلما من أفلامها ضمن
أفضل ماأنتجته السينما المصرية.
وفي عام 2007 اختارت لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة 7 أفلام لها ضمن
أفضل أفلام في تاريخ السينما المصرية.
سيدة الشاشة.. نهاية غير مؤكدة لتاريخ فاتن
عزت القمحاوي
ماتت فاتن حمامة، لم تمت، ماتت، لم تمت. هكذا تلقينا نبأ رحيل سيدة الشاشة
العربية يوم السبت. يعكس هذا التشوش تدهورًا إعلاميًا من جهة، ومن جهة أخرى
يعكس صعوبة التسليم بموت فنانة لها كل هذا الرصيد فى تاريخ الفن السينمائى.
صنعت فاتن حمامة حضورها المستقر من أشياء صغيرة وهشة ليست من المواد
الأولية القوية التى تصنع مجد نجمات السينما عادة، ومن أشيائها الهشة صار
بيتها السينمائى فى متانة عش عصفور، قادرا على الصمود فى وجه أقوى الرياح.
لا يملك وجهها الجميل الهادئ القوة التعبيرية التى لوجه تحية كاريوكا، وليس
لجسدها الجميل المطمئن وقاحة جسد هند رستم أو القدرة على الثرثرة التى
يمتلكها جسد نعيمة عاكف. ويبدو أن السينما كانت بحاجة إلى بنت عائلة، ولم
تكن بنت العائلة سوى فاتن التى حصلت على لقب «سيدة الشاشة» وهى بعد فى
الرابعة والعشرين، أى ليس بسبب السن أو طول البقاء على الشاشة وإنما بسبب
المستقر فى الوجدان من مواصفات سيدة البيت بكل ما تعنيه من أناقة فى السلوك
وفى مظهرها ومظهر بيتها. ويمكن أن نحذف بسهولة كلمة الشاشة ونضع بدلاً منها
كلمة «البيت» وتكون التسمية صحيحة «سيدة البيت».
وهذا اللقب قريب من عنوان أحد أفلامها «ست البيت». لم يكن لمراهق طبيعى أن
يخبئ صورة فاتن حمامة تحت وسادته بعكس النجمات الأخريات. وأن تسعى مخابرات
صلاح نصر لتجنيد امرأة بهذه الرقة فهذا يعكس غشامة وغلظة لا تُفرق بين لحم
ولحم. ومثل سيدة بيت حقيقية، لم تتوقف فاتن طويلاً أمام هذه الصفحة التى
اضطرتها إلى مغادرة مصر حتى رحيل عبدالناصر، وقد حاول استعادتها بوصفها
ثروة وطنية، لكن الدولة العميقة لا ترى دائمًا ما يراه الرئيس. وعندما عادت
استأنفت حياتها كأن غيابها خلال الفترة من 1966 وحتى 1971 كان بسبب رحلة
سياحية، فبينما ترى بعض النجمات شهرتهن فى العلاقة مع السلطة، الملك أولاً
ثم مخابرات ناصر فضلت فاتن رهافة الستر.
كانت مواصفات «ست البيت» الأنيقة المصونة دون موهبة أخرى ترشحها لكى تكون
واحدة من جميلات الشاشة اللائى عبرن سريعًا وانتهين سيدات بيوت حقيقيات،
لكنها امتلكت فى ارتعاشات صوتها الهش ما عوضها عن شيطنة وجوه وأجساد
النجمات الأخريات. ولابد أن الذين جربوا تلقى أفلام السينما عبر الراديو،
يعرفون أن فاتن حمامة هى النجمة الوحيدة التى لم تكن نجوميتها لتتأثر لو
اقتصرت على التمثيل الإذاعى. يبقى كذلك أن فاتن ابنة زمن علينا أن نتحسر
عليه، إذ كان من الطبيعى فى ثلاثينيات القرن العشرين أن يكون هناك موظف
صغير فى مدينة إقليمية يتقدم بصورة ابنته لمسابقة أجمل طفلة فى مصر، ثم
يدفع بها إلى التمثيل، ثم تنتقل الأسرة للعيش فى القاهرة دعمًا للفتاة فى
مشوارها، تمامًا مثلما فعلت من قبل أسرة أم كلثوم ابنة المكان ذاته «السنبلاوين».
تختلف فاتن عن أم كلثوم فى أشياء عديدة منها رقة الصوت فى مقابل القوة،
لكنها تشبهها فى الدأب والذكاء فى اختيار أعمالها، ومثلها امتدت سلطة حبها
لتشمل الخريطة العربية، واستقر لقبها بتراض عربى، وهو أمر لم يحدث سوى خمس
مرات خلال قرن: مع أمير الشعراء أحمد شوقى، وعميد الأدب العربى طه حسين،
وعميد الرواية العربية نجيب محفوظ، وكوكب الشرق أم كلثوم، وسيدة الشاشة
العربية فاتن حمامة، التى ماتت ولم تمت. |