تأمل أى صورة لفاتن حمامة، أو شاهد لها أى فيلم وثق بأنك من أول لحظة ستقف
إلى جانبها وتتحمس لها، لا لجمالها وأناقتها ولا لأى اعتبار يتعلق بالجنس
أو الإثارة، ففاتن ليست من ممثلات الجنس، ولكنها فى رأيى من ممثلات نوع
آخر، ممثلات العطف.
الشخصية التى ظهرت بها فاتن فى أفلامها، ولاقت نجاحاً مدوياً هى شخصية
الفتاة الضعيفة التى تحيا فى ظل ظروف قاهرة أقوى منها ومن كل قدراتها
وحيلها الشخصية السلبية التى لا تؤذى أحداً، ولكن الناس والمقادير هى التى
تجور عليها وكل ما تفعله حينئذ أن تتألم أمام المتفرجين لتجسد مأساتها.
شخصية لا تطارد ظالماً حتى تقهره.. ولا تجرى وراء قضية وتصر حتى تكسبها
ولكنها تظل طوال الرواية كالعجينة التى تنغرس فيها الأحداث وتعتصرها
المواقف وتسحقها الأقدام، ولهذا فهى دائماً مريضة أو يتيمة أو تعانى من
زوجة أب، دائماً شهيدة تتعذب كفقراء الهنود على مسامير كتاب السيناريوهات
والقصص.
وقد يقول البعض إن فاتن لا ذنب لها فى شخصية كهذه، فهى تؤدى ما يعهد إليها
به من أدوار، وهذا صحيح لو كان هذا قد حدث فى رواية واحدة أو دور واحد..
ولكن هذه الشخصية هى الشخصية التى تظهر بها فاتن فى السينما، وفى كافة
أدوارها حتى دورها الناجح فى «دعاء الكروان» كان من نفس اللون.
شخصية قد أصبحت طابعاً لها، مثلما أصبح النواح طابعاً لفريد الأطرش فى كل
أغانيه حتى المرحة منها، والحقيقة التى لا جدال فيها أن فاتن قد برعت فى
أداء هذه الشخصية براعة دفعت الكل للإجماع على أنها ممثلتنا الأولى بلا
منازع، ولكن فن التمثيل ليس هو فن أداء الأدوار أداءً متقناً، هو أولاً فن
خلق الأدوار والشخصيات وتجسيدها بكامل أبعادها.
الدور المكتوب فى أى رواية ليس إلا مجرد قوس يرسمه المؤلف.. والممثل
الموهوب هو القادر على أن يكمل القوس ويجعل منه دائرة تحيط بالشخصية كلها
من أصغر تصرفاتها إلى أعنفها.
فاتن ترسم الأقواس المكتوبة ببراعة منقطعة النظير ولكنها تظل أقواساً، بل
تتشابه لتصبح فى النهاية قوساً واحداً أو شخصية واحدة ظهرت بها فاتن فى
السينما، وظلت تتذبذب حولها..
قد تختلف، ولكنها أبداً لا تتغير فهى دائماً فاتن التى تحب المأساة وتحمل
هموم الدنيا فى صدرها.. والغريب أنها شخصية مختلفة تماماً عن شخصيتها
الحقيقية، فهى فى الحياة إيجابية منطلقة تلعب البريدج وتكسب وتريد الشىء
وتناله وتختار الشخص وتتزوجه، ولكنها فى أفلامها لا تختار ولا تنطلق ولا
تثور ولا رأيتها مرة تضحك ضحكة صافية من أعماق قلبها.. اللهم إلا دورها فى
فيلم «يوم سعيد» الذى أدته وهى طفلة ببراعة منقطعة النظير وبكل نزق الأطفال
وعفرتتهم ومكرهم.. أما أدوارها كلها وهى كبيرة فهى أدوار عطف.. والعطف ليس
عيباً، ولكنه طريق سهل لإثارة المتفرجين وإثارة العطف وحده.. مثلها مثل
إثارة الضحك وحده أو الجنس وحده.. زوايا واحدة.. وكما أن النظر إلى الحياة
من خلال زاوية واحدة خطأ، فكذلك تجسيد الحياة درامياً من خلال عاطفة واحدة
خطأ أكبر.
فاتن عبقرية سينمائية، ولكن لماذا هذه النظرة المستدرة للعطف لماذا هذا
اللعب على شفقة المتفرجين، لماذا لا تؤثر فى الناس عن طريق حركتها فى خلق
الشخصية بدلاً من التأثير عن طريق ما تقاسيه وتعانيه؟
لماذا لا تترك التمثيل بكل ضعفها كامرأة وتمثل بكل قوتها وكامرأة أيضاً؟!
صحف غربية: «أيقونة» السينما العربية وفنانة من «العصر الذهبى»
«إى
بى سى» الأمريكية تنقل مقتطفات من بيان الرئاسة لنعى الفنانة الراحلة و«بى
بى سى»: دافعت بأفلامها عن حقوق المرأة
كتب : رغدة سليمان
سلّطت مختلف الصحف الغربية الضوء على نبأ وفاة «سيدة الشاشة العربية» فاتن
حمامة واستحوذت مسيرتها الفنية التى جمعتها بالفنان العالمى عمر الشريف
وأفلامها عن حقوق المرأة على نصيب الأسد من اهتمام الصحف العالمية.
ووصفت شبكة «إى بى سى» الإخبارية الأمريكية الزوجة السابقة للفنان عمر
الشريف بأنها «أيقونة السينما العربية»، وأنها فنانة من العصر الذهبى
للسينما المصرية، كما لفتت إلى مسيرتها المهنية الحافلة التى بدأتها فى سن
مبكرة، عندما ظهرت على الشاشة للمرة الأولى ولم يتجاوز عمرها 7 سنوات، فى
عام 1939 فى فيلم «يوم سعيد» مع الفنان محمد عبدالوهاب أحد أعلام الموسيقى
العربية. وأضافت أن سيدة الشاشة قدمت ما يقرب من 100 فيلم وعملت مع أساتذة
صناعة السينما الضخمة فى مصر، بمن فى ذلك المخرج الشهير يوسف شاهين.
كما اهتمت الشبكة الأمريكية بمسيرتها السينمائية وحياتها الشخصية التى
جمعتها مع الفنان عمر الشريف، حيث قدمت العديد من أدوار البطولة أمامه،
الذى وُلد مسيحياً، واعتنق الإسلام ليتزوج فاتن حمامة التى وصفها بأنها
الحب الوحيد فى حياته، وأوضحت أن الزوجين ظهرا معاً فى فيلم «نهر الحب» عام
1961، وذلك استناداً لرواية الأديب الروسى ليو تولستوى أنا كارنينا، كما
انفصلا فى عام 1974 عندما انطلقت مسيرة عمر الشريف السينمائية فى
«هوليوود»، لافتة إلى أنها قامت ببطولة أفلام رومانسية أمام «العندليب
الأسمر» عبدالحليم حافظ، كما نقلت الشبكة مقتطفات من بيان الرئاسة الذى
ينعى «سيدة الشاشة»، حيث قال: «مصر والعالم العربى فقدا قامة وقيمة فنية
مبدعة، طالما أثرت الفن المصرى بأعمالها الفنية الراقية».
وفى سياق متصل، اهتمت شبكة «بى بى سى» البريطانية بمسيرة سيدة الشاشة
الفنية التى وصفتها بأنها بلغت ذروتها فى الأربعينات والخمسينات من القرن
الماضى مع الفنان عمر الشريف، مضيفة أنها قدمت العديد من الأفلام التى
تدافع عن حقوق المرأة والتى تدين الظلم الاجتماعى.
اقرأ.. "ماذا كتب الممثل ذكي طليمات عن سيدة الشاشة ؟"
كتب : الوطن
وفى العام الأول من افتتاح الدراسة فى «المعهد العالى لفن التمثيل العربى»
الذى يؤلف طبعة ثانية، ومنقحة من «معهد التمثيل الحكومى»، أول معهد أنشأته
وزارة المعارف عام 1930، ثم أغلقته الوزارة نفسها باسم مخالفته للتقاليد
والآداب، بعد عام واحد من قيامه.
أقول كان ذلك فى اليوم الأول من افتتاح الدراسة.
الطلبة الذين سينتظمون فى الدراسة بعد نجاحهم فى امتحان القبول، مجتمعون فى
أحد فصول الدراسة، وهم يترقبون المجهول، ويحسبون ألف حساب لأول لقاء سيتم
بينى وبينهم. بعد برهة قصيرة من الزمن، وبعد أن سمعتهم يطلقون علىّ اسم
«الجرادة» لأننى كنت أثناء تأديتهم امتحان القبول، دائم التنقل بين خشبة
المسرح والصالة، أقفز من مكان إلى آخر، من أجل تحقيق رؤية شاملة وتفصيلية
فى وقت واحد، وفى سبيل إيجاد زوايا نظر مختلفة لما يقدمونه.
ودخلت الفصل، حيث اجتمع هؤلاء الطلبة وأنا أسير قفزاً ووثباً.. جرادة آدمية.
ووقفت أمامهم فى الفصل..
الشبان كثرة.. والفتيات قلة ضئيلة.. كالعادة، ومستوى الجمال بينهم يشكو فقر
الموظف فى آخر الشهر. واستقر بصرى على فتاة وسيمة، وجه صغير بالغ الوسامة
كوجه العرائس الغالية، تتحرك فيه وبلا انقطاع عينان واسعتان يكمن وراءهما
قلق يدق وفضول لا ينقطع.
وأشرت قائلاً:
-
تعالى هنا يا عروسة.
وقفت صاحبة الوجه الذى يشبه العروسة وهى تحتج:
-
أنا مش عروسة يا أستاذ.
-
طيب ما تزعليش.. بكرة تبقى «عروسة»
-
اسمك إيه؟
-
فاتن حمامة
وسألتها أن تصعد إلى المنصة لتمثل أى دور يحلو لها مما قامت بحفظه.
ولم يكن فيما قدمته «فاتن» شىء من الحذق الفنى.. من الصنعة فى أحسن
حالاتها، ولكن كانت هناك أشياء تنبئ عن فطرة سليمة وخصبة، صوتها ضعيف،
ولكنه ثاقب وساخن ينفذ إلى ما وراء الأذن، إلى القلب، إنها تحس ما تقوله
إحساساً عميقاً يرتسم على كل أعضاء جسمها، مثل صندوق آلة «الكمان»، أو
«العود» الذى يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف.
ولكننى لاحظت أن حرف «الراء» على لسانها يتحول إلى حرف «غين».. على طريقة
أهل باريس حينما ينطقون اسم «باريس»، إن حرف الراء يتحول إلى حرف «غين» من
باب الدلع والدلال.
وهذا عيب من عيوب النطق باعتبار أن لكل حرف من حروف الهجاء مخرجاً فى الفن
وله صفات خاصة بتكوينه، كما ينص على هذا «علم التجويد» الخاص بتحقيق الحروف
الهجائية فى لغتنا العربية.
إن فاتن حمامة «لدغاء».. ويا للأسف لأن اللدغة مرض من أمراض النطق.
التفت فجأة إلى فاتن صائحاً:
-
طلعى لسانك.
وجمت الفتاة، ثم فتحت فمها، وإذ تقدمت نحوها ارتفع صوت «التخين» المحشور فى
«التختة».
-
مش شايفين حاجة يا أستاذ.
-
اخرس.
-
دى بتتكلم من بطنها.
قذفته بماسحة «السبورة» ولا أعرف إذا كان تلقاها بفمه، أو بيده، ولكنه أمسك
عن الكلام.
وكنت قد نسيت صاحبة الفم المفتوح والتفت إلى الطلبة، وقلت: إننا سنبدأ
اليوم أول درس فى «فن الإلقاء».. النطق الفصيح ومخارج الحروف.
وهنا ارتفعت حشرجة من فم «فاتن».. رأيت فمها لا يزال مفتوحاً، كما أمرت منذ
برهة، فضحكت، وأغلقت هى فمها لتفتحه من جديد وتحتج على هذه المعاملة، وتؤكد
أن لسانها «مش ناقص حتة».
اقرأ.. ماذا كتب والد فاتن حمامة عنها فى عام 1960
كتب : الوطن
كانت ابنتى فاتن لامعة الذكاء منذ طفولتها.. كانت أذكى طفلة فى العائلة،
حتى إن والدتها كانت تخشى عليها من الحسد ولكنها لم تكلف نفسها هذا العناء
الضائع فى صنع التعاويذ والأحجبة لكى تحفظ «فاتن» من الحسد، لم يتعد الأمر
حد الخوف، لأن أم فاتن كانت سيدة مثقفة. وعندما كانت فاتن فى السادسة من
عمرها كانت موضع حب سيدات الأسرة جميعاً، وكانت إحداهن كلما ذهبت إلى
السينما صحبت فاتن معها، وكانت فاتن تعود من السينما وتجلس إليّ لتروى لى
قصة الفيلم بتسلسل عجيب لم يكن يفوتها مشهد واحد، ثم تعقب تلخيصها للقصة
بأسئلة عن الهدف الذى ترمى إليه، وهذا هو أول الدروس ومعرفة نواحى القوة
والضعف فى كل فيلم لأنها كانت ناقدة بفطرتها. وكانت فاتن لا تملّ مشاهدة
الأفلام مع هذه السيدة أبداً، بل كانتا أحياناً تدخلان السينما فى حفلتين
متعاقبتين، حفلة الساعة الثالثة ثم حفلة الساعة السادسة وتعود فاتن أكثر
نشاطاً وأكثر تفتحاً لمذاكرة دروسها، وكانت لى هواية هى تصوير فاتن فى
مشاهد ومواقف مختلفة، وما زلت أحتفظ بألبوم حافل من صور فاتن وهى بين
الخامسة والسابعة، وكما قلت كانت فاتن ذكية لامحة تفهم ما أعنيه دون إفصاح،
وفى أثناء زيارة بعض الأقارب لنا ذات مرة نظرتُ إلى فاتن نظرة فهمتْ منها
ما أعنيه على الفور ولم تتمالك إحدى السيدات نفسها فقالت:
الله إحنا فى سينما ولا إيه؟
وضحكنا وعقبت أنا ضاحكاً قائلاً: إننى سأقدم فاتن حمامة للسينما فعلاً،
وبالطبع لم أكن أعنى ما أقوله، ولكن الأمر لم يلبث أن أصبح جداً، كنت قد
أرسلت صورة لفاتن وهى ترتدى ثياب الهلال الأحمر إلى المسابقة التى نظمتها
مجلة «الاثنين» لاختيار أجمل طفلة، وفوجئت بفاتن تفوز بلقب أجمل طفلة، وبعد
أيام من نشر الصورة تلقيت خطاباً من المخرج محمد كريم يستدعينى لمقابلته
أنا وفاتن، وبعد أيام وقفت فاتن تؤدى الامتحان أمام كريم الذى أعجب بها
وقال لى إنه سيخطرنى عند البدء فى تصوير الفيلم الذى سيحتاجون فيه إلى طفلة.
وتصادف أن نُقلت للعمل فى المنصورة فى اللحظة التى أرسل فيها محمد كريم
خطاباً يستدعينى للاتفاق معى على أن تعمل ابنتى فى السينما ولكن الرسالة لم
تصلنى وردت إليه ثانية وحدث أن جاء محمد كريم فى تلك الفترة إلى المنصورة
ليحضر عرض أحد أفلام عبدالوهاب وعندما سمعت بوجوده ذهبت لأزوره، وما كاد
يرانى حتى صاح: انت فين أنا بعت لك جواب ولم تستلمه، واتفق معى كريم على أن
أزوره فى القاهرة لتوقيع الاتفاق وهنأنى لأن ابنتى هى أذكى طفلة فى الدنيا.
وبدأ العمل فى فيلم «يوم سعيد» وهو أول فيلم تظهر فيه فاتن وكان الدور فى
البداية صغيراً جداً ولكن إعجاب كريم بفاتن وذكائها جعله يطيل الدور حتى
أصبح دوراً بارزاً فى الفيلم، وأثناء تصوير الفيلم أبدى المسئولون فى
استوديو مصر رغبتهم فى احتكار جهود فاتن، وظهرت فاتن بعد ذلك فى عدد من
الأفلام، ثم شرع يوسف وهبى فى إخراج فيلم «ملائكة الرحمة».. وكانت شركة
النحاس فيلم قد جاءت بفتاة من لبنان حاولت أن تجعل منها ممثلة بلا جدوى..
وذهب يوسف وهبى مصادفة ليشاهد فيلم «رصاصة فى القلب» وشاهد فاتن تمثل فيه
وفوجئت به يدعونى إلى مقابلته، وذهبت أنا وفاتن لنقابله وما كاد يراها حتى
قال لى:
بكرة فاتن تشتغل فى الفيلم وبعد بكرة نتفق.
واشتغلت فاتن فى «ملائكة الرحمة» وتقاضت أكبر أجر تقاضته طفلة.
فاتن ومصر.. عندما يتقابل الوجهان
كتب : سماح عبدالعاطى
تصوير : محمد مسعد
آن للأضواء أن تنطفئ، وللأصوات أن تخفت، وللحركة أن تستقر وتستكين، فها هى
السيدة الكبيرة قد رقدت، وشدت على جسدها النحيل إزارها، ستطول رقدتها
للأبد، لن تظهر بعد ذلك فى لقاءات نادرة قصيرة تتحدث فيها عن مشوارها الفنى
أمام كاميرات السينما التى أثرتها بأعمالها الرائعة، ولن تجتمع مع أبناء
وسطها فى مقابلة لرئيس الجمهورية فيترك كل شىء ويهبط من علٍ ليصافحها فى
سعادة بادية، لن تصرّح للصحف ولا للفضائيات فى السياسة والشأن العام، لن
تتابع ما يجرى فى الوسط الفنى، لن تبدى إعجابها بنجمة أو ممثل، لن تستمع
للجديد فى الغناء، أو حتى تعود فتستمع للقديم منه، كل ذلك صار فى حكم
الماضى من الزمن، بعد أن غيّبها الموت مساء أمس الأول، وأصبحت فى عداد
الراحلين.
«فاتن
حمامة»، أو «سيدة الشاشة العربية»، أو «سيدة السينما»، تعددت الألقاب
والأسماء للشخصية نفسها، الممثلة ذائعة الصيت التى طبقت شهرتها الآفاق منذ
أن أطلّت للمرة الأولى على جماهير مصر والوطن العربى فى عام 1940 من خلال
فيلم «يوم سعيد»، لم تكن وقتها قد جاوزت التاسعة من عمرها حين اختارها
المخرج «محمد كريم» لتواجه المطرب الشهير «محمد عبدالوهاب»، بعد أن شاهد
صورة لها وهى ترتدى زى ممرضة، لاحقاً ستشاهد «فاتن» نفسها وهى تؤدى الدور
بعد أن كبرت وصارت ممثلة محترفة، ستسجل الكاميرات التليفزيونية تعبيرات
وجهها المندهشة وهى ترى تلك الطفلة الصغيرة تتنقّل فى خفة ولطف باديين،
ستعبّر فى اللقاء عن دهشتها وهى تعلق على المشاهد القديمة: «اكتشفت إن ابنى
طارق فيه شبه كبير منى لما كنت صغيرة»، تبتسم المذيعة وتواصل تقديم
برنامجها.
بأدوات تبدو للبعض محدودة اخترقت «فاتن أحمد حمامة» المولودة فى عام 1931
عالم السينما، لم تكن الفتاة الصغيرة تجيد الغناء أو الرقص، بضاعتها
الوحيدة هى الإحساس وإجادة التقمص، بدا التحاقها بأول دفعة تدرس فى معهد
الفنون المسرحية مجرد تحصيل حاصل، يشهد بذلك أستاذها زكى طليمات، مؤسس
المعهد وممثل المسرح الشهير، كما تشهد موهبتها التى راحت تتدفق بسهولة ويسر
عبر أدوار صغيرة فى سينما الأربعينات، أدوار الفتاة المقهورة المغلوبة على
أمرها، هكذا كانت مصر فى تلك الفترة، بلداً يقوده ملك يتحكم فيه كما يحلو
له، لا سبيل للخلاص من الفساد الذى يزكم الأنوف، تستكين البلاد كما تستكين
«فاتن» فى أفلامها، قبل أن تأتى الخمسينات بالانفراجة للاثنتين «فاتن» ومصر.
مع تباشير ثورة عام 1952 ترتدى البلاد ثوباً جديداً بعد أن يرحل الملك،
وتعلن الجمهورية، هكذا راحت «فاتن» تختار أدوارها بعناية، كما يليق بشابة
صغيرة فى مجتمع يضع قدمه على أول طريق الحرية، هى الآن زوجة للمخرج «عز
الدين ذو الفقار» وأماً لابنته «نادية»، سيُخرج لها «عز» أفلاماً متميزة،
قبل أن تنفصل عنه وتتزوج من الممثل «عمر الشريف» وتنجب له «طارق»، ثم تنفصل
عنه فترتبط بزوجها الأخير الدكتور «محمد عبدالوهاب»، ستتعاون «فاتن» مع عدد
من المخرجين فيضعون بصمتهم فى مشوارها الفنى، ستشكل ثنائياً فنياً مع
المصور السينمائى وحيد فريد، ومع المخرج هنرى بركات الذى يخرج لها أروع
أفلامها، ستحمل للعالم صورة مصر الجديدة فى أفلام تجسد مراحل هامة من عمر
الوطن، ومن عمرها هى نفسها.
عشرات الأفلام قدمتها «فاتن» للسينما، جسّدت خلالها أدوراً يصح أن يشاهد
فيها الناس انعكاساً لصورة مصر فى الستينات والسبعينات والثمانينات
والتسعينات أيضاً، مصر التى تقلبت بين الرؤساء، فانتقلت من علٍ إلى أسفل،
ومن الرخاء إلى الشدة، هكذا بدت «فاتن» فى أدوار «عزيزة» فى فيلم «الحرام»،
و«عيشة» فى «يوم حلو ويوم مر»، و«ليلى» فى «الباب المفتوح»، و«فايزة» فى
«لا وقت للحب»، و«هدى» فى «أيامنا الحلوة»، و«حميدة» فى «صراع فى المينا»،
و«آمال» فى «صراع فى الوادى»، و«فاطمة» فى «الأستاذة فاطمة»، و«آمنة» فى
«دعاء الكروان»، و«منى» فى «الخيط الرفيع»، وحتى فى أدوارها على الشاشة
الصغيرة مثل «ضمير أبلة حكمت»، و«وجه القمر»، كانت «فاتن» تعكس أوضاعاً
يعيشها الناس، وتعيشها معهم مصر، ولم يكن غريباً أن يتوّجها الناس «سيدة»،
ليس لـ«للشاشة العربية» فقط، ولكن للقلوب التى ستفتقد «السيدة الكبيرة» إلى
الأبد.
6
خصال تميزت بها فاتن حمامة في عيون النقاد
كتب : أميرة قطب ومروى جمال
حملت بين طيات أعمالها جزءا كبيرا من ذاكرة مصر، رسمت لأدوار المرأة بعدا
جديدا لم يكن مطروحا على الساحة الفنية من قبل، أخذتها لمنحى مميز بعيدا عن
الوتيرة الواحدة، فما بين الأفلام الرومانسية والاجتماعية وأخرى تنادى
بحقوق المرأة، نجحت "سيدة الشاشة العربية" بذكاء وبساطة معهودة أن تحتل 8
من أفلامها قائمة أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، «الوطن» جمعت
مقولات عدد من النقاد حول مشوار فاتن حمامة على شريط السينما وأدوارها فى
أعمالها الفنية.
طارق الشناوى: "فاتن فيها ذكاء يحمل موهبة، واختياراتها تنم عن بعد
اجتماعى، والتعبير لديها فى الأداء مكثف، وفيه رهافة فى الحس، وكانت تتطور
فى الأداء التمثيلى على مدار رحلتها مع الفن، من هنرى بركات، وصلاح أبوسيف
ويوسف شاهين، حتى حسين كمال وسعيد مرزوق وخيرى بشارة وداود عبدالسيد".
ماجدة موريس: "مشوار «فاتن» كان علامة فارقة فى تاريخ السينما، وأفلامها
شكلت مثالاً يحتذى به فى الاختيار والانتقاء، وكان عمرها سلسلة من العناية
بالموهبة والتعبير".
نادر عدلى: "كانت تختار أدوارها بعناية وتدقيق، وربما هذا الذى أهلها لأن
يتم اختيار 18 فيلما لها فى قائمة أهم 150 فيلما مصريا، فى احتفالية 100
سنة سينما، وهى سابقة لم تحدث من قبل ولم تتكرر لأى فنان، لذا كان يتمنى أى
مخرج أن يعمل معها، حيث كانت ممثلة طيعة جداً، وطوال حياتها لم نسمع أنها
اختلفت مع مخرج ما".
الناقدة ماجدة خيرالله: "تركت من خلال أفلامها بصمة مهمة جداً فى السينما،
بدأت بالفتاة الرقيقة المغلوب على أمرها، إلى دور المرأة التى لها دور فى
المجتمع، والتى لها القدرة فى أن تنزع حقها كفيلمها «الباب المفتوح»، ولها
دور اجتماعى كما عملت "الخيط الرفيع"، "وأريد حلاً"، بأداء مختلف فى الشكل
والنوع وأسلوب الحوار ونوعية الفيلم".
الناقد محمد صلاح الدين: "ممثلة من المعيار الثقيل نالت جميع الألقاب فى
حياتها، ومن النادر أن يكون هناك ممثل يواصل التمثيل منذ طفولته حتى نهاية
مشواره الفنى مثل فاتن حمامة، كانت سارقة الكاميرا من النجوم الكبار
وعمالقة الغناء والتمثيل فى العالم العربى".
الناقد رامى عبدالرازق: "الممثلة الوحيدة التى عملت مع كل الأجيال من
المخرجين فى السينما المصرية حتى التسعينات، وكان فيلم «العصفور» أكثر
الأفلام التى كان يوسف شاهين يتمنى أن تقوم ببطولته فاتن حمامة، وبعد رفض
فاتن حمامة للدور عرضه على محسنة توفيق". |