فاتن حمامة ( 27 مايو 1931- 17 يناير 2015)، ممثلة مصرية راحلة لقبت بسيدة
الشاشة العربية. تعتبر من قبل الكثيرين علامة بارزة في السينما العربية حيث
عاصرت عقودًا طويلة من تطور السينما المصرية وساهمت بشكل كبير في صياغة صورة
جديرة بالاحترام لدور السيدات بصورة عامة في السينما العربية من
خلال تمثيلها منذ عام 1940. في عام 1996 أثناء احتفال السينما المصرية بمناسبة
مرور 100 عام على نشاطها تم اختيارها كأفضل ممثلة وتم اختيار 18 من أفلامها من
ضمن 150 فيلمًا من أحسن ما أنتجته السينما المصرية، وفي عام 1999تسلمت
شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي عام 2000 منحت
جائزة نجمة القرن من قبل منظمة الكتاب والنقاد المصريين، كما منحت وسام الأرز
من لبنان ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب والجائزة الأولى للمرأة العربية
عام 2001.
صاحب عودتها للعمل الفني بعد غياب طويل ضجة إعلامية، حيث شاركت بعام 2000 في
المسلسل التلفزيوني وجه القمر والذي عرض على 24 قناة فضائية ومحطة تلفزيونية
عربية والذي انتقدت فيه العديد من السلبيات بالمجتمع المصري من خلال تجسيدها
شخصية مذيعة كبيرة بالتليفزيون وكان في المسلسل تعاطف مع الانتفاضة
الفلسطينية عبر مشاهدة أبطال المسلسل للأحداث على أرض فلسطين إلى شاشات
التلفزيون وتأييدها، خصوصًا عبر تعليقات المذيعة ابتسام البستاني (التي تقوم
بتأديه دورها) حول الانتفاضة وتجار السلاح، وكان سبب الضجة الإعلامية إقامة
مؤلفة العمل ماجدة خير الله دعوى قضائية ضد الشركة المنتجة للمسلسل بدعوى إن
المسلسل أصابه التشويه من كثرة الحذف والإضافة في النص من قبل بطلته والتي وحسب
المؤلفة كانت تتدخل في عمل المخرج سواء باختيار النجوم أو في عملية المونتاج،
ولكن برغم هذه الضجة تم اختيار حمامة كأحسن ممثلة ومسلسل وجه القمر كأحسن
مسلسل.
وفي عام 2007، اختارت لجنة السينما للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة ثمانية من
الأفلام التي ظهرت فيها فاتن حمامة فيها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ
السينما المصرية، وفي 17 يناير 2015 توفيت الفنانة عن عمر يناهز 83 إثر أزمة
صحية.
البدايات
ولدت فاتن أحمد حمامة في 27 مايو 1931 في السنبلاوين أحد
مدن الدقهلية في مصر وذلك حسب سجلها المدني لكنها وحسب تصريحاتها ولدت في حي
عابدين في القاهرة، وكان والدها موظفا في وزارة التعليم. بدأت ولعها بعالم
السينما في سن مبكرة عندما كانت في السادسة من عمرها عندما أخذها والدها معه
لمشاهدة فيلم في إحدى دور العرض في مدينتها وكانت الممثلة آسيا داغر تلعب دور
البطولة في الفيلم المعروض، وعندما بدأ جميع من في الصالة بالتصفيق لآسيا داغر واستنادًا
إلى فاتن حمامة فإنها قالت لوالدها إنها تشعر بأن الجميع يصفقون لها ومنذ ذلك
اليوم بدأ ولعها بعالم السينما.
وعندما فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر أرسل والدها صورة لها إلى المخرج محمد
كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في
فيلم "يوم سعيد" (1940)، وأصبح المخرج محمد كريم مقتنعا بموهبة الطفلة فقام
بإبرام عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية المستقبلية، وبعد 4
سنوات استدعاها نفس المخرج مرة ثانية للتمثل أمام محمد عبد الوهاب في فيلم
"رصاصة في القلب" (1944)، ومع فيلمها الثالث "دنيا" (1946) استطاعت من إنشاء
موضع قدم لها في السينما المصرية وانتقلت العائلة إلى القاهرة تشجيعًا منها
للفنانة الناشئة ودخلت حمامة المعهد العالي للتمثيل عام 1946.
فاتن حمامة ويوسف وهبي
لاحظ يوسف وهبي موهبة الفنانة الناشئة وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم "ملاك
الرحمة" (1946)، وبهذا الفيلم دخلت مرحلة جديدة في حياتها وهي الميلودراما
وكانت عمرها آنذاك 15 سنة فقط وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها. واشتركت مرة
أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي في فيلم "كرسي الاعتراف" (1949)، وفي نفس
السنة قامت بدور البطولة في الفيلمين "اليتيمتين" و"ست البيت" (1949)، وحققت
هذه الأفلام نجاحا عاليا على صعيد شباك التذاكر.
كانت الخمسينيات بداية ما سمي العصر الذهبي للسينما المصرية، وكان التوجه العام
في ذلك الوقت نحو الواقعية وخاصة على يد المخرج صلاح أبو سيف. قامت بدور
البطولة في فيلم "لك يوم يا ظالم" (1952) الذي اعتبر من أوائل الأفلام الواقعية
واشترك هذا الفيلم في مهرجان كان السينمائي. وكذلك اشتركت في أول فيلم
للمخرج يوسف شاهين "بابا أمين" (1950) ثم في فيلم صراع في الوادي (1954) الذي
كان منافسا رئيسيا في مهرجان كان السينمائي. كذلك اشتركت في أول فيلم
للمخرج كمال الشيخ "المنزل رقم 13" الذي يعتبر من أوائل أفلام اللغز أو الغموض.
في عام 1963 حصلت على جائزة أحسن ممثلة في الفيلم السياسي "لا وقت للحب"
(1963).
الزواج
في عام 1947 تزوجت من المخرج عزالدين ذوالفقار أثناء تصوير فيلم أبو زيد
الهلالي (1947)، وأسسا معًا شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم موعد مع
الحياة (1954) (وكان هذا الفيلم سبب إطلاق النقاد لقب سيدة الشاشة العربية
عليها). وظلّت منذ ذلك اليوم ولحد آخر أعمالها وجه القمر (2000) صاحبة أعلى أجر
على صعيد الفنانات. انتهت العلاقة مع ذو الفقار بالطلاق عام 1954 وتزوجت
عام 1955 من الفنان عمر الشريف.
فاتن حمامة وعمر الشريف
ترجع قصة لقائها بالشريف والذي كان اسمه آنذاك ميشيل شلهوب إلى اعتراضها على
مشاركة شكري سرحان البطولة معها في فيلم يوسف شاهين "صراع في الوادي"
وقام شاهين بعرض الدور على صديقه وزميل دراسته عمر الشريف حيث كان الشريف زميل
دراسته بكلية فيكتوريا بالإسكندرية، وكان عمر الشريف في ذلك الوقت قد تخرج من
الكلية ويعمل في شركات والده بتجارة الخشب فوافقت على الممثل الشاب، وأثناء
تصوير هذا الفيلم حدث الطلاق بينها وزوجها عز الدين ذو الفقار. كانت مشهورة
برفضها أي مشهد أو لقطة فيها قبلة ولكن سيناريو الفيلم "صراع في الوادي" كان
يحتوي على قبلة بين البطلين، ووسط دهشة الجميع وافقت على اللقطة. بعد الفيلم
أشهر عمر الشريف إسلامه وتزوج منها واستمر زواجهما إلى عام 1974.
استنادا إليها في أحد المقابلات الصحفية فإن علاقتها بذو الفقار تدهورت لأنها
اكتشفت أن علاقتها معه كانت علاقة تلميذة مبهورة بحب الفن وإنجذبت لأستاذ كبير
يكبرها بأعوام عديدة. واستنادا إليها فإنها كانت سعيدة مع الشريف وكانت تعيش في
حلم لا تريده أن ينتهي، ولكن الشائعات من جهة وكونها وعلى لسانها كانت "شديدة
الغيرة عليه" مما أدى إلى استحالة استمرار الزواج.
فاتن حمامة وجمال عبد الناصر
استنادا إلى مقابلة صحفية لها مع خالد فؤاد فإنها غادرت مصر من
عام 1966 إلى 1971 احتجاجًا لضغوط سياسية تعرضت لها، حيث كانت خلال تلك السنوات
تتنقل بين بيروت ولندن، وكان السبب الرئيسي وعلى لسانها "ظلم الناس وأخذهم من
بيوتهم ظلماً للسجن في منتصف الليل، وأشياء عديدة فظيعة ناهيك عن موضوع تحديد
الملكية"، وقد تعرضت إلى مضايقات من المخابرات المصرية حيث طلبوا منها "التعاون
معهم" ولكنها امتنعت عن التعاون بناءً على نصيحة من صديقها حلمي حليم "الذي كان
ضيفهم الدائم في السجون"، ولكن امتناعها عن التعاون أدى بالسلطات إلى منعها من
السفر والمشاركة بالمهرجانات، ولكنها استطاعت ترك مصر بعد تخطيط طويل.
أثناء فترة غيابها طلب الرئيس جمال عبد الناصر من مشاهير الكتاب والنقاد
السينمائيين بإقناعها بالعودة إلى مصر، ووصفها عبد الناصر بأنها "ثروة قومية".
وكان عبد الناصر قد منحها وسامًا فخريًا في بداية الستينيات، ولكنها لم ترجع
إلى مصر إلا في عام 1971 بعد وفاة عبد الناصر. وعند عودتها بدأت بتجسيد شخصيات
نسائية ذات طابع نقدي وتحمل رموزًا ديمقراطية كما حدث في فيلم إمبراطورية
ميم (1972)، وحصلت عند عرض ذلك الفيلم في مهرجان موسكو على جائزة تقديرية
من اتحاد النساء السوفيتي وكان فيلمها التالي "أريد حلا (1975) نقدًا لاذعًا
لقوانين الزواج والطلاق في مصر. وبعد الفيلم قامت الحكومة المصرية بإلغاء
القانون الذي يمنع النساء من تطليق أزواجهن، وبالتالي سمحت بالخلع.
دورها في السينما العربية
عندما بدأت مشوارها في السينما المصرية كان النمط السائد للتعبير
عن الشخصية النسائية للمرأة المصرية في الأفلام تمشي على وتيرة واحدة، حيث كانت
المرأة في أفلام ذلك الوقت إما برجوازية غير واقعية تمضي معظم وقتها في نوادي
الطبقات الراقية وكانت إما تطارد الرجال أو بالعكس، وأيضا كانت هناك نزعة على
تمثيل المرأة كسلعة جسدية لإضافة طابع الإغراء لأفلام ذلك الوقت، وكانت معظم
الممثلات في ذلك الوقت يجدن الغناء أو الرقص.
قبل مرحلة الخمسينيات ظهرت في 30 فيلما وكان المخرجين يسندون لها دور الفتاة
المسكينة البريئة، ولكن كل هذا تغير مع بداية الخمسينيات. حيث بدأت في
الخمسينيات ونتيجة التوجه العام في السينما المصرية نحو الواقعية بتجسيد شخصيات
أقرب إلى الواقع ففي فيلم "صراع في الوادي" (1954) جسدت شخصية مختلفة لابنة
الباشا فلم تكن تلك الابنة السطحية لرجل ثري وإنما كانت متعاطفة مع الفقراء
والمسحوقين وقامت بمساندتهم، وفي فيلم "الأستاذة فاطمة" (1952) مثلت دور طالبة
في كلية الحقوق من عائلة متوسطة وكانت تؤمن إن للنساء دورًا يوازي دور الرجال
في المجتمع، وفي فيلم "إمبراطورية ميم" (1972) مثلت دور الأم التي كانت مسؤولة
عن عائلتها في ظل غياب الأب، وفي فيلم "أريد حلا" (1975) جسدت دور امرأة معاصرة
تحاول أن يعاملها القانون بالمساواة مع الرجل، وفي عام 1988 قدمت مع
المخرج خيري بشارة فيلم "يوم حلو يوم مر" ولعبت فيه دور أرملة في عصر الانفتاح
والمبادئ المتقلبة وتحمل هذه الأرملة أعباء ثقيلة جدا دون أن تشكو وكلها أمل
بالوصول إلى يوم حلو لتمسح ذاكرة اليوم المر.
ويرى معظم النقاد أنها وصلت إلى مرحلة النضج الفني مع فيلم "دعاء الكروان"
(1959) هذا الفيلم الذي اختير كواحد من أحسن ما أنتجته السينما المصرية وكانت
مستندة على رواية لعميد الأدب العربي طه حسين، وكانت الشخصية التي قامت
بتجسيدها معقدة جدًا من الناحية النفسية، ومن هذا الفيلم بدأت بانتقاء أدوارها
بعناية فتلى هذا الفيلم فيلم "نهر الحب" (1960) الذي كان مستندًا على رواية ليو
تولستوي الشهيرة "آنا كارنينا" وفيلم "لا تطفئ الشمس" (1961) عن رواية إحسان
عبد القدوس وفيلم "لا وقت للحب" (1963) عن رواية يوسف إدريس. |