دورى النقاد.. عصام زكريا ..
فى (لعبة نيوتن).. لا أحد متزنا، ولكن الجمال موجود!
فى الدراما البدائية يعرف المؤلف والجمهور كل شىء عن الشخصيات، دوافعها
الطيبة أو الشريرة، هل هى قوية أم ضعيفة، عاقلة أم مجنونة، كذلك تعرف
الشخصيات كل شىء عن نفسها: مشاعرها وأفكارها، من تحب ومن تكره، هدفها فى
الحياة، مشاكلها وكيف تتغلب عليها..إلى آخره.
فى الدراما التقليدية يعرف المؤلف كل شىء عن شخصياته. بينما الشخصيات لا
تعرف نفسها، ولا يعرفها الجمهور، ولكن الشخصيات والجمهور يعرفان ما يعرفه
المؤلف بمرور الوقت، حسب الحبكة والخطة الدرامية، ويصاب المشاهد عادة بخيبة
أمل إذا لم يفهم الشخصيات أو إذا لم تفهم الشخصيات نفسها، فهذا الفهم هو ما
يعطى للعمل الفنى معناه وجماله.
فى الدراما الحديثة لا يعرف المؤلف كل شىء عن الشخصيات، والشخصيات قد لا
تعرف نفسها، وقد ينتهى العمل والمشاهد يشعر أن هناك أشياء كثيرة لا يفهمها،
ولكن العمل فى مجمله قد يحمل جمالاً ومعانى يصعب وصفها.
من بين عشرات المسلسلات التى غرقنا فيها خلال شهر رمضان، هناك عمل واحد
ينتمى للنوع الثالث، وهو (لعبة نيوتن).
فى مشهد متأخر من المسلسل يتواجه «حازم- محمد ممدوح» و«بدر- سيد رجب»
بالقرب من فراش «أمينة- عائشة بن أحمد» التى تحتضر.
«أمينة»
ضيّعت حياتها لأنها لم تكن تعرف أنها تحب الحياة. منذ ستة أشهر تلقت خبر
مرضها بالسرطان باستخفاف ولا مبالاة. كانت مكتئبة إلى درجة أنها رحبت بشبح
الموت ورفضت أن تعالج. وعندما وقعت فى حب «حازم» وبادلها الحب رغبت مجددًا
فى الحياة، ولكن الوقت فات، وعليها الآن أن تقضى أيامها الأخيرة نادمة على
الحياة التى أضاعتها. لكن الأمر ليس بهذه البساطة فى (لعبة نيوتن). لو أن
«أمينة» ذهبت للعلاج بصحبة «بدر»، لما التقت بـ«حازم»، ولما أحبت الحياة
مجددا!
«حازم»،
من ناحية أخرى، فقد زوجته «هنا، منى زكى» بسبب محاولاته المستميتة للتمسك
بها. الغضب والخوف اللذان كانا يحركانه دفعاه إلى اتخاذ قرارات وردود أفعال
عصبية، كل منها كان يبعدهما خطوة: تلهفه على السفر تسبّب فى سرقة مدخراته
وتورطه فى جريمة، صراخه الدائم فى «هنا» جعلها تنفر منه، استعانته بـ«مؤنس»
دفعت بها إلى أحضان «مؤنس». فى نهاية المطاف أصبح يكرهها.
«هنا»
مثل «حازم» لم تكن تعرف غيره. كلاهما محاصر ومختنق بحبه للآخر، وكل
محاولاتها لإثبات أنها جديرة بحبه كانت تؤدى إلى ابتعاده عنها: إصرارها على
البقاء فى أمريكا والنجاح فى مهمتها، استعانتها بـ«مؤنس»، ردود فعلها
العصبية. فى نهاية المطاف عادت من أمريكا مهزومة وفاقدة لزوجها، أو بالأصح
متزوجة من اثنين!
ولكن فى اللحظة التى تحطم فيها زواجهما، أدرك كل منهما أنه لم يزل يحب
الآخر، ربما أكثر من أى وقت مضى.
فى المشهد الذى يتواجه فيه «حازم» و«بدر» يلوم الأول الثانى لأنه لم يصر
على معالجة «أمينة» وتركها لرغبتها فى عدم تلقى العلاج. يقول «حازم»
لـ«بدر» ما معناه أنها لم تكن فى حالة نفسية تسمح لها باتخاذ قرار وأنها لم
تكن متزنة. فيجيبه «بدر» بعقلانيته الباردة التى تخفى لوعة وألمًا داخله:
وهل كنت أنت متزنًا عندما جئتني؟ هل هناك إنسان متزن؟ كلنا نتخذ قرارات غير
متزنة.
بعيدًا عن الأربعة كان «مؤنس» منهارًا بجوار السرير الذى حاول فيه أن يغتصب
«هنا»: لقد عاش حياته بمسطرة وقلم الدين، يعتقد أنه أفضل من الجميع. ولكنه
الآن يرى نفسه من دون ماكياج التديُّن الشكلى، وحشًا مشوهًا وطفلًا معقدًا
تم إجباره على كراهية أمه.
الشخص الوحيد الذى كان يعتقد أنه يفهم كل شىء عن نفسه، يكتشف أنه كان يعيش
كذبة كبيرة طويلة.
لا أحد متزنًا فى (لعبة نيوتن)، حيث تدور الشخصيات فى متاهة، لا تفهم بعضها
بعضًا ولا نفسها ولا تعرف ما تريد.. لكن المعنى موجود والجمال موجود، حتى
لو كان من الصعب أن نمسك بهما!
أفضل مسلسل
لعبة نيوتن
أفضل ممثل
محمد ممدوح محمد فراج
أفضل ممثلة
منى زكى عائشة بن أحمد |