دورى النقاد .. عصام زكريا:
خواطر اليافعين فى التأليف والتقييم!
مع دخول الربع النهائى من السباق الرمضانى، يحتدم التنافس بين مسلسلات
القمة على عيون وقلوب المشاهدين وصفحات السوشيال ميديا. وفى عالم اليوم
يستحيل أن تجد إجماعا مع، أو ضد، عمل ما، فالأذواق متباينة والآراء
متعارضة، وهذه «الثورة» فى الاتصالات إنما تفرق الناس عوضا عن أن توحدهم،
ولا يطفو فى النهاية سوى «التريند» الذى ليس له علاقة بالنقد أو الحكم
السليم، وغالبا ما يكون نوعا من «الايفيه» الساخر، أو شهقة إعجاب بمشهد
عابر للمألوف.
يذكرنى تعبير «التريند» بكلمة كانت تطلق فى الستينيات والسبعينيات على
«الموضات» المتلاحقة، وهى كلمة «صرعة»، والتى ترتبط غالبا بكلمة «أحدث» أو
«آخر»، فكان يقال «أحدث صرعة» فى عالم الأزياء، «آخر صرعة فى تصفيفات
الشعر» إلخ.. بعد صرعة التهكم على فراعنة (الملك)، وصرعة السخرية من (نسل
الأغراب)، وصرعة انتقاد (ملوك الجدعنة)، وصرعة الدفاع عن (الطاووس)، وصرعة
الإعجاب بمشهد ولادة «منى زكى»، وعشرات الصرعات الأخرى، ها نحن نصل إلى
نهاية السباق مبهورى الأنفاس من كثرة الصرعات، وها هو غبار الصرعات ينقشع
بالتدريج لتنجلى الرؤية بشكل أوضح عن نتائج السباق: الأكثر والأقل شعبية،
المرشح للبقاء والمرشح للرحيل فى الأعوام المقبلة، والأكثر دلالة: ما سيبقى
فى الذاكرة ومشاهدات أخرى قادمة، وما سيطويه ستائر النسيان.
بشكل عام تعكس هذه الصرعات اهتماما متزايدا بالدراما التليفزيونية فى وقت
يتهدد فيه وجود التليفزيون، مثل كل وسائل الإعلام القديمة، بالفناء، والفضل
للمنصات والمشاهدة عبر الانترنت التى يبدو أنها ستسود العالم خلال السنوات
القليلة المقبلة.
وبشكل عام تعكس الآراء نجاحا وصعودا فى مستوى الدراما المصرية على مستوى
التقنيات، ولكن تظل المشكلة الأكبر تتعلق بالكتابة. هناك اهتمام ملحوظ
بالإبهار البصرى واستسهال مخز فى الكتابة.
هناك خلل كبير فى البناء الدرامى لمعظم الأعمال، وخلل أكبر فى رسم
الشخصيات، وأكبر منه فى كتابة الحوار، ولعل المشكلة الأكبر فى كل هذا تتعلق
بالرقم 30، حيث تفرض شروط الإنتاج والتسويق أن يتكون المسلسل من ثلاثين
حلقة، حتى لو لم تكن قماشته تصلح لتفصيل أكثر من عشر حلقات. وهذه المشكلة
يجب أن يتم الانتباه لها وحلها إذا أردنا حقا أن تواصل الدراما المصرية
استمرارها وصعودها على الساحة المحلية والإقليمية وربما العالمية.
تعتمد كتابة كثير من الأعمال على نظام الورش، حيث يتم الاستعانة بشباب صغار
يقوم كل منهم بكتابة بعض الحلقات أو بتطوير خط درامى أو شخصيات بعينها أو
إضافة لمسات كوميدية إلى آخره، ولكن ما لا يدركه صناع هذه الأعمال أن تعاون
أنصاف المواهب لا يصنع عملا متكاملا بل غالبا ما يؤدى إلى تلاشى الأكثر
موهبة وامكانيات، إن وجد.
لأستاذ النقد الأدبى الدكتور «محمد مندور» تعبير جميل يصف به ظاهرة كتاب
القصة القصيرة، التى كانت صرعة شبابية فى الستينيات تشبه صرعة الإقبال على
تأليف المسلسلات هذه الأيام، وهو أنها أشبه بـ«خواطر اليافعين»، وربما لا
يعلم مراهقو ويافعو اليوم أن مراهقى ويافعى الماضى كان لديهم غالبا دفتر
يوميات يسجلون عليه خواطرهم ومشاعرهم وأشعارهم، يقلدون فيها بعض ما يقرأون
من أعمال أدبية، ويعتقدون أن خواطرهم نصوص لا تقل ابداعا وقيمة.
كثير مما يكتب اليوم من حوارات ومواقف درامية هو من قبيل «خواطر اليافعين»
التى تعبر عن تجارب محدودة وأفكار مستنسخة وسطحية، وكثير من التعليقات
والتقييمات التى تنهمر كالسيل على مواقع التواصل الاجتماعى هى من قبيل
«خواطر اليافعين» الذين يشاهدون ولكن لا يفقهون، ولا يبذلون الجهد الكافى
لتعليم أنفسهم فنون التأليف أو التقييم.
وبالطبع لا ينطبق هذا على الجميع، فهناك مؤلفون شباب موهوبون جدا، ومؤلفون
كبار أصيبوا بصرعة خواطر اليافعين، ولكن تظل الكتابة بشكل عام هى نقطة ضعف
الدراما المصرية المزمنة!
أفضل مسلسل
لعبة نيوتن
أفضل ممثل
محمد ممدوح
أفضل ممثلة
منى زكى |