دورى النقاد .. عصام زكريا :
عندما يستمع «الخليفة» إلى الغناء!
فى أحد المشاهد الرائعة من مسلسل (القاهرة - كابول) يجلس «خليفة المؤمنين»
وزعيم الإرهابيين «رمزي/طارق لطفي» مع «مجاهد» أسيوى يحب الغناء والموسيقى،
كان الخليفة قد سبق أن حكم عليه بالجلد ثمانين جلدة عندما ضبطوه وهو يعزف
ويغنى على العود.
الآن، وهما بمفردهما، يحن رسول العنف، الذى لا يتردد فى قتل الأبرياء وأقرب
المقربين منه، إلى صباه فى مصر، حيث الحب والفن ودفء الحياة الاجتماعية.
يتذكر حبيبته الوحيدة التى بدأ فى مراسلتها مجددا منذ فترة «حنان مطاوع»،
ويطلب من الشاب الموسيقى أن يعزف ويغنى له، بصوت خفيض حتى لا يسمعه أتباعه
فى الخارج. يبدأ الشاب فى العزف والغناء بلغته، وتنساب الموسيقى العذبة فى
المكان الموحش الصخري، مثل قلب «رمزي». للأسف لا يرقى مستوى الإخراج،
كالعادة فى هذا العمل، لمضمون المشهد، فقد كان يحتاج على الأقل لمشاهد عامة
خارج وداخل الخيمة تؤكد وتعمق المعنى، الجبل، النجوم فى السماء، كتل الرجال
النائمين الضائعين فى ضلالاتهم الذين نسوا إنسانيتهم ومشاعرهم، ولكنهم لم
يفقدوها تماما..للأسف شهوة الكلام والمواعظ تطغى على التعبير بالصورة فى
هذا العمل الذى كان يمكن أن يكون شيئا آخر تماما.
يجلس «الخليفة» مع المغنى بمفردهما فى الحجرة الصخرية القاحلة، وتبدأ
الموسيقى وصوت الشاب العذب فى الانسياب والتسلل إلى قلب «رمزي» الموحش،
الذى يفقد رزانته وتصلبه تدريجيا، ويوشك على البكاء تحت سحر الموسيقى
والذكريات.
مرة أخرى كنا نحتاج إلى رؤية «رمزي» وهو يقاوم مشاعره، فهو بالتأكيد يردد
لنفسه أن الموسيقى من عمل الشيطان، وأن الضعف أمامها خطيئة، لنرى كيف تعمل
العقلية المتطرفة القاتلة وكيف يقوم العقل المتصلب بتحويل صاحبه إلى وحش
مجرد من المشاعر.
ولكن مرة أخرى فى مسلسلاتنا وأفلامنا، فإن المعنى غالبا فى اتجاه واحد بسبب
غلبة اللغة والحوار على كثافة وشعر الصورة.
مع ذلك يظل هذا المشهد إحدى اللحظات النادرة فى الأعمال التى تتناول الصراع
بين التسامح والتطرف، الحداثة والبداوة، التعددية والصوت الواحد، الدولة
المدنية وحكم آيات الله، التى تتجاوز المفهوم الأمنى للصراع لتحاول النفاذ
إلى مفهومه الإنسانى والحضاري، وتبين بوضوح كيف يكون الفكر والفن سلاحا
أمضى وأكثر تأثيرا فى هذا الصراع، ولماذا يكره المتطرفون الفنانين
والمفكرين أكثر مما يكرهون المدافع!
على العكس من سيناريو (القاهرة كابول) المحمل بإمكانيات هائلة يفسدها
الحوار المدرسى والإخراج المتواضع، يواصل مخرج (الاختيار 2) نجاحه فى تحويل
سيناريو بوليسى شبه وثائقى إلى عمل يفيض بالتشويق والمشاعر والجمال الفني،
بحيث لا يمكن تخيل هذا العمل بأسلوب أو مخرج آخر، وهذا هو أرقى ما يطمح
إليه أى عمل فنى أن يتضافر كل من المضمون والشكل فى كل واحد لا يمكن فصلهما.
ربما كان يحتاج سيناريو (الاختيار 2) إلى مشهد مثل «الخليفة والمغني» فى
(القاهرة كابول)، حتى نرى كيف يعمل عقل الطرف الآخر، فهذه أحد أهم وظائف
الدراما أن نفهم كيف يفكر الشيطان نفسه، وحتى النصوص الدينية المقدسة تعطى
للشيطان بعض المساحة ليتحدث عن مبرراته وأسباب تحوله إلى شيطان!
مع ذلك يفعل سيناريو (الاختيار 2) ما لا يجرؤ أى عمل آخر على فعله، وهو
تقديم «الاختراق» الذى قام به المتطرفون على مدار عقود من حكم «السادات» و
«مبارك» للأجهزة الأمنية وعقول سياسيين وإعلاميين ومفكرين، وهذا
«الاختراق» أسوأ شىء حدث، ويمكن أن يحدث، لنظام ما، أن يكون العدو من
الداخل، وقصة اغتيال المقدم «محمد مبروك» أكبر مثل على ذلك، ولعل الأشهر
منها اغتيال «السادات» نفسه.
(الاختيار 2) فى الحقيقة يفعل ما لم
يفعله أى عمل آخر فى تاريخ الدراما والسينما المصرية: إنه يحذر بوضوح من
هذا «الاختراق»، ويؤكد مقولة أن أسوأ عدو هو العدو من الداخل، وينبه لضرورة
وحتمية أن يواجه كل إنسان وكل نظام عدوه الداخلى قبل أن يواجه أعداءه فى
الخارج.
أفضل مسلسل
الاختيار2
أفضل ممثل
طارق لطفى
أفضل ممثلة
جميلة عوض |