إن كان
لهذا المسمى ما
يؤكده وهو (سينما الشباب)، وسط مفهوم للسينما وعيناه منذ بداية ظهور هذه
الصناعة السينمائية في بداية القرن العشرين وما أفرزته من جدل كبير في
العالم، فهو ولع محبين شباب بكسر المألوف ودخول لعبة جديدة للتجريب على رغم
معوقات كثيرة في سبيل خلق سينما مختلفة. فنحن نسمع بين فترة وأخرى عن شباب
من مصر والمغرب وسوريا ودول الخليج العربي يقدمون أفلامًا يعبرون بها عن
رسالتهم الشبابية. ولنا في البحرين مثل هؤلاء الشباب الذين حققوا شيئًا
متقدمًا بين سينمائي الخليج الشباب، بفعل تجاربهم ومشاركاتهم العديدة في
المهرجانات التي تحتضن مثل هذه الأفلام.
في مواجهة
كل هذه المعوقات، وعدم تجمع السينمائيين الشباب في ناد أو جمعية. وأمام
تساؤلات عدة عن موقعهم وما يميز سينماهم، كان للوطن هذا الاستطلاع مع بعض
السينمائيين الشباب وحديث عن هواجسهم وانشغالاتهم.
يقول محمد
راشد بوعلي: ''هناك أمور عدة تتعلق بمصطلح سينما الشباب،
فهناك الجمهور وهناك الصانعون، فإذا وقفنا على الجمهور،
فالجمهور هو تلك الفئة من الشباب التي تمتلك الفكر الشبابي وهناك البقية
على رغم عدم صحة التسمية. ومن الخطأ أن يتم التفريق في صناعة السينما بين
الشباب والمخضرمين فهو تفريق خاطئ أساسًا ولا يوجد مصطلح عالمي يفصل بينهما. فكل مخرج شاب أو صانع سينما
يفرض نفسه برؤيته الخاصة فالسينما لغة عالمية موحدة للجميع لا يوجد بها تفريق، فإذا كنت تقصد الفرق بين المتمرس والمبتدئ فأيضًا لا
يوجد فرق بين الاثنين فيما عدا الاختلاف من ناحية التسهيلات والدعم الذي
سيحصل عليه ''المخضرم'' بسهولة بينما لن يحصل عليها الشاب بسهولة''.
مضيفًا: ''أما عن معوقات الشباب الراغب بصناعة السينما فهي تتمثل في عدم وجود الدعم، فلا يوجد دعم مادي ولا معنوي، ولكن على رغم ذلك نحن نعمل ونمثل
البحرين في
العديد من المهرجانات الداخلية والخارجية،
وتقدر أفكارنا وموضوعاتنا وأفلامنا في الخارج لكن الجوائز تغيب عنا لغياب التقنية التي
نفتقدها نظرًا لغياب الدعم المادي. فأغلبنا يصور أفلامه بكاميرا منزلية
بكلفة لا تتجاوز ٠٥ دينارًا، بينما في الخارج وفي الخليج خصوصًا نشاهد أفلامًا
لا تتجاوز مدتها العشرين دقيقة تصل تكلفتها إلى آلاف الدنانير''.
التقنيات
المتاحة ضعيفة
ويوضح
بوعلي من جانب آخر: ''هناك نادٍ سينمائي وحيد في البحرين وهو نادي البحرين
للسينما، لكن للأسف فخلال السنوات الماضية لم نستطع حتى الإحساس بوجوده في ما عدا استعمال صالات عرضه لعرض الأفلام التي
نصنعها، لكن بدأ العمل وخصوصًا بعد التحرك الذي
يقوم به كل من حميد كريمي
وفريد رمضان بإدخال الشباب لإدارة النادي وتغيير نهج وعمل النادي حتى يكون
ملتقىً خاصًا بهم نأمل أن يتغير الحال. لكن الحقيقة أن ذلك لن يقدم كثيرًا
في ظل عدم وجود الدعم الرسمي للسينما. فنحن بإمكاننا أن نقدم شيئًا يستحق
المنافسة في جميع المهرجانات نظرًا لما تحمله مملكتنا من ثقافة وتراث يمكن الاستفادة منه من خلال الشباب الطموح الذي
ينتج سنويًا ما لا يقل عن ٠٣ فيلمًا قصيرًا يشارك بها في مختلف المهرجانات.
لكن التقنيات تبقى ضعيفة، لكن لو قدمت وزارة الإعلام لنادي السينما كاميرا
وأجهزة يستغلها الشباب في صناعة الأفلام فمؤكد أننا سنشهد تطوراً كبيراً في
مشاركاتنا الخارجية، خصوصًا في ظل عدم وجود مهرجان بحريني داخلي للأفلام
البحرينية. وهذه من المفارقات الطريفة، فالسينما -مثلاً- محرمة في المملكة
العربية السعودية لكن لديهم مهرجان أفلام السعودية، ونحن لا نزال نبحث في
الدول الأخرى عن مهرجانات تحتضن تجاربنا''. مضيفًا: ''أن رغبتنا في تقديم
شيء مميز للسينما البحرينية كبيرة،
وشباب البحرين يحاول أن يؤسس نفسه بنفسه وإن بدافع معنوي من الخارج. ففي
الأمارات وجدنا دافعًا في مسعود أمر الله حين تبنى الأفلام الخليجية فكانت
لنا مشاركاتنا ابتداءً من مهرجان أفلام الإمارات إلى أن وصلنا لمهرجان
الخليج السينمائي، ما أصبح حافزاً أمام الشباب للعمل في
صناعة السينما، فالشباب يعملون بدوافع ذاتية للمشاركة بدون تأسيس فيما عدا
وقوف بعض أصحاب الخبرة لتوجيه بعض النصائح والإرشاد. فرغبة العمل موجودة
لكن الإحباط موجود أيضًا خصوصًا إذا ما استمر تجاهل الشباب العاملين
والطامحين بصناعة سينما، فلا يزال الشباب يبحث عن راع وعن أدوات دعم طموحه
تعزز من رسالته الفنية وعن مهرجان يحتضنه في وطنه. ومرت إلى الآن ما يقرب
من أربع سنوات على بزوغ هؤلاء الشباب الطامحين لصناعة السينما لكن لا أحد يلتفت لهم، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه فلا أرى
استمرارًا للشباب الطموح.
لكن يجب الإشارة هنا إلى أن اعتقاد الشاب أن مجرد صناعته فيلمًا قصيرًا
يصنع منه مخرجًا طامة كبرى توقعنا في مفهوم خاطئ، خصوصًا وأن من يسلك هذا
الاتجاه من الشباب لا يعرف الطريق إلى السينما إلا في المناسبات ولا يعرف
من هو تاركوفسكي ولا كيراساوا وغيرهم من المخرجين العالميين،
أما في الخارج فلا يصبح المخرج مخرجًا إلا عندما يكون ذا ثقافة تكفي إلى أن
يطلق عليه اسم مخرج''.
عدم وجود
تراكم فني أحد العقبات
من جانبه
يقول حسين الرفاعي: ''المعوقات التي تواجه مخرجي الأفلام الشباب في البحرين
كثيرة منها عدم وجود تراكم فني ثقافي لحداثة التجربة وغياب المنتج أو
الجهات التي يمكن أن تتبنى أعمالهم،
فالتجارب الحالية جهود ومحاولات فردية، كما أن هناك ندرة في الكوادر الفنية
المؤهلة المتخصصة في صناعة الفيلم، أيضًا عدم وجود صالات لعرض هذه الأفلام
يسلب من المخرج فرصة الالتقاء بجمهور واسع نسبيًا، يمكن أن يثري التجربة
ويرسخ فكرة وجود أفلام محلية، هذا بالإضافة لغياب التظاهرات السينمائية
الفنية الدورية والمستمرة التي يمكن أن تعطي الشباب مساحة للاحتكاك
والاطلاع على التجارب المحلية والعربية والعالمية''. مضيفًا بشأن عدم وجود
تجمع ثقافي للسينمائيين: ''إن عدم وجود تجمع أو كيان لصناع الأفلام غير
نادي البحرين للسينما مقرون بالشباب أنفسهم وطبيعة احتياجاتهم وطموحاتهم.
فالفكرة موجودة وتحققت خليجيًا، ففي الإمارات مثلاً هناك العديد من
التجمعات للشباب المهتمين بصناعة الأفلام ساهمت في إنضاج التجربة
الإماراتية بشكل كبير جدًا وحققت قفزات بسبب التعاون فيما بينهم. وأعتقد أن
الفضل يعود بشكل كبير إلى المخرج والناقد مسعود أمر الله. كما أن نادي البحرين للسينما سعى مؤخرًا لعمل لقاء أسبوعي
كل يوم أحد بمقر النادي وهذه بادرة طيبة يشكرون عليها، لكن المقارنة بين
تجارب البحرينيين الشباب والآخرين حول العالم ربما تكون ظالمة، فلكل تجربة
ظروفها الخاصة. فالإمارات على سبيل المثال لها تجربتها الخاصة التي أثرت وحفزت حركة إنتاج الأفلام في
منطقة الخليج والفضل يعود بالدرجة الأولى إلى السينمائي الناقد والمخرج
مسعود أمر الله الذي ضحى بتجربته الفنية الخاصة من أجل العمل على احتضان
وتشجيع صناع الأفلام ومحاورتهم وتعميق تجاربهم، من خلال تأسيس وإدارة
مسابقة أفلام من الإمارات لمدة سبع سنوات لتمتد جهودها لاحقًا لتأسيس
وإدارة مهرجان الخليج السينمائي الذي أحدث نقلة نوعية على مستوى الحدث في
المنطقة''.
ويوضح الرفاعي: ''أعتقد أن الحديث عن تأسيس حركة سينمائية في البحرين لازال مبكرًا فنحن لازلنا في
بداية الطريق، فتجربتنا ما زالت فتية وتحتاج لسنوات من العمل لإحداث تراكم
وتكوين خبرات، كما أننا بحاجة لاستكمال بعض العناصر الأساسية ضمن البنية
التحتية السينمائية، ومن المؤسف حقًا عدم وجود ورش تدريبية متخصصة على رغم
أن وجودها بشكل مستمر يساهم في إثراء التجربة ويؤدي لحراك فني ويساهم في
إحداث نقلة نوعية وتعميق التجربة مع مرور الوقت، وغياب التدريب سببه الرئيسي
عدم وجود جهة أو أفراد تتبنى صناعة الأفلام وتأخذ على عاتقها مهمة تنظيم
هذه الورش أو الدورات''.
نعاني من
افتقار كلي لمفهوم السينما
ويشرح علي
العلي وجهة نظره بقوله: ''نحن نعاني في البحرين من افتقار كلي لفهم معنى
السينما، لأن السينما هي قيم وطموح ومشاريع مؤسسة مرتبطة بمنهج تربوي
أخلاقي فلسفي -إن جاز التعبير- ونحن في البحرين نحتاج لمن يفهم هذا البعد،
حتى نقول إننا نحتاج إلى أموال تمول هذه المشاريع، ونحتاج لكثير من مقومات السينما.
كما أننا نعاني لعدم وجود مقر يحتضن مشاريعنا السينمائية الشابة،
فالمقر الموجود والمسمى ''نادي
البحرين للسينما'' ما هو إلا ''صندقة'' أي كوخ صغير يضيق بأحلام
السينمائيين، والشباب المشتغل بالسينما في البحرين هم لوحدهم صنعوا أنفسهم
بأنفسهم وليس لأحد فضل عليهم، فالجد والاجتهاد الذي
هم فيه دليل على أن الشاب البحريني طموح، يصنع شيئًا من لا شي، وسينما
الشباب ارتبط اسمها بروح التمرد وصنع شيء مميز على رغم إمكاناتها الشحيحة
وطموحها، وعلى وقعها المعاش''.
المسألة
تعتمد على جدية الطرح
أما محمد
نعمة فيشير إلى أنه لا يؤمن بسينما شباب وسينما أخرى.
ويوضح ذلك بقوله: ''لقد ارتبط اسم السينما منذ اكتشاف هذا الفن في بداية القرن العشرين وحتى هذا اليوم بمعنى السينما،
لكن جهود بعض الشباب المغامر أنتج بعدًا آخر قد يكون مختلفًا في الطرح عما هو معمول به في
السينما. فالسينما تشمل الشباب والكبار ولكن السؤال يكمن في جدية الطرح
ومحاورة الواقع عبر رسائل سينمائية جديدة، تحاكي واقعها بلغة الأجيال الجديدة،
لكن لاتزال هناك معوقات تعترض طريق الشباب المحب لصناعة السينما وهي عدم وجود كتاب سيناريو متفرغين للسينما في
البحرين، إضافة لغياب الدعم المادي والمعنوي من قبل المعنيين في وزارة
الإعلام وفي المؤسسات الأخرى، إضافة لعدم اهتمام الدولة بصناعة السينما
وتوفير بعض ما يخدمها، فشباب البحرين موهوبون وهم مجتهدون،
لكننا متأخرون في ملاحقة السينما الحديثة لغياب التقنيات الفنية في ما قدمناه من أعمال،
فأكثر أعمالنا ما هي إلا دراما، وحتى فيلم ''أربع بنات'' الذي أنتج أخيرًا
كان قريبًا للمسرح كون الممثلين مسرحيين أكثر منهم سينمائيين، وعلى رغم أن
الجهود التي يقدمها الشباب جهود فردية إلا أنها حجر صغير في
ماء راكد ولا بد من يوم يخرج فيه من القمقم من يشجع السينما في البحرين''.
كشباب
تفصلنا عن بعضنا أمتار طويلة
من جهته
يعبر عبدالله رشدان عن مفهومه لسينما الشباب بقوله: ''لا أرى أن هناك اسمًا خاصا بسينما الشباب ولكن هناك مفهوم
شامل للسينما،
غير أني أرى أن أغلب العاملين في المجال السينمائي هم من الشباب، وهم
يعانون كثيرًا من عدة أشياء منها غياب التمويل، وعدم توفير المعدات،
والافتقار إلى الثقافة السينمائية، وإن كانت هناك قلة تعي هذا الفن وتدرسه
بعناية، فهذا لا يعني أن شبابنا فمدرك لمعنى السينما''. مضيفًا: ''هذا إلى
جانب أننا كشباب تفصلنا عن بعضنا أمتار طويلة لأسباب عدة، فالشباب كما
أراهم، منفصلون عن بعضهم، والبعض منا غلبت عليه المصلحة الخاصة على حساب
مصلحة الجميع، لكن هناك محاولات جادة للمِّ
الشمل تؤكد ما نسعى إليه جميعًا من حضور لمجالات السينما الحديثة، فهي نواة إذ الشباب يحاول أن يقدم شيئًا للسينما،
لكن هذه النواة في السنوات الأخيرة بدأت تنضج لتحفز بعض الشباب المهتم
بالسينما لتقديم شيء مغاير، لكن الطريق لمثل هذه السينما يحتاج لجهد ومال
وشباب يؤمن بالمغامرة ويعلو على حب الذات، وحالنا كسينمائيين كحال أي فنان
يسعى للبحث عن جادة الطريق الصحيح في رسم معالم نواته الصحية نحو فنه
والتطوير من أدواته التي تساعده على الإبداع،
ويبقى الطموح يراود الجميع بتجاوز كل الصعاب والمعوقات الكثيرة التي تصطدم بهذا الطموح وتعيق من تطوره.
لكن أود الإشارة هنا إلى افتقارنا لورش عمل توضح فن السينما، ففي البحرين لا توجد ورش لصقل المواهب السينمائية،
لكن هناك محاولات من بعض الغيورين على هذا الفن السينمائي تصب في هذا الجانب مثل بسام الذوادي
وفريد رمضان وآخرين''.
نحن بحاجة
إلى جمعية تحتضننا
ويرى سيد
محفوظ أن مفهوم السينما شامل وليس مقتصراً على شباب وغير. ويردف: ''في
البحرين لا أستطيع أن أقول بوجود سينما بمعنى سينما، وعلى رغم ما يقدمه بعض الشباب والمخضرمين المحبين لهذا الفن
من اجتهادات،
إلا أنها تبقى في محيط المحاولات، فنحن لانزال نعاني من معوقات غياب الدعم
الرسمي والمؤسساتي، كما أن البيئة البحرينية لا تشجع على الدفع بمحاولات
الشباب في صنع سينما جادة، لعدم وجود أدوات صناعة السينما المتمثلة أولاً
في الكاميرا السينمائية والسيناريو والنص الجيد القابل لخلق هذه السينما.
ومهم هنا تواجد ناد أو مقر يجتمع فيه الشباب، بشرط تقارب النوايا وحب
الجميع في بلورة سينما مغايرة، فالمحاولات التي قدمها نادي البحرين للسينما
في اكتشاف ممثلين وكتاب، محاولة جيدة، لكن للأسف لم يعقب ذلك التواصل،
فنادي البحرين للسينما النادي الوحيد للسينمائيين، لكن غياب الروح الشبابية
عن مقاعده جعل من هذا النادي فقيراً''. مضيفًا: ''وهذا ما يدعونا إلى أن نحفز الشباب للبحث
عن جمعية ذات حضن دافئ تحتضن فيها الشباب وتحفز من طاقاتنا، وهناك بعض
المحاولات التي
تقدم من هنا وهناك مثل اجتهادات بسام الذوادي وبعض منتديات الشباب مثل
منتدى المالكية، لكنها تبقى في محيط التجريب وشد خيوط المحاولات بعضها
ببعض، فالدرب لايزال بيننا وبين السينما طويلاً
لكن ليس مستحيلاً، فعلينا المغامرة والشدة في الطلب حتى نرى أحلامنا في عمر
السينما تلد الجديد والجديد، ونحن كشباب وعلى رغم فقداننا الحس الفني
الذي يدفعنا للعمل في مجال السينما، إلا أن الأمل يحدونا ولو ببصيص ضئيل من
النور للعمل. إن شباب البحرين هم شباب العالم وشباب العالم هم شباب
البحرين، بمعنى لا يوجد أي فرق في الروح الشبابية، لكن الفرق في الدعم وفي
وجود أناس يهتمون بفئة الشباب ويدعمون خطواتهم ويشجعونهم على الإبداع
وإبراز طاقاتهم الفنية.
الوطن البحرينية في في 1
يونيو 2008
|