مع بسام
الذوادي.. المخرج الذي عهدناه مفتوناً بحب السينما، حافراً في الأرض الصلبة
أظافر أحلامه. الحاضر في ذاكرة الشباب الذين يتبعون ظله، حيث تقف كاميرته،
وحيث تحط حماماته الواعدة. كان هذا الحوار...
·
لو افترضنا وجود سينما للشباب،
كيف ينظر بسام الدواذي لهذه السينما؟
- أنا ضد
أي مسمى للسينما، فالسينما هي السينما دون رتوش ودون مسميات، فليست هناك
سينما للشباب وأخرى للكهول.. لكن ربما نقول بوجود أنواع من السينما، لكن لا تخص الصناع، فالصناع ينتمون للسينما وليس السينما تنتمي
لهم، وقد نقول بوجود الموجة الجديدة أو الموجة التجريبية،
لكن مفهوم سينما الشباب ليس وارداً في مجال السينما كاسم ليس له علاقة بالسينما.
وعندما نقول الشباب نقول ذلك لأننا في بعض الأحيان قد نجد الذين يعملون في
فيلم معين كلهم من الشباب، فنطلق على هذا البعد مسمى سينما الشباب. لكن
الموضوع الذي يتناوله الشباب موضوع مجتمع، فليس موضوع يخص الشباب لوحدهم.
وأعتقد أن
هذه المسميات بعيدة كل البعد عن السينما، والسينما أوسع من هذا المسمى
الضيق لأنها الحياة وكل من على هذه الحياة تعني '' سينما ''.
علينا
تشجيع الشباب على الدخول للسينما
·
وكيف برأيك نشجع هؤلاء الشباب على العمل في
السينما، وكيف نستطيع أن نبسط لهم معنى السينما؟
- أولاً
علينا تشجيعهم على الدخول إلى السينما، وليس لأنهم شباب، لأن الدخول
للسينما سيكسبهم معرفة بلغة السينما وبالمخرجين، فيقتربون من عالم السينما الواسع الذي
يحتضن في مفهومه كل شرائح البشر شبابا كانوا أم كهول،
وحتى الأطفال لهم نصيب في
عالم السينما. ومن خلال تجربتي مع هذا الفن تعاملت مع أشخاص تجاوزوا في
أعمارهم الخمسين سنة يريدون أن يشتغلوا في السينما وبدورنا نشجعهم، كما
نشجع كل الفئات العمرية أن ينخرطوا في مجال السينما وأن يجعلوا من السينما
رسالة إنسانية كأي رسالة لكاتب أو لشاعر أو مسرحي.
فالسينما بما تحمله من أطروحات تعد رافداً مهماً لعلاج قضايا المجتمع.
·
في ظل ما نشهده من حراك سينمائي
عربي وعالمي.. كيف تقرأ تجارب الشباب الجديدة في مجال صناعة السينما في
البحرين ؟
- لا شك
أننا نشجع وندفع بالجيل الجديد نحو حب السينما، لكن أن نقول إننا في
البحرين نمتلك وجهاً سينمائياً، فهذا بعيد، لأننا لازلنا في طور البحث عن
هذا الوجه، ونحن نريد من الشباب الوصول إلى مرحلة وجود سينمائي جيد، ودعمنا لهم في أن يضعوا أرجلهم على أول خطوة نحو حب
السينما موجود.
والسينما لا تتمثل فقط في وضع الكاميرا، لنقوم بتصوير أي مشهد معين لنقول
أنه فيلم. فالسينما قبل كل شيء فكر ونقل لروح النص على لسان أبطال الفيلم
إلى شرائح المجتمع كرسالة تساهم عبرها السينما في حمل جزء من معاناة وأفراح
المجتمع. لكن الشباب مع احترامي لهم وإلى تجاربهم أجدهم يجهلون شيئاً مهماً
وأساسياً يرتبط بالتلفزيون والسينما فهم يجهلون الفرق بين كادر السينما
وكادر التلفزيون. فمن المؤسف أن بعض من
يعمل على السينما يجهل ثقافة السينما.
وكل هذا
يؤكد أن هذه التجارب هي تجارب لشباب يمتلك الكاميرا والممثل فيحاول
التجريب،
لكن ليس على أسس سليمة لمفهوم صناعة السينما، وهذه التجارب ربما
تناسب أعمارهم، لكن الفرق بيننا وبينهم أننا كنا في بداية تجاربنا نحب
السينما ونقرأ بنهم في مجالات السينما الأدبية،
فعرفنا كثيراً من المخرجين والمنتجين والممثلين الذين هم اليوم من كبار
راود السينما.
والجميل
في تجاربنا أننا كنا في سنوات السبعينات، نجرب ونشاهد التجارب الأخرى من
الأفلام الجديدة ، أمثال أفلام بيتمان وأفلام بازلوني
وكثيرا من مبدعي صناعة السينما وروادها، وتعملنا منهم معرفة الصورة
السينمائية،
وكيفية بناء الحدث. أما شباب اليوم، فليس بمقدورنا سوى توجيههم لكيفية
التعامل مع الكاميرا، موضحين لهم الأسس السليمة في
وضع الصورة.
فالأمية
السينمائية تبرز في
عدم المشاهدة، لأن عدم القراءة والاطلاع على التجارب السينمائية يجعل من هذا الشاب أمي
في فهم لغة هذا الفن، فكل أدبيات هذا الفن مرتبطة ببعضها، ويجب على الشباب
أن يعيها ويتعامل معها في اطار المثقف المحب لعالم صناعة السينما. وأنت
اليوم لو سألت أحد الشباب ممن يقول إنه مخرج سينمائي
وإنه قام بالفيلم المعين وفي رصيده أفلام أخرى جديدة هل يعرف كم فيلماً ''
لبيركمان '' ستجده لا يعرف من هو بيركمان أصلاً، فكيف لإنسان أن يعمل في
السينما في الوقت الذي يجهل فيه من عملوا السينما، ويريد أن يعمل في مجال
لا يعرف رموزه. وقد سألت مرة أحد الشباب عن معنى كلمة سينما، فتلكأ
في الإجابة، وظل ينظر لي بخجل في الوقت الذي تعرف السينما فيه - بحسب تعريف
الناقد يوسف يوسف- أنها أحد أجناس الفن، يعبر بها المبدع عن نفسه وواقعه،
وإن اختلفت عناصر لغتها عن غيرها. فهذا الشاب تعود على لفظة سينما دون أن
يعرف بالضبط معناها الصحيح، مثل الذي تعود على كلمة '' ببراتي'' التي
تناقلها الناس دون معرفة بعدها الحقيقي. في الوقت الذي تعني فيه هذه الكلمة
اسماً لشخصية في فيلم لفيليني تحمل كاميرا وتصور من على دراجتها، فأصبح أي
شخص يسوق دراجة '' ببراتي '' وهذا جهل في الفهم تعودّ عليه الناس دون
أن يتعمقوا في دور هذه الشخصية.
فالذين
خلقوا لدينا هذه الثقافة السينمائية يجب على الشباب أن يعرفوا شخوصهم، وجهلهم بعدم معرفتها مشكلة تزيد من جهلهم بالثقافة السينمائية.
فكيف لنا
أن نقرأ عنواناً
بالبنط الكبير يشير'' لسينما الشباب'' والشباب يجهل أبسط الأمور في لغة
السينما، نحن هنا نظلم السينما ونظلم الشباب أيضاً.
فليس من
السهل قبول مسمى سينما الشباب في الوقت الذي لا يوجد فيه غير معنى واحد للسينما بما تشمله من
معنى في
احتوائها الشباب والكهول .
·
وبرأيك ماذا يحتاج شبابنا حتى يصلوا لفهم معنى السينما؟
- يحتاجون
إلى الثقافة والدراسة والمشاهدة والاتصال والتواصل والقراءة الجيدة في عالم
فن السينما، ويا ليتهم عندما يقومون بعمل فيلم معين يفكرون في الفيلم والهم
الذي يحمله الفيلم، ولا يفكروا في المهرجانات، لأن المهرجانات كثيرة ولا
تنتج إبداعاً يضاف لمن يريد أن يخدم فن السينما، فيجب أن يدعوا المهرجانات
تسعي لهم لا أن يسعوا إليها.
النادي
يساهم في دفع رسوم المنخرطين في الدورات
·
بحسب موقعك كمؤسس وكعضو فاعل في
نادي السينما، لماذا لا يقوم النادي بدورات تثقيفية في مجال لغة السينما،
ولماذا لا تمنحوا الشباب فرصة الانخراط في
النادي حتى تعززوا فعل النادي؟
- إن
النادي ومنذ تأسيسه وهو فاعل وقدم العديد من الدورات في المونتاج وكتابة السيناريو والإخراج ولم
يتوقف دوره حتى الآن. وكل من انخرط في هذه الدورات ليسوا من الشباب،
وحضورهم بهذه الدورات يمثل عشرة في المائة مقارنة بالمشاركين الآخرين من
غير الشباب، ما يعد مأساة، علماً بأن الدورات تعقد بعضها من غير مقابل أو
بمبلغ رمزي، وفي أكثر الأحيان يساعد النادي في دفع الرسوم عن المنخرطين في
الدورات، لكن عزوف الشباب لا يساعد في استمرار هذه الدورات. وبعض الشباب
للأسف يمل شيئاً اسمه الثقافة، وبعضهم لا يريد أن يلزم نفسه بالعلم ومعطيات
الثقافة، ما جعل الأمية متفشية في تلقى الشباب للغة السينما.
·
لكن ألا تعتقد أنكم مقصرين في
جانب الإعلان عن برنامج نادي السينما الثقافي على غرار البرامج الثقافية
الأخرى، كبرنامج أسرة الأدباء والكتاب والملتقى الأهلي أو برنامج بعض الغاليرات التي
توزع بشكل جيد؟
- معروف
أن أنشطة النادي في عرض فيلم الأسبوع لم تتوقف، منذ تأسيسه، فهو ومنذ 28
عاماً يقدم لرواده فيلماً كل أسبوع، وربما يناقش النادي مع رواده حركة
السينما الجديدة والفيلم المعروض. وللعلم فان جميع الأفلام المهمة والكبيرة عرضت من خلال
النادي،
ونحن نحرص بعد عرض الفيلم على أن نناقش زوارنا،
لكن أغلب من يحضرون النادي يغادرون النادي مباشرة بعد مشاهدة الفيلم، فنبقى
نحن أصحاب الدار نتحاور حول الفيلم وقليل هم المهتمون الذين يحرصون على
البقاء بعد انتهاء الفيلم، ليشاركونا الحوار.
·
ولماذا تقصرون النقاش على نفس ليلة عرض الفيلم؟ لماذا لا
تتركون فسحة أكبر لمن شاهد الفيلم لمناقشة الفيلم في
الأسبوع الذي يليه؟ وبهذا قد تحافظون على جمهور النادي
وتساهمون في نشر ثقافة السينما بشكل أوسع؟
- أنا معك
فيما تقترحه، وقد حدد النادي ملتقى الأحد من كل أسبوع لمناقشة فيلم معين
بعد عرضه، ونأمل من هذا الملتقى أن
يضم كل المهتمين بالمجال السينمائي. وبهذا يساهم النادي في رفع درجة الوعي
الثقافي لفن السينما عند أكبر شريحة من المهتمين.
ونتمنى الحضور الفاعل للشباب، فالجاد منهم سيكون حريصاً
على متابعة كل نشاط يديره النادي. فأنت لا يمكنك أن تفرض الثقافة على أحد،
فأما أن يكون الشخص محباً للثقافة وباحثاً عنها وواع للدور المناط بها، من
تلقاء نفسه وإلا سيكون خارج حزام الثقافة.
·
ولو سألنا الذوادي كمخرج عن دور المرأة،
هل تجده متفاعلاً مع ما تطرحه صناعة السينما من ثقافة معاصرة؟
- أنا لا
أبحث عن وجوه جديدة في
التمثيل، لكن أبحث عن وجوه جديدة في التقنية. فمعنا فتاة في التاسعة عشرة
من عمرها عملت أفلام كمخرجة وكمصورة، فأسندت لها تجربة جديدة كونها فتاة تبحث وتقرأ عن الجديد في
ثقافة السينما وتريد أن تقدم شيئاً في هذا المجال ونحن بدورنا أعطيناها
الفرصة بل ساعدناها في توجهها، وأسندنا لها عمل فيلم أطول من الأفلام التي
قدمتها مدته نصف ساعة. وهي حريصة على أن تطور نفسها، ونحن نسعد بمثل هذه
الفتاة التي تسعى لفهم لغة السينما، فقد اكتشفت لأول مرة أن القصة
يعمل لها معالجة، ومثل هذه الفتاة نبحث عنها،
ونقدم لها ولمن على شاكلتها العون لأننا نبحث عن الجاد والمختلف والمهتم
بفن ثقافة السينما. فالعنصر النسائي في هذا الجانب ربما وجدناه يتحرك بحياء
لكنه موجود، وكل الدورات التي قام بها نادي السينما تمثل المرأة ما نسبته
60 بالمئة من حضورها. نساء مقبلات من المدينة ومن القرية ومن على كرسي الدراسة، يعملن بنشاط يفوق نشاط الشباب الذكور أحياناً.
فالمرأة لديها جلد وصبر وقدرة عالية.
فكرة
مهرجان لأفلام السينما
·
هل سعيتم إلى مخاطبة وزارة الإعلام لتحمل ولو جزءً
بسيطاً من تكاليف إقامة مهرجان لأفلام الشباب؟
- فكرة
إقامة المهرجان موجودة،
لكن لماذا هذا المهرجان؟!
ألا يتطلب المهرجان أعمال جيدة تعرض من قبل الشباب؟. نحن نريد من الشباب أولاً
أن يهتموا بالكاميرا وبتنقلها وقراءة أدب السينما، فقليلون هم المهتمون مثل
محمد راشد بوعلي الذي أصر على أن يتابع المخرج أحمد يعقوب المقلة في تصوير
مسلسله الجديد '' ظل الياسمين '' وهذا نموذج للشاب المهتم لكن أين البقية؟!
فلابد للشباب الذين يريدون أن يقدموا أفلاماً جيدة أن يكونوا جادين وبهذا
ستكون خطواتهم جيدة وستصل
يوماً ما إلى غايتها. أيضاً عندما أحسستُ أن حسين الحليبي مهتم أسندت
القيام له عمل فيلم ''أربع بنات''، وكنا قريبين منه لتوجيه خطواته،
فالسينما لا يمكن لأحد التعالي عليها، فهي تكبر فقط في عين من يجتهد في
حبها.
المشروع
المقبل يشارك فيه مخرجون شباب
·
ما هي خطوتكم المقبلة؟
- مشروعنا
القادم أسندنا فيه العمل لمخرجين ثلاثة، والقصة التي يتناولها الفيلم قصة اجتماعية لها وزنها التربوي
والاجتماعي والثقافي، وفي هذه المرة نريد أن نبرز مخرجين شباب ومخرجة شابة. وفي اعتقادي أن هذه الفرصة ستفتح الباب بشكل أكبر،
فنحن نريد أن نجتذب آخرين إلى العمل معنا وأنا لن أتخلى عن الشباب لأني
مؤمن بالشباب والشابات إيماناً صادقاً ما داما يريدان أن يتعلم.
·
وهل من رسالة تقدمها للجيل الجديد من الشباب المهتم والحريص
على فهم دور الثقافة في السينما؟
- في
اعتقادي أن الجيل الجديد ينقصه الكثير، لكن عندما يكون هذا الجيل مهتماً
ولو بقدر قليل، تكون الرسالة التي يجب إيصالها له محاطة بنوع من الجدية
والحرص من قبل هؤلاء الشباب. فبعض الشباب ومن شدة حرصه يقوم بمناقشتك في
تقنية الممثل، فأنت أمام شاب يقرأ ويطلع على كل شيء يختص بثقافة السينما،
فهذا شاب مهتم ولكن هل يمكن تعميم ذلك على جميع الشباب؟ إن 10 بالمئة فقط
من الشباب تجدهم حريصين على القراءة والاطلاع والبحث في مجالات ثقافة
السينما. والسينما عالم كبير، وعلى من يريد الانخراط في عالمها أن يكون
مدعوماً نوعاً ما حتى يثبت خطواته في هذا العالم. وأنت أمام هذه الشريحة من
المهتمين الذين يريدون معرفة عالم فن السينما ملزم أن تضمهم معك في بعض
الأعمال التي تقدمها، ما يساهم في صقل مواهبهم. وفي إعطائهم هذه
الفرصة أكبر هدية تقدم لشاب يريد أن يتعلم ويفهم السينما بشكلها الصحيح ومن
خلال هذه المشاركة سيكون الشاب قريبا من الكاميرا ومن كيفية تصوير الفيلم
وتقنياته الفنية الأخرى. وأعتقد أن دور نادي السينما مهم في استقطاب هؤلاء الشباب،
ليس من خلال الدورات فحسب بل بجعلهم أعضاء في النادي ينشطون نشاط النادي
الثقافي، وبهذا التوجه قد يساعد النادي هؤلاء الشباب في الاقتراب من عالم
السينما بشكل أكبر.
الوطن البحرينية في في 1
يونيو 2008
|