لا نُقلل من شأن الحنين إلى الساعة الأولى، الماضي لا
يُعيد نفسه، بل يُعيد تشكيل نفسه.
فجأةً عادت ذكرى ما إلى الظهور أثناء محادثة، أو
الاستماع إلى أغنيةٍ من ديزني، أو قطعة جاتو غارقة في
الشاي.
يظهر جزءٌ من الذاكرة، ويفسح المجال لرحلةٍ داخلية نحو
ما تمّ اختباره من قبل.
لذلك، يتمّ استحضار الذاكرة على مرحلتين:
ذكرياتٌ ثمّ رحلة استبطانٍ نحو الماضي، كانت تيمة دورة
ربيع 2022 في
نادي السينما الخاص بجامعة جنيف/سويسرا، هو "رحلةٌ
مؤقتة" ثمّ تطوّر إلى عنوانه الحالي
"الماضي المُستعاد".
بمعنى آخر، أهمية هذه المرحلة الثانية (وهي الرحلة إلى
الماضي عبر الذاكرة) للفريق الذي صمّم اختيار الأفلام،
والمجلة المُصاحبة للتظاهرة.
هذه العملية الذهنية للسفر عبر الزمن تمتلك أيضاً
اسماً علمياً
一 chronesthesia
، وهو مفهومٌ تمّ جعله ديموقراطياً من قبل عالم النفس
إندل تولفينج
في عام 1972.
وقد أعطى الأدب مكانة فخرٍ لهذا المفهوم بفضل مؤلفين
مثل
فيليب ك. ديك، أو بالطبع
مارسيل بروست مع
"البحث عن الزمن الضائع".
في السينما الأمثلة كثيرة، من خلال الجمع بين صور
الماضي، والحاضر من خلال الفلاش باك (العودة إلى
الماضي) على وجه الخصوص، تجعل السينما العلاقة بين
الذاكرة، والسفر عبر الزمن أكثر وضوحاً.
تكاد الذكريات في الأفلام قديمة قدم السينما نفسها،
وقد تطوّر تصميمها الاخراجيّ بمرور الوقت.
يشير الافتتاح البطيء للقزحية إلى بداية استحضار ذكرى
فرانسيس في
فيلم "عيادة الدكتور جاليجاري" (روبرت واين 1920).
من ناحيةٍ أخرى، فإن اكتشافات جيسون بورن حول حياته
السابقة تأتي في ذكرياتٍ متقطعة في فيلم "Memory in the Skin"
(دوغ ليمان، 2002).
غالباً ما تُستخدم الذكريات في الأفلام، أو في أيّ
مكان آخر لتمييز الشخصية، يمكن للمرء أن يفكر في صحفيّ
"Citizen Kane"
(أورسون ويلز، 1941) يحاول إعادة بناء حياة تشارلي كين
من خلال قصص الشخصيات التي يعرفها.
عندما يبحث شخصي ما عن لحظة عاشها، أو إحساسٍ اختبره،
فإنه ليس أقلّ من أناه في الماضي الذي يحاول إعادة
اكتشافه، أو استرداه.
يبدو أن الذكريات تشكل نوعاً من الهوية الماضية،
وهكذا، غالباً ما يقترن استحضار ذكريات شخصية الفيلم
بالبحث عن الهوية، أو الحقيقة.
بحثٌ عن الطفل الذي كنا في
فيلم "المرآة" (
أندريه تاركوفسكي،
1975).
بحثً عن الحب الذي فقدناه في
Eternal Sunshine of the Spotless Mind
(ميشيل جوندري، 2004).
أو بحث الأب، والأخ في
Incendies
(دوني فيلنوف، 2010).
يقدم الشكل الأبديّ لفقدان الذاكرة تمثيلًا أكثر مرحاً
لهذا السعيّ وراء الذات، ضاع فاقد الذاكرة في عالمٍ لا
يعرف تاريخه، ولا قواعده، تماماً مثل جمهور الفيلم،
كلّ معلومة جديدة على كلّ من الشخصية، والمُشاهد.
ومع ذلك، يمكن اقتطاع الذكريات، وتزييفها، ثم يجد
الماضي المُستعاد نفسه مختلفاً عن الماضي كما حدث.
يقوم مخرجون مثل تيم بورتون مع
Big Fish
بخداع المشاهدين من خلال تقديم قصة تبين أنها خاطئة،
أو مشكوك فيها.
لم يعدّ المتفرج يعرف ما هو حقيقي، أو مخترع، ثم يختبر
الطبيعة المزدوجة للذاكرة المتداخلة بين الواقع
والخيال.
يمكننا أخيراً أن نسأل أنفسنا عن أهمية هذه الدورة في
عام 2022، في عالم ما بعد الجائحة حيث نفضل أن نعرض
أنفسنا في المستقبل بدلاً من الخوض في الماضي.
قال بروست:
"النسيان هو أداةٌ قويةُ للتكيّف مع الواقع".
ومع ذلك، غالباً ما كان الفنّ موجوداً لنقش حدث سابق
في الحجر لتجنب فقدان الذاكرة الجماعي.
أشارت السينما عدة مرات بأصابع الاتهام إلى العصور
الماضية، وتجاوزاتها.
سوف نأخذ على سبيل المثال فيلم
The Watermelon Woman
(شيريل دوني،
1996)
حيث تبحث امرأة تدعى
شيريل
عن ممثلةٍ سوداء من الأربعينيّات، لم يُذكر اسمها في
عناوين الفيلم، وهو أمرٌ كان شائعاً للأسف للممثلين
السود في هوليوود القديمة.
بينما سيموت آخر الناجين يوماُ ما، ستظل أفلام مثل
Nuit et Brouillard
(آلان رينيه،
1956)
بمثابة شهاداتٍ لأهوالٍ لا ينبغي أن ننساها أبداً.
إذن، السينما كأداةٍ لواجب الذاكرة؟
نحن لسنا بعيدين جداً عن ذلك.
افتتاحية مجلة النادي السينمائي الجامعي لجامعة جنيف،
أبريل 2022 |