بوليوود
سينما الأحلام الوردية
نوزاد جعدان
من منا لم يسمع بفيلم
Junglee ،
ومن لم يشاهد
Dharam-Veer،
ومن لم يتعجب من رؤية طابور طويل من الناس يتزاحمون
بغرض الحصول على بطاقة دخول إلى إحدى دور العرض، ومن
لم يطرب بسماعه أغانيها العذبة كعذوبة نهر جمنة، أو
يامونا، إنها سينما امتزجت بتراث فلسفة نهر الغانج،
لتصطبغ، وتلون بأشعار طاغور، وتتخذ من نهرو، وغاندي
أمثلةً يُحتذى بهم.
والسينما في بلدان العالم الثالث هي المقابل للتحرر
السياسي، وإحدى السبل التي يتمّ من خلالها التعبير عن
المشاعر، والأفكار، وإحدى الوسائل التي تقتحم وعيّ
المجتمع، وتحاول تعرية أفكارهم، ومشاعرهم، ورصد كافة
الفئات على اختلاف مشاربهم، وجمعهم في عالم واحد،
والهند ليست غريبة عنا، أو ثقافتها دخيلة، أو مغتربة
عنا، وبخاصة أنها من البلدان النامية، وتشترك معنا في
همومنا بكثير من القضايا، وكانت ترزح أيضاً تحت وطأة
الاستعمار، وتمتلك جمهورها الكبير في الوطن العربي.
وعلى الرغم من أن الأفلام الهندية أغرقت جمهورها
العاطفي بالأحلام الوردية، والمصادفة الساذجة، إلاّ
أنها أخرجته في هذه الساعات من وحدته، وحزنه إلى عالم
ليس بأقلّ من عالم "أليس في بلاد العجائب" ليتمتع،
وينبهر بساعاتٍ سحرية، وأحلامٍ دون كيشوتية، وينسى همّ
عمله، ومصاعب حياته، باحثاً عن متعةٍ لحظية.
أطلق البعض تسمية بوليوود كنموذج بدائي فجّ، وخشن
لهوليوود، والبعض قال: لا تأمن لفيلم أمريكي، ولا تصدق
فيلماً هندياً، وتناسوا أن هذه السينما، على الرغم من
الكمّ الكبير لأفلامها الهابطة، إلاّ أنها سينما دائمة
المخاض، تضخ نجوماً يضاهون نجوم السينما العالمية،
ولهذا السبب، أو أسباب أخرى، ترفض الرقابة الأمريكية
الكثير من الأفلام الهندية، لأنها تستحوذ على شباك
التذاكر، وتيارها الواقعي يصطاد الجوائز في المهرجانات
العالمية مثل المخرجيّن : ساتيا جيت راي، ومرينال سن.
انتشرت هذه السينما انتشاراً واسعاً، ويفوق جمهورها
جمهور هوليوود كما قال المخرج الهندي بلوندي سنج:
"الجميع بدءاً من غرب تركيا يشاهدون أفلام هوليوود،
ولكن الجميع بدءاً من شرق تركيا يشاهدون أفلام
بوليوود، وفيما يتعلق بالكمّ، فإن عدداً أكبر من سكان
العالم يشاهدون أفلامنا".
إن عدد صالات العرض في الهند حوالي 11 ألف صالة
(إحصائية تعود إلى عام 2000)، ويومياً يرتادها حوالي
12 مليون مشاهد، وكانت السينما الهندية تعاني في مرحلة
ما قبل الاستقلال من مشكلة تعدد اللغات الرسمية،
فالأفلام كانت تنطق 18 لغة رسمية أهمها "هندي- تلغو –
تاميل – بنغالي – ماليام سينما كيرلا - بنجابي......)
لكن، بعد حصول الهند على استقلالها عام 1947، وانفصال
باكستان عنها، شهدت تلك الفترة اضطرابات، وحروباً
أهلية، فاتخذت مساراً جديداً، ورأى جواهر لال نهرو
الذي تولى حكم البلاد آنذاك، أن السينما وسيلة لنقل
رسالة وطنية إلى شعبه، ووسيلة لوحدة الأمة الهندية،
وجعلها اللغة المشتركة للأمة الهندية التي تنطق 18 لغة
أساسية كما ذكرنا آنفاً.
السينما الهندية طاولة مفتوحة فيها أشهى المأكولات من
أغانٍ، ورقص، وتراجيديا، وعنف، فهي كوكتيل بما تحتويه،
وباب للأحلام الوردية، والرخيصة لجمهور متعب، ومشاهد
القبلات التي وجدت مؤخراً ليست بصيغة الوقاحة
الأمريكية، أو الجنس المبتذل في السينما العربية، فهم
ما زالوا محافظين على تراثهم ليبقى فيلم العائلة
المفضل، وصديق الرحلة في حافلات السفر، بيّد أنها
اتجهت نحو تصوير القبلات التي كانت ممنوعة سابقاً، حيث
كانت الإيحاءات سابقاً تبدو من وراء الأشجار، أو مشهد
طائرين يتعانقان، يقول الناقد أركوز دوزا:
"نحن نصنع الأفلام التي يمكن مشاهدتها مع العائلة،
وعندما يظهر على الشاشة عناق، فإن الأب يبدأ بالتلويّ
في مقعده، وتنظر الأم تنظر إلى الناحية الأخرى، أما
الأولاد، يقهقهون، والمناديل تخفي وجوههم".
ولكن مشاهد القبلات أليست أفضل من مشاهد العنف،
والدمار التي يستقبلها الجمهور بدون رقابة، في هذا
الصدد يقول المخرج منصور خان:
"في بلادنا، القبلة الوديعة مرفوضة، بينما مشاهد العنف
المقززة، والسوقية إلى أبعد حدّ تمرّ، وبسهولة، ودون
أيّ رقيب".
ولا شك أن الكتابة في سينما بوليوود تعتمد على دغدغة
مشاعر الجمهور، وتخاطب عواطفهم لا عقولهم، لها قواعد
يقدسها المنتجون، والمخرجون الهنود، ونمطيّات ثابتة
يحبذها صُناع السينما هناك:
العالم ضيق جداً: قد يغرق البطل في السيل، وتحمله
أميالاً بعيدة عن داره، ولكن، من ينقذه دائماً شخص على
صلة قربى معه (الدنيا صغيرة)، أو حكاية الابن الضائع
موضوع مستعمل بكثرة، حيث يصيب الافتراق أخوين يعيشان
في قرية، ومنذ الطفولة يفترقا بسبب (كارثة طبيعية، أو
إثر حادث غالباً قطار)، ويكبران في نفس المدينة،
أحدهما يصبح شرطياً ذو أخلاق عالية، والآخر شقي لكن
قلبه طيب، ولكن حينما تتشابك الأحداث، وتجبر الظروف،
والواجب على إطلاق النار تتوضح القرابة (شامة - صورة
مفقودة - قلادة)، ويجتمع شمل الاثنين.
الأشرار يولدون شياطين سادية مجسدة، ولدت بنفس درجة
الشر، والسيجار في الفم مع رفع الحاجب الأيسر، وفي
الغالب يكون للشرير ابنة جميلة طاهرة لا تحمل صفة من
صفات والدها.
كلّ الناس أقرباؤك، أنت لا تدري عدد من هم أقاربك،
ويحيطون بك طيلة الفيلم، في نهاية الفيلم يلتقي نحو
عشرين شخصاً (أب – أخت – الأم - الابن......).
التحولات واردة، فالناس أحياناً يكرهون بعضهم لدرجة
القتل، ثم فجأة - دون سبب- يحبون بعضهم لدرجة البكاء.
التوابل شهية دائماً: ثلاث ساعات من الحب، والمطاردات،
والبكاء، والعصابات، والغناء، والرقص، والجنس.
المبالغة في التمثيل هي القاعدة.
ست، أو سبع أغاني عدد معقول جداً في الفيلم.
انتصار الخير على الشر حتى يتمكن المتفرج من الخروج
مرتاح البال، ومطمئن الخاطر.
خلق أحداث جانبية لا تمت بصلة لقصة الفيلم يمكن حذفها
كلّها في المونتاج، والهدف منها إطالة الفيلم إلى ثلاث
ساعات.
بقيت هذه القواعد مسيطرة على الأفلام الهندية حقبة من
الزمن، إلاّ أن الكثير من السينمائيين تحرروا منها،
وتعلموا كيف يقولون الحقيقة، يقول المخرج مرينال سن:
"سأصرخ من فوق سطح بيتي، وأقول أن السينمائيين الهنود
الجدد تعلموا أن يقولوا الحقيقة، وهذا مدهش..!"
في عام 1896 ظهرت السينما في الهند لأول مرة في السابع
من يوليو على يد بعثة من العاملين لدى شركة الأخويين
لوميير، ولاقت إقبالاً جماهيرياً واسعاً، وتحت تأثير
العرض قام المصور الفوتوغرافي الذي كان يملك استديو
خاص باستيراد كاميرا سينمائية من لندن كلّفته 21 جنيه
إسترليني، وقام بتصوير مجموعة من الأفلام.
في عام 1913عُرض أول فيلم روائي صامت
Raja
Harishchandra
للمخرج
Dadasaheb
Phalke
ومن الجدير بالذكر أن الأدوار النسائية لم تؤديها
الممثلات إنما ممثلون .
في عام 1926-1927 الهند تنتج ثلاثة أضعاف ما تنتجه
بريطانيا العظمى التي كانت تستعمرها.
في عام 1930 أنتج أول فيلم هندي ناطق
Alam ara
من إخراج:
Ardeshir Irani، وكان
الرقص، والموسيقى يشغلان الحيز الأكبر .
في عام 1935 أنتجت الهند 233 فيلم ناطق مقابل سبعة
أفلام صامتة.
في عام 1947 حصلت الهند على استقلالها.
في عام 1956 حصل فيلم المخرج الهندي ساتيا جيت راي "
Pather
Panchali"
على جائزة تقديرية من مهرجان كان، ووصف بأنه أفضل
أفلام المهرجان، كما حصل على عدة جوائز أخرى في
مهرجانات عالمية.
في عام 1957 يفوز فيلم ساتيا جيت راي
Aparajito
بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان
فينيسيا.
في عام 1988 حصلت المخرجة ميرا نايير على جائزة
الكاميرا الذهبية في مهرجان كان عن أول أفلامها
Salaam Bombay! |