وُلد المخرج علي عباسي في إيران، وعاش فترة الجرائم
الجنونية التي ارتكبها القاتل سعيد هنائي، واعتقاله
عام 2001.
كان علي عباسي قد شاهد الفيلم الوثائقي
And Along Came A Spider
لمازيار بهاري، والذي بدأ عرضه عام 2002 بعد شنق
القاتل هاني، في تلك اللحظة، تفاجأ المخرج بشعورٍ
معينٍ من التعاطف مع القاتل
*****
بطريقةٍ ما، شخصية الصحافية رحيمي في الفيلم موجودة في
الواقع (هناك بالفعل مراسلةٌ في الفيلم الوثائقي
لمازيار بهاري تتحدث عن القضية أمام الكاميرا، وتُقابل
سعيد).
عمل علي عباسي على هذه القضية منذ ما يقرب من خمسة عشر
عاماً، في النسخ الأولى من السيناريو، ظلّ مخلصاً جداً
للحقائق، ثم بدأ يتساءل لماذا كان يكتب هذا الفيلم، في
النهاية، لم يسعَ إلى إعادة بناء القضية، بل طرح نقطةً
أوسع.
اختار الإشارة إلى سعيد كمذنبٍ في بداية الفيلم،
وبالتالي، عكس رموز الإثارة الكلاسيكية حيث نكتشف
تدريجياً هوية القاتل المُتسلسل.
مدينة مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران من حيث عدد
السكان، هي شخصيةٌ بحدّ ذاتها في الفيلم، إنها واحدةٌ
من أقدس الأماكن للمسلمين الشيعة، إنها أيضاً مدينة
غنية، تقع بالقرب من الحدود الأفغانية، وعالمية جداً،
حيث يزورها الحجاج من جميع أنحاء العالم.
تمّ اختيار الفيلم في مسابقة مهرجان كان السينمائي
2022، حيث حصلت الممثلة زار أمير إبراهيمي على جائزة
أفضل ممثلة.
يؤدي دور القاتل المُتسلسل سعيد مهدي باجستاني، ممثلٌ
مسرحيٌّ، وسينمائيّ.
أراد علي عباسي توظيف ممثل كانت خلفيته - جزئياً -
مشابهة لخلفية شخصيته.
فكر أولاً بتصوير الفيلم في إيران ثم في تركيا، لكنه
استسلم أخيراً بسبب الرقابة التي ابتليت بها الأنظمة
الخاصة بهاتيّن الدولتين، وفي النهاية صوّر في عمان،
الأردن.
يتحدث المخرج عن الفيلم:
لا تزال لديّ علاقاتٍ مع إيران، لكن، في عام 2001 كنت
أنتقل إلى أوروبا للدراسة، ثم كانت هناك هجمات 11
سبتمبر، وقبل ذلك، موجة القتل، واعتقال سعيد.
لم أكن مهتماً جداً بقضية جرائم القتل التي حدثت قبل
عامّ، لأن ظاهرة القتلة المتسلسلين شائعة في إيران.
أصبحت مهتماً بالقضية عندما ظهر سعيد كبطل - وقيل إنه
كان يؤدي واجبه الديني بقتل العاهرات في شوارع مدينة
مشهد.
كنت أتوقع نوعاً من بافالو بيل، القاتل في فيلم "صمت
الحملان"، لكن سعيد كان كاريزمياً، وأعطى انطباعاً
بأنه ساذجٌ، أو بريء.
وبما أنه لم يكن معتاداً على وسائل الإعلام على
الإطلاق، فقد أدلى بتصريحاتٍ أمام الكاميرا تتعارض مع
مصالحه.
ومع ذلك، بدا سعيداً، وكأنه قد سامح نفسه على جرائمه،
لم يكن من النوع المتلاعب، وكان يتحلّى ببعض الصدق.
لا يعني ذلك أنني أحببته، أو أنني موافق على أفعاله،
لكنها جعلت قصته، وشخصيته أكثر تعقيداً مما كنت أتخيل.
على الرغم من أن الصحفية الأصلية من مدينة مشهد، إلاّ
أنها لم تحقق في جرائم القتل، لقد نشرت مقالًا ممتازاً
عن إعدام القاتل، ومنذ تلك اللحظة بدأت أهتمّ
بالموضوع.
وهي كتبت على وجه الخصوص أن كلماته الأخيرة كانت "لم
يكن من المفترض أن تجري الأمور هكذا"، مشيرةً إلى أنه
ابرم صفقة مع الحكومة.
بمرور الوقت، سمحت لنفسي بالابتعاد عن الحقائق، لأنني
شعرت أن هذه القضية لم تكن تتعلق فقط بسعيد – ولكن
بكراهية النساء.
أصبحت شخصية الصحفية رحيمي بنفس أهمية شخصية سعيد، من
وجهة نظر درامية، بدا منطقياً أن تتقاطع المسارات.
لكن الشيء الأكثر روعة في نظري في رحلة سعيد هو أنه
تمّ الاحتفال به كبطل.
هذا الفيلم لا يتناول البعد الغامض لقاتل متسلسل،
ولكن، عادية حياة سعيد، رجلٌ خشنٌ، ومسطح، بالنسبة لي،
هذا الأمر أكثر إثارة للاهتمام من شخصية أسطورية مثل
بوفالو بيل.
تقع مدينة مشهد على طريق المخدرات، بين أفغانستان
وأوروبا، هاتان الحقيقتان غير مرتبطتين بشكلٍ مباشر،
لذلك، فهي مدينة صناعية ذات جانب مظلم، ولكنها أيضاً
موقع ديني مشهور.
الدعارة منتشرة هناك، لا جدوى من الذهاب إلى منطقة
معينة، فالبغايا معروضة في كلّ مكان، أمام أعين
الجميع، بما في ذلك بالقرب من المسجد.
أعتقد أن الدعارة مسموحٌ بها لأنها قطاعٌ اقتصادي، وهو
جزء من النشاط "السياحي" للمدينة، ونتيجة لذلك تغضّ
الشرطة الطرف عن هذه الظاهرة.
كانت زار أمير إبراهيمي بجانبي منذ البداية في هذا
المشروع، وإذا كان هناك أيّ شخص يمكنه المُشاركة في
كتابة الفيلم بالإضافة لي، والمنتجين، فقد كانت هي.
كانت نجمة تلفزيونية مشهورة في أوائل العقد الأول من
القرن الحادي والعشرين في إيران، ولكن تمّ تسريب مقطع
فيديو صريح لها، وهو أمرٌ غير مألوف أبداً في مجتمع
صارم، ومحافظ للغاية.
بدأ الناس في بيع الفيديو الخاص بها في الشوارع، وهذا
أنهى مسيرتها الفنية، ولم تتمكن من العثور على وظيفة،
وانتهى بها الأمر بمغادرة البلاد.
كانت في البداية المسؤولة عن الممثلين في فيلمي، لكن،
بما أنه كان علينا إيجاد ممثلة جديدة لرحيمي في اللحظة
الأخيرة، فقد اعتقدنا أنه سيكون من الرائع إعطاء الدور
لزار.
معها، تطورت الشخصية، غرست زار في رحيمي الإحباط الذي
ربما شعرت به في حياتها العامة، والخاصة عندما تسرّب
الفيديو.
مهدي الذي يمثل شخصية القاتل هو من منطقة مشهد، ويعرف
كيف يتبنى نفس اللهجة الشعبية مثل سعيد، إلى جانب ذلك،
هو ممثل رائع، ومستعد لتجربة أشياء محظورة في إيران.
قد لا يدرك المشاهدون الغربيون المخاطر التي يمكن أن
يتعرض لها من خلال هذا الدور، لكن الأمر أشبه بنجم
هوليووديّ يلعب دور شخص مغرم بالأطفال يغتصب الأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، يحاول إضفاء الطابع الإنساني على
شخصٍ بغيض، وهذا مرةً أخرى، أمرٌ خطير.
أردت بشكلٍ خاص أن نعيد إنشاء الجانب المظلم من مدينة
مشهد بطريقة موثوقة، وقد استوفى الأردن جميع معاييرنا.
لقد وجدنا مكاناً ما يمكن أن يكون في أيّ منطقة في
الشرق الأوسط، اعتماداً على وجهة النظر التي تبنيناها.
كانت لدينا ميزانية محدودة، ولأسبابٍ سياسية، وأمنية،
لم نتمكن من شحن الكثير من الإكسسوارات من إيران،
لذلك، كان علينا إعادة بناء عناصر معينة من الديكورات،
بأفضل ما نستطيع، في عمان.
أزلنا اللافتات، والأعلام من بعض الأماكن، وأضفنا
الملصقات التي استدعت حالة إيران، وقد نجح هذا الأمر
جيداً لأن هناك العديد من المناطق الصناعية العادية في
الأردن كانت بالضبط ما كنا نبحث عنه. |