لطالما كان عمل ستيف ماكوين ثقيلاً، وصارماً، ولكنه مع
إحساسٍ واضحٍ بالهدف، فمن المُحتمل أن يكون المُشاهد
أكثر درايةً بأفضل أفلامه Twelve Years a Slave
الحائز على أوسكار أفضل فيلم عام 2014، بينما أفلام
ماكوين الأخرى تصوّر مدمناً جنسياً في Shame
عام 2011، والإضراب عن الطعام في السجن الأيرلندي
في
Hunger
عام 2008، فإنه في فيلم Widows
"الأرامل" 2018 تتشارك بعض الألوان القاسية لأفلامه
السابقة، ولكنها ملاءمة أكثر للجمهور العامّ.
في "الأرامل" يقدم ماكوين أداءً قوياً لمجموعةٍ ثرية
تضمّ فيولا ديفيس الفائزة بجائزة الأوسكار عام 2017،
عبر قصة كتبها ماكوين وجيليان فلين المأخوذة عن رواية
Gone
Girl،
فالقصة مثيرة للاهتمام عبر حبكتها، وبناءها الغريب،
وغير المباشر، ويسهل فهمها أكثر من بقية أفلام ستيف
ماكوين، فهو فيلمٌ يشكل خليطاً نادراً من العمل
اللطيف، والانتقادات الاجتماعية اللاذعة.
تمّ الكشف عن إيقاعات الحبكة المُبكرة بطريقةٍ غير
مباشرة، لإرشاد الجمهور إلى أنه لن يتمّ الكشف عن كلّ
شيءٍ بشكلٍ طبيعيّ في هذه القصة.
حيث بدأنا نرى عملية سرقة قيّد التنفيذ، من خلال قيام
أربعة رجال بسرقة مبلغ كبير من المال، لكن كلّ هذا
الفعل قد تكشّف بوضوحٍ أنه في الماضي، حيث تمّ قطع
السرقة بمشاهد لأربع نساءٍ يتفاعلن مع الرجال الذين
يقومون بالسرقة.
لا تسير الأمور على ما يرام، ثم نرى كلّ امرأة بمفردها
تستعدّ لحضور جنازاتٍ مختلفة لرحيل أعزاء على قلوبهن،
إنه تكنيكٌ رائعٌ لتقديم القصة، وتعريفنا بالمجموعة.
ترأس فيولا ديفيس تلك المجموعة، وهي الأفضل فقط، فهي
تلعب دور فيرونيكا رولينغز_ زوجة هنري_ لصٌّ محليّ
مشهور (ليام نيسون).
بينما النساء الثلاث الأخريات اللائي يحملن نفس اللقب
(أرامل) هنّ أليس (إليزابيث ديبيكي)، وليندا (ميشيل
رودريغيز)، وأماندا (كاري كون).
وفي الوقت الذي تعاني فيه فيرونيكا من حزنها، يزورها
رئيس الجريمة المحلي الذي تحوّل إلى سياسيٍّ يُدعى
جمال مانينغ (بريان تيري هنري)، هو الذي يريد الخروج
من اللعبة، وكذلك الترشح لعضوية المجلس المحلي ضدّ جاك
موليغان ( مولين فاريل) ابن من يشغل المنصب منذ فترةٍ
طويلة، وتلك المليونيّ دولار التي سرقها هاري كانت
تخصّ جمال، الذي يهدد فيرونيكا مع تابعه جاتيم مانينغ
(دانيال كالويا)، ويصرون على أنها يجب أن تجد طريقةً
لسداد المال.
عندما تكتشف يومياتٍ تعود لهنري، تشرح بالتفصيل كلّ
سرقاته السابقة، وتضع بدقةٍ مخططاً لمهمةٍ جديدة بقيمة
5 ملايين دولار، تعرف فيرونيكا تماماً ما ستفعله
لتسديد أموال رئيس العصابة، سوف تقوم بتجنيد الأرامل
الأخريات للحصول على النتيجة المرجوّة بدقةٍ عالية.
طاقم الممثلين مجهزٌ تجهيزاً جيداً للتعامل مع قصة
الجريمة التي كتبها ماكوين، حيث تستطيع ديفيس أن تنتقل
ببراعةٍ ما بين بعض المشاعر العاطفية المُفجعة، وأمور
الزعامة النسائية في عالم الجريمة.
كما أن ديبيكي، ورودريغيز قادرتان أيضاً على ذلك، على
الرغم من أنهما تضطران إلى تلوين شخصيتيّهما ببعض
الرفض، وبعض اليأس، يجعل إجرامهما قابلاً للتصديق.
الرجال في القصة رائعون أيضاً، كولين فاريل هو النوع
المثالي من الشبان الكبار الأثرياء الطيبين، اليائس من
الهروب من ظلّ والده الطويل، ولكنه يعتمد بشكلٍ وثيقٍ
على نفوذه الكبير، بينما هنري زعيم العصابة العظيم
المخيف لكن بحذر.
شخصية كالويا هي الوحيدة الأضعف بالنسبة لي، ففي مراتٍ
عديدة فقط يمكننا مشاهدته فيها يخيف شخصاً ما، ويمزقه
قبل أن يصبح الأمر مملاً بوتيرةٍ واحدة، ونفهم بأنه
شخصٌ لئيم.
تتكشف قصة "الأرامل
" ببطءٍ، وغموض، هناك شعورٌ بأنك تتابع فيلم نوار
بالمُجمل، لأنه لا يُعرف سوى القليل في البداية،
والأمر متروكٌ لفيرونيكا لكشف النقاب عن تفاصيل جديدة
لسدّ الثغرات.
لكنه ليس فيلماً "غامضاً"، أو حتى قصة جريمة خالصة،
إنه فيلم سرقة يحتوي على عناصر صغيرة من هذه الأنواع
الأخرى، إنه فيلم شعبيّ (pulp
fiction)
مع الكثير من التميّز.
لا تنظر أبعد من التصوير السينمائي الذي استخدمه
ماكوين، كان دائماً معجباً بالمشاهد الطويلة، لقطات
بسيطة تستغرق عدة دقائق (لا شيء يدهش أكثر من 17 دقيقة
بالقرب من ذروة الفيلم).
يمكن لماكوين أن يحزم الكثير من المعاني في الكاميرا،
وهو يفعل ذلك في "الأرامل" أثناء مشهد رائع لركوب
السيارة، بدأ كلّ شيء كجزءٍ من توقف حملة جاك موليجان،
حيث قدم السياسي الكثير من الوعود: وظائف جديدة، ومنح
للشركات الصغيرة، وما إلى ذلك، إنما لم يكن استقباله
من قبل الحشد الذي يغلب على سكانه من السود حماسياً
جداً، حتى عندما يتفاخر بقصص نجاحٍ لبعض من ساعدهم من
خلال برنامجه في الماضي، ويهتمّ المراسل بشكلٍ أكبر
ببعض التهم الجنائية التي وُجهت إليه مؤخراً، لكن جاك
يتجاهله، ثمّ يبدأ السحر.
عندما يركب جاك المقعد الخلفي من سيارته مع مساعده في
الحملة، ويتشاجر الاثنان حول اتجاه السباق، إنهما
يتشاجران من أجل الطموح، ومن أجل حياتهما، وحول
الطريقة التي تعمل بها هذه المدينة الغبية، مع عددٍ
قليلٍ من الصفات العرقية المُختارة.
طوال الوقت، تركز الكاميرا على الانعكاس من النافذة
الأمامية للسيارة أثناء انتقالها إلى المحطة التالية،
وفي مرة واحدة، تنعطف السيارة في الشارع، والتغيير في
المشهد صادم: حيث اختفت المنازل المتهالكة، والساحات
غير المنتظمة، والصراع من 9 إلى 5، وهنا سواتر
الاعتصام البيضاء، المنازل ذات مساحاتٍ تزيد عن 2000
متر مربع، والحلم الأمريكي.
استغرقت الرحلة بالسيارة لمدة دقيقتين حيث انتقل
السياسيّ من الحيّ الأسود الفقير إلى الحيّ الأبيض
الغني، وكان طوال الطريق يشكو من رجلٍ أسود، ويذمّه.
هذه هي أنواع البيانات الموضوعاتية التي يمكنك أن
تجدها موجهة في مشاهد مختلفة من "الأرامل
"، فهناك الكثير من الأفكار حول قضايا العرق، والطبقة،
ولكن، أيضاً افكار حول تمكين المرأة، والقوة.
المفاهيم التي تتعامل مع نطاق السلطة السياسية،
والتلاعب، والخداع، والتخويف الجسدي تظهر دائماً في
الخلفية، حيث تبدأ فيرونيكا في تجميع جزء صغير منها
معاً في قصة أكبر بكثير.
هناك مواضيع أخرى أكثر شخصية تمّت مناقشتها أيضاً، مثل
تكوين صداقات، وفقدان الأحبة، والتعثر تحت توقعات
العالم.
يوضح الفيلم أيضاً كيف يمكن تجميع كلّ شيء ضدّ
الأقليات، الذين يجب عليهم فعل كلّ شيءٍ بشكلٍ صحيح،
وأن يكونوا محظوظين للتمهيد من أجل الفوز.
إنه فيلمٌ مليء بالأفكار لاستكشافها من خلال المشاهدة
المتكررة، والتفكير العميق.
ستيف ماكوين صانع أفلام أنيق، ومتمرس، وكان كذلك قبل
ظهور فيلمه الطويلHunger
، لكن، كانت أفلامه دائماً تتجه للقضايا الأثقل، حيث
تتناول الإضراب عن الطعام، والإدمان على الجنس،
والعبودية.
"الأرامل" له نفس الوزن في الوقت المناسب، لكنه
بالمُجمل معدٌ في إطارٍ أكثر سهولة، وإرضاءً للجمهور،
ويبقى فيلماً من نوع أفلام السرقة طريّ، مع الكثير من
الحنان، والإحساس، والتعقل. |