تعريف الفيلم الوثائقيّ
يختصر البعض تعريف الفيلم الوثائقيّ بأنّه الفيلم غير
السينمائي، بينما يُعرّفه البعض الآخر بأنّه فيلمٌ
تعليميّ تثقيفيّ، والحقيقة أنّ التعريفين لا يقدمان
تعريفاً جامعاً مانعاً للفيلم الوثائقيّ، فالأول
يًعرّفه كمن يُعرّف المدينة بأنّها ليست القرية،
والآخر يقدم تعريفاً جامعاً يصدق على جميع الأفلام
الوثائقيّة، لكنه ليس تعريفاً مانعاً، بمعنى أنّ
الفيلم السينمائي، والفيلم التليفزيوني يزاحمانه في
هذه الخاصية، أيّ أنّهما يقدمان بشكلٍ أو آخر قدراً من
التعليم، والتثقيف.
والذي نراه أنّ تعريف الفيلم الوثائقيّ لا يخرج عن
اسمه، فهو مادة فيلمية توثيقية ووثائقية، توثيقية
بمعنى أنّها تسجل الأحداث والحقائق، وهي بذلك تُعدّ
أداةَ من أدوات تدوين تاريخ الوقائع والحقائق،
ووثائقية بمعنى أنّها تعتمد في مادتها على مرجعية
موثقة لا محلّ فيها للرأيّ والاجتهاد.
من المؤكّد أنّ طبيعة الأفلام الوثائقيّة بالمفهوم
سالف الذكر لا تجيز للمُعِد، أو السيناريست، أو المخرج
أنّ يغيّر في الحقائق الواردة في مادتها، وإلاّ فقدت
خاصيتها الأساسية باعتبارها تسجيلاً للحقائق،
والأحداث.
سمات الفيلم الوثائقيّ
سمات الفيلم الوثائقيّ هي العلامات التي يُدخلها
صانعوه، والتي تميز فيلماً وثائقياً عن غيره من
الأفلام الوثائقيّة الأخرى، هذا من جهة، ومن جهةٍ
أخرى، فإنّ الفيلم الوثائقيّ بطبيعته أقرب إلى العرض
التليفزيوني منه إلى العرض السينمائي، وذلك على عكس
الفيلم الروائي، فهو أقرب للعرض عبر شاشات السينما من
العرض عبر شاشات التليفزيون، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن
بقدرٍ من المعالجة الفنية تحويل الفيلم الوثائقيّ إلى
برنامج وثائقي قابل للبث الإذاعي اعتماداً على الصوت
فقط.
هدف الفيلم الوثائقيّ
لا يتمّ إنتاج الفيلم الوثائقيّ في الأساس بغرض
التسلية، والترفيه، قد يكون متصفاً بالإثارة والتشويق،
وهذا أمرٌ مرغوبٌ لمزيدٍ من الجذب، لكنه، في الأساس،
يسعى إلى هدفٍ رئيسي هو توثيق الحقيقة، وأية محاولة
للانحراف بالفيلم الوثائقيّ عن هذا الهدف بالتركيز على
عامل التسلية، والترفيه مثلاً على حساب طبيعته
التوثيقية يفقده طبيعته.
فإذا كانت الأفلام الروائية التي تعرّضت لبعض الأحداث
الواقعية قد تجاوزت في عرض الحقائق الثابتة، وأدخلت
عليها بعض التغييرات التي أثرت في جوهرها، فإنّ هذا
وإنّ كان مقبولاً بالنسبة للأفلام الروائية، فإنّه غير
مقبول بالنسبة للأفلام الوثائقيّة.
عناصر الفيلم الوثائقيّ
عناصر الأداء في الفيلم الوثائقيّ ليست كعناصر تمثيل
الفيلم الروائي، فمادام الفيلم الوثائقيّ هو فيلم
الحقائق، فإنّ عناصره تشترك في كونها غير تمثيلية، حتى
في الحالات التي يظهر فيها بعض ممثلي الأفلام
الروائية، والدراما في الأفلام الوثائقيّة، فإنّ
ظهورهم يكون مختلفاً كلياً عن الأداء التمثيلي، حيث
يظهرون بوصفهم مؤدين يعرضون حقائق.
حين يوصف الفيلم الوثائقيّ بأنّه يقدم للمشاهد مادة
علمية، فإنّ ذلك يعني بالإضافة إلى بعده عن الخيال في
الأحداث المكوّنة لمادته، وأخذه بمنطق إدراك الأشياء
بحقيقتها، أن يكون عرض الأحداث وُفق قواعد، وضوابط
المنهج العلمي في الطرح، فلا مجال فيه لفروضٍ لا يوجد
برهان على صحتها، ولا مجال فيه لعرض مسلمات لم يقمّ
دليل علمي على ثبوتها.
ينبني على ذلك أنّ الفيلم الوثائقيّ لا يمكنه أن يُبنى
على فرضيةٍ غير مؤكدة، أو غير ثابتة علمياً، أو مازالت
قيّد البحث، والدراسة.
فلا يعدّ فيلماً وثائقياً إذا كان مبنياً على ظاهرة
تداول الحديث عنها لكنها غير مؤكدة الحدوث، كانتشار
إشاعة سقوط نيزك، أو انفجار بركان.
ومع ذلك، يمكن أن يكون موضوع الفيلم الوثائقيّ ليس
الحدث نفسه، ولكن ما يدور حول حدوثه، أو عدم حدوثه من
جدل، ونقاش باعتبار أنّ هذا الجدل، والنقاش يُشكّل
ظاهرة اجتماعية واقعية ينبغي توثيقها تاريخياً.
انتشار الفيلم الوثائقيّ
لم تبلغ العروض السينمائية في أعدادها ما بلغته العروض
التليفزيونية بمجال الأفلام الوثائقيّة على الرغم من
أنّ نشأتها سينمائية مع ظهور السينما في بداية القرن
العشرين، أيّ قبل اختراع التليفزيون.
غير أنّ هذا لم يمنع من ظهور عروض سينمائية للفيلم
الوثائقيّ بين الحين والآخر، ويلاحظ على هذه العروض
أمران: أولهما أنّها في الغالب تحمل طابعاً روائياً،
أو قصصياً، وثانيهما أنّ معظمها يحمل طابع السير
الذاتية لشخصية من الشخصيات الشهيرة في مجالات العلوم،
والفنون، والسياسة، والاقتصاد، وغير ذلك.
لكن، ينبغي التأكيد على أنّ كثرة التدخل في السير
الشخصية من جانب صُناع الفيلم بحيث يحدث اختلاف كبير
بين الحقيقة والفيلم، يجعل هذا الفيلم يخرج من نطاق
الأفلام الوثائقيّة ليدخل في نطاق الأفلام الروائية.
واقع الفيلم الوثائقيّ
* الطابع شبه الاحتكاري لشركات الإنتاج.
* الطابع النخبوي للمُشاهدين.
* محدودية ساعات العرض.
أولاً: الطابع شبه الاحتكاري لشركات الإنتاج:
مازال إنتاج الفيلم الوثائقيّ على مستوى العالم بيد
بضعة شركات إنتاج كبرى، ويبدو أنّ جميع المحاولات
الفردية من جانب بعض الفنانين، وبعض الشركات الخاصة
الصغيرة لم تثبت قدرتها على منافسة تلك الشركات الكبرى
التي تمسك بإنتاج الأفلام الوثائقيّة بشكلٍ شبه
احتكاري مثل شركة ناشيونال جيوغرافيك، وشركة بي بي سي.
ثانياً: الطابع النخبوي للمشاهدين:
مازال جمهور الأفلام الوثائقيّة في غالبيته ينتمي إلى
فئات نخبوية من ذوي الثقافات المتنوعة، وهذا يعني أنّ
الجماهير الشعبية، أيّ المنتمية إلى الغالبية العظمى
من الشعوب، لاسيما شعوب دول العالم النامي، مازالت
بعيدة عن مشاهدة الأفلام الوثائقيّة ومتابعتها، الأمر
الذي يدعو إلى البحث عن عوامل جذب لاستقطاب هذه
الشريحة العريضة من المشاهدين.
ثالثاً: محدودية ساعات العرض:
قياساً على ما يبثه التليفزيون من ساعاتٍ خاصة
بالمسلسلات، والبرامج بمختلف أنواعها، ونشرات الأخبار،
والعروض الغنائية، والموسيقية، والاستعراضية، فإنّ
الساعات المخصصة لعرض الأفلام الوثائقيّة تُعدّ ضئيلة،
بل ومن الملاحظ أنّ هناك قنوات لا تعرض الأفلام
الوثائقيّة مطلقاً، ولولا وجود بعض القنوات المتخصصة
التي تعرض تلك الأفلام على مدار الساعة لاتصفت عروض
الأفلام الوثائقيّة بالندرة. |