في فيلم "شعبان تحت الصفر" (هنري بركات، 1980) مَشاهدَ
مُقحمة، ولكنها مرتبطة بآليات الفيلم الجماهيري، تلك
التي يغني فيها "أحمد عدوية" بعض أغانيه الشهيرة، وهنا
أتذكر كم ظلمنا هذا الفنان، وبالآن ذاته، احتقرنا
الملايين الذين أحبّوه.
بعد سنواتٍ من توقفه عن الغناء، وسماعي لأغانيه في
الفيلم، يبدو لي، بأننا ظلمناه كثيراً، لقد كان ظاهرةً
حقيقيةً في الغناء في فترةٍ ما لم تنطلق من فراغ، وكما
ظلمناه بأذواقنا المتطورة جداً، وأقلامنا المتهورة
جداً، يتوّجب علينا اليوم، أو غداً، إعادة الاعتبار له
مغنياً شعبياً ظريفاً، ولطيفاً، وطريفاً، أعجب، وأطرب
الملايين من الفقراء، والأغنياء على حدٍ سواء، إلاّ
نخبةً متعجرفةً، متعاليةً تنظر إلى هذا النوع من
الغناء، والطرب نظرةً دونيةً، سوف يُثبت التاريخ بأنها
كانت قاصرة عن فهم متطلبات الجمهور، وأذواقه المتغيرة،
وضرورة التنوّع، والتعددية في الغناء، والفنون بشكلٍ
عام.
كما الحال في الدور الصغير الذي يؤديه الفنان الراحل
"علي الشريف"، وهو الذي انطبع في ذاكرتي منذ أن شاهدته
في مشاهد متألقة من بعض الأفلام، وخاصة "عودة الابن
الضال" (يوسف شاهين 1976)، "العصفور" (يوسف شاهين
1972).
وفي نفس الوقت، أتساءل: لماذا توقفت الفنانة "إسعاد
يونس" عن مسيرتها التمثيلية، وتحولت إلى الإنتاج،
والتوزيع، وهي التي امتلكت مواهب، وقدراتٍ لا تقلّ عن
ممثلي الكوميديا الرجال.
******
في فيلم "غزل البنات" من إخراج أنور وجدي، وإنتاج عام
1949 الذي تسنى لي مشاهدته في صالة سينمائية بمناسبة
إحدى دورات مهرجان الفيلم العربي في برلين، وفي بداية
أحداث الفيلم، لفت الناقد السينمائي المصري كمال رمزي
انتباهنا إلى تواجد الممثلة هند رستم في المشهد الذي
تغني فيه ليلى مراد أغنيتها "إتمختري، وتميلي يا خيل،
وإرقصي ويّا عرايس الليل..."، واستغرق المشهد أكثر من
أربع دقائقٍ بقليل هي مدة الأغنية نفسها، والتي تبدأ
بايقإعاتٍ تُحاكي إيقاعات حوافر الأحصنة التي تتهادى،
ورُبما يُعتبر الظهور الأول للممثلة هند رستم في
السينما .
******
"الراهبة" من إنتاج عام 1965 لمخرجه حسن الإمام، تدور
الأحداث كلها في لبنان بينما يمثلها ممثلون مصريون
يتحدثون باللهجة المصرية.
وكما حال فيلم "شفيقة القبطية"، جاء "الراهبة" فيلماً
مسيحياً بامتياز
كتب محمود الزيباوي
"على عادته، أمعن "مخرج الروائع" في إبراز وجه
الخاطئة، كما أمعن في تصوير وجه التائبة، وتخطّى الحد
الذي رسمه في "شفيقة القبطية" ليصوّر هنا "أعجوبة
مسيحية" من أغرب عجائب السينما، وذلك في مشهد تتضرّع
فيه هند رستم بحرارة إلى مريم العذراء كي تبعد أختها
شمس البارودي عن الوقوع في الخطيئة، فتستجيب العذراء،
وتنجو الفتاة بإشارة من السماء في اللحظة التي شارفت
السقوط في التجربة".
******
في فيلم "الزواج على الطريقة الحديثة" من إنتاج عام
1968، وإخراج صلاح كريم، يبدأ الفيلم بمشهدٍ يثير
الانتباه حقاً، يجعلنا نفكر، هل كان هذا الأمر يحدث
فعلاً أم أنه جزءٌ من التركيبة الجماهيرية المُتخيلة.
يدور المشهد في غرفة ضابط شرطة تجمهر أمامه كلّ ممثلي
الفيلم، وكل واحد منهم يريد أن يحكي الحكاية، وعلى عكس
ما تعودنا عليه، يتحدث الضابط معهم بلطفٍ، والابتسامة
لا تفارقه، ويطلب منهم بهدوءٍ، واحترام أن يتحدثوا
واحداً بعد الآخر.
هل كان هذا الأمر يحدث فعلاً في نهاية الستينيات، هل
كانت هناك تعليمات عليا بأن يظهر ضابط الشرطة في أنقى
صورة؟
******
كانت الممثلة المصرية عائشة الكيلاني واحدة من النساء
الأربعة اللاتي يتزوجن (بالجُملة) من الدكتور محمود
(محمود عبد العزيز) في فيلم "سيداتي آنساتي" للمخرج
الراحل رأفت الميهي.
وعلى الرغم من الفكر التقدمي، والمنفتح، والتمردي،
والثوري الذي يظهره رأفت الميهي في أفلامه، إلاّ أنه
هذه المرة يتعامل مع شخصية هذه الممثلة بتحقيرٍ،
وعنصريةٍ بسبب شكلها المختلف.
حيث جعلها، وعن عمدٍ، وإصرارٍ أضحوكةً لباقي الشخصيات
في الفيلم، وخاصةً الدكتور محمود، مع أنه لم يستعين
بممثلاتٍ أخريات فائقات الجمال: معالي زايد، عبلة
كامل، صفاء السبع.
وأعتقد بأن الميهي لم يكن الوحيد الذي وضع هذه الممثلة
في هذا الدور، كما أعتقد بأن السينما المصرية كلها لم
تمنح الممثلات "عاديات الشكل" في أدوار مهمة، أو
طبيعية على الأقلّ على عكس الممثل الرجل الذي كان أكثر
حظاً في هذه التفرقة الجمالية.
ملاحظةٌ لا تنفي عن الفيلم جدارته في تجسيد قضايا
مجتمعية حساسة بطريقةٍ مغايرة.
******
من الطرائف التي اكتشفتها متأخراً، هناك فقرٌ شديدٌ في
المعلومات المُتوفرة عن الأفلام المصرية، النقدية،
والتحليلية بشكلٍ خاص، وحتى في الموسوعة الإلكترونية
غوغل، عند البحث عن واحدٍ من هذه الأفلام، فإن معظم
الروابط التي تظهر عنه تدعونا إلى مشاهدة، وتحميل هذه
الأفلام، أيّ دعوة صريحة إلى القرصنة، ويتوجب التحايل
على عملية البحث كي يعثر أحدنا على كتاباتٍ نقدية، أو
تحليلية عن فيلم ما.
وعندما طلبت من أصدقاء مصريين بأن يجلبوا لي مجموعةً
من الأفلام المصرية مهما كانت نوعيتها، أو تاريخ
إنتاجها، وجدت بأن معظمها من توزيع شركة السبكي.
والملاحظة التقنية الأهمّ، بأنها معبئة في مغلفات
بلاستيكية رديئة الصنع، مفتوحة مسبقاً، أو لا يمكن
إغلاقها، وحالما نفتحها، تقفز الأقراص من مكانها،
وبدون انتباه يمكن أن تسقط على الأرض، وتنكسر،
والطريف، بأنها كلها طُبع عليها صورة واحدة تجمع
مجموعة من ملصقات أفلام، والفيلم منسوخ على قرصين
عليهما صورة واحدة تتكوّن من كولاج مجموعة من الأفلام،
وعادة يشار إلى الجزء الثاني من الفيلم بخط اليد على
القرص نفسه، وأحياناً لم أجد أيّ إشارة، وكنت أجرب
تشغيل أحد الأقراص كي أعرف مع أيّ واحد أبدأ.
الأخطر من هذه الأمور التقنية الخاصة بالغلاف،
والأقراص، الجودة التقنية للأفلام نفسها، كلها منسوخة
عن شرائط ف إتش إس قديمة مستهلكة ولا تصلح للمشاهدة
الأدمية، الصورة باهتة، الحوارات غير مفهومة أحيانا،
الألوان باهتة، تتراقص على الصورة نقاط، وخطوط، حتى أن
الصورة في فيلم "الراهبة" كانت في بعض اللحظات من
الفيلم باهتة من اليمين، وفقدت ألوانها تماماً، وتحولت
إلى أبيض وأسود في شمال الصورة.
والعاملون في الصناعة السينمائية يعرفون بأن لأشرطة ال
ف إتش إس عمراً، وبعدها تصل الصورة إلى هذه المرحلة،
أو تكاد تختفي.
ولكن، يبدو بأن السبكي لا تهمه هذه الأمور التقنية:
جودة الصورة، ونقاء الصوت، ولا حتى منتجي الأفلام،
وموزعيها، أو صانعيها، ولا أعرف إن كان قد حصل على
حقوق توزيع فيديو لهذه الأفلام أم لا، أم وضع يده
عليها، وتركته الصناعة السينمائية بدون محاسبة.
باختصار، يستخدم بضاعة فاقدة الصلاحية، مغشوشة،
ومزورة.