يُعدّ التخطيط، والتصميم المُسبق المدروس، هو الأساس
الذي يمكن الانطلاق منه لصنعة الفيلم القصير، يبدأ من
الاختيار الدقيق لفكرة الفيلم، وماذا يريد أن يقول،
وكذلك، نوع حكايته، ذلك ما يتطلب تمرير قصة في وقتٍ
قصير، يمكن أن تتضمّن البناء الارسطي، بداية، ووسط،
ونهاية، فيما يرغب البعض بعدم الامتثال لهذا البناء،
فيذهب إلى التشكيل، والتركيب، والتداخل، وطرح المَشاهد
غير المُتجانسة، التي تبحث عن قدرات المتلقي الخاصة،
في الربط، والفهم، والتفسير، وبكلا الحالتين، نحن نبحث
عن فيلمٍ ممتعٍ بنوع قصته، وطريقة سرده، وأسلوب
مونتاجه، واتقان أداء ممثليه، وجمال لقطات مصوريه، بما
في ذلك الاجواء الخاصة للفيلم، والمستوى الدرامي الذي
يقود بؤر الصراع، والتنقلات، والمفاجآت، والغموض، وسحر
الحركات، مع التضمين الجمالي للعلامات، والإشارات،
والرموز، والايقونات، والايحاءات، الكاشفة للمعاني،
ويمكن الاشارة الى بعض الملاحظات التي يمكن أن تعزّز
من قيمة بناء، وصنعة الفيلم القصير، ومنها :
_لا يُحبذ أن يسود الفيلم لغة الأدب، والوصف، وكثرة
الحوارات، وعبارات الإنشاء، والشعر، ذلك، لأن رأسمال
الفيلم هو الصورة التي تتحمّل بثّ المعنى.
_لا يُفضل أن يناقش الفيلم المسائل البديهية، وإنما
الذهاب إلى الإنسان، وتطلعاته، ومعاناته، وحياته،
بألفته، واغترابه، والجمال، والوطن، والقيّم،
والأخلاق، والمفارقات، والعلامات المُثيرة الجذابة في
الحياة، وعوالم أخرى في الخيال، والتنبؤات، والأحلام،
والاحتمالات، ورفعة، وسمو المشاعر، وقصص الحب، وغيرها
من المواضيع، والقضايا الشائكة.
_يتطلب الفيلم خيالاً واسعاً في خلق عالمٍ فيلميّ،
يذهب بعيداً بمديّاتٍ ذهنيةٍ عميقة، تقود إلى
الابتكار.
_يتطلب إجادة اسلوب عرض افتتاحية الفيلم، ونهايته.
_من الخطأ أن نصمّم ديكوراً، أو نختار مكاناً لأحداث
الفيلم بما لا يمتّ به من صلة.
_لابدّ من توفر الوعيّ، والحرفة العالية باستخدام
الاضاءة للمَشاهد، وبما يلائم هدف، واجواء المشهد
النفسية، والانفعالية.
_من الواجب على المخرج أن يصمّم، ويضع حركاتٍ للممثلين
بما يُترجم طبيعة أفعالهم في أدوارهم، مع الاهتمام،
والأخذ بما يقدمه الممثل من فهمٍ، وتجسيدٍ متقاربٍ
للدور.
_الحذر الشديد من أخطاء الراكور التي تصبح محطّ دهشة،
واستغراب، وتساؤل المتلقي، والتي تفسد الشكل العامّ
للعمل.
_مراعاة مستوى حوارات الشخصيات المتنوعة، والعمل على
تنقيتها بما تلائم دور الشخصية، بناءً على خلفيتها
الثقافية، والاجتماعية، والمهنية، والتربوية، فليس من
المعقول أن تكون لغة حوارٍ لشخصيةٍ قانونية مثلاً تشبه
مفردات حوار شخصية حرفية كحدادٍ، أو نجارٍ، وغيرها من
الشخصيات المختلفة.
_الانتباه الدقيق الى حالات توظيف الاكسسوارات، بما
يلائم الفترة التاريخية للأحداث، مع مراعاة جودة بعض
القطع، والمقتنيات الآتية من فتراتٍ ماضية بوصفها
هدايا، أو اقتناءً شخصياً.
_ينبغي أن تكون المعالجة الاخراجية بمستوى رؤية
المخرج.
_من أهمّ مهارات المخرج، هي القدرة على تفسير النصّ،
وخلق رؤية خاصة به، مع الكفاءة العالية في تجسيد النصّ
إلى حكايةٍ بصريةٍ مشوّقة.
_للمخرج دوراً كبيراً في رسم الخطة الاخراجية للعمل
على الورق، وافهام طاقم التصوير، والانتاج بدقةٍ بكل
أشكال، وانواع حركات الكاميرا، واسلوب بناء المَشاهد،
وأن تكون مصمّمة بوقتٍ مسبق، والتخلي عن (المحاولة،
والتجريب في موقع التصوير بسبب عدم التهيؤ المُسبق)
مما يعطي انطباعاً سلبياً عن المخرج لدى الطاقم
الفنيّ، بما أقرب إلى عبارة (المخرج ما مضبط شغله).
_يمتلك المخرج دوراً قيادياً كبيراً في التعامل مع
الممثل المحترف بأسلوبٍ خاصٍّ لتوصيل ما هو مطلوب منه،
وكيفية التجسيد، وعدم ترك الحبل على الممثل، وكما
يشاء، وكذلك أيضاً له ذات الدور المهم في تعامله مع
ممثلٍ حديث العهد، وقليل التجربة، والعمل على خلقه
(نجماً جديداً) ، وتوجيهه في الأداء، والحركة،
والظهور، والتفاعل مع الممثلين في المشهد، وبالشكل
الذي يحقق قناعة، ورؤية المخرج.
الرؤية الاخراجية هي فلسفة المخرج في الفيلم، وكيف
يريد أن يوصل الفكرة الينا، ويمكن الاستفادة من خلال
مشاهداتنا السابقة لأعمال هذا المخرج، وتجاربه،
وافكاره، واسلوبه الذي تميز به، وتتطلب تغذية الرؤية
بإتقان الصورة، والحركة، والمشهد، وشكل الحركات،
والتكوينات، وما تتضمّن من تفاصيل في الإضاءة،
والألوان، والكتل، والحجوم، والخطوط، والرموز،
والعلامات، وكذلك ربط الشكل كله مع مضامين الحوارات،
ومعرفة ماذا يريد أن يقول.
_استخدام لقطات ذات قوة تعبيرية عالية، وبناء مشاهد
مثيرة بتكويناتها، وأفعالها، وقوة التجسيد.
_يتطلب الفيلم القصير وعياً عالياً بمعرفة قيمة الزمن،
من حيث دراميته، وفيزيائيته، ومدى خلقه للتأثير
التعبيري، والنفسي في الأداء، مع آلية الانتقال بين
الحاضر، والماضي، والمستقبل، فضلاً عن التمسّك بقيمة
سرعة الزمن في الأداء، وطول اللقطة، والمشهد بما يحقق
البعد التعبيري، دون ترهل، وتأسيس ايقاع يتناسب مع
البناء الدرامي، والنفسي، والعاطفي، والجمالي.
_تقنيات السرد، والايقاع، والاستمرارية، والتوقع،
تتطلب قدرة التحكم بسمة الايجاز، والتكثيف بتقنيات
دقيقة، ومحسوبة، بما يُبعد الفيلم من الثغرات،
والفراغات الميتة، ويُسهم في صنعة فيلمية متقنة
ذهنياً، وجمالياً على حدٍّ سواء.