"شاطئ الأسرار"، إخراج
عاطف سالم، وإنتاج عام 1958، يرتكزُ هذا الفيلم
الجماهيريّ التشويقيّ على آلياتٍ متعددة من الخداع،
سواء في التركيبة السردية للأحداث، وما تُظهره، وما
تُخفيه، أو العناصر الإخراجية المُتوفرّة، والمُتضافرة
مع السيناريو المُعتنى به إلاّ قليلاً.
ـ آليات خداعٍ عن طريق الكتابة الدرامية.
ـ آليات خداعٍ عن طريق العناصر الإخراجية.
ومنذ اللقطات الأولى، يدور المتفرج في حالاتٍ من
الخداع حول جريمة قتل عادل (محمود عزمي) من المُفترض
أنّ ممدوح (عمر الشريف) مُرتكبها لصالح عصابة تهريب
المخدرات التي ينتمي لها.
ومنذ اللقطات الأولى أيضاً، تقع عليّة أخت عادل
(ماجدة) في دائرة الخداع هذه: من هو ممدوح زوجها، ومن
قتل أخيها؟
ولا يتوقف الخداع عند هذا الحدّ، بدورها، الراقصة سنية
(تحية كاريوكا) تعيش حالةً من الخداع، وهي عشيقة الأخّ
المقتول عادل.
أفراد العصابة التي ينتمي إليها ممدوح هم أيضاً
متورطون بدون علمهم في مصيدة الخداع.
كلّ الشخصيات غارقة في شبكة الخداع هذه التي خطّط لها
السيناريو، أو بالأحرى ممدوح نفسه .. حتى الدقائق
العشرة الأخيرة.
هنا أحد آلياته، المشاهد الأولى من الفيلم:
* في الصورة رقم واحد، لا مجال للشكّ بأنّ ممدوح (عمر
الشريف) قد أطلق الرصاص على رجلٍ سوف نعرف لاحقاً بأنه
عادل (محمود عزمي) صديقه المُقرّب، شخصيةٌ سوف تصبح
محورية في الفيلم على الرغم من غيابها شبه التامّ.
* في الصورة رقم 2، سوف نشاهد ممدوح يدخل منزلاً (منزل
عادل) من الواضح بأنه ليس منزله، ولكن، من الواضح
أيضاً، بأنه يعرف تفاصيله، وبدل أن تلاحقه الكاميرا عن
قربٍ، فإنها تتابعه من خلف جدارٍ في حركة بانورامية،
وتمرّ مروراً لحظياً على صورةٍ معلقة على الجدار، ولم
يكن هذا الاختيار السينمائي صدفةً.
* يحرق ممدوح بعص الأوراق فوق مكتب عادل، وكأنه يتخلص
من وثائق ما، وهنا تأكيدٌ آخر بأنه القاتل.
* بعد أن تصل علية (ماجدة) إلى بور سعيد، وتبحث عن
أخيها عادل المُختفي، يضع لها ممدوح مفتاح بيت أخيها
في علبة البريد، تدخل علية إلى البيت، وتتوجه مباشرةً
نحو المكتب حيث وضع أخيها عادل صورتها، وللمرة
الثانية، تتابعها الكاميرا في حركةٍ بانورامية من خلف
الجدار حيث الصورة المُعلقة لأخيها، والتي نراها الآن
بوضوح أكثر، وعندما تعود إليها كي تتمّعنها، نعرف بأن
صاحب الصورة هو أخيها عادل، والذي لا تعرف شيئاً عن
مقتله إلاّ بعد أحداثٍ، وملابساتٍ كثيرة لاحقة، ويظلّ
المتفرج مقتنعاً بأن ممدوح هو القاتل.
* في هذه الدقائق العشرة الأولى، يعتقد المتفرج بأنّ
ممدوح هو نفسه أخيها عادل الذي تبحث عنه، ولا نفهم
لماذا يتهرّب من اللقاء بها.
هذه الإشارات/الاستخدامات سينمائية: حركة الكاميرا،
زوايا الكاميرا، الإضاءة، المونتاج، التأثيرات الصوتية
.. يمكن أن تمرّ بدون أن ينتبه لها المتفرج المُتابع
للحكاية، ولا الناقد الإنشائيّ الذي يصبح أهمّ ما سوف
يشغله في الكتابة وصف المشهد كهذا: بعد أن أطلق ممدوح
الرصاص على عادل، توجه إلى بيت المقتول، وأحرق بعض
الأوراق...إلخ.
وإذا لم يجد المتفرج في الثقافة السينمائية العربية
غير هذا النوع من الكتابات، سوف يتعوّد عليها، وتصبح
بالنسبة له مقياساً للنقد، وعندما يقرأ لناقدٍ آخر
ينبش في ثنايا اللقطات، سوف ينفر فوراً، ويعود إلى
الناقد الإنشائيّ، أو بالأحرى إلى حكواتي السينما، إن
لم نقلّ الجدة التي تحكي الحكايات. |