جاك باور هو بطل المسلسل التلفزيوني الأمريكي الشهير (24) في
موسمه السابع، وهو عميل مهم في وحدة مكافحة الإرهاب، تتركز مهماته
الميدانية على منع الهجمات الإرهابية، وإنقاذ حياة الأبرياء وزعماء
البلاد، ويؤدي هذه الشخصية باقتدار كبير الممثل كيفر سوذرلاند الذي حاز
عن هذا الدور على جائزة إيمي لأفضل ممثل في مسلسل درامي، ورشح لنفس
الجائزة في أعوام 2003 و2004 و2005 و2007 . كما حاز في عام 2002 على
جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثل في مسلسل درامي، ورشح لنفس الجائزة في
أعوام 2003 و 2004 و2005 و2006 و2007. وحاز في عام 2006 على جائزة
أفضل ممثل في مسلسل درامي في مهرجان مونتي كارلو للأعمال التلفزيونية.
المقالة التالية كتبها الصحفي ريك موران ونشره في الموقع
الالكترونـي
American
Thinker في يناير 2006:
في الأسابيع والشهور التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر،
ترددت مقولة أن أمريكا قد تغيرت ولم تعد كما كانت، وهذه المقولة أعطت
الجميع انطباعاً بأننا في حالة حرب، وأن هذا الصراع لن يكون كأي صراع
آخر تورطت فيه أمريكا، فهذه الحرب تختلف تماماً عن الحروب التي خاضتها
أمريكا في تاريخها المعاصر، ويعود السبب في ذلك إلى الطبيعة الانتقامية
للأعداء ورغبتهم في إبادة أكبر عدد ممكن من الأمريكيين تنفيذاً
لمخططاتهم الشيطانية.
كانت بلادنا عرضة للهجوم، والأعداء يسعون إلى امتلاك أسلحة
تدميرية لشن هجماتهم علينا، لذا فمن الضروري إفشال مخططاتهم ووقف
هجماتهم، لأن نجاح مهمتهم يعني دمارنا جميعاً.
في مثل هذه المواقف المتأزمة كان الخيار الوحيد المطروح في
الحرب على الإرهاب هو (الموت أو النصر). وكما كتب الأديب الانجليزي
صاموئيل جونسون ذات مرة: ( أن تركيز عقل المرء يكون أكثر صفاءً حين
يوقن أنه سيشنق خلال الأسبوعين القادمين).
هذه العبارة يمكن أن تساعدنا في فهم سلوك الشخصية الخيالية
(جاك باور) بطل المسلسل التلفزيوني المشوّق (24).
في ظروف مغايرة كان جاك باور سيوصم على أنه سفاح، فمن أجل
الحصول على معلومات عن العمليات الإرهابية يقوم بتعذيب المشتبه بهم
بشكل روتيني، وهو صاحب عادة سيئة إذ عادة ما يطلق النار على المشتبه
بهم ثم يطرح عليهم الأسئلة، أما خضوعه للمؤسسة الرسمية فهو يتفاوت
طبقاً للعمليات التي يقوم بها، وهو لا يعترف بمذكرات التفتيش، أو مقولة
أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أو مثل هذه الأمور التي تعتبر "حقوقاً
" يحظى بها حتى المجرمون في النظام القانوني الأمريكي، باختصار، جاك
باور يشكل كابوساً لدعاة الحقوق المدنية، الذين يرفضون ميوله العنيفة،
ورفضه التقيد بتعليمات وسياسات المؤسسة القانونية، ويفضلون إرساله
للسجن بدلاً من تحويله إلى بطل شعبي.
قد يبدو الأمر مبالغاً فيه حين نتحدث عن تأثير جاك باور على
الثقافة الأمريكية، فهو في نهاية الأمر ليس سوى شخصية خيالية في مسلسل
تلفزيوني، ولكن في الوقت نفسه، سيكون من الخطأ التقليل من شأن تأثير
جاك باور على عواطفنا ونحن نتابع مغامراته حلقة بعد حلقة.
فنحن نشاهده مبهورين وهو يطارد باستمرار أعداء الولايات
المتحدة بكل تصميم وإخلاص، غير آبه لمعارضة الأصدقاء أو الأعداء.
فهو يدير معاركه بكل إصرار وعنف سواء ضد بيروقراطية وكالة
الأمن القومي، أو في حربه ضد الإرهابيين الذين يسعون لتدميرنا، وهو في
ذلك يطبق مبدأ (النصر بأي ثمن)، وفي هذا السياق، يمكن أن نعتبر جاك
باور رجلاً خارجاً على القانون أكثر من كونه ممثلاً للقانون.
يمكن للأطباء النفسانيين أن يحللوا بواعث وتصرفات جاك باور،
لكن نتائج تحليلهم لن تقلل من إعجابنا بأساليب جاك وهو يطارد
الإرهابيين، ويعزو له شخصياً إحباط مخططات الإرهابيين، وهو مصدر أذى
لمسئوليه المباشرين الذين دائماً ما يتذمرون من أنه لا يلتزم بروح
الفريق في العمل.
أما زملائه في وحدة مكافحة الإرهاب
CTU
)
وهي
وحدة خيالية لا وجود لها في الواقع) فأنهم يدركون أن خمول
البيروقراطيين يمكن أن يكون سبباً في انتصار الأعداء، لذا فهم على
استعداد للتعاون مع جاك باور بشكل سري للتحايل على النظام عندما يكون
الأمر ضرورياً.
ويرجع سبب ولاء فريق الوحدة لجاك باور إلى أن جاك على استعداد
دائم لتحمل المسئولية وحده عندما تسوء الأمور، إضافة إلى استعداده
لمساعدتهم في حل مشاكلهم الشخصية والعاطفية التي تتكرر في معظم
الحلقات، وهو يتعامل معهم بكل لطف فكثيراً ما يكرر عبارة " من فضلك "
أو " شكراً " حين يطلب من أحدهم آخر تقارير الأقمار الصناعية، أو
المعلومات التي يحتاجها من مقر وحدة مكافحة الإرهاب، وهذا ما يضفي على
جاك باور صفة الملاك الأمريكي المنتقم.
الإشكالية هنا أن جاك باور يقوم بشكل روتيني بتعذيب المشتبه
بهم للحصول على المعلومات، ولكن المشاهدين يجدون التبرير لأفعال جاك،
فهو بحاجة إلى هذه المعلومات لإنقاذ حياة آلاف المدنيين. على سبيل
المثال نرى في إحدى الحلقات اقتحام قطار كان قد استولى عليه الإرهابيون
لسرقة حقيبة تحتوي على جهاز بإمكانه صهر كل المفاعلات النووية في
البلاد، يساق أحد الإرهابيين إلى وحدة مكافحة الإرهاب لاستجوابه،
ولكنه يرفض التعاون معهم، رغم أن هجوماً إرهابياً آخر سيقع بعد بضع
دقائق، يقتحم جاك باور حجرة التحقيق ويطلق النار على ركبة الإرهابي،
ويجبره على الاعتراف بمعلومات مهمة تمنع الهجوم الإرهابي التالي.
هل يمكن أن نطبق في هذه الحالة مقولة الغاية تبرر الوسيلة،
اعتقد أن جاك باور يؤمن بذلك، الأدهى من ذلك أن جاك يبدو في كامل هدوئه
وهو يقوم بمثل هذا الأفعال، فهو لا ينتابه أي شعور بالقلق أو عذاب ضمير
بشأن صواب أو خطأ ما يفعله، ولا تنتابه الكوابيس جراء عشرات الجثث التي
تتساقط أينما يذهب، جاك باور يؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة، وقد عاهد
نفسه على محاربة الإرهابيين، وفي سبيل ذلك لا شيء يثنيه عن نجاح
مهمته.
أننا نشعر بالرضا التام ونحن نتفرج على هذا النوع من اليقين،
ففي الحرب ليست هناك مناطق رمادية من وجهة نظر جاك باور، هو يراها إما
سوداء أو بيضاء، أشرار أو أخيار، ووجدنا أمريكا كلها تتبنى هذا الموقف
في الأوقات العصيبة التي مرت بها، وقد شاهدنا كريغ كراوفورد مذيع محطة
MSNBC
مؤخراً وهو يقارن تكتيكات جاك باور بأفعال الرئيس الأمريكي جورج بوش
لحماية أمريكا من الأشرار.
دون شك ينتهك جاك باور الدستور بشكل واضح، ولكن الأسئلة التي
تطرح حول شرعية أفعال جاك باور هي جوهرية أيضاً: إلى أي مدى يمكن أن
نذهب من أجل حماية بلادنا؟. فما دامت هناك حريات في أمريكا فالتوتر
سيزداد بين دعاة حماية الحريات المدنية ودعاة حماية الوطن، ولهذا
السبب، يجب أن نكون ممتنين لوجود رجال مخلصين أمثال جاك باور يتولون
مهمة حمايتنا. من المحتمل انهم لن يستخدموا أساليب جاك باور العنيفة،
ولكن نأمل أن يكون عندهم التصميم والرغبة في النصر عندما يتعلق الأمر
بإحباط مؤامرات الأعداء.
جاك باور الممزق نفسياً، مثل أمريكا نفسها، بين تأدية واجبه
الوظيفي بأية وسيلة كانت وبين القيم الأمريكية، لا يستطيع ببساطة
مساعدة نفسه، فهو يرى أن هذا العالم لن يكون في مأمن ما دامت تعيش فيه
مجموعة من السفاحين الذين لا تطرف لهم جفن وهم يقتلون المئات من الآلاف
من الأبرياء. أما نحن فمع اختلافنا مع بعض تكتيكات جاك باور إلا أننا
ندرك في نهاية الأمر بأنه شخص يعمل كل ما بوسعه لحمايتنا، وهذا ما يجعل
جاك باور البطل الأمريكي الأمثل لمرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر،
فهو لا يقف عاجزاً أو مكتوف اليدين أمام أي تهديد، وهو يضحي بحياته
الشخصية من أجل هدف أسمى، وفي هذا السياق، جاك باور رجل وطني بمعنى
الكلمة.
من الممتع حقاً مشاهدة جاك باور في مسلسل 24، فمآثره أصبحت
متنفساً لمخاوفنا عن الهجمات الإرهابية المحتملة مثلما هي متنفس عن شدة
النزاع بين الحريات المدنية والأمن القومي في أمريكا.
سينماتك في 12 مايو
2008
|