ملفات خاصة

 
 
 

محمد الأخضر حمينة:

صاحب التتويج الوحيد عربيًا في "كان"

عبد الكريم قادري

عن رحيل صاحب السعفة الذهبية

محمد لخضر حامينا

   
 
 
 
 
 
 

لم يكن محمد الأخضر حمينة مخرجًا عاديًا، بل كان سينمائيًا متفردًا، امتلك رؤيا خارقة، سمحت له بتجاوز حدود الموهبة، افتك بها واحدة من أهم وأعرق وأكبر الجوائز في مهرجانات السينما العالمية (جائزة مهرجان كان)، بل هو العربي الوحيد الذي نالها، ولم يكن هذا الفوز تكريمًا ولا تعظيمًا عابرًا لشخصه بوصفه جزائريًا أو عربيًا أو أي منطلق آخر، بل أخذها عن جدارة واستحقاق وكفاءة سينمائية يشهد لها البعيد قبل القريب، وبغالبية أصوات أعضاء لجنة التحكيم التي تشكّلت من أهم وألمع الأسماء في تلك المرحلة، إضافة إلى المنافسة القوية بين الأفلام المشاركة، إذ كانت متقدمة جدًا، دخلها الكثير من المخرجين المتحمسين، من الذين تسيدوا المشهد السينمائي العالمي بعدها.

ورغم مرور نصف قرن كامل على هذا التتويج النادر، إلا أن الجائزة بقيت حكرًا عليه هو وفقط عربيًا، وقد شهد مهرجان كان السينمائي من بعده، مشاركة العشرات من المخرجين العرب، لكن لم ينلها أي واحد منهم، ليرتبط اسم الجائزة دائمًا في المدونة السينمائية العربية، باسم محمد الأخضر حمينة.

الجائزة التي حصل عليها اسمها "السعفة الذهبية"، ونالها من مهرجان كان السينمائي سنة 1975، في الدورة الـ28 التي عُقدت من 9 إلى 23 أيار/ مايو في السنة المذكورة، وهي الجائزة التي تعتبر حلمًا لكل مخرج سينمائي، ومن لم ينلها سيحس دائمًا بأن مشواره السينمائي لم يكتمل، لهذا فإن هذا الإنجاز الذي تحقق لا يمكن الاستهانة أو الاستخفاف به مطلقًا، لأنه يعكس جهدًا ومسارًا وموهبة وعملًا دؤوبًا، وأحلامًا كبيرة، توحي بأن صاحبها يملك عينًا فنية، ترى ما لم يره غيره، لهذا فقد تقدم بخطى ثابتة، يتقد حماسة وثقة بنفسه وبعمله، حتى وصل إلى ما وصل إليه، بفضل ما كان يؤمن به، وانتقامًا لما حصل له في مهرجان كان السينمائي سنة 1967، وهو معطى سنعود له لاحقًا.

وقائع سنوات كان وأثرها على حمينة

أفلام كثيرة ومهمة وبارزة تنافست مع فيلم حمينة "وقائع سنوات الجمر"، من أجل الفوز بالسعفة الذهبية في تلك السنة، وهي لمخرجين مهمين من مختلف أنحاء العالم، مثل فيلم "أليس لم تعد تعيش هنا" للمخرج مارتن سكورسيزي، وفيلم "لغز كاسبار هاوزر" للمخرج فيرنر هرتزوغ، وفيلم "قسم خاص" لكوستا غافراس، كما شارك المخرج الياباني شوچي تيراياما بفيلم "الموت في الريف"، والمخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني شارك هو أيضًا بفيلم "المهنة مراسل"، إضافة إلى العديد من الأفلام المهمة. كما عُرض في تلك النسخة فيلم المخرج السويدي الكبير إنجمار بيرغمان خارج المسابقة الرسمية، وهو "الناي السحري".

حصل بعدها على العديد من الجوائز العالمية خارج كان، من بينها جائزة "البافتا" في بريطانيا سنة 1976، كما ترشح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، إضافة إلى العديد من الجوائز الأخرى.

وقد ضمّت لجنة التحكيم أسماء متنوعة بارزة، جاءت من عوالم السينما والأدب والصحافة، مما أضفى على تقييم الأفلام طابعًا دوليًا وثقافيًا غنيًا، ولقد ترأستها جان مورو (ممثلة فرنسية)، وضمت في عضويتها كلًا من أندريه ديلفو (مخرج بلجيكي)، وأنتوني بورجس (كاتب بريطاني)، وجيرار دوكو- روب (منتج فرنسي)، وجورج روي هيل (مخرج أميركي)، وليا ماساري (ممثلة إيطالية)، وبيير مازار (صحافي وناقد فرنسي)، وفرناندو ري (ممثل إسباني)، وبيير سالينجر (كاتب وصحافي أميركي)، ويوليا سولتسيفا (مخرجة وممثلة سوفياتية).

وبعد انتهاء المنافسة الشرسة بين الأفلام، ومداولة لجنة التحكيم المتنوعة، تم منح جائزة "السعفة الذهبية" لفيلم "وقائع سنوات الجمر" لمحمد الأخضر حمينة، وهو عمل سينمائي عبارة عن ملحمة، خط من خلاله حمينة تاريخ الجزائر النضالي، ويروي العمل حسب ما جاء في ملخصه، قصة "الجزائر بين عامي 1939 و1954 مرورًا بمراحل عمرية تروي حالة الجفاف الرهيب الذي أصاب الأراضي الزراعية، وقتل المواشي، ودفع الفلاحين إلى الهجرة نحو المدن، ثم ما حدث للجزائريين إبان سنوات الحرب العالمية الثانية، ثم حكاية الانتخابات بين الحرب، والاختيار الصعب الذي واجه الجزائر".

وقد كتب الناقد السينمائي البريطاني روي آرمز (Roy Armes) مقالًا نقديًا مهمًا عن الفيلم، رغم أنه عاب عليه الموسيقى التصويرية، والتي رأى أنها لا تعكس الهوية الجزائرية: "إنه فيلم مصوَّر بجمال، يتمتع ببريق أفلام هوليوود الملحمية، لكن لتحقيق هذه النتيجة، اضطر المخرج إلى التضحية بالكثير من الخصوصية الوطنية، على وجه الخصوص، كان النقاد معادين للموسيقى الأوركسترالية الفخمة التي وضعها المؤلف الفرنسي فيليب أرتوي، والتي لا تمت بصلة للتقاليد الموسيقية الجزائرية، ويمكن القول إن الأخضر حمينة يحقق شيئًا من الجودة الملحمية التي تميز بها لاحقًا ديفيد لين. وهذا إنجاز رائع في بلد لا يتجاوز عمر تاريخه السينمائي اثني عشر عامًا (وقت التتويج)؛ ولكن في الوقت نفسه، هذا النهج قابل للتساؤل من حيث أولويات بلد من العالم الثالث مثل الجزائر، التي بدأت في السبعينيات تلعب دورًا دوليًا متزايد الأهمية".

من البندقية إلى الكاميرا: المسافة تتقلص والطموح يزيد

ولد محمد الأخضر حمينة يوم 26 شباط/ فبراير 1934، وفي رواية أخرى سنة 1930، وهو المعطى الذي ثبّته بيان نجليه، من خلال البيان المشترك الذي أصدراه، ويتعلق الأمر بكل من مليك وطارق حمينة، حيث ذكرا بأنه توفي وهو في سن الـ95 سنة، ما يؤكد بأنه ولد سنة 1930، على عكس معظم المصادر التي ذكرت التاريخ الأول، لكن وبدون أي شك، وقد توفي يوم 23 أيار/ مايو 2025.

ولد محمد الأخضر في منطقة المسيلة، وهي مدينة مهمة توصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولقد مكث فيها حمينة إلى غاية سن الـ15 من العمر، حيث خزّن من خلالها الكثير من الذكريات المهمة التي عكسها في معظم أفلامه السينمائية.

بعدها التحق حمينة بخلية السمعي البصري التابعة للثورة الجزائرية بتونس، ثم تنقل إلى الغابات الجزائرية، وهناك بدأ يتعلم ويصنع الأفلام، رفقة مجموعة من المخرجين المحليين والأجانب، من بينهم جمال الدين شندرلي وأحمد راشدي، والفرنسيان رونيه فوتيه وبيار كليمون وغيرهم.

وقد شارك وقتها في إخراج وتحقيق العديد من الأفلام التي ساهمت في التعريف بالصورة الجزائرية عالميًا، وبيّنت للعديد من الدول بأن الثورة الجزائرية هي حرب من أجل الاستقلال والحرية، وليست تمردًا قام به قطاع طرق، كما ادّعت فرنسا في منابرها الإعلامية.

ومن بين تلك الأفلام القصيرة وربما أبرزها، الفيلم الوثائقي/ الروائي، 20 دقيقة، "ياسمينة" 1961، الذي أخرجه رفقة جمال الدين شندرلي، من خلال سيناريو مرتجل، وتعليق صديق الثورة الجزائرية سيرج ميشال الذي ساعد أيضًا في كتابة النص، بالإضافة إلى شراكة إخراجية أخرى مع شندرلي، وبيار شولي ورونيه فوتيه، وهذا في الفيلم الوثائقي، 25 دقيقة "جزائرنا" 1961، وقد تم عرض العملين بالأمم المتحدة، للتعريف بالثورة الجزائرية، إذا كان الأول خياليًا موجهًا للقلب والعاطفة، والثاني كان وثائقيًا موجهًا للعقل، ناهيك عن أعمال أخرى، من بينها الفيلم الوثائقي، 20 دقيقة، "بنادق الحرية" 1961، الذي أخرجه رفقة شندرلي، والوثائقي/ الروائي، 20 دقيقة "صوت الشعب" 1961، مع شندرلي مرة أخرى.

وقد واصل بعدها حمينة دراسته السينمائية في دولة تشيكوسلوفاكيا، إضافة إلى دراسته في معهد الزراعة بمدينة قالمة الجزائرية.

بعد الاستقلال شغل العديد من المهام الإدارية في مراكز الأخبار والأحداث، ولكنه لم يتخل عن إخراج الأفلام، حيث أخرج سنة 1966 فيلم "ريح الأوراس" الذي أنتجه المركز الوطني للسينما، والديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية، وقد كتب السيناريو كل من حمينة وتوفيق فارس، وتصوير بوزيان، أما التركيب والموسيقى التصويرية فقد قام بها على التوالي كل من سيلفي بلان وفيليب أرتيوز، وأدى أدوار البطولة، كلثوم، حسن الحسني، ومحمد شويخ في أول ظهور له.

ولقد شارك الفيلم في المسابقة الرسمية بمهرجان كان السينمائي سنة 1967، وقد اقترب وقتها من حصد "السعفة الذهبية"، غير أن المخرج السنغالي صنبان عصمان الذي كان عضوًا في لجنة التحكيم، امتنع عن تقديم صوته الذي كان سيصنع الفارق لصالح حمينة، لكن حمينة لم يخرج من تلك المسابقة خاوي الوفاض، بل تحصل على جائزة العمل الأول، والتي تعادل اليوم جائزة "الكاميرا الذهبية".

ويروي الفيلم حسب ما جاء في ملخصه قصة "عائلة جزائرية دمرتها الحرب، تخشى الحياة بشكل طبيعي، يجد الأب نفسه في دوامة عقب مقتل أبيه أثناء هجوم لقوات الاحتلال، ينضم الابن إلى جيش التحرير الوطني ويتولى مسئولية الأسرة، في النهار يمارس عمله الوظيفي وفي المساء يعبر الجبل محملًا بالمؤن للجنود".

رئيس الجمهورية يعزي والمواقع تنشغل بخبر وفاته

من المفارقات العجيبة والغريبة، أن يتصادف توقيت موت المخرج الجزائري الكبير محمد الأخضر حمينة مع الاحتفالية التي أقامها مهرجان كان السينمائي، بمناسبة اليوبيل الذهبي على فوزه بسعفة كان الذهبية، أي بمناسبة مرور 50 سنة على هذا التتويج، حيث تم ترميم نسخة فيلم "وقائع سنوات الجمر" وتم عرضه في العديد من القاعات السينمائية الفرنسية في نفس يوم الوفاة، ليتم بعدها نشر الخبر.

بمعنى أن حمينة اطمأن بأن عمله الخالد ما زال يحتفى به، وعرف بأن الأعمال الكبرى لا يمكن أن تموت، بعدها أسلم روحه، لكن أعماله ستبقى دائمًا خالدة، مثل "ديسمبر" و"العاصفة" و"الصورة الأخيرة" و"ظلال الغسق" و"ريح الأوراس".

وقد نزل خبر وفاة حمينة كالصاعقة على رؤوس الكل، مسؤولين وصنّاع سينما وحتى مواطنين عاديين، داخل الجزائر وخارجها، خاصة وأن لديه مكانة خاصة في قلوب الكل، ولقد تم تكريمه في العديد من المرات والمناسبات وهو على قيد الحياة، وقد كان بمثابة الملك الذي لا يرفض له طلب، حتى أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون كتب على اسمه المعهد الوطني العالي للسينما وهو على قيد الحياة، أي سنة 2023، ولقد دشن هذا المعهد المهم من طرف مجموعة من الوزراء والمسؤولين سنة 2024.

كما نعاه الرئيس تبون ببرقية حزينة ومؤثرة، وجاء في نصها:

"ببالغ الحزن والأسى تلقى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون فاجعة رحيل عملاق السينما العالمية المخرج الكبير محمد الأخضر حمينة عشية احتفال الإنسانية بالذكرى الخمسين لظفره بالسعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي عن رائعته 'وقائع سنوات الجمر' التي فتحت عيون العالم على قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار.

الفقيد وقبل أن يكون مخرجًا عالميًا مبدعًا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدًا أبيًا، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صور ومشاهد عرفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفرة.

الفقد موجع، وبهذه المناسبة الأليمة يتقدم السيد الرئيس إلى أسرة الفقيد وإلى الأسرة الثورية، وإلى عائلة السينما الجزائرية والعالمية بخالص التعازي وصدق المواساة داعيًا الله عز وجل أن يتغمد الراحل بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه والشعب الجزائري جميل الصبر وحسن السلوان".

بذلك تفقد السينما الجزائرية والعالمية اسمًا مهمًا كتب اسمه بماء الذهب، في سجل الخلود السينمائي، بعد أن قدّم مجموعة من الأفلام المهمة، التي تعكس موهبته ومكانته وأسلوبه السينمائي البارز. 

 

ضفة ثالثة اللندنية في

25.05.2025

 
 
 
 
 

سولاف فواخرجي تنعي المخرج الجزائري محمد لخضر حامينة:

المبدع لا يموت

منار إبراهيم

نعت الفنانة سولاف فواخرجي وفاة المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا، بكلمات مؤثرة، كما قدمت التعازي للوسط الفني والشعب الجزائري  وعائلته ومحبيه.

وشاركت سولاف فواخرجي صورة للمخرج الراحل عبر حسابها الرسمي على انستجرام، وعلقت قائلة: “السلام لروح الكاتب والمخرج الجزائري الكبير، محمد الأخضر حامينا، الذي ترك بصمة سينمائية جزائرية وعربية وعالمية لا تمحى، خالص العزاء لعائلته وأصدقائه ومحبيه، ولكل الأصدقاء في الجزائر الحبيبة، والمبدع لا يموت”.

ورحل المخرج الكبير محمد لخضر حمينة عن عمر 91 عاما، وهو المخرج العربى الوحيد الذى حاز على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائى عن فيلم وقائع سنوات الجمر.

وتأتى وفاة الأخضر حمينة بينما كانت إدارة مهرجان كان تحتفل باليوبيل الذهبى 50 عاما على حصوله على السعفة الذهبية عن فيلمه وقائع سنوات الجمر، واتشحت وسائل التواصل الخاصة بالسينمائيين وصناع الأفلام بالسواد لتتحول إلى سردقات عزاء حزنا على الراحل الذى نعاه عدد من السينمائيين فى مصر منهم المخرج أمير رمسيس والناقد طارق الشناوى وآخرين.

ولد حمينا في مدينة المسيلة عام 1934، وتفتح وعيه على وقع الاحتلال الفرنسي، فانحاز مبكرًا إلى المقاومة، ترك دراسته في القانون والزراعة بفرنسا، وانضم إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة بتونس، حيث عمل في الإعلام، ومن هناك، بدأت ملامح مسيرته السينمائية تتشكل، حين أرسلته الحكومة الجزائرية إلى العاصمة التشيكية براج لتعلم الإخراج، وهو ما كان بداية لتحول كبير في مسيرته.

ورغم أنه لم يكمل دراسته رسميًا، إلا أن شغفه بالسينما قاده إلى العمل مباشرة في التصوير والإخراج، متأثرًا بقضايا وطنه، وبما رآه من معاناة شعبه تحت وطأة الاستعمار والفقر.

قدم "حمينا" أفلامًا وثائقية عن نضال الجزائريين، منها "صوت الشعب" و"بنادق الحرية"، قبل أن يُكرَّس اسمه في تاريخ السينما العربية بفيلمه الطويل الأول "ريح الأوراس" عام 1966، الذي تناول فيه مأساة الجزائريين من زاوية إنسانية حادة، ونال إشادة نقدية في عدة مهرجانات دولية.

 

الدستور المصرية في

25.05.2025

 
 
 
 
 

أول عربي يفوز بالسعفة الذهبية: رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر

البلاد/ القيادي:

توفي أمس الجمعة (23 مايو/أيار 2025) المخرج والمنتج الجزائري محمد لخضر حمينة، العربي والإفريقي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، "عن عمر ناهز 95 عاما"، على ما أعلنت عائلته. وكتب أولاده في بيان إنّ لخضر حمينة "توفي في منزله بالجزائر العاصمة عن عمر ناهز الخامسة والتسعين، تاركا وراءه إرثا سينمائيا لا يقدر بثمن"، مشيدين "برؤيته الفريدة التي طبعت تاريخ السينما". وأشارت العائلة إلى أنّ محمد لخضر حمينة تمكن من إقامة "جسر ثقافي فعلي بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وبلده، مدى أربعين عاما تقريبا".

ومحمد لخضر حمينة هو أحد المخرجين الأفارقة والعرب القلائل الذين نافسوا أربع مرات في مسابقة مهرجان كان السينمائي، وفاز بجائزتين رئيسيتين، هما جائزة أفضل فيلم أول عن "ريح الأوراس" Le Vent des Aures وجائزة السعفة الذهبية العريقة عن فيلم "وقائع سنوات الجمر"Chronique des annees de braise عام 1975.
وفي رسالة تعزية، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون "بالغ الحزن والأسى" بوفاة مَن وصفه بـ"عملاق السينما العالمية" الذي ترك "بصمة خالدة في تاريخ السينما". وشهد مهرجان كان هذه السنة، لفتة تكريمية لحمينة من خلال عرض نسخة "4 كاي" من فيلم "وقائع سنوات الجمر" ضمن برنامج فئة "كان كلاسيكس".

"فتح عيون العالم عن معاناة الشعب الجزائري"

وبفضل فيلم "وقائع سنوات الجمر"، حقق المخرج الجزائري شهرة على المستوى العالمي. وأشار تبون إلى أنّ "رائعة" لخضر حمينة هذه "فتحت عيون العالم عن قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار". وأكدت عائلة المخرج في بيانها أنّ المخرج كان "أحد آخر عظماء السينما الملحمية والشاعرية، وترك بصمة لا تمحى على مهرجان كان السينمائي الدولي وعلى السينما عموما". شكّل النضال من أجل استقلال الجزائر محور فيلم "وقائع سنوات الجمر" الذي يتناول من عام 1939 إلى عام 1954، ولادة أمّة ورحلة الشعب الجزائري وصولا إلى اندلاع الحرب ضد الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال (1954-1962). وقال تبون "قبل أن يكون مخرجًا عالميًا مبدعًا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدًا أبيًا، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صور ومشاهد عرّفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفّرة".

ولد محمد لخضر حمينة رسميا في 26 فبراير/شباط 1934 في المسيلة في الأوراس (شمال شرق)، في عائلة فلاحين متواضعة الحال. وقد تلقى دراسته في كلية زراعية، ثم درس في فرنسا وتحديدا في أنتيب حيث التقى بزوجته، أم أولاده الأربعة.

خلال حرب الجزائر، خطف الجيش الفرنسي والده وعذّبه قبل قتله. وانضم حمينة شخصيا العام 1958 إلى صفوف المقاومة الجزائرية في تونس.

تعلّم حمينة السينما بالممارسة، عن طريق تدريب في إحدى القنوات التونسية قبل الشروع في أفلامه القصيرة الأولى. بدأ مسيرته كمخرج في العام 1964 مع فيلم "لكن في أحد أيام نوفمبر" Mais un jour de novembre الوثائقي. خلال مسيرته الفنية الممتدة على 50 عاما (1964-2014)، أخرج فيلما وثائقيا و7 أفلام أخرى هي: "رياح الأوراس" (1966)، و"حسان طيرو" Hassan Terro (1968)، و"ديسمبر" (1973) Decembre، و"وقائع سنوات الجمر" (1975)، و"رياح رملية" Vent de sable (1982)، و"الصورة الأخيرة" La derniere image (1986) و"شفق الظلال" Crepuscule des ombres (2014).

تم نشر هذا المقال على موقع القيادي

 

البلاد البحرينية المصرية في

23.05.2025

 
 
 
 
 

السينما الملحمية تفتقد المخرج العالمي محمد الأخضر حمينة

·        الصمت والتهميش لفا فقيد السينما الجزائرية في سنواته الأخيرة حيث ابتعدت عنه الأضواء تماما قبل رحيله.

الجزائر – فقدت السينما الملحمية واحدا من أبرز نجومها الذين وظفوا الصورة السينمائية في تسويق مظاهر القمع والاستبداد الاستعماري للعالم، وسمح لجمهور الشاشة الكبيرة والمختصين بالاطلاع على واقع العالم الثالث الطامح والطامع في طي صفحات الفقر والتخلف، عبر نضالات مستمرة جسدها الجزائريون على مر عقود القرنين التاسع عشر والعشرين، في مقاومة شاملة ضد الاستعمار والفقر والتخلف.

وبرحيل المخرج والمنتج السينمائي محمد الأخضر حمينة، (95 عاما)، تفقد السينما الجزائرية، التي برعت في الأعمال الثورية والملحمية، قامة شامخة حولت كاميرتها من آلة إنتاج إلى سلاح ناعم، سوق الصورة الحقيقية التي انبثقت منها الجزائر المستقلة بزخمها وتناقضاتها.

رغم إطلاق اسمه على المعهد العالي للتكوين السينمائي بالعاصمة، إلا أن ثقافة الجحود تبقى مصير كل شخصية فكرية أو ثقافية أو فنية، انزاحت عن الخط المحدد، فقد لف الصمت والتهميش فقيد السينما الجزائرية في سنواته الأخيرة، حيث ابتعدت عنه الأضواء تماما، وهو الذي سلطها بقوة على مظاهر البؤس والمعاناة على الجزائر الثائرة ضد المستعمر، ولما أعلن خبر الوفاة انهالت برقيات التعزية والحضور الرسمي على جنازة الراحل.

مسيرة المخرج الأخضر حمينة، حفلت بالأعمال السينمائية الشاهدة على صفحة مشرقة من مسار الشاشة الكبيرة في الجزائر والعالم العربي وأفريقيا

وحفلت مسيرة المخرج الأخضر حمينة، بالأعمال السينمائية الشاهدة على صفحة مشرقة من مسار الشاشة الكبيرة في الجزائر والعالم العربي وأفريقيا، فهو المخرج الوحيد إلى حد الآن الذي رصع صدر السينما الجزائرية والعربية بجائزة السعفة الذهبية منذ خمسة عقود، عن فيلمه “وقائع سنين الجمر”.

ولد المخرج الراحل بمدينة المسيلة (جنوبي العاصمة بنحو 300 كلم)، وأبدى منذ طفولته شغفا كبيرا بالصورة والفوتوغرافيا، حيث تلقى تعليمه العام في الجزائر قبل أن يكمله في فرنسا، وينتقل العام 1958 إلى العاصمة التونسية ليتلقى تكوينا هناك، قبل أن ينضم إلى المجموعة الفنية لجبهة التحرير الوطني، ويبدأ تصوير أولى أفلامه في صفوف الثورة.

وفي العام الموالي، تم إرساله من طرف جبهة التحرير الوطني إلى تشيكوسلوفاكيا لمواصلة دراسته في السينما بمدينة براغ، حيث تخصص في فن التصوير، وكان يعود بانتظام إلى تونس لتصوير أفلام عديدة، لاسيما مع جمال شندرلي (1920 – 1990)، ومنها “ياسمينة” و”صوت الشعب” و”بنادق الحرية”.

وبعد الاستقلال، جمع زملاءه القدامى من تونس لوضع أسس أول مؤسسة سينمائية في الجزائر المستقلة، والتي كانت تعرف بالديوان الجزائري للأخبار، الذي تولى إدارته من 1963 إلى 1974.

وفي عام 1965، قام بإخراج أول فيلم طويل له بعنوان “ريح الأوراس”، بمشاركة الفنانة الكبيرة كلثوم (عائشة عجوري 1916 – 2010)، التي أدت ببراعة دور أم يائسة تجوب السجون ومعسكرات الاعتقال التابعة للجيش الاستعماري الفرنسي، بحثا عن ابنها (لخضر) الذي اختطفته الشرطة الاستعمارية.

وفاز فيلم “ريح الأوراس” بالجائزة الأولى لأفضل عمل في مهرجان “كان” السينمائي سنة 1967، مسجلا بذلك حضور السينما الجزائرية لأول مرة على الساحة الدولية.

وفي عام 1968، أخرج فيلم “حسان طيرو” الذي قام بدور البطولة فيه الراحل رويشد (أحمد عياد 1921 – 1999)، وهو ثاني فيلم روائي طويل فتح له باب الشهرة في الجزائر، ليعود سنة 1972 بفيلم “ديسمبر” الذي ندد من خلاله بفظاعة وبشاعة التعذيب الذي اعتمده الجيش الاستعماري الفرنسي في الجزائر.

المخرج الوحيد إلى حد الآن الذي رصع صدر السينما الجزائرية والعربية بجائزة السعفة الذهبية منذ خمسة عقود، عن فيلمه "وقائع سنين الجمر"

وفي 1974، أخرج محمد الأخضر حمينة فيلم “وقائع سنين الجمر”، وهو لوحة تاريخية مقسمة إلى ستة مشاهد من حركات المقاومة الأولى إلى ثورة نوفمبر 1954. والتي توجت بالسعفة الذهبية في مهرجان “كان”، ليبقى إنجازا جزائريا وعربيا وأفريقيا وحيدا في المجال السينمائي إلى غاية الآن.

وفي تلك الرائعة ظهر الأخضر حمينة متقمصا شخصية ميلود، الحكواتي الصادق والصادح بالحق، رغم أنه يعاني من تجاهل وتنكر الآخرين له بسبب إصابته بالجنون، لكنه كان يحمل في أعماقه رجاحة العاقل الرزين الذي يقوى على استشراف المستقبل.

خلال شغله لمنصب مدير الديوان الوطني للسينما والصناعة السينماتوغرافية 1981 – 1984، أخرج فيلمي “رياح رملية” و”الصور الأخيرة”، وفي 2014 أخرج الفقيد “غروب الظلال” وهو آخر أفلامه الروائية الطويلة، إلى جانب إنتاجه عدة أفلام، من بينها الفيلم الشهير “زاد” سنة 1969 للمخرج كوستا غافراس.

وظل الفقيد طيلة مسيرته الفنية والإبداعية يؤدي دور الجسر الثقافي والفني بين الجنوب والغرب، فأصبح بذلك صوت العالم الثالث وصوت بلده، زهاء أربعة عقود كاملة، كرسها لتسويق صورة ذلك العالم المنهك بصنوف الفقر والتخلف، والحالم بالمرور إلى ضفة التحرر والتقدم.

وفي رسالة تعزية، أبدى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون “بالغ الحزن والأسى، لرحيل عملاق السينما العالمية، الذي ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما، وأن رائعة ‘وقائع سنين الجمر’ فتحت عيون العالم عن قطعة من معاناة الشعب الجزائري خلال فترة الاستعمار.”

وأضاف “قبل أن يكون مخرجا عالميا مبدعا ترك بصمة خالدة في تاريخ السينما العالمية، كان مجاهدا أبيا، ساهم في تحرير بلاده بما نقل من صور ومشاهد عرّفت البشرية ببطولات الثورة التحريرية المظفرة.”

وشهدت الطبعة الأخيرة لمهرجان كان، لفتة تكريمية لحمينة، من خلال عرض نسخة 4 كاي من فيلم “وقائع سنوات الجمر” ضمن برنامج فئة “كان كلاسيك”، وهو ما يشكل اعترافا بقدرة وكفاءة الرجل على تطويع الكاميرا السينمائية، لتسويق صور إنسانية تئن تحت الاستعمار والتخلف، وإرادة قوية من أجل الحرية.

 

العرب اللندنية في

26.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004