ملفات خاصة

 
 
 

الأفلام العربية في “كانّ” الـ78:

تركيز على السياسة والهجرة واللاجئين

كان – محمد هاشم عبد السلام

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

شهدت الدورة الـ78 من “مهرجان كان السينمائي الدولي” عرض 7 أفلام عربية، ضمن أكثر من قسم رئيسي وثانوي، بواقع 6 أفلام روائية طويلة، ووثائقي واحد، وقد عُقدت الدورة بين 13 إلى 24 مايو/ أيار 2025.

اتسمت المشاركة العربية بتنوع الموضوعات والمعالجات والأداء التمثيلي والمستويات الفنية إجمالا، وفاز الفيلم الفلسطيني “كان ياما كان في غزة” للأخوين طرزان وعرب ناصر بجائزة “أفضل إخراج” في قسم “نظرة ما”، كما فاز الفيلم العراقي “مملكة القصب” لحسن هادي بجائزة “أفضل فيلم” في قسم “نصف شهر المخرجين”.

الأخت الصغيرة”.. شابة مسلمة في صراع البحث عن الذات

ضمن “المسابقة الرئيسية” للمهرجان، عُرض فيلم “الأخت الصغيرة” (La petite dernière)، وهو ثالث روائي طويل للممثلة الفرنسية التونسية حفصية حرزي، والأول لها مخرجةً في المسابقة، لكن الفيلم لم يأت في مستوى فيلميها السابقين، على ما له من جودة الصنعة.

الفيلم مقتبس عن رواية فاطمة دعاس شبه الذاتية، بعنوان “الأخيرة” (2022)، وتتناول حياة مراهقة مسلمة تتعرف على الحياة من حولها، وتتلمس علاقتها بالآخرين، وعلاقتها بجسدها وميولها الجنسية. وذلك ضمن قصة تقليدية غير أصيلة، تمحورت حول كفاح مراهقة لاكتشاف ميولها الجنسية والإفصاح عنها. في النهاية، لم تمض المخرجة بعيدا لتقديم عمل أكثر تحديا أو جرأة أو اختلافا عما شوهد في هذه النوعية من الأفلام.

نتعرف على فاطمة (أداء جيد جدا ومقنع للممثلة نادية مليتي)، طالبة البكالوريا المجتهدة، التي انفعلت وغضبت وضربت زميلها ذات يوم، بعدما وصفها عرضا بالشذوذ الجنسي. تدريجيا تتعرف على نفسها وميولها، لكنها تصطدم بعقبات كثيرة، أولها مع صديق وجار مرتبطة به، يعرض عليها الزواج وإنجاب الأطفال وتكوين أسرة. كما تجد نفسها أمام محاولة لإيجاد مساحة توافق بين العادات والتقاليد والدين، والمشاعر والانفعالات والرغبات الداخلية المكبوتة، مما يدفعها يوما لطلب النصح والإرشاد من إمام جامعتها، لكن لم تساعدها مشورته على رأب هذا الصدع، ولا إيجاد حل لمشكلتها.

لا تنشغل المخرجة كثيرا بخشية فاطمة من اكتشاف العائلة أو الأصدقاء أو جيرانها في الضاحية الباريسية المسلمة، بقدر انشغالها بنقل تعرفها على نفسها وجسدها، وتلمسها لهذا العالم، والمشاعر المتضاربة، والصراع الديني الذي تعيشه، لا سيما وهي مسلمة ملتزمة تحافظ على الصلاة بانتظام.

نسور الجمهورية”.. نقد سطحي فج في حبكة هشة

في المسابقة الرئيسية، عُرض فيلم المخرج المصري السويدي طارق صالح “نسور الجمهورية”. وهو ختام لثلاثيته عن مصر، التي بدأها بفيلم “حادثة فندق النيل هيلتون” (2017)، و”صبي من السماء” (2022).

فنيا وسياسيا، لم يحد الفيلم كثيرا عن الخلطة المعتادة في الفيلمين السابقين، حتى على مستوى طاقم التمثيل، وغيره من الأمور. ومع أن المحاولة كانت جيدة في الفيلمين السابقين، مشوبة بمشاكل فنية كثيرة، فقد عاد المخرج ليكرر نفس المشاكل، لكن على مستوى أفدح، فانتهى فيلمه إلى دراما سياسية جوفاء، ذات سيناريو متعثر ومتخبط، ونقد سطحي هش وأجوف للنظام المصري وكواليسه، التي لا يعلم المخرج عنها الكثير.

تدور الأحداث حول جورج فهمي، وهو ممثل مصري محبوب، متمحور حول ذاته، مخلص لإرثه ومغامراته الرومانسية أكثر من عائلته، وهو منفصل عن زوجته وابنه الوحيد، ويعيش مع فتاة في سن ابنه المراهق، ويجد نفسه فجأة مجبرا من قِبل جهات سيادية في الدولة على القيام بدور رئيسي في فيلم عن الرئيس. يرفض في البداية، لكن سلسلة من الضغوط والأساليب المعروفة تدفعه في النهاية إلى قبول الدور. مع بدء التصوير، يقع جورج ضحية شبكة مصالح السلطة المعقدة، التي تتجاوز فهمه وسيطرته وقدرته على الرفض.

إجمالا، إطار الفيلم العام غير ملهم، والنبرة غير متسقة، تتأرجح بين السخرية والإثارة، والنص يتعثر بين التعليقات الاجتماعية المصطنعة والمنعطفات الميلودرامية في الحبكة. كما أن خيوط السرد الفرعية غير مقنعة.

كان يمكن تطوير الحبكة واستغلالها مادة ثرية لصنع عمل قوي عن الفن بصفته مقاومة، وعن الرقابة والتحكم في السينما، ولكن بعيدا عن الحبكة، يبدو معظم طاقم التمثيل غير ملائم، فيتعثر تعثرا ملحوظا في نطق اللهجة المصرية ومفرداتها نطقا مقنعا. يلاحظ ذلك فورا كل مطّلع على السينما المصرية أو اللهجة، كما أن الطاقم يفتقد للتناغم والإقناع في أدوارهم، ربما باستثناء عمرو واكد، الذي قدم أداء هادئا وجيدا ومقنعا في دور منصور، وهو رجل النظام الصارم المشرف على إنتاج الفيلم. في النهاية، ما كان يمكن أن يكون نقدا لاذعا وجادا وعميقا، تحول إلى مسخ فج، تلاشى بلا أي تأثير.

سماء بلا أرض”.. حكايات من عالم المهاجرين السمر في تونس

افتتح قسم “نظرة ما” بالفيلم التونسيسماء بلا أرض لأريج السحيري، وهي لا تبتعد كثيرا عن مشاكل البسطاء والمهمشين، ويتناول فيلمها المختلف في موضوعه قضايا الهجرة والمهاجرين والمهمشين والمقيمين غير الشرعيين، من أصحاب البشرة السمراء تحديدا، وذلك بعد تصاعد حملات التحريض في تونس -سواء في الإعلام أو الشارع- ضد المهاجرين الأفارقة، مما أدى إلى موجة كراهية وعنف واعتقالات قسرية وترحيل.

لا يغرق الفيلم كثيرا في السياسة الداخلية، ولا إدانة السلوك الاجتماعي مباشرة، بل تسعى الحبكة لمحاولة إعطاء صورة جديدة أو مغايرة عن المهمشين أصحاب البشرة السمراء وواقعهم الهش، وتعريفنا بحياة هذه التجمعات المغلقة، أو المجهولة لدينا، وذلك بقصص 3 شابات يعشن معا في منزل واحد، نتعرف على مشاكل كل واحدة منهن.

حاولت المخرجة تقديم حبكة ذات طرح مختلف، بأداء تمثيلي جيد ومؤثر بعض الشيء، ومشاهد قليلة جيدة ذات تفاصيل إنسانية مؤثرة وكاشفة، لكن الحبكة غرقت كثيرا في التفاصيل، ولم تؤد لتطور سردي، أو رصد عميق للأزمة والشخصيات ومصائرها، فأصبحنا أمام حبكة عادية أو مطروقة، شخصياتها مألوفة، الجديد فيها أنها عن شخصيات ذات بشرة مختلفة اللون، لم تقدَّم عربيا قط.

كان ياما كان في غزة”.. شاب بين صراع المخدرات وفساد الشرطة

ضمن قسم “نظرة ما”، عاد التوأمان طرزان وعرب ناصر إلى المهرجان بجديدهما “كان ياما كان في غزة”، لانتزاع جائزة “أحسن إخراج”. وقد لقيا تصفيقا حارا تضامنا معهما ومع كلمتهما المؤثرة بعد فوزهما.

يندرج العمل تحت نوعية أفلام الجريمة والإثارة والتشويق، ومع أن خيوطه الدرامية عامة، فإنه يعرج على السياسة تعريجا صريحا، ويفرض الراهن ظلاله على بعض مشاهد الفيلم.

ومع أن الأحداث تدور قبل الحرب الحالية في غزة، تحديدا عام 2007، فيبدو أن بعض مشاهد القذف والانفجارات والتدمير الحديثة قد أضيفت إلى الأحداث، بتوظيف ذكي للمونتاج. يؤكد هذا، افتتاحية الفيلم التي بدأت بتصريحات صوتية حديثة للرئيس “دونالد ترامب”، تحدث فيها عن إمكانات قطاع غزة الهائلة والاستثنائية، وعن جعلها “ريفييرا الشرق الأوسط”.

تتناول الأحداث قصة طالب شاب يدعى يحيى (الممثل نادر عبد الحي)، وتاجر مخدرات يدعى أسامة (الممثل مجد عيد)، وهما يجبران على مواجهة شرطي فاسد أثناء بيعهما المخدرات أو حبوب “الترامادول” في فطائر بمطعم الفلافل المملوك لأسامة. لكن الشرطي الفاسد أبو سامي (الممثل رمزي مقدسي) يزاحمه في تجارته، وبعد رفض أسامة التعامل معه يبدأ يضغط عليه، ليكشف أسماء المتعاونين معه، وحين يرفض يحتدّ الصراع ويتصاعد ويقتله أبو سامي.

ننتقل إلى عام 2009، حين يصبح يحيى فجأة بطلا في فيلم إثارة وبطولة جديد بعنوان “المتمرد”، تنتجه وزارة الثقافة بميزانية منخفضة، ويؤدي فيه دور مناضل يقاوم إسرائيل، مع أنه -وهو يشبه بشدة شخصية “المتمرد” الذي يتناوله الفيلم- لم يرغب يوما في التمثيل، فهو طالب إدارة أعمال، وكل طموحاته وأحلامه في العمل خارج غزة ومغادرتها، بعدما رفضت إسرائيل منحه تأشيرة خروج. وبينما تتطور الأحداث، تجبر الظروف يحيى على الانتقام والثأر لصديقه أسامة.

عائشة لا تستطيع الطيران”.. معاناة لاجئة طموحة في مصر

على نحو غير معهود كثيرا في السينما المصرية، حيث الإيقاع الهادئ والبطء وندرة الحوار والوجوه غير المعروفة، وتناول موضوع حساس وغير مطروق من المسكوت عنه في المجتمع المصري، قدم مراد مصطفى فيلمه الروائي الأول “عائشة لا تستطيع الطيران” (Aisha can’t fly away).

يدور الفيلم حول عائشة (أداء جيد لعارضة الأزياء “بوليانا سيمون” في أول تجربة لها)، وهي مهاجرة عشرينية من جنوب السودان، تحاول العيش بكرامة وأمن في حي عين شمس الشعبي بالقاهرة.

تكسب عائشة عيشها بالتنقل بين المنازل في خدمة المسنين، لكن الظروف تقف لها بالمرصاد، سواء في العمل الذي تكابد فيه مشاق ومشاكل وتحرشا، أو في حيّها الذي لا تسلم فيه أيضا من عقبات واستغلال وتحرش من نوع آخر، من جانب رئيس العصابة المسيطر على الحي. كما أنها تعاني من مشاكل جلدية، وعلاقة شبه رومانسية تنتهي فجأة نهاية مأساوية، فتصبح حياتها أشبه بكابوس لا يتوقف.

عبر صورة تمزج بين الواقعية السحرية والطبيعية والعناصر الخيالية، حاول المخرج تقديم معاناة عائشة، بطريقة رمزية مفارقة للواقع عن حياة المهاجرين في مصر. وكان تكرر ظهور النعامة -الطائر الذي تراه عائشة وتحلم به- استعارة لمن يدفنون رؤوسهن في الرمال، أو للعاجزين عن الطيران أو التحليق. الاستعارة حاضرة أيضا في عدة عناصر بالفيلم، بداية من المرض والصحة، والعنف والرقة، والبشري والحيواني، وحتى لون العينين اللتين تختلف إحداهن عن الأخرى.

يتناول الفيلم كثيرا من مشكلات الراهن المصري، وسياق يشجع على المقاومة والصمود والحفاظ على ما بقي من إنسانية المرء، وينطوي على عدة تأويلات فنية بالأساس، وجاءت أغلب لقطات الفيلم مدروسة وموظفة جيدا، وإن كان بعضها زائدا أو لا لزوم له في تطور السرد، أو مكررا.

لكن المشكلة الكبرى أن المَشاهد ذات العناصر الخيالية الجامحة لم تبتعد كثيرا عن المطروق والمعهود في السينما عامة، حتى إن بعضها يكاد يكون مستنسخا من أفكار أو مشاهد من أفلام بعينها. ومع أن طرح مشاهد كهذه أو تنفيذها كان جريئا، فإن المخرج لم يطلق لخياله العنان ليجمح صوب ما هو غير معهود، إلا ما كان من تحليقه الحر في بعض المشاهد، وحتى الجمل الحوارية، وأيضا حركة الكاميرا وتصوير الشخصيات والإيقاع العام إجمالا.

الحياة بعد سهام”.. ذكاء إخراجي يحتفي بالأم بعد فقدها

عُرض في قسم “آسيد” فيلم “الحياة بعد سهام” (Life After Siham) للمصري الفرنسي نمير عبد المسيح، وينطلق مخرجه من فكرة تصوير جنازة والدته لأغراض ذاتية إلى فكرة أكبر وأعمق، تنطوي على خصوصية شخصية، لكنها ذات طابع إنساني كوني، يلامس أغلب العائلات في شتى البقاع.

بتتبع الحياة بعد والدته، وقد توفيت منذ سنوات، يعود نمير ليرصد علاقته بها، وكيفية مضي الحياة من بعدها، وقد شجعه على ذلك انفتاحها، وحبها للحكي والتصوير أمام الكاميرا. رصد يقوده لتذكر الكثير وتوثيقه واكتشافه، ليس عنها فحسب، بل عن بيئته ومولده وعلاقته بأولاده ووالده أيضا، ولا سيما ما كان يجهل عن والديه، اللذين عاشا معا أكثر من 4 عقود، وغير ذلك من التفاصيل التي يعيد استعادتها أو يتعرف عليها أول مرة. خطوة تقوده أيضا إلى الاقتراب من والده أكثر، والتعرف عليه بانفتاح أكبر.

إنه فيلم جيد مؤثر ذكي ذو مهارة إخراجية، نجا فيه المخرج من فخ السقوط في صناعة فيلم لمجرد توفر مادة أرشيفية مصورة، وتوليفها مونتاجيا لخلق سياق ما، فهو يوظف المادة بمهارة شديدة، ووفقا لضرورة السرد السينمائي ومقتضياته.

كما أنه اعتمد فكرة بارعة شديدة الجمال، ألا وهي عودته إلى أكثر من فيلم من علامات السينما المصرية، أبرزها وأكثرها توظيفا فيلم “فجر يوم جديد” و”عودة الابن الضال”، بدلا من إعادة تصوير المشاهد الدرامية المرادة. كما كان حضور بعض الأغاني، وما تستحضره من شجن وحنين للماضي، مناسبا للتعبير عن حالة الفيلم والشخصيات عامة.

إجمالا، ومع أن الموت كان حاضرا دائما، فإن الفيلم ليس فقط عن الفقد أو الرحيل وصعوبة تجاوز الموت وفراق الأحبة، بل أيضا عن الحب والحضور والوفاء، والعلاقة بين الأبوين، أو بينهما وبين الأبناء، أو دفء العلاقات عامة مع العائلة الكبيرة، وأنها هي الأنقى والأجمل والأبقى.

كعكة الرئيس”.. طفلة تسعى لتحقيق مهمة رئاسية شاقة

في مسابقة قسم “نصف شهر المخرجين”، عُرض الفيلم العراقي “كعكة الرئيس” (The President’s Cake) للمخرج حسن هادي، وفاز بجائزة “أفضل فيلم”، وهي جائزة تمنح بناء على تصويت الجمهور، وهذا الفيلم هو أول روائي طويل لمخرجه، وأول فيلم عراقي يشارك في هذا القسم وفي مهرجان “كان” عامة.

تدور أحداث الفيلم -الذي يحمل أيضا عنوان “مملكة القصب”- في تسعينيات القرن الماضي، خلال حكم الرئيس صدام حسين، إذ يجبر طلاب المدارس على جلب كعكة للاحتفال بعيد ميلاد الرئيس. ويتمحور الفيلم حول رحلة الطفلة الفقيرة لميعة، التي تعيش مع جدتها المريضة في أهوار العراق، وتحاول ببراءة وبمساعدة جدتها فطيمة التهرب من القيام بهذا الواجب القسري، لكن الاختيار يقع عليها لإنجاز الكعكة وتقديمها في يوم مولد الرئيس.

يعكس الفيلم -بطبقاته المتعددة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا- تعقيدات الحياة اليومية، وقهر الشعوب، في ظل الحكم الاستبدادي. وذلك عبر رحلة لميعة الشاقة والعسيرة لجمع مكونات صنع الكعكة قبل يوم عيد الميلاد، واضطرارها لخوض صعاب جمة لإنجاز مهمة يستحيل التهرب منها.

بهذه القصة البسيطة الصادقة القريبة من الواقع، يقدّم الفيلم رؤية إنسانية مؤثرة، تنقل قسوة الواقع ومرارته، وتشابهه مع الحاضر أيضا، بلغة سينمائية جيدة جدا، وبسيطة للغاية، ومؤثرة أيضا، تجمع بين الرمزية والصدق.

 

موقع cinarts24  في

29.05.2025

 
 
 
 
 

توم كروز في «مهمة: مستحيلة» يواصل تحدياته

مُنفذ التحديات الصعبة يواجه عدواً غير مرئي

لندنمحمد رُضا

كلّ من توم كروز وسلسلة «المهمّة: مستحيلة» متلازمان كأصبعي الدلالة والوسطى في اليد الواحدة؛ لا انفصال بينهما. فليس هناك نجاحٍ يوازي نجاحَ توم كروز دون هذه السلسلة، ولا من مجدٍ تحققه السلسلة دون وجوده.

منذ صدور الفيلم الأول عام 1996، وحتى الفيلم الثامن والأخير «مهمّة: مستحيلة - الحساب الأخير» (Mission: Impossible – The Last Reckoning)، حققت السلسلة إيرادات بلغت 4 مليارات و348 مليوناً و810 آلاف و82 دولاراً.

علماً أن الفيلم الثامن بدأ عرضه التجاري فور انتهائه من العرض العالمي الأول في مهرجان «كان» الأخير، وحقق حتى الآن أكثر من نصف ميزانيته التي بلغت 400 مليون دولار.

ذكاء تجاري

كل من السلسلة وتوم كروز كان بمثابة الوزّة التي تبيض ذهباً. المرتّب الأول لتوم كروز في عام 1996 بلغ 70 مليون دولار.

ويبلغ دخل توم كروز الأخير، بوصفه ممثلاً وشريك إنتاج، أكثر من 120 مليون دولار.

بهذا، برهن كروز عن ذهن تجاري لامع صاحَب كل فيلم من السلسلة التي قام ببطولتها، كما في أفلامه الأخرى، سواء المنتمية إلى مسلسل «توب غن» (Top Gun)، أو إلى أفلام منفردة كحال «ڤانيلا سكاي» (Vanilla Sky)، و«الساموراي الأخير» (The Last Samurai).

العامل الأول في هذا النجاح الثنائي بين الممثل وسلسلته الأشهر، الذي يسبق حتى إتقان لعبة «البزنس» نفسها، هو عنصر الحركة.

معظم ممثلي أفلام الأكشن في الماضي، من أيام جوني ويسمولر في دور طرزان في الأربعينات، وما بعدها (ستيفن سيغال، وجاكي تشان، وجيسون ستاثام، ومات دامون، وسيلفستر ستالون، وآخرون كثيرون)، اعتمدوا على اللياقة البدنية وخفّة الحركة لتجسيد أدوار القتال والمغامرة بنجاح.

لكن لا أحد، على الأقل في الذاكرة، يتقدم على كروز في تمثيل المشاهد الصعبة التي تجذب انتباه المشاهدين بشكل استثنائي، كونها مصمّمة بإتقان ومُمثّلة بهذا الشكل.

سواء تدلّى كروز من سقف حجرة مغلقة لسرقة محتويات خزنة (في الجزء الأول)، أو تدلّى من فوق برج خليفة في الجزء الرابع (MI: Ghost Protocol)، أو كان معلّقاً خارج طائرة ترتفع به، كما في الجزء الخامس (MI: Rogue Nation)، أو متدلّياً من طائرة مروحية كما في الفيلم الجديد، فإن التصوير يتميّز بجديّته.

يقنعك كروز بأنه يُمثّل ما يقوم به، وهو في أفلامه يُنجز مشاهد الخطر بنفسه، مدركاً أن ذلك يعني كثيراً للجمهور الذي يتابع مسلسل مغامراته، ويقرّب المسافة بين أنفسهم وبين ما يرونه ويعيشونه خلال الفيلم.

بين كروز وسواه

آخرون في مهنة الأفلام المشابهة يعتمدون على التكنولوجيا أكثر من اعتمادهم على التفعيل البدني.

قارن توم كروز بما كان يقوم به شون كونري، وروجر مور، ودانيال كريغ في أفلام جيمس بوند، تجدهم مرتاحين إلى حقيقة أن آخرين سينجزون تلك المهام، وإلى أن الظروف الصعبة والحاسمة محلولة غالباً بالاعتماد على الأدوات التقنية (سيارات مزوّدة بقدرات متعددة، ساعة تطلق حبالاً، وغيرها...).

وعلى ذلك، وفي حين نجد أن سلسلة بوند التي عرفناها ستغيب عن الظهور بالشكل والمحتوى، لتحلّ مكانها بدائل من «أمازون» تُسخّر آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا، نجد أن سلسلة «مهمّة: مستحيلة» وفّرت أصنافاً من الاعتماد على الأفكار، والحبكات، والمضامين من ناحية، وتفعيلها في الأفلام على سياق متوازن بين الجهد البشري والقيمة البصرية من ناحية أخرى.

يتصدّى «مهمّة: مستحيلة - الحساب الأخير» من هذه السلسلة للواقع الجديد، المتمثل في صراع الإنسان من أجل البقاء ضد عدو لم يُرصد له مثيل من قبل، وهو الذكاء الصناعي.

ما من نجاحٍ يوازي نجاحَ توم كروز دون هذه السلسلة، ولا من مجدٍ تحققه السلسلة دون وجوده

العدو الحقيقي

القصة في هذا الجزء الأخير ليست سهلة المتابعة. على المرء أن يقرأ السيناريو بنفسه، أو يحصل على نصٍ كامل للحكاية التي تدور حولها، والتي لا تتعامل مع المغامرة المعهودة لإيثان هانت (كروز) بوصفه رجل المهام الصعبة (عفواً، المستحيلة!)، بل تضعه في مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعي التي تهدّدنا بالدمار النووي.

لإيقاف الدمار المحتمل، على هانت وجماعته التعامل مع الرجل الذي يمتلك آلة الذكاء الاصطناعي (اسمها في الفيلم «إنتيتي»)، والذي يشترط بدوره أن يسلّمه هانت مفتاحاً هو بحاجة إليه لتفعيل النظام، من دون ضمانات بأنه سيعمد إلى التدخّل لمنع الكارثة.

لا يخشى الفيلم إظهار ضعف الإنسان وقواه البدنية أمام عدوه الآلي.

بذلك، لا يتردَّد الكاتب والمخرج كريستوفر ماكوايري (الذي أخرج الأفلام الأربعة الأخيرة من السلسلة) في الذهاب إلى أبعد ما يمكن في تفعيل هذا العنصر، حيث يعاني هانت من التعب، والاعتقال، والتعذيب، والوقوع في مخاطر لم يكن يحسب لها حساباً.

صحيح أن هذه العوامل ظهرت في كل فيلم من السلسلة سابقاً، إلا أنها تستوطن بُعداً جديداً الآن، لأن العدو كامن في هيكل إلكتروني غامض، يملك القدرة على القضاء على الحياة بقرار ذاتي.

في مطلع الفيلم، تظهر رسالة صوتية تُحدّد هوية الصراع بين الخير والشر. تقول إن حياة كل فرد ليست محددة بفعلٍ معين، بل هي «مجموع خياراتنا».

في ذلك لمحة عن أن حياة إيثان هانت في أفلام السلسلة السابقة هي التي ستقوده إلى مواجهة النهاية، المتمثلة في هذا الفيلم، كما في السلسلة كلها. وهي أيضاً السقف الأعلى من المضامين الذهنية والفكرية بين أي سلسلة مماثلة.

 

####

 

شاشة الناقد: سفر بين أزمنة حاضرة ومنسية

لندنمحمد رُضا

NOUVELLE VAGUE

★★★★

* إخراج: ريتشارد لينكليتر

* فرنسا + | دراما (105 د)

* عروض 2025: مهرجان «كان»

إعجاب المخرج بأفلام سينمائية أخرى يدفع عادةً إلى تقدير شفهي وبصري بروح إيجابية ترغب في معايشة أجواء نوستالجية. «تشابلن» (Chaplin) لريتشارد أتنبره (1992)، «هوغو» (Hugo) لمارتن سكورسيزي (2011)، و«لا لا لاند» (La La Land) لداميَن شازيل (2016)، هي نماذج ناجحة لذلك، سواء أكانت مستوحاة من أحداث حقيقية أو خيالية. «تشارلي» كان تحية لممثل، و«هوغو» كانت تحية لمخرج (جورج ميلييه)، و«لا لا لاند» كانت تحية لنوع موسيقي.

«موجة جديدة» لريتشارد لينكليتر هو رحلة غير مسبوقة في الصياغة وطريقة الصنع لفيلم يحيي «نفس لاهث» (À bout de souffle)، وهو أول أفلام جان-لوك غودار والمحطة الفعلية الأولى لمنهج الموجة الفرنسية الجديدة ونقطة انطلاق لأسلوب المخرج الخاص.

الفيلم الحديث ليس إعادة صنع على طريقة فيلم جيم ماكبرايد (Breathless) في 1983، الذي اقتبس الفيلم الفرنسي، بل محاولة لتقديم الكيفية التي صُنع بها الفيلم السابق، وإحياء الفترة وظروفها، وإلقاء التحية على غودار.

لمعظم وقته، «موجة جديدة» فيلم كاشف عن تاريخ، بعضه معروف وبعضه الآخر منسي، أو هو بمتناول من يبحث عميقاً في كيفية اندفاع غودار لتحقيق «نفس لاهث» عن سيناريو لزميله فرنسوا تروفو، وعن كيفية اختيار الممثلين جين سيبرغ وجان-بول بلموندو، وعن خلافات المخرج مع منتج الفيلم جورج بيوريغار، والأهم كيفية ابتكار غودار طريقة تصوير لا تعتمد على الكاميرا ذات الإمكانات الآلية. مثلاً، لتأمين «تراكينغ شوت» (كاميرا تتبع حدثاً متحركاً) وُضع مدير التصوير (راوول كوتار) فوق كرسي للمقعدين، وفي مشهد آخر وُضع مساعده في صندوق مغلق (مثل تابوت) يحتوي على فتحة أمامية.

لم يقصد غودار اللعبة الفنية عبثاً، بل استخدم حقيقة أن الميزانية لا تسمح بكل الترف المعتاد لتأسيس منهجه الخاص. النتيجة رائعة، وفيلمه ذاك من بين كنوز السينما إلى اليوم.

ما يأتي به لينكليتر في فيلمه هو نوستالجيا ومعلومات وممثلون غير معروفين غالباً لتشييد عالم الفيلم السابق. وهو يفعل ذلك من دون تحليل فني أو سواه، ولا هو بصدد فيلم تاريخي، بل مجرد إطلالة على الفترة، مُصّراً على صورة حقيقية، ومعالجاً الموضوع معالجةً بحب لزمن كانت فيه السينما قائمة على المبادرات والرغبة في التجديد والاستقلالية عن السائد.

EDDINGTON

★★

* إخراج: آري أستر

* الولايات المتحدة (2025) | وسترن (148 د)

* عروض 2025: مسابقة مهرجان «كان»

يطرح «إدينغتون» (اسم بلدة صغيرة في ولاية نيومكسيكو) مسائل عدة، سياسية واجتماعية وفردية، لكنها لا تترك الأثر المنشود دوماً. تغطي فكرةً لكنها لا تبني عليها أحداثها بخط مستقيم ودراما متصاعدة.

يُنتخب تد (بيدرو باسكال) محافظاً للبلدة، ويحاول فرض الكمامة على السكان في أحداث تقع خلال صيف 2020، مع انتشار وباء «كورونا». عمدة البلدة جو (واكين فينكس) يرفض استخدام الكمامة، إضافةً إلى خلافه السياسي مع المحافظ، فهو يميني، أما تد فهو ليبرالي. المسائل المثارة طوال الفيلم، السياسية والاجتماعية والفردية، تمر وسواها في سياق عمل يتوخى إثارة القضايا والبقاء على الحياد، حيث لا ينفع الحياد في الوقت نفسه.

تقع الأحداث خلال شهر واحد من عام 2020، وتصوّر حال بلدة مصغرة تعكس حالة سواها في فورة الوباء وتيه الناس حيالها. النقطة الوحيدة التي تترك أثراً هي عبارة ترد مفادها أن الوباء كان مصطنعاً، وهذا ما يبدو قابلاً للتصديق اليوم أكثر من الأمس. لكن حتى هذه النقطة لا تكفي كتعليق مجتمعي شامل. هذا وسترن حديث يُبدد الفرص التي كانت متاحة لمعالجتها مستخدماً الفكرة كنقطة عبور فقط.

RENOIR

★★★

* تشي هاياكاوا

* اليابان | دراما (120 د)

* عروض 2025: مسابقة مهرجان «كان»

طوكيو سنة 1987. فوكي (يوي سوزوكي) عمرها 11 سنة، لديها أسئلة كثيرة تدور حول الحياة ومآلاتها. الفيلم ليس من النوع الباحث في الوجود، ولا هو عن أحداث تركض باتجاه تفعيل أزمات مختلقة لتثبيت وضع أو رسالة، بل تختار مخرجته وسيلة سرد ومعالجة تعيران الواقع المُعاش على الشاشة اهتماماً عاطفياً.

تحمل فوكي، في هذه السن المبكرة، أسئلتها ولا تصدّق إجابات الناس. أسئلتها حساسة وصادقة، لكن الردود التي تسمعها لا تكفيها. الحوار مع والدتها (على تكراره) محدود النتائج. والدها على سرير المرض، وهي تريد أن تعرف إذا ما كنا نبكي على الميّت حين يموت، أو نبكي لأننا ما زلنا أحياء.

عادةً، لا يُلقي ابن أو فتاة في ذلك العمر (وفي ذلك الحين) أسئلة من هذا النوع. ربما لو كانت فوكي في الفيلم في الرابعة عشر، لكان الفيلم - في هذه الناحية - أكثر قبولاً. هناك رقة فوق العادة في معالجة الفيلم، وهذه تقود إلى إمعان بلا جدوى كافية.

ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز

 

####

 

الأخوان ناصر: اليأس دفعَنا لإخراج «كان ياما كان في غزة»

تحدّثا لـ«الشرق الأوسط» عن كواليس تصوير فيلمهما بالأردن

القاهرةأحمد عدلي

حصد الفيلم الفلسطيني «كان ياما كان في غزة» جائزة «أفضل مخرج» في قسم «نظرة ما» بالنسخة الماضية من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، وهو العمل الذي أخرجه التوأمان طرزان وعرب ناصر، وتدور أحداثه في غزة عام 2007، حيث تتقاطع مسارات ثلاثة رجال وسط واقع اجتماعي وسياسي معقد، في عمل يمزج بين الدراما والكوميديا السوداء، ويعتمد على معالجة واقعية لا تخلو من البعد الرمزي.

لا يطرح الفيلم خطاباً سياسياً تقليدياً، بل يستعرض واقعاً يعيش فيه الأفراد محاصَرون بلا خيار في غزة. وكما يبدو في الفيلم، فإن السياسة ليست سياقاً خارجياً، بل هي جزء من المطبخ، من الشارع، من صمت الليل وضجيج الكهرباء المقطوعة، لا يتعمد الفيلم تقديم شخصيات رمزية، بل شخصيات تتشكل من ظروفها، وتعيش التناقضات.

يتتبع الفيلم قصة يحيى (نادر عبد الحي)، شاب جامعي منغلق وحالم، تتقاطع حياته مع أسامة (مجد عيد)، صاحب مطعم يتمتع بكاريزما ودهاء، في ظل الانهيارين الاقتصادي والاجتماعي بالقطاع المحاصَر، ينخرطان معاً في تجارة المخدرات متخفّيين خلف توصيلات ساندويتشات الفلافل. الصراع يشتد حين يظهر في طريقهما الشرطيُّ أبو سامي (رمزي مقدسي)، الذي يمثل نموذجاً للسلطة الفاسدة والهيمنة المتضخمة.

طرزان ناصر قال، لـ«الشرق الأوسط»، إن اختيار عام 2007 ليكون محور أحداث الفيلم لم يكن عبثياً، بل يعود إلى كونه العام الذي أعقب فوز حركة «حماس» بالانتخابات التشريعية، وما ترتب عليه من حصار سياسي واقتصادي مطبق، رسم معالم مرحلة جديدة من العزلة والضيق في القطاع.

وأوضح أن الشخصيات ليست رموزاً نمطية بقدر ما هي انعكاسات لتأثير الواقع القاسي على الأفراد الذين عانوا اليأس والحصار سنوات طويلة، مشيراً إلى أن شخصية «أبو سامي» ليست تجسيداً لحكومة أو حزب، بل شخصية ذات طموح سُلطوي هش، اختار أن يبني قوته من خلال الشارة والسلاح. في المقابل، يحاول «أسامة» خلق مساحته الخاصة، ويبني سلطته من علاقاته وقدرته على المناورة، دون اللجوء إلى أدوات الدولة.

وعن اختيار الممثلين، أشار طرزان ناصر إلى أن «هذه العملية كانت حاسمة ومبنية على طاقة كل ممثل ومدى اقترابه من الجوهر الداخلي للشخصية، فالممثل نادر عبد الحي، الذي يؤدي دور «يحيى»، جرى اختياره بعد مشاهدة صورة واحدة له.

وقال إن ملامحه تحمل ذلك الحزن الساكن، والضعف الهادئ، وهو ما كان مطلوباً لإضفاء عمق على شخصية الطالب المنكفئ على ذاته، جرى العمل معه عن بُعد لفترة طويلة، خصوصاً لتدريبه على اللهجة الغَزّية؛ لكونه سورياً بالأساس، أما الممثل مجد عيد فقد جرى ترشيحه، منذ وقت سابق أثناء التحضير لفيلم «غزة مون آمور». ولاحظ المخرجان في أدائه طبيعة صلبة ولكنها إنسانية، فصوتُه الأجشّ وحضوره القوي أضافا أبعاداً إلى شخصية «أسامة»، التي تتأرجح بين الرغبة في الاستقلال، والوقوع في أخطاء أخلاقية.

وقال عرب ناصر إن الموسيقى التصويرية كانت عنصراً أساسياً في صياغة الحالة الشعورية العامة، رغم أنها لم تكن مكتوبة مسبقاً، مشيراً إلى التعاون مع المؤلف الموسيقي أمين بوحافة، الذي يمتلك قدرة خاصة على التقاط المشاعر الغامضة وتحويلها إلى لغة صوتية.

ووصف العمل معه بأنه تجربة قائمة على الإحساس، حيث لم تُقدَّم له توجيهات مباشرة، بل ملاحظات عامة عن الإيقاع والمزاج، ليحولها إلى مقطوعات تعكس التوتر الكامن والحس الإنساني في المشاهد.

وأشار إلى أن «الموسيقى لم تكن مصممة لتُبرز، بل لتخدم الصورة وتندمج معها، ألحان بوحافة في الفيلم تحمل طابعاً داخلياً، لا تسعى لإثارة، بل للتفسير الهادئ لما يحدث على مستوى اللاوعي، وهي معالجة جعلت الصوتيات جزءاً أصيلاً من البناء الدرامي».

أما الصورة فتولّاها مدير التصوير كريستوف جرايلوت، الذي تعاون معه الأخوان مسبقاً، وقال عرب ناصر إن التصوير كان مبنياً على فهم دقيق لروح غزة، لا لشكلها المتداول في الإعلام، لافتاً إلى أن جرايلوت أسهم في خلق بيئة بصرية قادرة على تمثيل غزة، رغم أن التصوير جرى في الأردن، وهو تحدٍّ فرض عليهم العناية المفرطة بالتفاصيل المرتبطة بالإضاءة، ومواقع التصوير، وزوايا الكاميرا، والخلفيات، حتى يبدو المكان حقيقياً لمن يعرف المدينة جيداً.

غياب العنصر النسائي في الفيلم كان قراراً مدروساً، وفقاً لعرب ناصر الذي يفسره بوصفه عكس الفراغ العاطفي، والحنان الغائب، والوحدة التي تعصف بالشخصيات الثلاث، يحيى، على سبيل المثال، يفتقد والدته وأخته اللتين تعيشان في الضفة الغربية، وهو غارق في عزلة مركبة، وانعكاس لواقع عاطفي ممزّق، حيث العلاقات الإنسانية تُبتَر بفعل الجغرافيا والسياسة.

وعن اختيار اسم الفيلم، قال طرزان ناصر إن «كان ياما كان» هو أكثر ما يعكس واقع غزة، ففي هذا المكان لا شيء مضمون، الحياة نفسها قد تتحول إلى ذكرى في لحظة، بالأمس كنت تضحك، واليوم صرت من الأرقام، وغزة ليست فحسب ميدان الصراع كما تُصورها وسائل الإعلام، ولكنها مكان مليء بالحياة، والموسيقى والبحر، لكنه تحت الحصار.

 

الشرق الأوسط في

29.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004