ملفات خاصة

 
 
 

النائبان العموميان” أحد أفضل أفلام مسابقة مهرجان كان

أمير العمري- كان

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

سأكتب اليوم عن أحد أفضل ما شاهدت من أفلام في مسابقة مهرجان كان السينمائي الـ78، وهو فيلم يصعب ترجمة اسمه بعض الشيء إلى اللغة العربية، فعنوانه بالانجليزية هو Two Prosecutors وعنوانه الأصلي باللغة الروسية هو Dva prokurora ومعناها “النائبان العموميان” لكن أولا المدعي العام المحلي أي ما يسمى في بلادنا “وكيل النيابة” أي وكيل النائب العام، الذي ينتهي من تحقيقه ليصبح من حقه توجيه الاتهام، ثم المدعي العام المركزي الذي يمثل سلطة الدولة، فالفيلم يصور الفرق بين الاثنين، لكن كل ما نراه من أحداث، تأتي من وجهة نظر وكيل النيابة الشاب.

هذا هو الفيلم الروائي الطويل الخامس للمخرج الأوكراني سيرجي لوزنيستا الذي عرفناه بأفلامه التسجيلية الكثيرة (أخرج نحو 17 فيلما)، التي وثقت كأفضل ما يكون، الكثير من الأحداث، من أول الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية إلى محاكمة مجرمي الحرب من النازيين في كييف ثم الغزو الروسي لأوكرانيا. وها هو الآن يعود إلى الثلاثينيات (1937)، إلى الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين، في فترة التصفيات الكبرى، أو “سنوات الرعب”، لكي يفتح ملف معتقلات ستالين الرهيبة من خلال وقائع حقيقية سجلها في كتاب لم ينشر سوى في 2009، عالم الطبيعة الروسي جيورجي ديميدوف، من واقع تجربته كمعتقل سياسي في تلك الفترة.

هذا فيلم صادم، شديد القسوة والرهبة، يكشف في قوة ووضوح، عجز الإنسان الفرد عن مواجهة الآلة الضخمة للسلطة التي تسحقه وتمتهن إنسانيته داخل المعتقل، والأكثر مدعاة للصدمة والدهشة، أن هذا الرجل تحديدا كان من الشيوعيين المخلصين تماما للنظام، ولم يكن ممكنا بالتالي اتهامه بأنه يخدم مخططات الأعداء في الخارج الذي “يتآمرون” على الثورة البلشفية، أو يريدون إسقاط النظام السوفيتي. إلا أنه مع ذلك، وقع ضحية في أيدي الشرطة السرية اللعينة التي يعتقد هو أنها كانت تنسف النظام من الداخل، وتنتهك الدستور والقوانين السوفيتية التي يؤمن بها والتي كان يقوم بتدريسها.

هذا ما سيكشفه هذا العمل البديع بكل رصانة وهدوء، بعيدا عن الصراخ الهستيري والادعاء والاحتجاج المباشر الصارخ، كمثال مناقض لكل ما يصوره فيلم المخرج الإيراني جعفر بناهي الذي حصد “السعفة الذهبية”. ولو كانت لجان التحكيم في مهرجانات الغرب تنظر فقط وتحكم طبقا للمستوى الفني، لمنحت هذا الفيلم الجائزة الكبرى، إلا أنه خرج خالي الوفاض تماما رغم كل سحره وقوته وشموخه من جميع العناصر السينمائية التي تصنع الفيلم الجيد إن أجيد استخدامها بالطبع: السيناريو والإخراج والتمثيل والتصوير والمونتاج.

لا يوجد خطأ واحد في هذا الفيلم المدهش، ولا لقطة واحدة زائدة، أو مشهد يمتد أكثر مما ينبغي، أو تفاصيل غائمة وانتقالات تقفز فوق الحدث وتخلق الاضطراب وتشتت الرؤية، أو أداء تمثيلي يصرخ ويبالغ ويتشنج، بل على العكس تماما، فالأداء هنا يرقى إلى أفضل المستويات الذي عرفناها في السينما الروسية والسوفيتية عموما، وهو ما يرجع أساسا، إلى رسوخ المسرح كمدرسة عظيمة، ولا فرق بين أن يكون الممثلون من روسيا أو من أوكرانيا، فالمدرسة واحدة والانتماء واحد رغم ما نراه اليوم من انقسام سياسي ويتم تغذيته من قبل أطراف خارجية.

لدينا رجل طاعن في السن، يُعتقل ويُلقى به في سجن شديد الحراسة في مدينة “بريانسك” الواقعة على مسافة 380 كم من موسكو في جنوب غربي روسيا. إنه أحد تلك السجون التي يحتجز فيها الأشخاص الذين يُطلق عليهم “أعداء الدولة”. وفي الداخل تتم معاملة السجناء بكل قسوة وكراهية وازدراء،

تفاصيل السجن مصورة بدقة تكاد تكون فوتوغرافية، تماثل الأجواء التي كانت سائدة في روسيا الثلاثينيات، خصوصا وأن الفيلم مصور بألوان قاتمة يغلب عليها الرمادي، ومن خلال إضاءة كلاسيكية محسوبة في كل كادر بحيث تضفي نوعا من الكآبة وتوحي بالبرودة مع الإخلاص لواقعية الصورة، وتتحدد الصورة في المنسوب الأكاديمي للشاشة، أي 1.375:1، أولا لكي يمنحنا هذا الكادر الضيق، الشعور بالأجواء الخانقة داخل السجن وداخل المكاتب البيروقراطية والممرات، وثانيا يمنحنا الانطباع بالزمن الماضي، أي بأننا نشاهد فيلما من أفلام تلك الحقبة قبل أن تصبح “الشاشة العريضة” سائدة.

ترصد الكاميرا في لقطات ثابتة، وتنتقل من خلال وسيلة القطع، إلى الضباط وحراس السجن، وتتطلع من زوايا ضيقة، داخل الممرات الطويلة الشاحبة الإضاءة، والمكاتب الصارمة الحادة التضاريس، ومكاتب الانتظار الباردة، والسلالم التي تبدو بلا نهاية، المفاتيح التي تدور في الأقفال الضخمة، تفتح بابا وراء باب، قبل أن تدلف الكاميرا حيث يحتجز السجين داخل زنزانة ضيقة، لا ينفذ إليها الضوء، ويوجد بها فراش بدائي مغلق بسلاسل لا يمكن للسجين أن يتمدد فوقه إلا لو فتح الحراس قفل مغلق، والحراس يراقبون السجين دزال الوقت من خلال كوة في الجدار.

كلها تفاصيل مصورة بدقة مع التحكم في الزمن، واختيار دقيق للزوايا “الطبيعية” للرؤية التي لا تحرف أنظارنا بعيدا عن التركيز على محتوى الصورة، أو تأخذنا بعيدا عما يريد لنا المخرج أن نراه ونستوعبه. ليس هناك حوار كثير في الفيلم فالحوار مقتصد، والكلمات بقدر ما هي قليلة بدر ما تعبر عن الحالة النفسية السائدة والمزاج العام الذي يجعل الجميع كائنات خائفة، قلقة، غير واثقة من مصائرها. وحتى الضحكات التي تتردد في موقن واحد، في مكتب مدير السجن، تحاول ستر الشعور بالخوف؟

في البداية يدفع الحراس المتجهمون سجينا مسنا داخل زنزانة نرى فيها موقدا بدائيا، ويمنونه عود ثقاب واحد بعد أن يضعوا أمامه كيسا ضخما يفرغ ما فيه وهو عبارة عن كومة كبيرة من الرسائل، ومن دون أي حوار، نفهم أن المطلوب منه حرق هذه الرسائل، ثم يبدأ في استخراج واحدة وراء أخرى، تمر الكاميرا فوق أسطرها لنرى أنها رسائل كتبها المعتقلون، موجهة إلى “الرفيق العزيز ستالين”، تشكو فيه ظروف اعتقالهم، والظلم الواقع عليهم والاعترافات التي انتزعت تحت التعذيب. إلا أن السجين يحتفظ برسالة واحدة مكتوبة على ورق مقوى، سنعرف فيما بعد أنها كتبت بالدم، وأن المعتقل السياسي العجوز ستبيناك هو كاتبها، بعد أن جرح معصمه واستخدم دمه بديلا عن الحبر، وسوف تصل بطريقة ما لا يفصح عنها الفيلم، إلى مكتب المدعي العام المحلي.

ما يحدث هو أن المدعي العام في المنطقة، وهو الشاب “كورنييف” حديث التخرج وهو عضو مخلص في الحزب الشيوعي، المؤمن إيمانا راسخا في سلطة العدالة السوفيتية، سيتوجه بعد استلام الرسالة، إلى السجن لكي يقابل ستبنياك ليستمع منه إلى تفاصيل محنته.

مرة أخرى، أبواب موصدة تفتح، وهمهمات مكتومة من جانب الحراس الذين يبدو عليهم فقدان اليقين بأي شيء، فهم مجرد أدوات مسلوبة الإرادة، تخضع للتسلسل المرهق والخضوع الذليل. أما رجل القانون الشاب الهاديء “كورنييف” الذي لا يتكلم كثيرا، فهو يبدو مدفوعا بالمثاليات التي تعلمها ولقن إياها في الجامعة، عن القانون السوفيتي، والعدالة السوفيتية، وضرورة التحقق من أي تهمة قبل توجيهها.

يقود الحراس كورنييف أولا إلى مكتب نائب مدير السجن، الذي يخبره أن مدير السجن مشغول وربما لن يتاح له أن يقابله لكن كورنييف لا يمانع من الانتظار ولو حتى نهاية يوم العمل. يذهب الضابط الجاف الى مكتب رئيسه ويخبره بإصرار المحقق الشاب على مقابلته، يقول فلينتظر إذن، على أمل أن يرهقه الانتظار فيرحل. ويردد نكتة ذات مغزى، من الواضح أنها أعجبته كثيرا!

تقول النكتة أن الرفيق “فلان” (يذكر اسما لمسؤول كبير) عندما سئل عن الفرق بين بين تجربة الاعتقال في زمن القيصر، والآن، قال إنه في الماضي كان المرء يعرف أنه “ينتظر السجن”، أما الآن فهو يعرف أن “السجن ينتظره”، ثم ينفجر الاثنان في الضحك. وتبدو النكتة كما لو كانت تعليقا ساخرا على ما يمكن أن يكون في انتظار “كورنييف” الساذج الذي لا يبدو مدركا تماما لطبيعة النظام.   

المواجهة بين مدير السجن وكورنييف تكشف الفرق بين “المحامي” المثالي الذي يؤمن بالعدالة السوفيتية، والضابط الضليع بما يجري في الواقع، الذي يدرك جيدا أن من يدخل عنده لا يسهل أن يخرج. وهذه هي “العدالة” التي تمارس مع من يسمونهم “أعداء الدولة”.

يحاول الرجل أن يخيف كورنييف ويجعله يتراجع عن القيام بمهمته، فيخبره أن السجين مصاب بمرض معد، وأن السجن يعج بأمراض معدية كثيرة.. لكن كورنييف لا يكترث، فهو يدرك أنها مجرد حيلة للتهرب من تنفيذ أمر “الجهة القضائية”. لكن فكرة المرض المعدي مع تكرار الإشارة إليها بطريقة ذات مغزى حتى بعدما يوافق مدير السجن على السماح لكورنييف بمقابلة السجين، نوعا من “التحذير” مما يمكن أن يحدث لكورنييف نفسه.

يستمع كورنييف إلى ستبنياك الذي يصر على ضرورة خروج الحارس من الزنزانة وإغلاق كوة المراقبة، ثم يروي له تفاصيل ما تعرض له من تعذيب، رغم أنه من أساتذة القانون المرموقين، ولا شائبة تشوب علاقته بالحزب، وكيف أنه يعتقد أن ستالين لا يعرف ما يجري داخل جهاز أمن الدولة، وأن هناك تنظيم من ضباط الجيل الأحدث، يريدون التخلص من “جيل الثورة”، ويلفقون لعناصره التهم الزائفة، من أجل إحكام قبضتهم على السلطة. وهو يكشف لكورنييف آثار التعذيب الرهيب الذي تعرض له كما تبدو على جسده.

هذا المشهد رغم طوله الزمني، يرتفع بالفيلم إلى ذروة التأثير، أساسا بسبب الأداء المذهل المعبر للممثل الكبير “ألكسندر فيلبينكو” (81 سنة) وهو ممثل روسي معروف انشق على نظام الرئيس بوتين واتخذ موقفا مناهضا للحرب في أوكرانيا وغادر روسيا حيث يقيم حاليا في ليتوانيا. إنه يعبر بصوت متهدج وبحركة جسده النحيل، ووجهه المتغضن الشاحب، عن العذاب الجهنمي الذي يمكن أن يمارسه الإنسان على أخيه الإنسان، خصوصا عندما يقبض بيده على حفرة غائرة في جانب بطنه ويقول إنهم انتزعوا كليته.

بعد هذا اللقاء يستقل كورنييف القطار إلى موسكو معتزما تقديم تقريره إلى النائب العام للدولة، وهذا هو النائب الثاني الذي يشير إليه عنوان الفيلم. وفي القطار يقابل رجلا متقدما في السن، من الجيل الذي شارك في الثورة البلشفية (يقوم بالدور نفس الممثل، “ألكسندر فيلبينكو” العظيم)، ولكنه أصبح كما مهملا أيضا، وناله سوء المعاملة والإقصاء.

مبنى المدعي العام في موسكو، هو مبنى ضخم ذو أعمدة وبوابة عريضة، يشبه كثيرا العمارة التي تميزت بها تصميمات مهندس هتلر الأثير، ألبرت شبير، ويضطر كورنييف إلى صعود سلالم مرتفعة كثيرا إلى حيث يوجد مكتب المدعي العام في الطابق الأعلى، لكن سكرتير النائب العام يحاول أن يثنيه عما يعتزمه بدعوى أنه لم يتحدد له موعد مسبق. ومع إصرار كورنييف على أنه الأمر عاجل ومهم ولابد من وصوله إلى الرفيق ستالين شخصيا، يجلسونه في قاعة انتظار طول اليوم إلى أن ينتهي الرجل من مقابلة كل أصحاب الشكاوى التقليدية الذين يدخلون ويخرجون، يوجهون الشكر وينحنون.. وذلك قبل أن يستدعى كورنييف ويدلف وتدخل معه الكاميرا لأول مرة إلى مكتب النائب العام.

اللقاء بين الرجلين، لا ينبيء عن الكثير. كورنييف يحاول بكل قوة وحماسة أن يثبت للرجل أن ما يجري وما يكشفه أمامه يشكل خطرا على الماركسية وعلى النظام السوفيتي، وأن هدفه هو حماية النظام من مؤامرة داخلية يقودها بعض العناصر في جهاز أمن الدولة. لكن الطرف الآخر، لا يفصح قط عن رأيه أو موقفه. إنه يسأله أولا لماذا لم يلجأ إلى رئيسه في المحافظة التي أتى منها، ثم يخبره بأن سلطته القضائية لا تشمل التحقيق مع ضباط أمن الدولة، ثم يعده بتحري الأمر، ويدعوه للعودة الآن على حيث جاء، ويأمر بمنحه تذكرة قطار على نفقة الدولة.

في القطار، يجد نفسه في كابينة من الواضح أنها مختارة سلفا، مع رجلين يزعمان أنهما من المهندسين الذين يشرفون على إصلاح ما أفسد أثناء تنفيذ  أحد المصانع الكبرى، ولكن أحدهما بوجه خاص، يوجه إليه الكثير من الأسئلة، أما الآخر فيغريه بتناول الشراب معهما، ويغدق عليه بكرم من الفودكا، وبعد أن كان في البداية مترددا، يقبل كورنييف ليشاركهما الشراب والاستمتاع بالغناء ولكن مصيره يكون قد حسم.

هذا ليس فيلما عما يقال، بل عما لا يقال، ما لا نسمعه، فنحن نرى كيف يستقبل بطلنا الشاب ما يحدث في صمت ورهبة، لا نعرف ما يدور خلف الأبواب المغلقة، ولا خلف الوجوه المبتسمة أو الجامدة. إننا أمام صورة سينمائية للآلة البيروقراطية التي تحكم السجون والقضاء في الزمن الستاليني، حيث كل شخص يخشى غيره، لا أحد يصرح بمكنون نفسه، فالقهر العام هو جوهر النظام نفسه.

أعود وأستدرك أن “الرسالة” السياسية هنا هي الأهم في هذا الفيلم، فمن منا لا يعرف كيف كانت تدار الأمور في روسيا السوفيتية، بل يكمن سحر هذا الفيلم البديع، في الصورة، في التصميم الدقيق لكل كادر من كادراته، في التركيز على النظرات المتبادلة، ما يحدث في أحد أركان الكادر، كيف يسقط معتقل واهن الجسد من الإرهاق تخت وطأة ما يرغم المعتقلون على القيام به من أشغال شاقة، ليتم التخلص من جثته بسرعة.. أو تلك المصادفة المصنوعة التي تجعل شابا يقول إنه محام، يوقف كورنييف وهو يصعد سلم مقر المدعي العام ويزعم أنه كان زميله في الجامعة وأنهما كانا أصدقاء، يمازحه ثم يحاول أن يعرف منه سبب حضوره.. كما  

لوزنيتسا يبدو هنا، وقد هضم تماما واستفاد من تجربته التسجيلية، في تصوير التفاصيل الدقيقة خصوصا داخل مكتب النائب العام، وكيفية استخدام الأحجام المختلفة للقطات: العامة والعامة المتوسطة والمتوسطة، لتجسيد العلاقة بين الشخصية والمكان، ورصد الملامح مع التقليل من الانفعالات، ثم إبراز الديكورات في تصميماتها المدهشة الدقيقة، والاهتمام كثيرا بالتكوين وزوايا التصوير، وإهمال استخدام اللقطات المنعكسة المتبادلة، مع بقاء اللقطة الثابتة لمدة زمنية طويلة نسبيا، لإتاحة مسافة ذهنية للمشاهد للتفكير.

إن الدراما في هذا الفيلم، تنبع من الصمت، من البرودة، من الجدران التي تنصت وتسجل، من النظرات المحدقة في صمت، ومن إدراكنا بالمصير المحتم للبطل- المضاد للبطل، وهو “المتماثل” مع النظام، وكيف سيصبح ضحية للنظام.

 

موقع "عين على السينما" في

28.05.2025

 
 
 
 
 

"حادث بسيط".. ذاكرة الجلاد والضحية التي ظفرت بسعفة كان

عبدالرحيم الشافعي

جعفر بناهي يتجاوز الرقابة الإيرانية ويوقظ الضمير العالمي في دراما الانتقام والعدالة.

تأتي بعض الجوائز أحيانا لتسلط الضوء على مسيرة فنانين مناضلين، يقاومون الرقابة المشددة وبطش السلطة السياسية، والإيراني جعفر بناهي أحدهم، حيث حصد فيلمه "حادث بسيط" سعفة مهرجان كان الذهبية، كما اعتادت أفلامه السابقة أن تقتنص أكبر جوائز المهرجانات الدولية. وفي حين يحتفي بها العالم، يسعى النظام الإسلامي في طهران لإسكات صانعها بكل السبل المتاحة لديه.

فاز فيلم “حادث بسيط” للمخرج الإيراني جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي، مؤكدًا من جديد حضور السينما الإيرانية الجريء في المشهد العالمي. ويروي الفيلم قصة شخص يدعى وحيد، الذي يؤدي دوره وحيد مبصري، وهو رجل يختطف شخصًا بساق صناعية يشبه تمامًا جلاده السابق في السجن، ليتحقق من هويته الحقيقية بمساعدة ناجين آخرين، قبل أن يقرر مصيره، بينما يستحضر العمل موضوعات الانتقام والعدالة والندوب النفسية، ويشكل إدانة ضمنية للعنف الممنهج والقمع السياسي.

وأعلنت رئيسة لجنة تحكيم المهرجان جولييت بينوش -خلال تسليمها الجائزة- أن “الفن يحرك الطاقة الإبداعية لإخراج أفضل ما بداخلنا، بقوةٍ تحوّل الظلام إلى تسامح وأمل وحياة جديدة،” في إشارة واضحة إلى الأبعاد الرمزية للفيلم الفائز. لقد أنجز جعفر بناهي هذا الفيلم خارج الأطر الرسمية، متحديًا الرقابة في إيران، كونه معارضا اعتُقل مرارًا بسبب أعماله الناقدة للنظام، وقد تمكّن من إخراج الفيلم دون

الحصول على تصريح تصوير رسمي، ويعد “حادث بسيط” عملًا مشتركًا بين فرنسا ولوكسمبورغ وإيران، وقد اختير للمنافسة الرسمية في مهرجان كان لعام 2025، قبل أن يتوج بجائزته الكبرى، ويُذكر أن آخر حضور شخصي لبناهي في المهرجان كان عام 2003 عند عرض فيلمه “الذهب القرمزي” الذي نال آنذاك جائزة لجنة التحكيم.

يشكّل موضوع سيناريو فيلم “حادث بسيط” تأملا في الذاكرة الجريحة، عندما تنبع عقدته من اشتباه بطله وحيد في أنّ أحد زبائنه هو جلاده السابق في السجن، فتنطلق القصة من شعور باطني مختلط بين الخوف والرغبة في الانتقام، وتستند إلى خط زمني يتصاعد تدريجيًا حتى يبلغ ذروته في الصحراء، حينما ينوي البطل دفن خصمه حيًّا، إلا أنّ السيناريو لا يقع في فخّ العنف المباشر، بينما يخلق مساحة شديدة التوتر للشكّ والتردّد، ويطرح أسئلة جوهرية حول إمكانية الوثوق بالذاكرة، وحول الفرق بين الضحية والجلاد حين تُمحى الحدود بينهما بفعل الألم والسنين، ويضعنا الفيلم أمام وضعية أخلاقية معقّدة، حينما يتحوّل الألم الشخصي إلى محفّز للانتقام، لكن دون أدلة واضحة، ليضع المشاهد بدوره في موقع المساءلة الأخلاقية.

المخرج أنجز هذا الفيلم خارج الأطر الرسمية وقد تمكّن من إخراجه دون الحصول على تصريح تصوير رسمي

تبرز متتالية مشاهد فيلم “حادث بسيط” البعد الجماعي للألم، من خلال استدعاء وحيد لعدد من المعتقلين السابقين كي يساعدوه في التعرّف على الرجل، في ما يشبه محكمة ضمير شعبية، وهنا تُعبّر مواقف الشخصيات المتباينة عن تشتت الذاكرة الجمعية، وعن صعوبة الوصول إلى حقيقة واحدة في ظلّ التجارب القمعية المختلفة.

وتلعب العناصر الرمزية دورًا مهمًا في تعميق هذه الرؤية، فالصحراء تُمثل عزلة الإنسان في وجه مصيره، والساق الاصطناعية بصوتها المزعج تفتح جراحًا لم تلتئم، بينما الصندوق الخشبي يرمز إلى العجز عن دفن الماضي، ومن خلال هذه المفارقات النفسية والرمزية يعيد الفيلم طرح سؤال العدالة: هل يمكن لعدالة مبنية على الألم أن تنصف أحدًا، أم أنّها تولّد جلادًا جديدًا في هيئة ضحية قديمة؟

ويعد المخرج جعفر بناهي أحد أبرز صناع السينما في إيران، التحق بجامعة السينما والتلفزيون في طهران، ودرس الإخراج، وهناك بدأ مسيرته الفنية بإنتاج أفلام قصيرة ووثائقية للتلفزيون الإيراني، وواصل تطوير مهاراته حتى عمل مساعدًا للمخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي في فيلم “عبر أشجار الزيتون”، وهو التعاون الذي ترك أثرًا واضحًا في أسلوبه السينمائي لاحقًا، وفي عام 1995 أطلق أول أفلامه الطويلة بعنوان “البالون الأبيض”، والذي حاز جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان السينمائي.

وساهم بناهي في تشكيل ملامح الموجة الجديدة في السينما الإيرانية، إذ تميزت أعماله بالواقعية الاجتماعية والنقد الجريء للمشكلات السياسية والقيود المجتمعية، وخاصة تلك المفروضة على المرأة، ومن بين أبرز أعماله فيلم “الدائرة”، الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية، وكان بمثابة صرخة ضد القمع الممنهج للنساء في المجتمع الإيراني، كما أخرج في عام 2003 فيلم “الذهب والدم” الذي انتقد التفاوت الطبقي من خلال قصة جندي سابق يواجه الظلم بعد الحرب العراقية – الإيرانية، وقد نال الفيلم جائزة لجنة التحكيم في قسم “نظرة ما” بمهرجان كان.

وتعرّضت أعمال هذا المخرج للرقابة الشديدة والقيود الحكومية، إذ مُنعت بعض أفلامه من العرض داخل إيران رغم شهرتها العالمية، مثل فيلم “خارج اللعبة” الذي عالج قضية حرمان النساء من دخول الملاعب الرياضية، ومع أن الفيلم لم يُعرض رسميًا إلا أنه انتشر عبر أقراص “دي في دي” مقرصنة داخل البلاد، وهذا جعله يُحدث تأثيرًا واسعًا بين الإيرانيين، خاصة في أوساط الشباب.

واستمر بناهي في الحصول على تقدير عالمي رغم القمع الداخلي، وابتكر طرقًا جديدة لمواصلة عمله السينمائي رغم الحظر، من أبرزها تقنية الطاقمين، أي كان يستخدم طاقمًا وهميًا لجذب انتباه السلطات بينما كان طاقم العمل الحقيقي يقوم بالتصوير سرًا. وقد ألهمت هذه الطرق مخرجين آخرين داخل إيران وخارجها، بينما تحدى قرارات منعه من العمل بإخراج فيلم “هذا ليس فيلمًا” بالتعاون مع مجتبى ميرتهماسب، وتم تصوير العمل في شقته باستخدام كاميرا رقمية وهاتف محمول، وعبّر فيه عن مأزقه الشخصي كفنان محروم من ممارسة فنه. ورغم كل القيود، عُرض الفيلم في مهرجان كان وتم تهريبه إلى فرنسا على ذاكرة USB مخبأة في كعكة.

أفلام بناهي تعرضت للرقابة الشديدة والقيود الحكومية إذ مُنع بعضها من العرض داخل إيران رغم شهرتها العالمية

واستمر في العمل سرًا، فأخرج في عام 2013 فيلم “ستارة” بالتعاون مع كامبوزيا برتوفي، وفاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان برلين، وفي نفس العام منحت جامعة ستراسبورغ الفرنسية بناهي دكتوراه فخرية، وقد مثّلته ابنته في استلامها، حينما قرأت خطابًا من والدها جاء فيه: “يمكن منع الفنان من الإنتاج، لكن لا يمكن أبدًا تقييد خياله.”

وحصد بناهي في عام 2015 جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين عن فيلم “تاكسي طهران”، الذي صُوّر بطريقة مبتكرة، إذ جلس بناهي خلف مقود سيارة أجرة وجعلها موقعًا متنقلا لتصوير مشاهد شبه وثائقية تعكس الحياة اليومية في طهران، واعتُبر الفيلم تحديًا لحدود الرقابة بين الحقيقة والخيال، وقد حضرت ابنة شقيقته إلى برلين لتسلم الجائزة نيابة عنه.

وأُقيمت في عام 2016 أول مراجعة شاملة لأعماله السينمائية في مركز بومبيدو في باريس، تزامنًا مع إصدار كتاب عنه بعنوان “جعفر بناهي: صور/غيوم”، وفي عام 2018 عاد إلى مهرجان كان بفيلمه “ثلاثة وجوه”، الذي نال جائزة أفضل سيناريو مناصفة مع المخرجة الإيطالية أليس رورواخر.

وتعرّض للاعتقال مجددًا في 11 يوليو 2022 بعد مطالبته بمعلومات عن اعتقال مخرجين إيرانيين آخرين، ما أثار غضبًا دوليًا واسعًا، وأطلق مهرجان كان دعوة عاجلة للإفراج عنه وعن زميليه، واستنكر بشدة قمع السلطات الإيرانية للمبدعين، وألغت المحكمة العليا الإيرانية في أكتوبر 2022 الحكم الصادر بحقه، وأمرت بإعادة المحاكمة، لكن مع استمرار احتجازه أعلن في 1 فبراير 2023 إضرابًا عن الطعام والماء احتجاجًا على ظروف سجنه، وأُفرج عنه بكفالة بعد يومين فقط.

وغادر بناهي إيران لأول مرة منذ 14 عامًا في أبريل 2023 بعد استلامه جواز سفر سمح له بزيارة فرنسا حيث تعيش ابنته، وفي عام 2025 عاد إلى مهرجان كان السينمائي بفيلم جديد بعنوان “حادث بسيط”، وهو عمل درامي اجتماعي ملتزم، نال عنه سعفة كان الذهبية، تحت رئاسة لجنة تحكيم قادتها الممثلة الفرنسية جولييت بينوش.

ناقد سينمائي مغربي

 

العرب اللندنية في

28.05.2025

 
 
 
 
 

مواهب لمع نجمها في مهرجان كان السينمائي 2025.. تعرفوا إليهم

سيدتي - سارة أحمد

في كلّ دورة، يسلّط مهرجان كان السينمائي الدولي الضوء على المواهب الشابة، وكثيرٌ منهم، يكون المهرجان منبراً لتعريف الجمهور عليه، وتلك المواهب أغلبها تخطو خطواتها الأولى في عالم السينما عبْر مشاركاتهم بالمهرجان.

وقد نشر الموقع الرسمي لـ كان تقريراً عن "مواهب تستحق المتابعة"، سطعت خلال الدورة الـ78 والتي استمرت من 13 حتى 24 مايو الجاري.

مواهب تستحق المتابعة عن كَثَب

لوسيا غارسيا ممثلة في فيلم ROMERA

لوسيا هي ممثلة أسبانية شابّة، شاركت في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية. وفي فيلم "روميرا" للمخرجة كارلا سيمون، الذي شارك ضمن المسابقة الرسمية بالدورة 78 لكان 2025، جسّدت نسخة خيالية من المخرجة في شبابها، عندما كانت مخرجة أفلام ناشئة وخريجة حديثاً من المدرسة الثانوية، وأُرسلت للعيش مع عائلة عمها في ريف كاتالونيا بعد أن فقدت والديها بسبب الإيدز، وعندما تصبح شابة تسافر للقاء عائلة والدها الراحل.

أكينولا ديفيز جونيور مخرج فيلم "Shadow of the Valley"

حقق المخرج النيجيري أكينولا ديفيز، البالغ من العمر 40 عاماً، والمقيم في لندن، إنجازاً غير مسبوقٍ، بفيلمه "ظل والدي"، وهو عمل سيرة ذاتية، ويعَد أول فيلم نيجيري يُختار رسمياً للمشاركة في مهرجان كان السينمائي؛ حيث عُرض في قسم "نظرة ما".

وشارك في كتابته مع أكينولا، شقيقه والي ديفيرز، وتم تصويره في لاغوس، ويحكي قصة يوم في حياة أب هزته الفوضى السياسية الناجمة عن أزمة الانتخابات عام 1993.

نادية مليتي ممثلة في فيلم "الأخت الصغيرة"

نادية مليتي، تلك الشابة الفرنسية التي نجحت في اقتناص جائزة أفضل ممثلة بمهرجان كان السينمائي الدولي 2025، عن دورها في فيلم "الأخت الصغيرة"، للمخرجة حفصية حرزي. وجسّدت في الفيلم دور شابة في سن الرشد، ابنة مهاجرين جزائريين في باريس، وتكافح من أجل تحقيق الموازنة في حياتها.

يُذكر أن العرض العالمي الأول للفيلم كان في المسابقة الرئيسية للمهرجان في 16 مايو 2025، وفاز بجائزة Queer Palm وجائزة أفضل ممثلة، وسيتم إصداره في دُور العرض في فرنسا في 1 أكتوبر 2025.

هاري لايتون مخرج فيلم Pillion

هاري لايتون هو مخرج وكاتب سيناريو بريطاني، يبلغ من العمر 32 عاماً، بدأ مسيرته الفنية بإخراج أفلام قصيرة أثناء دراسته للأدب في جامعة أكسفورد. وفي عام 2025، قدّم لايتون أول فيلم روائي طويل له بعنوان: "Pillion"، الذي يستند إلى رواية "Box Hill" للكاتب آدم مارس جونز.

وعُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان كان السينمائي 2025، ضمن قسم "نظرة ما" وفاز بجائزة أفضل سيناريو.

ديبورا كريستيل لوب ناني ممثلة في فيلم PROMIS LE CIEL

ديبورا كريستيل لوب ناني، هي ممثلة من ساحل العاج، شاركت في مهرجان كان السينمائي لعام 2025 من خلال دورها في فيلم "Promis le ciel- السماء الموعودة"، الذي عُرض ضمن قسم "نظرة ما"، وخطفت أنظار النقاد بأدائها المميز.

"Promis le ciel" هو فيلم درامي من إخراج إريج سهيري، يسلّط الضوء على قضايا اجتماعية وإنسانية معاصرة. يُعَد هذا الفيلم أول ظهور بارز لديبورا كريستيل لوب ناني على الساحة السينمائية الدولية.

دييغو سيسبيديس مخرج فيلم La Misteriosa Mirada del Flamenco

دييغو سيسبيديس هو مخرج وكاتب سيناريو تشيلي شاب، وُلد في عام 1995 في سانتياغو. برز اسمه في عالم السينما بعد فوزه بجائزة "Cinéfondation" في مهرجان كان لعام 2018، عن فيلمه القصير "El verano del león eléctrico".

وفي عام 2025، قدّم أولى تجارِبه الروائية الطويلة بعنوان: "La Misteriosa Mirada del Flamenco"، والذي عُرض في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي، وفاز بالجائزة الكبرى لهذا القسم.

يوي سوزوكي ممثلة في فيلم Renoir

يوي سوزوكي هي ممثلة يابانية شابة تألّقت في دَورها الأول في فيلم "رينوار- Renoir"، للمخرج تشي هاياكاوا. الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي لعام 2025. وفي هذا الفيلم، جسّدت سوزوكي شخصية "فوكي أوكيتا"، فتاة تبلغ من العمر 11 عاماً، تعيش في طوكيو خلال أواخر الثمانينيات، وتواجه تحديات عائلية معقدة، بما في ذلك مرض والدها الخطير وضغوط الحياة اليومية.

وحظي أداء سوزوكي بإشادة واسعة من النقاد؛ حيث وُصف بأنه "مؤثر ومليء بالصدق".

أميلي بونين مخرجة فيلم LEAVE ONE DAY

أميلي بونين، مخرجة الفيلم الفرنسي "Leave One Day"، يُعَد هذا الفيلم أول عمل روائي طويل لها، وهو مستوحًى من فيلمها القصير "Bye Bye" الحائز على جائزة سيزار لأفضل فيلم قصير في دورته الـ48.

وقد عُرض الفيلم لأول مرة في افتتاح مهرجان كان السينمائي لعام 2025 في 13 مايو، وتم إصداره في دُور العرض الفرنسية في نفس اليوم. وينتمي الفيلم إلى نوع الكوميديا الموسيقية الدرامية، ويشارك في بطولته: جولييت أرمانيه، وباستيان بويون.

يعَد دَور غيوم ماربيك في فيلم "Nouvelle Vague" هو أول دَور سينمائي رئيسي له؛ حيث جسّد شخصية جان- لوك غوادر، خلال فترة تصوير فيلمه الشهير Breathless عام 1959. وحاز أداؤه على إشادة واسعة من النقاد.

الفيلم من إخراج ريتشارد لينكليتر، ويُعَد تحية سينمائية لحقبة "الموجة الجديدة" في السينما الفرنسية. وعُرض لأول مرة في مهرجان كان السينمائي لعام 2025؛ حيث تلقى تصفيقاً حاراً استمر لأكثر من 6 دقائق.

 

سيدتي نت السعودية في

28.05.2025

 
 
 
 
 

من المؤثرة البريطانية نيكي ليلي

التي استضافها مهرجان كان السينمائي؟

خطفت المؤثرة البريطانية نيكي ليلي (21 عاما) الأضواء لدى استضافتها في مهرجان كان السينمائي -الذي اختتمت فعالياته السبت الماضي- لحضور عرض فيلم "تاريخ الصوت" (The History of Sound).

وتعاني نيكول ليلي كريستو المعروفة اختصارا بـ"نيكي ليلي"، من التشوه الشرياني الوريدي الوجهي عالي التدفق منذ طفولتها، مما دفعها لأن تتحول إلى ناشطة خيرية ومؤلفة ومقدمة برامج تلفزيونية.

حالة طبية نادرة

وبعد خضوعها لفحوصات عديدة حين كانت في السادسة من عمرها، شُخصت نيكي بحالة طبية نادرة ومعقدة تُعرف باسم "تشوه الشريان الوريدي الوجهي عالي التدفق"، وهو عبارة عن تشابك في الأوعية الدموية غير الطبيعية التي قد تُسبب مضاعفات صحية خطيرة. واضطرت الفتاة للتغيب عن المدرسة الابتدائية لمدة 4 أشهر وسافرت إلى الولايات المتحدة مرات عديدة برفقة والديها لتلقي العلاج.

ويواجه المصابون بالتشوه الشرياني الوريدي الوجهي عالي التدفق خطر الإصابة بنزيف أنفي مُهدِّد للحياة، حيث يتدفق الدم مباشرة من الشرايين إلى الأوردة دون المرور عبر شبكة الشعيرات الدموية المعتادة في الرأس والوجه. وتجاوز الشعيرات الدموية هذا، يؤدي إلى تدفق الدم بكثافة مما قد يتسبب في مضاعفات مختلفة بالجسم.

فيديوهاتها سبب شهرتها

اشتهرت ليلي بفيديوهاتها على "يوتيوب" التي أطلقتها وهي في سن الثامنة لمشاركة تجاربها في العيش بـ"اختلاف" كما تقول وتمنح متابعيها أيضا لمحة عن حياتها، وتغطي قناتها على مواضيع مختلفة تشمل التنمر، والتعايش مع مرض مزمن، والصحة النفسية، والخبز، والجمال.

وظهرت المؤثرة البريطانية الأربعاء الماضي على السجادة الحمراء بمهرجان كان بفستان أحمر طويل وكان ظهورها حديث الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، وتلقت العديد من الإشادات بعد أن شاركت بعض الصور لها من خلف الكواليس عبر حسابها على إنستغرام قائلة: "يا لها من لحظة رائعة أن أحضر الدورة السنوية الـ78 من المهرجان مع عائلتي وكانت هذه أول مرة أصعد فيها على السجادة الحمراء الشهيرة، ممتنة إلى الأبد".

إشادات وجوائز

ليلي تناولت في قناتها موضوعات اجتماعية أعمق مثل كيف يمكن لبعض الكلمات أن تؤذي، وكيفية الرد على الأشخاص المتنمرين، ولديها إلى الآن ما يقارب 2.9 مليون متابع على "يوتيوب" بسبب مواضيعها الهادفة المثيرة للنقاش. أيضا كانت كريستو موضوع حلقتين من سلسلة الأفلام الوثائقية على قناة "سي بي بي سي" البريطانية بعنوان "حياتي" و"ولدتُ لأُدوّن فيديو" و"سأنجو".

وحصلت على جائزة "إيمي كيدز" الدولية، واُستضيفت مرات عديدة في الأمم المتحدة. وتم إنتاج فيلمين وثائقيين عن حياة ليلي، كما قدمت برنامجها التلفزيوني الخاص على قناة "بي بي سي" قبل بضع سنوات، وهي اليوم ضمن قائمة الأفراد والمنظمات والشبكات المرشحة لجوائز المرأة في التأمين لعام 2025.

وكُرّمت أيضا في عام 2019، حيث كانت أصغر شخص يحصل على جائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون "بافتا" لمساهمتها المتميزة في وسائل الإعلام الموجهة للأطفال ولمساهمتها في رفع مستوى الوعي بالقضايا الاجتماعية ولكونها مصدر إلهام لشباب العالم الذين يواجهون تحديات شخصية غير عادية.

وقالت في بيان لها، "لم أتخيل أبدا أنني وفي سن الثامنة، عندما قمت بتصوير أول فيديو لي، سأفوز بجائزة ‘بافتا’. أردتُ أن أُظهر أنه رغم تحديات الحياة، يُمكننا استغلال كل لحظة على أكمل وجه. أفخرُ بأنني، من خلال ركني الصغير على الإنترنت، استطعتُ أن أمنح الأمل، وأن أُظهر للناس أنهم قادرون، وأن عليهم أن يفخروا بأنفسهم، تماما كما أفخرُ بنفسي".

المصدر الجزيرة الصحافة الأجنبية

 

الجزيرة نت القطرية في

28.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004