ملفات خاصة

 
 
 

في مهرجان كان:

“نسور الجمهورية”.. فرعون الشاشة لا يخيف أحدا!

أمير العمري– كان

كان السينمائي الدولي

الثامن والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

من العناصر الرئيسية التي تجعل أي فيلم عملا متماسكا جيدا أن يتمتع بوحدة الأسلوب، إلا لو كان صانع الفيلم يريد أن يتجاوز الأسلوب، ويحلق بعيدا عن المألوف والسائد، ليصنع أسلوبه الخاص الذي قد يكون قائما على ما يعرف بـ”Eclecticism” أي الانتقائية، بمعنى الاستلهام من مصادر وأفكار وسياقات متعددة. وليس هذا بالتأكيد ما كان يرمي إليه المخرج السويدي- المصري طارق صالح وهو يكتب ويخرج فيلمه الجديد “نسور الجمهورية” الذي عرض بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الـ78.

وبينما يمتلك الفنان الباحث عن مصادر وسياقات متعددة القدرة على تضفيرها معا بحيث يخلق أسلوبه الخاص أو يتحرر كلية من قيود الأسلوب، يبدو طارق صالح وقد ضل طريقه بين الأساليب المختلفة، بعد أن جذبته الرغبة في تقديم سردية سينمائية تتناول أولا عالم السينما المصرية بنجومها الكبار، وكيف يمكن أن يصبح “النجم” ضحية لنفسه، أولا حينما ينساق وراء نزواته معتقدا أنه قد أصبح شخصية لا يمكن تطويعها أو السيطرة عليها، ناهيك بالطبع عن تسخيرها واستخدامها، ثم كيف تدار العلاقة بين النظام في مجتمع شمولي، وبين المنظومة الإعلامية والفنية، وكيف تتداعى الأمور لكي نصل أيضا إلى وضع أكثر تعقيدا بالنسبة لذلك الممثل- النجم- البطل الذي يصبح شاهدا على ما لم يكن يخطر له على بال.

طارق صالح انطلق، وهو يكتب نصه السينمائي، من الكوميديا إلى الميلودراما ومنها إلى الفيلم السياسي، ثم إلى أسلوب الفيلم البوليسي، أو فيلم الإثارة “ثريللر” من دون أن يحدد هدفه بدقة، لذا فإنه يحيد في النهاية عن الهدف، ليأتي فيلمه في النهاية يعاني من الترهل والثرثرة والأحداث المبتورة، ومن ناحية أهم، من عدم المصداقية، أي أننا لا نستطيع تصديقه. ومن أولى مبادئ الفن السينمائي الذي يعتمد على تجسيد الفكرة بالصورة والحركة والتمثيل أن يجعل المستحيل قابلا للتصديق. أما في فيلم “نسور الجمهورية” فإن العلاقات والمواقف تتداعى وتتراكم دون أن تخلق سياقا مقنعا، أو تجسد شخصيات يمكنك أن تتفاعل معها وتصدقها أو تصدق ما تقوم به، فتبقى مجرد أنماط مصنوعة صنعا للتعبير عن رسالة سياسية غاضبة.

طارق صالح يكمل بهذا الفيلم ثلاثيته السياسية عن مصر، أو بالأحرى، عن القاهرة، التي بدأها بفيلم “حادث النيل هيلتون” (2017) الذي يتناول فساد مؤسسة الشرطة، ثم “ولد من الجنة” (2022) الذي يتناول العلاقة بين السلطة والمؤسسة الدينية متمثلة في الأزهر، والآن في “نسور الجمهورية” يريد أن يسبر أغوار العلاقة بين السلطة والسينما.

وهو يبدأ فيلمه بملصقات (أو أفيشات) من أفلام الماضي في عصر السينما المصرية بأمجادها الخالدة من الخمسينيات والستينيات، لكنه يضع على جانبها، ملصقا لبطله ذي الأنف الطويل، النجم السينمائي الشهير الذي يطلق عليه الإعلام المصري – فرضا بالطبع- “فرعون الشاشة”، وهو ما يولد السخرية أكثر مما يمكن أخذه على محمل الجد. فمن هو “فرعون الشاشة” المفترض؟

إنه النجم السينمائي “جورج فهمي” (يقوم بدوره الممثل اللبناني الأصل فارس فارس بطل الفيلمين السابقين) الذي سنعرف أنه مسيحي، وأنه منفصل عن زوجته، غالبا بسبب خياناته المتكررة لها، وأنه يعيش مع فتاة تصغره كثيرا في العمر هي “دنيا” (الجزائرية لينا خضري)، وهي ممثلة مبتدئة من الواضح أنها غير موهوبة، لكنها أيضا غير سعيدة في علاقتها مع “الفرعون”، لأسباب ليس أقلها بالطبع أنه يجد صعوبة في إرضاء رغبتها الجنسية. ونحن نراه في مشهد طريف يذهب إلى صيدلية ليلا متخفيا، لكي يشتري حبوب “الفياجرا” لكن الصيدلي يتعرف عليه ويسعد بحضوره، ويريد أن يلتقط صورة معه أيضا بينما صاحبنا يريد أن يُبقي الأمر سرا.

من الواضح أن سبب شهرة هذا الممثل في السينما المصرية وأنه قد أصبح “سوبر ستار”، يرجع إلى نوعية أفلامه وهي من الأفلام الشعبية الرائجة التي تحقق نجاحا جماهيريا كبيرا، أي من أفلام التسلية، لذلك لا يبدو جورج مقنعا في احتجاجه غضبه وانفعاله عندما يصبح مطلوبا منه القيام بدور في فيلم تموله الدولة، للترويج لصورة الرئيس عبد الفتاح السيسي تمهيدا لترشيحه للرئاسة في عام 2014 (زمن أحداث الفيلم).

وما يزيد الأمر سوءا أن رجلا يدعونه الدكتور منصور (عمرو واكد) هو الموفد الخاص من الرئاسة مباشرة، مكلف بالإشراف على تنفيذ الفيلم حسب ما يريده الرئيس تحديدا وطبقا للصورة المراد ترويجها، وبالتالي فمنصور هذا يصبح رقيبا على أداء جورج.

ثورة وغضب جورج تأتي في البداية مع رفضه القيام بالدور، بدعوى أنه أكبر من أن يعمل في فيلم دعائي، وأنه لا يقبل التوجيه والوصاية، وأن أفلامه تتمتع بمستوى محترم، وكلها تداعيات وثرثرة لا تقنع أحدا، لأنه لا يوجد ممثل في مصر لا يستجيب إلا لو تمرد وخرج عن النظام، أي أن يكون لديه موقفا سياسيا معارضا وعلى استعداد للتضحية بعمله، أما نموذج جورج فهمي فهو نموذج “ممتثل” غارق حتى أذنيه في “الهلس”، يغشى الحفلات، يتعرف على كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين أيضا (لدينا هنا وزير الداخلية، ووزير الدفاع، ومدير المخابرات.. إلخ) لذا فمن المستبعد أن يرفض، والأكثر سذاجة وافتعالا أن السلطات تهدده بطريقة شديدة السذاجة، باعتقال ابنه، وهلي ترغمه على الامتثال، إلا أنه يظل مصرا على ضرورة أن يتمتع الفيلم بالمستوى الفني المتماسك، لذا يأتي بمخرجه المفضل، لكنه لن يستطيع سوى الاستجابة لما يطلب منه. وعندما يقوم جورج بالدور، يحاول أن يبتعد عن فكرة محاكاة “الرئيس” خصوصا أنه يختلف في شكله كثيرا عنه.

لا شك أن العلاقة بين السلطة الشمولية والفنان المستقل أو الذي يعتقد أن قوته تكمن في موهبته وأنه يستطيع أن يقاوم أي ضغوط بسبب شعبيته، هي فكرة جيدة، كان يمكن أن تنتج عملا فنيا كبيرا يتمتع بالمصداقية والتأثير كما رأينا مثلا في حالة فيلم “ميفستو” للمخرج المجري الكبير اشتيفان زابو (فاز بجائزة الأوسكار عام 1982)، لكن هذا كان يقتضي وجود سيناريو متماسك وشخصيات ناضجة، واضحة المعالم. أما جورج فهمي فهو لا يبيع روحه مقابل أن يتمتع بالصعود والشهرة والمجد والبقاء في دائرة الظل لينتهي إلى الدمار التام، بل هو من البداية شخص فاسد لا يقيم اعتبارا لأي شيء: لا لزوجته أو لابنه (الذي يقاطعه بسبب إهماله له)، ولا لصديقته الممثلة “رولا” (الفلسطينية شيرين دعبيس) ولا لعشيقته الشابة، ولا حتى لفنه. هو إذن لا يصلح كنموذج لسقوط فنان في أحابيل السلطة، فأمثاله يرحبون عادة بتقديم كل ما يطلب منهم، لكي يبقوا في دائرة الضوء، ومن هنا غياب المصداقية!

سيتخلى جورج عن صديقته الممثلة “رولا حداد” عندما تواجه موقفا صعبا من الناحية المادية بعد أن توقف المنتجون عن التعامل معها بتدخل من السلطة التي تريد أن تعاقبها، دون أن نفهم لماذا، هل بسبب صداقتها معه ومن أجل الضغط عليه لقبول القيام بالدور؟ ولماذا تستمر معاناتها بعد أن يكون قد قبل الدور بالفعل؟ لكن هنا تكمن نقاط الضعف في سيناريو الفيلم.. ومما يزيد الأمر سوءا، أن وزير الدفاع بمجرد أن تأتي سيرة رولا أمامه في إحدى الحفلات وهو بصحبة جورج، يطلب من جورج في لهفة رقم تليفونها، وكأنه لا يستطيع الحصول عليه بسهولة تامة، ونعرف فيما بعد أنه أقام معها علاقة لا نرى منها شيئا، لكننا نرى رولا فيما بعد وهي تشكو كيف كان الرجل متوحشا معها!

ولكن جورج فهمي من ناحيته سيوقع في شباكه زوجة الوزير “سوزان” المتعلمة في السوربون (المغربية زينب تريكي)، وستستسلم هي له من دون مقاومة دون أن نعرف سبب هذا الانجذاب المفاجيء، ثم تتخفى لكي تقابله سرا في غرفة أحد فنادق الدرجة الأولى، ثم سيأتي وقت يعترف لها جورج من دون أي تمهيد- بأنه واقع في حبها فعلا- ويريدها أن ترحل معه (لا نعرف إلى أين)، ولا يتضح موقف زوجها الوزير الذي يعرف بالأمر بل ويضبطها وهي تغادر الفندق.. ولكن الفيلم لا يهتم بمتابعة القصة التي خلقها من داخل الفيلم من دون أن تخدم الموضوع الأساسي، وسينتقل فجأة إلى تصوير مشهد حشد له الكثير من الإمكانيات لكنه جاء أشبه بمشاهد الإعلانات: أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر 1973 في الكلية الحربية، تقع محاولة انقلاب يدبرها كبار المسؤولين، لا تنجح، ولا نعرف كيف وقعت ولماذا، وما هو الدافع المحرك، ومن الذي كشف المؤامرة. وكيف انتهت، وكما بدأ الحدث فجأة، ينتهي فجأة على نحو مبتور.. ولا يتضح موقف جورج فهمي أو علاقته بهذا الحدث.

من ناحية أخرة، فالشخصيات النسائية في الفيلم، كلها شخصيات سطحية وضعيفة وكان يمكن الاستغناء عن معظمها، دون أن يفقد الفيلم شيئا، فشخصية الممثلة رولا حداد، تختفي من الفيلم مبكرا، ثم تختفي العشيقة الشابة “دنيا”، ثم لا نعرف مصير الزوجة العاشقة الخائنة “سوزان”!

 طارق صالح ينسى فكرته الأصلية عن الفنان والسلطة، ولا نعرف ماذا تم في الفيلم داخل الفيلم، ولا كيف انتهى تصويره، ويكتفي عمرو واكد بالتحديق بنظراته المتنمرة من وراء الستار، لكي يؤكد لنا الفيلم باستمرار أنه “الولد الشرير” the bad guy ولا يبقى من الفيلم شيء في النهاية، فلا الممثل فارس فارس كان مقنعا في دور نجم سينمائي مصري “سوبر ستار”، حتى من ناحية ملامحه الخارجية الشكلية البحتة، فهو متقدم في العمر، منحي الظهر، صاحب أنف منفر. أما من ناحية الأداء فأداؤه هنا أقل عما كان في الفيلمين السابقين والسبب يكمن في ضعف تصوير الشخصية في السيناريو.

ويعاني الفيلم بطبيعته، خصوصا أمام المشاهد المصري والعربي عموما، من تخبط في نطق اللهجة المصرية، فالممثلات (الجزائرية والفلسطينية والمغربية) يفتقدن إجادة اللهجة المصرية بطريقة واضحة. لكن الناقد الأجنبي “الخواجة” لن يدرك هذا لأنه يتابع من خلال الترجمة المطبوعة على شريط الفيلم. وهذا الناقد لا يهمه المستوى الفني بقدر ما يهتم عادة بالرسالة السياسية: وجود فساد وديكتاتورية وتصدع وتسلط.. إلخ

وبسبب تعدد الأساليب وتداخل القصص التي لا يتم إشباعها، وغياب شخصيات، وظهور شخصيات أخرى لا تضيف شيئا، والنهاية المبتورة الغامضة، يعاني الفيلم من هبوط الإيقاع خاصة في النصف الثاني منه الذي كان يقتضي بالضرورة إيقاعا أسرع، وتبدو اللقطات القليلة الملتقطة سرا، غالبا من داخل سيارات لشوارع القاهرة، عابرة ومنقوصة وغير متصلة جيدا مع باقي مشاهد الفيلم، ولا يبدو أن هناك أي معنى لجعل شخصية جورج فهمي، رجلا مسيحيا.. ومع ذلك يمكن القول إن هناك مشاهد محددة متفرقة من الفيلم، مصنوعة جيدا أو على الأقل، تتمتع بقيمة ما، مثل مشهد التحقيق الذي تجريه هيئة الرقابة على المصنفات الفنية (ثلاث نساء محجبات متزمتات) يلفتن نظر جورج إلى ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع وأن أمثاله وأمثال ما يقدمه من أعمال فنية هي ما يفسد المجتمع، وطبعا نفهم أن الأمر يتعلق بفيلمه الأخير الذي رأينا منه مشهدا في البداية يدور بينه وبين رولا حيث يشتركان معا في قبلة.

لا يحقق فيلم “نسور الجمهورية” (وهي تسمية يطلقها رجال حماية النظام على أنفسهم في الفيلم) هدفه، فهو عمل مضطرب، يريد صانعه أن يلعب في المساحة بين الفيلم الجاد والفيلم الهزلي، بين الكوميديا والتعليق السياسي والفوضى العامة داخل أوكار السلطة، لكنه يظل بعيدا كل البعد عما يحدث حقا في مصر.. بل أقرب ما يكون إلى مسلسلات أوبرا الصابون “السوب أوبرا”!

 

موقع "عين على السينما" في

25.05.2025

 
 
 
 
 

كلمة و 1 / 2..

المخرج الإيرانى جعفر بناهى يتحدى من (كان)!

كتب طارق الشناوي

قال جعفر بناهى المخرج الإيرانى الشهير بعد عرض فيلمه (حادث بسيط) فى المسابقة الرسمية لمهرجان (كان) بعد تصفيق حاد من الجمهور استمر نحو 15 دقيقة بلا توقف.

فى مرحلة السجن، لم أكن أعرف أصلا ما الذى نفعله، أو أن كنا لا نزال نؤمن بأننا سنعود، ونصنع شيئا، كل شيء صار غائما، والمستقبل بلا ملامح، لم أحتمل فكرة الجلوس على الهامش، ولا المشاركة فى مشاريع لا أومن بها، لم أعد أعرف أن كنت أنا نفسى لا أزال موجودا، أو أن كنت لا أزال أنتمى إلى هذا العالم، ها أنا أعود من جديد مع فيلم، ومع أمل، لو كان بسيطا، بأن السينما لا تزال هى الطريق، أنا لا أجيد شيئا سوى السينما، وأهدى هذا الفيلم إلى جميع الفنانين الإيرانيين، الذين أجبروا على مغادرة وطنهم رغما عنهم.

فيلم بناهى أراه مؤهلا بقوة لجائزة (السعفة الذهبية) التى تعلن مساء اليوم السبت، وذلك بعد أن شاهدت، عند كتابة هذه السطور، العدد الأكبر من الأفلام التى تتسابق على (السعفة) وأوفرها حظا هو فيلم بناهى. تذكرت عندما كنت فى طهران قبل نحو 15 عاما فى زيارة مع وفد سينمائى وفنى مصرى كبير، وقبل نهاية الرحلةعقدت ندوة مفتوحة مع وزير الثقافة فى حكومة الرئيس الأسبق (نجاد) وقلت إننا بالفعل نرى سينما عظيمة فى إيران، ولكن فى كل محافل الدنيا يتضامن كل السينمائيين مع جعفر بناهى ومحمد سولوف الذين صدر بحقهما أحكام بالسجن، وفى نفس الوقت طبقا للقانون هما ممنوعان لمدة 20 عاما من ممارسة المهنة، تساءلت وقتها وقلت طالما أنا أتضامن معهما فى كل المهرجانات الكبرى، التى أحضرها خارج إيران، فإن المنطق يقضى أن أواصل من طهران التضامن، نفى وزير الثقافة، تلك الحقيقة ولا أدرى كيف؟ وقال إنه لا يحاكم لأنه مخرج ولم يدن لأنه مخرج، وكان قد وقف ضد استمرار نجاد لولاية ثانية، فاعتبروه يهدد أمن البلاد القومى ويشيع الفوضى، كل ما هنالك أن بناهى الذى وصل الآن إلى 64 عاما،  فنان صاحب موقف يعبر عنه ويدفع أيضا الثمن.

قبل نحو 17 عاما عُرض له فى مهرجان «كان» فيلمه (هذا ليس فيلما) وكانت الأضواء تسلط على كرسى فارغ وعليه اسمه لأنه، كان ممنوعا من السفر، هذه المرة حضر، ولا أدرى هل سيعود مباشرة إلى (طهران)؟ الفنان يناضل حتى آخر نفس وآخر أيضا لقطة، وهكذا رأيت جعفر بناهى فى فيلمه الرائع (حادث بسيط)، وهو يقدم نفسه وحكايته للعالم بكل بساطة، وهذا هو  بالضبط سر وسحر السينما!!.

 

####

 

ينتهى اليوم بعد أن دعم غزة وانتقد «ترامب»:

مهرجان كان 2025.. عندما تفرض السياسة نفسها على السجادة الحمراء

كتب هبة محمد على

على مدار الأسبوع الماضى اتجهت الأنظار إلى مدينة «كان» الفرنسية التى تحتضن مهرجان «كان» السينمائى الدولى فى دورته الـ 78، ذلك المهرجان السينمائى الذى لا يزال يحتفظ بتوهجه الفنى باعتباره المنصة الأهم لاستعراض اتجاهات السينما العالمية، لكن ومنذ تأسيسه عام 1946، لم يكن مهرجان «كان» السينمائى هذا العام مجرد تظاهرة فنية لعرض الأفلام ومنافسة النجوم على السجادة الحمراء؛ بل جاء كساحة مفتوحة للتعبير عن المواقف السياسية، سواء من خلال الأفلام المختارة، أو التصريحات الجريئة، أو حتى الاحتجاجات التى تقام على مرأى الكاميرات وعدسات الصحافة العالمية.

من «كان» هنا غزة

عشية انطلاق المهرجان، وقّع ما يقرب من 400 شخص من صناع السينما، رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية تحت عنوان (فى «كان».. لا يجب إسكات رعب غزة). الرسالة جاءت تنديدًا بالمجازر التى ارتكبها الكيان المحتل فى حق سكان غزة وسط صمت عالمى مُخزٍ، وفى نص الرسالة حمّل الموقعون إسرائيل مسئولية استهداف المدنيين والصحفيين والفنانين بوحشية، مشيرين إلى مقتل أكثر من 200 صحفى فى غزة منذ بدء الحرب، بالإضافة إلى منع دخول أى صحفى أجنبى للقطاع، كما حذرت الرسالة من صمت المؤسّسات السينمائية العالمية عن مواجهة الاحتلال والعنصرية والاستعمار عبر الثقافة والفن، على اعتبار أن السينما ليست ترفًا؛ بل مسئولية ثقافية وأخلاقية فى مواجهة سياسات الاستعمار والعنصرية والاحتلال، وقد كان السؤال الأبرز الذى ضمه الموقعون على الرسالة هو بأى حق نصنع أفلامًا تدّعى الدفاع عن الإنسانية، بينما نتواطأ بصمت مع الإبادة الجارية؟

 مآسٍ إنسانية

لم تكتفِ الرسالة بالشجب والتنديد؛ لكنها أيضًا استعرضت بعض القصص الإنسانية التى تعرّض لها صُنّاع السينما داخل القطاع، منها على سبيل المثال واقعة اختطاف المخرج الفلسطينى «حمدان بلال» الحائز على الأوسكار عن فيلم (No Other Land، لا أرض أخرى) كما أشارت الرسالة إلى المصورة الفلسطينية «فاطمة حسونة» تلك الفتاة التى تبلغ من العمر 25 عامًا، والتى قُتِلت فى غارة إسرائيلية بعد يوم من إعلان مشاركة فيلم وثائقى عن حياتها فى المهرجان بعنوان: (ضع روحك على كفك وامضِ) للمخرجة الإيرانية الفرنسية «سبيدة الفارسى» ولهذا الفيلم قصة حكتها «سبيدة» فى أحد حواراتها الصحفية؛ حيث قالت إن «فاطمة» كانت سعيدة جدًا بقبول المهرجان عرض الفيلم الذى يصور حياتها عبر عام كامل، وأخبرت المخرجة فى مكالمة هاتفية- كانت الأخيرة بينهما- أنها رغم الحصار المفروض على سكان القطاع ستحاول جاهدة السفر إلى فرنسا لحضور عرض الفيلم، وفى اليوم التالى لاختيار الفيلم، قُتِلت «فاطمة حسونة» وعدد من أفراد عائلتها جراء صاروخ أصاب منزلهم، وقد دفعت هذه المأساة رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائى، الممثلة الفرنسية «جوليت بينوش» لرثائها فى حفل افتتاح المهرجان، كما ذكرتها النجمة الأمريكية «إنجلينا جولى» خلال كلمتها فى حفل عشاء أقيم على هامش المهرجان؛ حيث استنكرت خلال كلمتها وجود فنانات قُتِلن فى مناطق الصراع فى العالم، منهن المصورة الفلسطينية «فاطمة حسونة» والمغنية «شادن قردود» التى قُتِلت عام 2023 إثر النزاع فى السودان، والكاتبة «فيكتوريا إيميليانا» التى قُتِلت فى أوكرانيا فى العام ذاته.

 السياسة الأمريكية

أدّى إعلان الرئيس الأمريكى عن نيته لفرض رسوم جمركية على الأفلام الأجنبية التى يتم تصويرها خارج الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 100 % إلى جدل واسع بين السينمائيين فى أمريكا، وكان من الطبيعى أن ينتقل هذا الجدل إلى مهرجان «كان»؛ لكن ما حدث هو أن رفض تصريحات «ترامب» تحوّل إلى انتقاد لشخصه ولتصرفاته؛ حيث وصفه النجم الأمريكى «روبرت دى نيرو» بـ (الرئيس الجاهل) وذلك أثناء تسلمه جائزة السعفة الذهبية عن مجمل أعماله فى حفل افتتاح المهرجان، والجميل فى هذا الحدث هو أن لحظة تكريم أحد أشهر رموز السينما العالمية قد تحولت إلى لوحة معارضة لسياسات وقرارات الرئيس الأمريكى؛ حيث لم يكتفِ «دى نيرو» بانتقاد قراره بشأن فرض رسوم جمركية بنسبة على الأفلام الأجنبية؛ حيث لا يمكن تسعير الإبداع، معتبرًا أن هذه القضية ليست قضية أمريكية فقط؛ بل معركة عالمية ضد تقييد الحريات الثقافية، لا يمكن لأى مبدع الوقوف مكتوف الأيدى أمامها، لكنه أيضًا شن هجومًا عنيفًا على الرئيس الأمريكى، واصفًا إعادة انتخابه بالتهديد العالمى؛ حيث قال فى كلمته: (فى بلدى، نناضل اليوم من أجل ديمقراطية كنا نظنها أمرًا مفروغًا منه، وهذا التهديد لا يطال الولايات المتحدة وحدها؛ بل يشمل العالم بأسْره؛ لأن الفن يوحّدنا، ويكشف الحقيقة، ويحتضن التنوع، ولهذا تهاجمه الأنظمة الاستبدادية، فالفن يقلق الفاشيين).

 

مجلة روز اليوسف المصرية في

25.05.2025

 
 
 
 
 

جعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"

محمد صبحي

فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وذلك عن فيلمه "مجرد حادث" الذي صُوّر في السر، ويقدّم قصة أخلاقية حول سعي مجموعة من السجناء السابقين للانتقام من جلاديهم. هنا قراءة في الفيلم.

أهم الأحداث في حياة الناس قد تقع صدفة، أو عبر سلسلة من المصادفات. "حادث"، كما يقولون. التقاء شخص ما، الوصول إلى مكان ما في وقتٍ محدد دون غيره، الدخول أو عدم الدخول إلى مكان سيحدث فيه شيء ما لاحقاً. آلاف التفاصيل الصغيرة قد تُغيّر، وعادةً ما تفعل، حياة الناس. في الفيلم الجديد للإيراني جعفر بناهي، "مجرد حادث(المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي في دورته الـ78 وقد فاز بجائزة السعفة الذهبية)، لا علاقة لهذا "الحادث" بالحبكة، لكنه يُطلق العنان لها. وعواقبه لا تُحصى وخطيرة للغاية.

عائلة -أبّ وأمّ وابنتهما الصغيرة- تسافر في سيارة عندما يدوس الأبّ بالخطأ على كلبٍ. يتسبّب الاصطدام في تعطّل السيارة، ويضّطرون للتوقّف عند ورشة ميكانيكا. عندما يسمع وحيد (وحيد مبصر)، أحد العاملين هناك، صوت الأبّ ووقع أقدام ساقه الاصطناعية، ينتابه القلق ويكاد يجنّ. لا نعرف السبب في البداية، لكن الرجل يختبئ أولاً، ثم يقرّر اتباع السيارة التي أصلحها لتوّه إلى منزل العائلة إياها، ويقضي الليلة أمام بابهم، وفي صباح اليوم التالي، يتبع الأبّ المعني، وفي منتصف الشارع، يصدمه بشاحنته ويدفعه إلى داخلها.

سنفهم المنطق لاحقاً عندما نرى وحيد يحفر قبراً في قلب الصحراء ويلقي بالرجل المقنّع الذي لا يزال حيّاً هناك، مخطّطاً لدفنه دون أي تفسير، حتى يُجبر على تقديم سبب، فيتّهم الرجل بأنه هو نفسه الملقّب بـ"الساق الخشبية" (إبراهيم عزيزي)، حارس السجن الذي عذبّه وأذلّه قبل سنوات. يُقسم الرجل أنه ليس هو، وأن ساقه الاصطناعية حديثة، وأنه لا علاقة له بالشخص الذي يدّعيه الناس خطاً ولأن وحيد كان مُغطى الرأس أثناء التعذيب، لا يستطيع الجزم تماماً بأن الرجل هو مَن يظنّه، إلا من خلال صوت ساقه. ثم يأتي ما سيُحدّد مسار الحبكة من تلك اللحظة: اتباع مبدأ إحسان الظنّ حتى ثبوت العكس.

يُركّز "مجرد حادث" على رحلة البطل في سيارته باحثاً عن ناجين آخرين من التعذيب والإساءة على يد "الساق الخشبية" لمساعدته على إثبات هويته الحقيقية. يسافر المتهم في السيارة مُقيّداً ومعصوباً ومُخدّراً، فلا يرى أو يسمع ما يحدث هناك، والمتلخّص في جمع عدة أشخاص يُمكنهم الإقرار بأن الرجل الذي يُريد قتله هو الشخص المنشود. لكن الأمر ليس سهلاً، فجميعهم لديهم نفس شكوك البطل: المصوّرة شِفا (مريم أفشاري)، والعروس (هاديس باكباتن) برفقة زوجها المستقبلي (مهيد بناهي، ابن شقيق المخرج)، وشريك المصوّرة السابق (محمد علي إلياسمهر)، جميعهم عانوا من هذا "الساق الخشبية" ولديهم آراء مختلفة حول ما يجب فعله مع الرجل. لكن ولا واحد منهم يستطيع الجزم بأنه هو.

الفيلم إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا ولوكسمبورغ. ومرة ​​أخرى، أنجز بناهي، الناقد للجمهورية الإسلامية والذي سُجن عدة مرات، الفيلم من دون إذن تصوير رسمي من السلطات الإيرانية. وكما يقول بناهي الذي شارك شخصياً في مهرجان كانّ للمرة الأولى منذ 15 عاماً: "أنا لا أصنع أفلاماً سياسية، بل أفلاماً إنسانية". هنا ينجز أكثر أعماله إنسانية، مُقدّماً شخصيات قد تختلف ظروفها تماماً عن ظروف مشاهديها، لكن معضلاتها، وخياراتها بين الغفران والقصاص، تغمرهم تماماً.

يبني بناهي، كعادته في العديد من أفلامه -وفي معظم السينما الإيرانية- دراما مؤثرة، تتكشّف أحداثها داخل السيارة، وفي المدينة، وعلى الطريق، وفي محطات مختلفة على طول الرحلة. هناك، تبرز الاختلافات بين جميع هذه الشخصيات، الذين يعرفون بعضهم البعض بفضول، باستثناء وحيد، الذي يتعرّف عليهم عبر صلة مشتركة (التعذيب). هناك مَن يعتقد أنه لا ينبغي معاملة الجلّاد كما عُومل ("لسنا مثلهم"، يقول)؛ وهناك مَن يفتقر إلى هذه الشكوك الأخلاقية ويرغب في قتله، بينما ينتقل البطل من شعور أوّلي بالانتقام الفوري إلى مزيد من الشكوك. حتى لو كان الرجل هو الرجل المنشود، فهل الانتقام بقتله مبرَّر؟

بناهي، الذي ذاق السجن عدة مرات وبطرق مختلفة، لديه خبرة في مواقف عنيفة ومربكة ومؤلمة غالباً ما تولّد رغبة في الانتقام. في الواقع، هذه مشاعر يألفها بالتأكيد العديد من السجناء السياسيين عندما يرون في الشارع أشخاصاً أساؤوا معاملتهم أو عذّبوهم. لكن المعضلة الأخلاقية المطروحة في الفيلم تدور حول عدة عوامل في آنٍ واحد: التثبّت من هويّة أحدهم شيء، واتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله بشأنه، شيء آخر. ثم، تظهر مسائل متعلقة بالإجراءات الشرطية، مثل الحاجة إلى قتل الرجل لعدم ترك أي دليل على ما حدث، أو الخوف من تحقيق محتمل وأعمال انتقامية. أضف إلى ذلك حقيقة أنهم سيكتشفون قريباً أن الجلّاد المزعوم لديه عائلة، وتصبح الأمور أكثر توتراً وغموضاً.

"مجرد حادث" فيلمٌ قوي ومتزايد في حدّته، يملك لحظات كوميدية وخفيفة الظل، حيث تسير العديد من المحادثات والمشاجرات في هذا الاتجاه. لكن شيئاً فشيئاً، يكتسب الفيلم التوتّر والظلام حتى يصل إلى سلسلة من المشاهد النهائية المرعبة، تشكّك حتى في المنطق السائد بين الشخصيات. يبدو أن بناهي لم يعد يخشى الانتقام - أو أنه لا يكترث - لذا يُقدّم ربما أكثر انتقاداته المباشرة للحكومة الإيرانية في مسيرته المهنية، مع أن حبكة القصّة تدور في جوهرها حول نوع من التأمّل الداخلي لمَن عانوا أو ما زالوا يعانون آثار القمع والديكتاتورية. وكما أن ضحية أي نظام ديكتاتوري يُصارع عاطفياً لمجرد رؤية جلّاديه في الشارع، يطرح أبطال بناهي (وربما بناهي نفسه أيضاً) على أنفسهم السؤال ذاته، ويتأمّلونه تدريجياً في خضم رحلة طويلة من النهار إلى الليل. في هذه الحالة، حرفياً.

 

المدن الإلكترونية في

25.05.2025

 
 
 
 
 

مهرجان كان .. ذكاء اصطناعى وشباب تائه

كتب ــ د. أحمد عاطف درة

هل نبدو كألعوبة أحيانًا فى يد الزمن؟ إذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه المشاهدون بالنسبة لفيلم «صراط» للإسبانى وليفر لاكس، فهو هذا الأمر، وهو ما ينطبق على فيلم «دالواي»، وكلاهما شهد مهرجان «كان» السينمائى الدولى عرضهما، قبل أن يتم اختتامه أمس، متناولين قضايا الشباب التائه، والذكاء الاصطناعي.

شخصيات الفيلم الأول: «صراط»، تخرج فى رحلة إلى نهاية العالم الآخر، فيكون التساؤل: ما الطريق الذى يتخذونه كى لا يتوهوا فى صحراء الحياة، أو تحصدهم حوادث وألغام أشبه بالمصيدة، إذ يُثقلنا الكاتب والمخرج عاطفيًا ونفسيًا بطرق لا يمكننا التنبؤ بها.

فى الفيلم يتم تجميع عدد من مكبرات الصوت المتهالكة فى الصحراء المغربية، ورغم أنها تبدو ضئيلة بسبب جدران الوادى المتربة، فإن الصوت الذى تنتجه أولى مقطوعات الملحن كانجدينج راى المذهلة، وهو خط جهير هادر يضاهيها فى العظمة، وفجأة تمتلئ الصحراء الفارغة بأجساد متحركة، وعصى قديمة، وندوب حروق الشمس، وضفائرهم ومساميرهم وقمصانهم الممزقة بما يؤكد أنهم غريبو الأطوار.

وضمن الأحداث يدخل لويس وابنه إستيبان، وكلاهما يُجسّدان صورة الطبقة المتوسطة الطبيعية، فيتبادلان الحديث مع رواد الحفلات الراقصة، ويوزعان صور ابنته لويس مار، التى لم يسمعوا عنها منذ أكثر من خمسة أشهر. وبعد أن لمحوا خيطًا يوحى بأنها قد تكون جزءًا من هذا المشهد، يشعران بخيبة أمل لأن لا أحد يعرفها، إلى أن تخبر جايد، لويس بوجود حفل راقص آخر مُقرر قريبًا، فى مكان بعيد عبر الصحراء. ثم تصل السلطات، وتأمر بالإخلاء، فنعلم أن الحضارة على شفا حرب عالمية ثالثة.

ومع وجود ما يكفى من لحظات الترابط الدافئة لإقناعنا بأن الفيلم انحرف عن فرضية الفتاة المفقودة ليصبح فيلم طريق غير تقليدى مدفوعا بالتكنولوجيا، يصعب التعبير عن مدى الدهشة عندما تحدث مأساة مروعة بعد علامة منتصف الطريق مباشرة، ويموت الابن الطفل؛ فينتقل «صراط»، إلى منطقة أكثر وحشية ومجازية، إذ يتضح أن الوجود الأكثر استقلالا، واكتفاءً ذاتيًا؛ هو بناء يمكن تفكيكه قطعة قطعة.

فماذا يحدث عندما نفقد كل شيء؟ هل نصبح وحوشًا أم ملائكة؟ وهل نعود إلى حالة من النعمة أم حالة فوضوية بغيضة؟ لا يقدم الفيلم أى إجابات, لكنه ينغمس بشكل كابوسى فى الأسئلة، كما لو أننا هنا فى أفق الحدث للانهيار العالمي.

وتأتى النهاية على الشاشة بالقول إن «الصراط» هو الطريق بين الجنة والنار الذى هو أرفع من شعرة، وذلك مع آيات من القرآن الكريم، ومسلمين يطوفون حول الكعبة فى حركة دائرية بمواجهة حركة مذبذبة يقطعها أبطال الفيلم، كمتصوفة تدور حركتهم حول الكون فى مواجهة حركة ضائعين بلا هدف.

فهل هذا ما تبدو عليه نهاية العالم؟ يسأل بيجوى فى مرحلةٍ ما، ورغم أن اللحظة اليائسة التى تثيرها عندما يموت الكل تباعا بسبب الألغام هى اللحظة التى ينتهى فيها كل شيء، ويسقط، ويحترق، وينفجر، ويتحول إلى غبار ويموت، فإن «صراط» شيء جديد.

الفيلم الثانى هو «دالواي» للمخرج يان غوزلان، عن الذكاء الاصطناعي، ويتناول قصة حياة كلاريسا، وهى روائية تفتقر إلى الإلهام، فتنضم إلى برنامج فنى مرموق، و«دالواي» هو مساعدها الاصطناعى الافتراضي، إذ يساعدها فى الكتابة. لكنها تشعر تدريجيا بالقلق من سلوك الذكاء الاصطناعى المتطفل، والذى تعززه تحذيرات مؤامراتية من مقيم آخر، فتُطلق تحقيقًا سرًا لاكتشاف النيات الحقيقية لمضيفيها.. هل هو تهديد حقيقى أم وهم جنوني؟

فهل تعتقد حقًا أن الذكاء الاصطناعى لن يحل محل البشر، بسبب عواطفهم وإبداعهم؟ يتساءل يان غوزلان فى «دالواي»، فيلمه السينمائى الفريد.

وعودة إلى تفاصيل الفيلم، فكلاريسا كاتبة أدب شابة ناجحة سابقًا، لكنها عالقة الآن تمامًا. وقد علقت فى هذا الوضع لسنوات، وغاب عنها الإلهام. فتقدمت بطلب للحصول على إقامة فنية فاخرة للتركيز على كتاب عن اللحظات الأخيرة لفيرجينيا وولف.

فى البداية، لم يكن السبب واضحًا، لكن مساعدها الافتراضى الودود، دالواي، يُدركها فى النهاية، لينتحر ابن كلاريسا أيضًا، وبالكاد تغادر شقتها، وتتبعها الكاميرات فى كل مكان، ويتزايد جنون العظمة، ثم يقترح غوزلان بسرعة أن «المنزل الذكي» أذكى من أن يضر برفاهية أى شخص: سيُدير مشترياتك من البقالة، ويبدع ألحانًا جميلة، لكنه يتقدم أكثر كل يوم.

وفى البداية، يُبدى عداءً سلبيًا تجاه كلاريسا التى تُهمل اليوجا، ثم يُصاب بالجنون، ويحاول افتراسها. إنها قصة عن علاقة سامة، وفرض السيطرة، لكنها ليست قصة شريك كان يومًا ما مُحبًا يتخطى ببطء الحدود الخفية؛ إنها التكنولوجيا.

تُريد كلاريسا - إذن - نوعًا جديدًا من الاحترام ككاتبة، وبمجرد أن تبدأ فى التنقيب عن جحيمها الشخصي: هل هو حقًا خطأ الآلة، أم أنها بحاجة إلى شخص تُلقى عليه اللوم؟ يصبح من الصعب الجزم، لتأتى النصيحة: «لا تُشارك حياتك الشخصية مع الذكاء الاصطناعي».

 

الأهرام اليومي في

25.05.2025

 
 
 
 
 

غموض يسود ما تخبئه السلطات في طهران لـ بناهي

بعد فوز فيلمه الـ 11 بالسعفة الذهبية

كان ـ «سينماتوغراف»

فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي يوم أمس السبت بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "حادث بسيط" الذي صُوّر في السر، داعيا على منبر الحدث السينمائي إلى "حرية" بلاده.

وكوفئ المخرج البالغ 64 عاما، والذي تمكّن من الحضور إلى مهرجان كان لأول مرة منذ 15 عاماً، بالجائزة الأرفع في الحدث العريق، عن فيلمه الذي يقدّم قصة أخلاقية تغوص في مخطط سجناء سابقين للانتقام من جلاديهم.

وقال بناهي باللغة الفارسية، بحسب ترجمة قدمها المهرجان: "أعتقد أن هذه اللحظة المناسبة لسؤال كل الناس، جميع الإيرانيين، بكل آرائهم المختلفة عن الآخرين، في كل مكان في العالم، في إيران أو في العالم، أسمح لنفسي أن أطلب شيئا واحدا: دعونا نضع جانبا كل المشاكل والاختلافات، الأمر الأكثر أهمية في هذه اللحظة هو بلدنا وحرية بلدنا".

ويسود غموض حيال المصير الذي تخبئه له السلطات في طهران بعد فيلمه الحادي عشر، إذ سبق أن سُجن المخرج مرتين في إيران حيث حُكم عليه في عام 2010 بالسجن ست سنوات ومُنع من التصوير لمدة 20 عاماً.

وقال بناهي على هامش فعاليات المهرجان : "الأهم هو أن الفيلم قد أُنتج. لم أُفكر في ما قد يحدث بعد ذلك. أشعر بأني حيّ ما دمت أصنع أفلاما".

وخلال تسليمه جائزة السعفة الذهبية، تطرقت رئيسة لجنة التحكيم جولييت بينوش إلى الدور الذي يضطلع به الفنانون في "تحويل الظلام إلى غفران".

وقالت النجمة الفرنسية: "الفن يستفز ويطرح الأسئلة ويبدّل الأوضاع، الفن يحرك الطاقة الإبداعية لأثمن جزء فينا وأكثره حيوية. قوة تحوّل الظلام إلى غفران وأمل وحياة جديدة".

ومنذ عام 2010، لم يتمكن المخرج الإيراني من مغادرة بلاده لحضور أيّ من المهرجانات السينمائية الكبرى التي أغدقت عليه الجوائز (جائزة "الدب الذهبي" مرتين في برلين، وثلاث جوائز في كان، وجائزة أخرى في مهرجان فينيسيا).

"حادث بسيط" هو أول عمل لجعفر بناهي بعد رفع الحظر الحكومي عنه، ويخلط الفيلم بين الغضب والسخرية السوداء، ويستعرض قصة خمسة سجناء سابقين يعتقدون أنهم تعرفوا إلى المدعي العام الذي عذّبهم في السجن. وقد استوحى بناهي الفيلم من أحاديث جرت بينه وبين سجناء آخرين خلال فترة اعتقاله.

 

####

 

الأفلام الأمريكية تخرج «خالية الوفاض» من جوائز مهرجان كان السينمائي الـ 78

كان ـ «سينماتوغراف»

لم تتضمن قائمة جوائز مهرجان كان السينمائي الـ 78 لهذا العام أي أفلام أمريكية، إذ خرجت إنتاجات كبيرة مثل فيلم "إدينغتون" للمخرج آري أستر مع خواكين فينيكس، و"المخطط الفينيقي" لـ ويس أندرسون، و"مت حبيبي" للمخرجة لين رامزي مع جنيفر لورانس خالية الوفاض.

وفضلت لجنة التحكيم التي ضمت من بين أعضائها الممثلين الأميركيين جيريمي سترونغ وهالي بيري، أفلاماً لا تشبه الإنتاجات السائدة في قطاع السينما، بالإضافة إلى المواهب الشابة.

وشهد المهرجان الفرنسي خلال الأسبوعين الماضيين عروضاً زاخرة بنجوم هوليوود، من دينزل واشنطن إلى توم كروز الذي جاء لتقديم أحدث أفلام سلسلة "ميشن إمباسيبل"، مروراً بسكارليت جوهانسون التي شاركت بأول تجربة إخراجية لها "إليانور العطيمة"، بالإضافة إلى تجربة كريستين ستيوارت مع فيلم "التسلسل الزمني للمياه".

 

####

 

فوز جعفر بناهي في «كان السينمائي الـ 78»

يُثير إشادات وانتقادات سياسية خارج وداخل إيران

كان ـ «سينماتوغراف»

فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الثامن والسبعين عن فيلمه "حادث بسيط"، محققًا إشادات واسعة من شخصيات سياسية ومدنية وثقافية حول العالم.

وُصفت جائزة فيلمه، التي اعتُبرت إنجازًا تاريخيًا للسينما الإيرانية ونصرًا رمزيًا لحرية التعبير، بأنها أثارت انتقادات لاذعة من وسائل الإعلام الموالية للحكومة في إيران.

ووُصف بناهي، السجين السياسي السابق الذي مُنع من السفر وصناعة الأفلام لأكثر من عقد، بحفاوة بالغة في حفل توزيع الجوائز.

وقدمت الممثلة الشهيرة كيت بلانشيت جائزة السعفة الذهبية مساء أمس السبت. وفي خطابه، ألقى بناهي كلمةً توحدت فيها أصوات الإيرانيين داخل البلاد وخارجها، داعيًا إياهم إلى "وضع خلافاتهم جانبًا" والعمل معًا من أجل الديمقراطية والكرامة وحقوق الإنسان.

وقال بناهي، وسط تصفيق حار من الجمهور: "لا أحد يُملي علينا ما نرتديه، أو ما نفعله، أو ما نصنعه من أفلام".

ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو هذه اللحظة بأنها "عمل رمزي للمقاومة" ضد القمع. وكتب بارو على موقع X: "إن فوز جعفر بناهي بالسعفة الذهبية يُحيي الأمل لدى المناضلين من أجل الحرية حول العالم".

وأثار هذا الفوز ردود فعل عاطفية من مختلف الشخصيات السياسية والفنية الإيرانية في الداخل والخارج.

ووصفت نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بناهي بأنه "مخرج شجاع ومتميز"، وجاء تكريمه ثمرة سنوات من الجهد الدؤوب لتعميق القيم الإنسانية والمدنية من خلال الفن.

وهنأ الأمير رضا بهلوي، الوريث المنفي للنظام الملكي السابق في إيران، بناهي، ووصف الجائزة بأنها "شرف عظيم لإيران".

وأعرب عن أمله في أن يتمكن صانعو الأفلام الإيرانيون يومًا ما من العمل "دون رقابة أو قيود" في وطنهم.

ووصف الناشط الإيراني حامد إسماعيليون بناهي بأنه "بطل حقيقي"، مشيدًا بصموده في وجه الرقابة والقمع. وقال: "شجاعته تُلهم كل من يناضل من أجل العدالة والحرية".

كما أشادت الممثلة الإيرانية البريطانية نازانين بنيادي بخطاب بناهي، واصفة إياه بـ"الصوت الموحد" في وقت يبحث فيه الإيرانيون عن التضامن والرؤية.

وشارك في موجة الاحتفالات 135 ناشطًا مدنيًا وسياسيًا وثقافيًا، حيث أصدروا بيانًا مشتركًا أشادوا فيه ببناهي باعتباره رمزًا للنزاهة الفنية والدفاع عن حقوق الإنسان.

وذكر البيان أن بناهي انضم إلى كوكبة نادرة من صانعي الأفلام إلى جانب أساطير سينمائية مثل مايكل أنجلو أنطونيوني وروبرت ألتمان، ليحصدوا جوائز السينما الأوروبية الكبرى الثلاث: الدب الذهبي (برلين)، والأسد الذهبي (فينيسيا)، والآن السعفة الذهبية (كان).

صُوّر فيلم "حادث بسيط"، وهو فيلم إثارة سياسي، سرًا في إيران دون تصريح حكومي، وفي تحدٍّ صريح لقوانين الحجاب الإلزامي.

وقد أثار إنتاج الفيلم وتحدي بناهي العلني لقوانين الرقابة إعجاب مجتمعات السينما الدولية وجماعات حقوق الإنسان.

كما منحت لجنة تحكيم مهرجان كان بناهي جائزة المواطنة في المهرجان، تقديرًا لمساهماته الواسعة في مجال حرية التعبير.

يتزايد عدد صانعي الأفلام الإيرانيين الذين يتحدون الرقابة الأيديولوجية الصارمة في البلاد من خلال إنتاج أفلام دون الحصول على إذن من وزارة الثقافة لعرضها في الخارج.

في العام الماضي، صرّح المخرج الإيراني البارز أصغر فرهادي بأنه لن يُنتج أي أفلام في إيران حتى يُرفع الحظر المفروض على عرض النساء بدون حجاب، كما يطالب الشعب.

أما داخل إيران، فقد قوبلت الجائزة إما بالصمت أو بالغضب من قِبل وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة.

رفضت صحيفة "فرهيختيغان" اليومية المحافظة، التابعة لجامعة آزاد الإسلامية، التكريم بعنوان: "السعفة الذهبية تصدأ".

اتهمت الافتتاحية المهرجانات السينمائية الأوروبية بالتحيز الاستشراقي، وأشارت إلى أن الإشادة ببناهي كانت مدفوعة بدوافع سياسية لا بجدارة فنية.

وذهبت وكالة أنباء الطلاب (SNN) إلى أبعد من ذلك، حيث وصفت بناهي بأنه "وسيط" و"بائع لإيران". ووصفت الحفل بأنه "عرض سياسي" من تدبير "مسوقي العلاقات العامة".

وعلى الرغم من الانتقادات، أعاد فوز بناهي إشعال النقاشات حول حرية التعبير، والمقاومة الفنية، والوحدة الوطنية بين الإيرانيين حول العالم.

وبينما كان يغادر المسرح في كان، أعرب بناهي عن أمل بسيط: "أحلم بإيران حيث لا يتم إسكات الفنانين، حيث لا حدود للحقيقة، وحيث لا يعيش أحد في خوف من رواية قصة".

 

####

 

انقطاع التيار الكهربائي بمدينة «نيس»  

تكراراً لما حدث أمس في «كان السينمائي الـ 78»

كان ـ «سينماتوغراف»

عقب انتهاء فعاليات الدورة الـ 78 لمهرجان كان السينمائي، شهدت مدينة نيس انقطاعًا للتيار الكهربائي ليلة أمس السبت، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي مؤقتًا عن حوالي 45 ألف منزل.

ووفقًا لمكتب المدعي العام، اندلع حريق في محول كهربائي في منطقة مولان غرب نيس.

وصرح كريستيان إستروسي، عمدة نيس، بأن الحريق مُدبر، وأنه "يدين بشدة هذه الأعمال الخبيثة التي تؤثر على بلدنا" في منشور على X.

وأضاف أن المدينة ستعزز أمنها حول المواقع الكهربائية في الأيام المقبلة، وأنه سيتم تقديم شكوى رسمية عقب الحادث.

وعادت الكهرباء حوالي الساعة السادسة صباح يوم الأحد. كما تأثرت مدينتا سان لوران دو فار وكانييه سور مير المجاورتان بانقطاع التيار الكهربائي.

يأتي هذا الحادث في أعقاب انقطاع التيار الكهربائي الذي ضرب مدينة كان والمناطق المحيطة بها في اليوم السابق، مما أثر على ما يقرب من 160 ألف منزل. وتقول السلطات إن الانقطاع ناجم عن أعمال تخريب متعمدة.

أُضرمت النيران في محطة كهرباء فرعية عالية الجهد في مقاطعة فار، وقُطع برج كهرباء في منطقة الألب البحرية.

ورغم هذا الانقطاع، سار مهرجان كان السينمائي كما هو مخطط له في يومه الأخير، بفضل مصدر الطاقة المستقل. وأُعيد التيار الكهربائي إلى المنطقة بحلول وقت متأخر من بعد الظهر.

 

####

 

بيدرو باسكال يحقق انتشارًا واسعًا بعد سفره على متن رحلة اقتصادية إلى «كان»

كان ـ «سينماتوغراف»

لا تدع ترشيحاته الثلاث لجوائز إيمي وأكثر من 10 ملايين متابع له على إنستغرام يخدعك، فبيدرو باسكال رجلٌ محبوب.

صُوّر نجم مسلسل "Last of Us" على متن رحلة اقتصادية من لندن إلى مهرجان كان السينمائي في فرنسا، حيث عُرض فيلمه الكوميدي الغربي "Eddington".

صوّر المخرج والمؤثر لوكاس بيليزارو نجم مسلسل "ماندالوريان Mandalorian" وهو يصعد إلى الطائرة في 16 مايو قبل انطلاق المهرجان السنوي في اليوم نفسه.

في مشهد كوميدي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تظاهر بيليزارو بأن باسكال لحق به إلى كان وتسلل إلى العرض الأول للفيلم، الذي يلعب دور البطولة فيه.

وخلال مؤتمر صحفي في كان الأسبوع الماضي، سُئل باسكال عن شعوره تجاه ملايين المهاجرين اللاتينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة دون وثائق، وما إذا كان قلقًا من إغلاق البلاد تمامًا.

قال باسكال: "أريد أن يكون الناس آمنين ومحميين - وأريد بشدة أن أعيش في الجانب الصحيح من التاريخ". أنا مهاجر. والداي لاجئان من تشيلي. أنا شخصيًا كنت لاجئًا. هربنا من نظام ديكتاتوري، وكنت محظوظًا بما يكفي لأن أعيش في الولايات المتحدة بعد لجوئي إلى الدنمارك.

وأضاف أنه لم يكن ليتخيل كيف ستكون حياته لو لم ينشأ في الولايات المتحدة. انتشر هذا الاقتباس على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حصد المقطع أكثر من 7.5 مليون مشاهدة على X.

وكتب أحد المعجبين ببسكال: "لطالما كان بيدرو شخصًا رائعًا، وقد أصبح أكثر روعةً في نظري. دافع عن مبادئك. كن إنسانًا محترمًا، هذا كل ما نستطيع فعله، بل يجب علينا فعله!".

 

موقع "سينماتوغراف" في

25.05.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004