ملفات خاصة

 
 
 

أنجلينا جولي تواجه شخصية ماريا كالاس في فيلم جديد

المغنية الإيطالية الساحرة ما برحت تجذب السينمائيين وأولهم فرنكو زيفيريللي

هوفيك حبشيان 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 97)

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

يسترجع المخرج التشيلي بابلو لاراين شخصية المغنية الأوبرالية اليونانية العالمية ماريا كالاس في فيلمه الجديد "ماريا"، الذي افتتح الدورة الجديدة من مهرجان تسالونيك، بعد مشاركته في مهرجان البندقية.

أصبحت ماريا كالاس عبر الزمن مادة لأفلام سينمائية عدة، حتى إن فرنكو زيفيريللي انكب على سيرتها في عام 2002، مع "كالاس إلى الأبد" انطلاقاً من اعجابه بها، مانحاً فاني أردان ملامحها. كان المخرج الإيطالي تطرق في فيلمه هذا إلى الأيام الأخيرة للمغنية الأوبرالية، مازجاً عناصر من واقعها المعيش بأخرى محض خيالية، وهذا ما يفعله بالضبط بابلو لاراين في جديده "ماريا" الذي افتتح مهرجان تسالونيك الأخير (الـ31 من أكتوبر / تشرين الأول – الـ10 من نوفمبر / تشرين الثاني)، وذلك بعد مشاركته في مسابقة مهرجان البندقية الدورة الماضية. أخذ المخرج التشيلي سيرتها وتخيل أيامها الأخيرة في عمل جذاب، جيد الصنعة عموماً، لا يخلو من بعض العيوب، وتلعب فيه الممثلة الأميركية أنجلينا جولي دور البطولة، بعدما خضعت لاختبارات كثيرة جعلتها تدخل في جلد الشخصية. على رغم أن لاراين سينمائي موهوب يتقن ما يفعله، فهو لا يفي أسطورة الغناء حقها، في عمل يفتقر للزخم وتأثيره محدود، وسنرى لماذا. 

هذا ثالث فيلم - سيرة يقدمه لاراين بعد "جاكي" عن زوجة الرئيس الأميركي المغتال جون كينيدي، و"سبانسر" عن الأميرة ديانا التي كانت لها نهاية مأسوية، في كلا الفيلمين يتناول أزمة عيش سيدتين ومعانتهما إما من خلال مواجهة حداد وواقع سياسي يجب أن تتولاه بنفسها، أو عبر تحقيق الذات في ظل سلطة خانفة تحاول الهرب منها بإمكاناتها المحدودة، جاكي وديانا وماريا ثلاث نساء تتقاطع مصائرهن بصورة أو بأخرى. 

في "ماريا" الذي يمكن اعتباره الفصل الأخير من ثلاثية نسائية، يموضع لاراين كاميراه في باريس وأماكن أخرى، ليرينا تفاصيل الأسبوع الأخير من حياة المغنية اليونانية الكبيرة، وهي تفاصيل يدور معظمها في فلك عيشها الأليم. نحن في عام 1977، أي قبل أسبوع من رحيل كالاس بسكتة قلبية وهي في الـ53. لكن هل هي فعلاً توفيت جراء توقف قلبها؟ أم انها انتحرت كما ادعى كثر من الناس بعد رحيلها؟ هذه الحقيقة يتركها الفيلم بلا أجوبة حاسمة، لكن الساعتين اللتين ستحملاننا إلى الخاتمة، وسنرى خلالهما معاناة فنانة معذبة، قد تجعلاننا نقتنع بأنها هي من وضعت حداً لحياتها المأزومة.  

سيرة حياة ومكان

من داخل شقة باريسية، نكتشف كالاس التي تختلف حتماً عن تلك التي وقفت على أهم مسارح العالم. نشهد على علاقتها بمدبرة شؤون منزلها (ألبا رورفاكر) التي لا تتوانى عن تقديم بعض النصائح، وبمدير أعمالها (بيارفرنتشيسكو فافينو)، الذي يحرص على عدم إفراطها في الأدوية، هذا كله يفتح مجالاً لنراها من الداخل ونغوص في حميميتها. أما وصول الصحافي الشاب (كودي سميت ماكفي) الذي سيجري مقابلة معها، فيغدو مناسبة ليتنقل الفيلم من فترة زمنية إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، مضيئاً على لحظات تتأرج بين ماضيها وحاضرها.

الفيلم مبني على تصورات، يعني أن السيناريو لا يستند إلى وقائع لما كانت عليه الأيام الأخيرة للديفا. نرى ماذا فعل بها الفن والشهرة والبحث المزمن عن الحب، وبم انشغلت ومم تكونت حياتها في شقيها العام والخاص. الفيلم سيضعنا في قلب صراعات كالاس، ومعظمها صراعات نفسية، وسيضعنا أيضاً نحن المشاهدين في مواجهة عدد من الأسئلة التي تتولد لقطة بعد لقطة. ففي هذا الفصل الأخير من حياتها، كانت كالاس اعتزلت الغناء بعدما تراجعت قدراتها الصوتية، وراحت تعاني الوحدة. وعند العزلة لا بد لأشباح الماضي أن تعود وتعكر صفو من يعيش تحت سقف الحاضر، ومن بين تلك الأشباح هناك شبح أوناسيس الذي عاشت معه قصة حب شهيرة، وهي قصة ستلقي بظلالها الثقيلة على الفيلم. 

يتمحور "ماريا" على الحالة النفسية لكالاس والاكتئاب الذي عانته وأضحى جزءاً من يومياتها، السيناريو في شقه الأكبر يدور حول هذه النقطة. العقاقير المضادة للاكتئاب تتحول إلى عنصر درامي في ذاته، فهناك براعة حرفية في الفيلم لا يمكن التشكيك بها، ويتولى جانبها البصري مدير التصوير الكبير إدوارد لاكمان الذي سبق أن تولى تصوير فيلم لاراين السابق (الكونت). لكن هناك في المقابل ما يمنع العمل من أن تكون له روح، التخبط على غرار ما تعيشه كالاس ينتقل إلى الفيلم، ويعود باستمرار في النص الذي يعيبه التشتت. في "ماريا" لا مكان كثير للانفعال الذي كان يداهمنا دوماً عند مشاهدة مصائر كبار الفن، الانفعال هنا يبقى مطوياً تحت عدة طبقات، على رغم أن أي لقاء بين الموسيقى والسينما يفرز عادة كثيراً من الانفعالات، هذا لا يعني أن الفيلم فقير أو بخيل بلحظات تحلق بنا عالياً.

خيار أنجلينا جولي للدور يطرح علامات استفهام، على رغم التحضيرات المكثفة التي خضعت لها واستمرت سبعة أشهر، هل هي أفضل خيار لكالاس؟ بذلت الممثلة جهداً كبيراً لتكون كالاس، لكن أداءها كان يحتاج إلى مزيد من التوازن والاستمرارية. أحياناً نرى فيها جولي أكثر مما نرى كالاس، أياً يكن ليس من السهل أن تجعل المشاهدين يصدقون أنك واحدة من أيقونات الغناء المعاصرة، خصوصاً إذا كانت صورتها لا تزال حاضرة في الأذهان. ومن المستغرب أنه على رغم كل الجهد لبناء عالم كامل متكامل، يلجأ الفيلم في النهاية إلى لقطات أرشيف، وكأن التجسيد وحده لا يكفي، وعليه بالتالي أن يلجأ إلى شيء حقيقي وملموس ليكتسب شرعية.

 

الـ The Independent  في

13.11.2024

 
 
 
 
 

الأردن يسحب "حلوة يا أرضي" من ترشيحات أوسكار بعد ضغط أذربيجاني

عمّان/ إسراء الردايدة

في خطوة مفاجئة أعلنت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام إلغاء اختيار فيلم "حلوة يا أرضي" لتمثيل الأردن في الدورة 97 من جوائز أوسكار لعام 2025 عن فئة أفضل فيلم دولي.

وجاء هذا القرار بعد ضغوط دبلوماسية من أذربيجان التي اعتبرت أن الفيلم الذي يصوّر حياة طفل أرمني في منطقة ناغورنو كاراباخ، يُظهر "تحيّزاً" إلى صالح الأرمن في الصراع الطويل بين أذربيجان وأرمينيا. وأكدت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام في بيانها أن سحب الترشيح جاء استجابة للضغوط الدبلوماسية، لكنها شددت على التزامها المستمر بدعم السينما الأردنية وعرض الأفلام في المهرجانات الدولية. وذكرت الهيئة أن "حلوة يا أرضي" تلقى منحة تطوير من صندوق الأردن للأفلام في عام 2021، وحقق نجاحاً بارزاً في مهرجان عمّان السينمائي الدولي، حيث فاز بجائزتي لجنة التحكيم والجمهور.

خيبة أمل لمنتجي الفيلم

في حديث مع "العربي الجديد"، أعربت منتجة الفيلم عزة حوراني عن خيبة أملها قائلة: "لقد كانت فرحتنا قصيرة. بعد عرضه العالمي في مهرجان شفيلد للأفلام الوثائقية واحتفاله بالجوائز التي حققها في مهرجان عمّان السينمائي، تم اختيار حلوة يا أرضي لتمثيل الأردن في أوسكار، لكن لم يمض وقت طويل حتى تعرضنا لضغوط دبلوماسية أدت إلى سحب الفيلم."

وأضافت: "من المحزن أن يتم إسكات قصة عاطفية وإنسانية عن حب طفل لوطنه وعائلته، لكن هذا الحاجز لن يوقفنا. نحن ممتنون للأكاديمية التي أتاحت للفيلم فرصة الترشح عن فئة أفضل فيلم وثائقي، وسنواصل السعي لإيصال هذه القصة إلى العالم لأن كل طفل يستحق أن يحلم بسلام".

"حلوة يا أرضي": قصة مؤثرة عن الصمود

فيلم "حلوة يا أرضي" من إخراج سارين هيرابديان، ويُعد أول عمل طويل لها، بعد فيلمها الوثائقي القصير السابق "لم ننتهِ بعد الذي حصل" على تقدير دولي. يقدم الفيلم قصة مؤثرة عن رحلة الطفل فريج، البالغ من العمر 11 عاماً، والذي يحلم بأن يصبح طبيب أسنان في قريته في إقليم آرتساخ، حيث يعيش وسط النزاعات المستمرة. تتابع كاميرا هيرابديان حياة فريج وأسرته وهم يواجهون الواقع المدمر للصراعات، وتكشف عن صمود الأطفال في مواجهة الحرب.

وعرض "حلوة يا أرضي" للمرة الأولى في مهرجان شفيلد للأفلام الوثائقية في المملكة المتحدة، وحاز دعم مؤسسات دولية بارزة مثل "آرتي" والصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، كما حصل على ثلاث جوائز خلال عرضه في مهرجان عمّان السينمائي الدولي، ومنها جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (FIPRESCI) لأفضل فيلم وثائقي عربي.

وقدم الفيلم من خلال قصة فريج منظوراً عميقاً لواقع الأطفال في مناطق النزاع، ونجح في توثيق الصدمة المتوارثة بين الأجيال، حيث يرسم رحلة طفل في مسيرة نموه وسط حياة مليئة بمخاوف الحرب. يسأل فريج في نهاية الفيلم: "هل سيكون لهذا الفيلم نهاية سعيدة أم مأساوية يموت فيها البطل؟"، في تعبير مؤلم عن مستقبل أطفال يعيشون بين تهديدات النزاع.

ورحبت وزارة الخارجية الأذربيجانية في بيان بقرار الأردن، مؤكداً أن سحب الفيلم يُعد "خطوة إيجابية للحفاظ على الروابط الدبلوماسية والتعاون المستمر" بين الدولتين. وأضاف البيان أن أذربيجان تقدر هذا الموقف، وترى فيه دليلاً على "تفهم الأردن للحساسيات المرتبطة بالصراع في كاراباخ وتأثيره على الاستقرار في المنطقة".

مستقبل الفيلم في جوائز أوسكار

ورغم سحب الفيلم من فئة الأفلام الدولية، لا تزال الفرصة متاحة أمام "حلوة يا أرضي" للتأهل إلى المنافسة على جائزة أفضل فيلم وثائقي، بشرط استيفاء متطلبات التأهيل اللازمة. ومن المقرر عرض الفيلم لأول مرة في أميركا الشمالية ضمن مهرجان DOC NYC في نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، مع عرض مؤهل في لوس أنجليس يبدأ في 29 من الشهر نفسه، مما يعزز فرصته في مواصلة مسيرته نحو أوسكار.

وستعلن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة القائمة الطويلة للأفلام المؤهلة إلى أوسكار في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، في حين سيتم الكشف عن الأفلام النهائية المرشحة في 17 يناير/ كانون الثاني المقبل، على أن يُقام حفل توزيع الجوائز في 3 مارس/ آذار 2025.

 

العربي الجديد اللندنية في

11.11.2024

 
 
 
 
 

The Wild Robot... روز تفقد برمجتها في جزيرة نائية

شهد محمد قيس

حقق فيلم الرسوم المتحركة The Wild Robot المقتبس عن رواية مصورة بالعنوان نفسه للكاتب بيتر براون، نجاحاً مذهلاً ومرضياً لجمهور الأفلام العائلية الموجهة إلى الأطفال. عانى المتفرّجون خيبات متتالية مع الأنميشن الأميركي الموجه إلى الأطفال بعد الإصدارات السيئة الأخيرة لـ"ديزني". اليوم، وجد الجمهور أخيراً فيلماً عائلياً حميمياً ويحمل قيماً للأطفال، ومشاعر غامرة للكبار.

أخرج The Wild Robot كريس ساندرز، المعروف بأعماله السابقة، مثل Lilo & Stitch وHow to Train Your Dragon وThe Croods. حقق الأخير بعد صدوره نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، فتجاوزت إيراداته العالمية 270 مليون دولار. ويتوقع أن يدخل سباق الجوائز برصيد كبير.

تدور القصة حول روز، الروبوت الذكي الذي يُشحن على متن سفينة، ولكنه ينجرف عن طريق الخطأ إلى شاطئ جزيرة نائية بعد تحطم السفينة.

روز مصمم لخدمة البشر، وتنفيذ المهام، ويتمحور كل وجوده حول مهامه وتنفيذه، لكنه في جزيرة برية لا بشر فيها، وكل ما حوله من كائنات حية هو حيوانات برية تعيش بغرائزها، وتظن الدخيل الجديد الغريب وحشاً.

يعيش روز مأزقاً مع عدم وجود ما يعطيه مهمة لتنفيذها، مع صعوبة العيش في البرية حيث تعبث الحيوانات الصغيرة بمرح معه، وتفككه. وفي إحدى المشكلات التي يقع فيها، يقتل عن طريق الخطأ عائلة من البط ولا ينجو منها سوى بيضة واحدة.

يُكلّف روز بإيعاز ثعلب ماكر بالاعتناء بفرخ البط الذي ظن روز أمه. ومع صعوبة المهمة، يمضي كثير من الوقت حتى يتمكن روز من تعليم فرخ البط العوم والطيران، ثم الهجرة مع سرب البط في الشتاء.

في المقابل، نجد أن الحيوانات التي يتفاعل معها روز، تعيش بناءً على غريزتها الطبيعية. الغريزة هي القوة الدافعة وراء سلوك هذه الكائنات، فتعمل بناءً على رغباتها الفطرية في البقاء والتكاثر والتكيف مع بيئتها. على سبيل المثال، نرى أن برايتبيل يتعلم الطيران ليس بفضل روز، بل بسبب غريزته الفطرية التي تحثه على الطيران والهجرة مع باقي البط قبل حلول الشتاء.

هذه الغريزة تتجلى في تفاعل الحيوانات الأخرى مع روز، إذ ترى فيها كائناً غريباً وغير مألوف. لكن، بمرور الوقت، ومع تطور شخصية روز، تبدأ الحيوانات في التعرف إليها على أنها جزء من بيئتها: كائن جديد قد يكون له دور في دائرة الحياة الطبيعية.

ما يجعل The Wild Robot مثيراً للاهتمام هو الطريقة التي يتطور بها روز من كائن مبرمج إلى كائن يتصرف بطرق تبدو كأنها غريزية. هذا التحول ليس وليد اللحظة، بل يحدث تدريجياً من خلال التجارب التي يخوضها على الجزيرة. عندما يتولى روز رعاية برايتبيل فرخ البط، نجد أنه يبدأ باتخاذ قرارات لم تكن جزءاً من برمجته الأصلية، مثل البحث عن الطعام للفرخ، وتعليمه الطيران، وحتى المخاطرة بحياته لحمايته.

ليست شخصية روز وحدها من تتجاوز حدودها البرمجية؛ بل حتى شخصية الثعلب فينك، المفترس بطبيعته، تتطور بطريقة غير متوقعة. يبدأ فينك شخصيةً ساخرةً وذكية، تُظهر تصرفاته مكر الثعالب. لكنه، بمرور الوقت، يصبح صديقاً وداعماً لروز وبرايتبيل. تحوُّل فينك لم يكن سحرياً، فحاجته الماسة إلى صديق جعلته يلتصق بالروبوت الذي لا تجمعه به علاقة افتراس، أو خوف، ولا يعرف الروبوت شيئاً عن سمعته. قبول فينك في النهاية كان مطلوباً من الحيوانات الأخرى التي أُرغمت على رؤية جوانب أخرى منه، وليس فقط غرائزه الماكرة.

هذه حكاية عن التكيف مع الذكاء الاصطناعي، ووعيه (المبرمج) مقابل الغريزة الحيوانية وتشابههما، لينتهي الحال في تكيف الاثنين معاً داخل الحياة القائمة على التشارك، واكتساب العادات. إنها كذلك بالفعل، لكن إن رأيناها من زاوية أدب وسينما الأطفال، فإن الروبوتات اليوم صارت جزءاً من الحكايات لا خيالاً علمياً، ولا خرافة مثل الغيلان، إنما بينهما تماماً.

الروبوتات والذكاء الاصطناعي لم يعودا "خيالاً علمياً" بالكامل، لذا هي في حكايات الأطفال صارت جزءاً من الشخصيات التي يمكن استخدامها شخصيةً خياليةً لا نمطَ معروفاً لها سوى بعض المعلومات البسيطة، وتتطور بحسب الحاجة في القصة، مثلها مثل التنانين والغيلان وغيرها. حقق براون في روايته نمطاً جديداً لتطوير الحكايات التي تدور بين حيوانات، وتماماً في الوقت المناسب مع النقاشات الدائرة حول الذكاء الاصطناعي.

 

العربي الجديد اللندنية في

14.11.2024

 
 
 
 
 

المخرج علي عباسي يعكس «الروح» الأميركية:

«المتدرّب» دونالد ترامب… سيرة محتال عظيم

شفيق طبارة

على حسابه على موقع «تروث سوشال»، هاجم دونالد ترامب فيلم «المتدرب» (The Apprentice) الذي عُرض للمرة الأولى في «مهرجان كان السينمائي» الأخير، ووصل إلى الصالات العالمية قبل أسابيع. في هذا العمل، يركّز المخرج الإيراني الدنماركي علي عباسي، على صعود ترامب كرجل أعمال في نيويورك تحت إشراف المحامي روي كون. انتقد ترامب الفيلم بشدة، والأشخاص الذين يقفون وراءه، ووصفه بأنّه «مزيف» و«دون المستوى»، متهماً إياه بأنه «عمل رخيص، تشهيري، ومثير للاشمئزاز سياسياً». وقال إنّ توقيت إصداره كان بهدف الإضرار بحركته السياسية، وخصوصاً حركة «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى» (MAGA)، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية. واستهدف ترامب بشكل محدد كاتب الفيلم، الصحافي غابريال شيرمان، متّهماً إياه بتشويه علاقته بزوجته السابقة إيفانا بعد وفاتها. دافع ترامب عن علاقته بإيفانا، ووصفها بأنها «شخص طيب ورائع»، وعبّر عن استيائه من تجاهل شيرمان للحقائق لمصلحة كتابة قصة وصفها ترامب بالمسيئة وغير الدقيقة. واعتبر أنّ فكرة الفيلم جزء من محاولة أوسع لتقويضه سياسياً، وهذا ما يفعله ترامب دائماً عندما يشعر أن وسائل الإعلام أو صناعة الترفيه تسيئان تمثيله أو تشوّهان إرثه. أما عن عنوان الفيلم، فقد طرح ترامب سؤالاً عمّا إذا كان لصنّاع الفيلم الحق في استخدام اسم «المتدرّب» من دون موافقته، ما يعكس شعوره بملكية العلامة التجارية التي كانت مركزاً لصعوده إلى الشهرة قبل مسيرته السياسية. هذا الحديث، جاء قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، الذي فاز فيها ترامب. وربما يكون الشريط واحداً من أقلّ الأفلام ضرراً للرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية. يمكن اعتبار الجرأة الذي يتمتع بها علي عباسي لسرد السنوات التكوينية لدونالد ترامب، في منتصف المدة الانتخابية، استفزازاً مشابهاً لاستفزاز المخرج أوليفر ستون عندما أصدر فيلم «دبيلو» (2008)، الذي بيّن كل تناقضات أصغر الإخوة بوش بأسلوب راوح بين المهزلة والمبالغة.

صوّر كل عيوب الشخصية على أنها فضائل كما يراها ترامب تماماً

بالعودة إلى فيلم عباسي، فقد أظهر الجوانب والخصائص المختلفة لشخصية بطله المتغطرس والمتقلب والمتنكر والمتلاعب والعنصري والمبتذل. سرد عباسي بدايات ترامب في عالم الأعمال والتجارة، واتفاقاته مع مجموعات المافيا في نيويورك، ومسيرته المهنية القاسية والكاذبة، وازدرائه لأي نوع من القيم بخلاف قيمة الربح والمال، وجانبه المسيحاني، وأخلاقه الأنانية، وازدرائه للنساء، وخيانته لأصدقائه، ونبذه أخاه، وجهله بالفنّ، حتى عمليات التجميل التي أجراها للتخلص من الدهون، وزرع الشعر، والأدوية الذي يتناولها بانتظام. كل هذا من دون دحض قصة الرجل العصامي، الذي بدأ من لا شيء تقريباً، وأصبح أحد أهم رجال الأعمال بفضل ذكائه وجشعه وطموحه.

بدأ كل شيء في مطعم أنيق عام 1973، حيث دونالد ترامب (سباستيان ستان)، البالغ 27 عاماً يراقب روي كون (جيريمي سترونغ)، مع بعض أصدقائه من رجال العصابات، وأعضاء النقابات والقضاة، وما إلى ذلك. كون المحامي الذي قاد عائلة روزنبرغ إلى الكرسي الكهربائي، وتواطأ مع جوزيف مكارثي، والمافيا الإيطالية في نيويورك، وكان قريباً من جميع شؤون ريتشارد نيكسون الفاسدة، يستقبل ترامب على طاولته. بالمقارنة مع هؤلاء الأشخاص ذوي الوزن الثقيل، فإن «دوني» (اسم الدلع لترامب)، هو الابن الخجول لرجل أعمال غير ناجح، يعاني من مشكلات قانونية. يطلب ترامب المساعدة من كون، لحلّ عدد من المشكلات القضائية بالابتزاز. ويبدأ ترامب شيئاً فشيئاً بصنع اسم لنفسه في عالم العقارات. وفي منتصف السبعينيات، عندما كانت نيويورك شبه مدمرة وخطيرة، حصل ترامب على عدد من المزايا بفضل كون، فتمكّن من بناء فندق «حياة» في قلب المدينة، ليحلّ محل فندق مدمّر بالقرب من محطة «غراند سنترال». يتعلّم دوني تسلّق السلّم الاجتماعي، وإقناع رؤساء البلديات بعدم دفع الضرائب، ويصبح منتفعاً لا يرحم. علّم كون ترامب كل شيء، من الإيمان بنسبية الحقيقة، وعدم إظهار أي ضعف أمام أحد، وطبعاً عدم الاعتراف بالهزيمة. مع حلول الثمانينيات، ونيوليبرالية رونالد ريغان المتطرفة وصعود فيروس الإيدز الذي أثّر في كون وكثيرين من حوله، تتغير حياة الاثنين: ترامب في صعود ناري، وكون في طريق الانحدار. وبينما يفتتح ترامب برجه العظيم، يتجاهل ويبتعد وينكر كون المريض والوحيد!

«المتدرب»، فيلم ذكي بطبيعته السينمائية وكيفية التعامل مع شخصياته الأساسية الحقيقية. لم تكن فكرة عباسي فضح المحتال العظيم، أو نزع الصفة الإنسانية عنه، إلى حد تحويله إلى كاريكاتور عن نفسه، بل قدم ترامب كما هو، من دون أن يحاول انتقاده، بل على العكس: لقد صوّر كل عيب من عيوب شخصيته على أنها فضائل، كما يراها ترامب تماماً. لذلك، يصعب تصديق وجود مؤيد لترامب يغادر السينما غير سعيد. قد يكوّن بعضهم فكرة أنّ عباسي يضفي الطابع الإنساني على بطليه، وهذا الانتقاد يجب أخذه في الحسبان. نعم، لقد أضاف طابعاً إنسانياً على كون بسبب المرض وأداء جيريمي ستورنغ، القادر على جعل المرء يشعر بالعاطفة مع الرجال الحقيرين. ولكن في الوقت نفسه، يوجد شيء واضح في الفيلم، مفاده أنّ كون ربما أكثر شراً من ترامب في تاريخ الولايات المتحدة، وهشاشته ووحدته في نهاية حياته لا تجعلانه بطلاً. من جهة ثانية، لا يحاول الفيلم أن يبيع لنا ترامب إنسانياً بأي شكل من الأشكال، فبطل هذا العمل الجديد لعباسي لا يقل وحشيةً عن أولئك الذين ظهروا في أفلامه السابقة. ففي فيلم «الحدود» (2018)، أعاد صياغة الخيال وحوّله إلى استعارة آسرة لعفاريت العالم الحديث، كما فعل في فيلم «العنكبوت المقدس» (2022)، حين أخذ الإثارة إلى حد متطرف في شوارع مدينة مشهد في إيران.

يبدأ فيلم «المتدرّب» في أوائل السبعينيات ويمتد إلى أواخر الثمانينيات، وهي فترة أساسية لفهم شخصية دونالد ترامب اليوم. يبدأ الفيلم بإظهار نسخة منه ستفاجئ كثيرين، لأنه قبل سنّ الثلاثين، كان مجرد رجل أعمال طموح لكن من دون القدرة الحقيقية على النجاح، سواء بسبب شخصيته المتحفّظة أو بسبب افتقاره إلى الموارد. عندما يلتقي بكون، يتغير كل شيء. يقترح شيرمان وعباسي فكرة أنّ ترامب لم يكن أكثر من متدرب لديه انتهى به الأمر إلى الذهاب أبعد من معلمه. وهذا يؤدي إلى أن يكون للفيلم نصفان مختلفان جداً: الأول يظهر تقدم ترامب تحت عباءة كون، والثاني مع ترامب الذي أصبح خارج نطاق السيطرة، وتحول الآن إلى كائن قاسٍ على استعداد لفعل أي شيء لتحقيق مراده. ولهذا السبب، في الساعة الثانية من الفيلم، سيتعرف كثير من الناس على ترامب الذي عرفناه جيداً على مدار السنوات القليلة الماضية، لأنه بمجرد أن يتذوق عسل السلطة، سيفعل كل ما يلزم للاحتفاظ بها، بغض النظر عمن يؤذيه على طول الطريق. ومن الأمثلة الجيدة على ذلك التغيير الهائل في الموقف تجاه زوجته، إذ انتقل من القيام بكل ما يلزم للحصول عليها إلى معاملتها كقطعة أثاث قديمة يجب التخلص منها بلا رحمة. مع ذلك، فإن التركيز الحقيقي للفيلم ليس على علاقة ترامب بزوجته إيفانا (ماريا باكافولا)، بل بين الأول وكون. يُظهر الفيلم كيف يتزامن صعود الأول مع انحدار الثاني. ينعكس هذا الصعود والهبوط على أداء ستان وسترونغ، إذ يتألق كلاهما عندما يتعين عليهما إظهار نفسيهما بشكل أكثر حريةً ووعياً بالقوة التي يمارسانها. لكن عندما يتعلق الأمر بالتأكيد على جانبهما الأكثر هشاشة، يتألق سترونغ بإقناع لا يرقى إليه الشك.

من الواضح أنّ عباسي لديه اهتمام خاص بتمثيل العصر الذي نشأ فيه ترامب، من حيث الشكل والمضمون. حركة الكاميرا واللون، ونسبة أبعاد شاشة التلفزيون، تعيدنا إلى السبعينيات التي تصوَّر بصفتها كابوساً. نشهد كل ما كان خاطئاً في تلك الحقبة على المستوى السياسي والاجتماعي. إنه ليس مجرد نهج جمالي، أو إضاءة معينة أو توصيف للشخصيات، بل محاولة لاستخدام هذه الموارد لإظهار المناخ المظلم الذي تخفيه الثريات واللمعان والذهب، وفساد النظام التجاري والسياسي الذي يبدو بلا حلّ. ولحسن الحظ أنّ الفيلم يحتوي على نص يدرك قوسه السردي والحاجة إلى رمزية أحداث معينة تشرح الموضوع، بدلاً من الاكتفاء بترتيبها ترتيباً زمنياً. إن تضخيم اللحظات الدرامية، يُظهر انبهار عباسي بالسطور المرعبة لهذه القصة. يتحوّل استكشاف صعود ترامب على يد روي كون، إلى تحليل للجوانب الأكثر غرابة في الروح الأميركية. يستخدم عباسي هذا التحليل لمحاولة شرح كيفية تشجيع الرأسمالية الأميركية عقلية ترامب الأنانية. إن ترامب الذي يرسمه عباسي محصور بفكرة واحدة يعبّر عنها ترامب في الفيلم، وتتلخّص في ثلاث قواعد تشكّل دليل الليبرالي الجديد المثالي: «هاجم، هاجم، هاجم»، و«انكر كل شيء»، و«حوّل الهزيمة إلى نصر: لا تعترف أبداً بأنك خسرت».

 

الأخبار اللبنانية في

14.11.2024

 
 
 
 
 

فيلم (المادة) للمخرجة كورالي فارجيت:

رعب وعنف صادم تجسده ديمي مور ومارجريت كواللي

ترجمة: عدوية الهلالي

خلال مهرجان كان الأخير، حظي الفيلم الثاني للمخرجة الفرنسية كورالي فارجيت الذي يحمل عنوان (المادة) على ردود فعل متباينة بين الاعجاب الشديد به لأنه فيلم رائع بكل معنى الكلمة،ورفضه لكثرة وشدة مايتخلله من مشاهد عنيفة. ويعرض الفيلم حاليا في دور السينما.

بعد فيلم (انتقام) عام 2018، وهو فيلم من النوع الذي لاقى استحسانًا في العديد من المهرجانات، تعود كورالي فارجيت إلى الصدارة مع فيلمها (المادة) من بطولة ديمي مور ومارجريت كواللي ودينيس كويد. وتكشف كاتبة السيناريو والمخرجة عن موهبة استثنائية في السرد القصصي والإخراج في هذا الفيلم الروائي الدموي والعنيف، ولكنه أيضًا يحتوي على جرعة جيدة من الدراما، ويظل فيلمًا رائعًا مكتملًا أسعد المهرجان لدرجة أنه تمت مكافأته بالحصول على جائزة السيناريو المرموقة في آيار الماضي.

ومع فيلم (المادة)،تكشف كورالي فارجيت عن نفسها بأنها الوريثة الحقيقية للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ، من خلال وضع موضوع الجسد في قلب فيلمها الصادم، مع ديمي مور الرائعة، التي شاركت في فيلم لم نتوقعه.وقد تم تصوير الفيلم بالكامل في فرنسا في الاستوديو، وعلى الرغم من أن الفيلم أمريكي، إلا أنه يبدو وكأنه في هوليوود من البداية إلى النهاية، بفضل مجموعاته الرائعة، وتمثيله الرائع، وتصويره وتأثيراته الخاصة رفيعة المستوى، وهكذا يجمع فيلم (المادة) جميع العناصر لإغراء محبي الأفلام من هذا النوع.

وفيلم (المادة) من إنتاج دولي مشترك بين فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وقد تم عرضه لأول مرة عالميًا في 19 آيار 2024 في المسابقة الرئيسية لمهرجان كان السينمائي السابع والسبعين، حيث فازت الكاتبة فارجيت بجائزة أفضل سيناريو. وتلقى الفيلم تقييمات إيجابية وحقق أكثر من 43 مليون دولار بميزانية إنتاج قدرها 17.5 مليون دولار.

في الفيلم تظهر ديمي مور بدورنجمة هوليوود السابقة إليزابيث سباركل، التي يتم طردها في عيد ميلادها الخمسين بشكل غير رسمي من برناج اللياقة البدنية التلفزيوني الذي تقدمه منذ فترة طويلة، واثناء قيادتها الى المنزل، يتشتت انتباه اليزابيث بسبب إزالة لوحة إعلانية لها مايؤدي الى وقوع حادث سيارة كبير، وفي المستشفى، تعرض عليها ممرضة شابة اعلان عن (المادة) وهي يمكن أن يولد نسخة "أصغر سنًا وأجمل وأكثر كمالًا" منها. وتطلب إليزابيث المادة وتحقن المصل المنشط، مما يؤدى إلى ظهور نسخة أصغر بكثير منها من شق في ظهرها. وتطلق الشخصية الأخرى على نفسها اسم سو وسرعان ما تم تعيينها كبديل لإليزابيث من قبل هارفي منتج برنامجها التلفزيوني الجديد الذي أوصلها إلى الشهرة.

في اليوم التالي، تستيقظ إليزابيث لتجد أن إصبعها السبابة قد تقدم في العمر بسرعة. فتتصل بالمورد الذي يحذرها من أن البقاء في منصب سو لفترة أطول من سبعة أيام يتسبب في شيخوخة سريعة لا رجعة فيها، لذا يجب على إليزابيث اتباع جدول التبديل لمنع حدوث ذلك مرة أخرى. وعلى الرغم من كونهما واحدًا، يبدأ كلا الشخصين في النظر إلى نفسيهما كأفراد منفصلين وسرعان ما ينموان ليحتقرا بعضهما البعض؛ فتغار إليزابيث من جمال سو ونجاحها، وتستاء من تجاهلها المتكرر لجدول التبديل، في حين تشعر سو بالفزع من كراهية إليزابيث المستمرة لنفسها والإفراط في تناول الطعام. وبعد محاولة التدمير الذاتي من قبل إليزابيث، ترفض سو المضطربة العودة وتخزن سائل التثبيت من إليزابيث في أوعية زجاجية، وتقرر البقاء في دور سو بشكل دائم.

بعد ثلاثة أشهر، في اليوم السابق للبث التلفزيوني ليلة رأس السنة الجديدة، لم تتمكن سو من تجديد سائل التثبيت الخاص بها حيث تم استنزاف جسد إليزابيث منه بالكامل، يخبرها المورد أن الطريقة الوحيدة لتجديد السائل هي العودة إلى حالتها الأصلية. وعندما يتحولون، تجد إليزابيث نفسها قد تحولت بشكل رهيب إلى أحدب مشوه. وفي محاولة يائسة لمنع إساءة استخدام المثبت من إلحاق المزيد من التدهور بجسدها، تحصل إليزابيث على مصل مصمم للقضاء على سو.وبدون إليزابيث، يبدأ جسد سو في التدهور بسرعة. وفي حالة من الذعر، تندفع سو إلى شقتها وتحاول إنشاء نسخة جديدة من نفسها باستخدام مصل المنشط المتبقي، وهو أمر محظور صراحةً من قبل المورد؛ هذا يحولها عن غير قصد إلى هجين بشع من إليزابيث وسو، مما يسفر عن مقتل سو في هذه العملية. وترتدي المرأة الهجينة ملابسها وتذهب إلى البث المباشر مرتدية قناعًا مقطوعًا من لوحة إليزابيث في أوجها.وعندما تظهر على المسرح وتبدأ في التحدث إلى الجمهور، يسقط قناعها، مما يتسبب في اندلاع فوضى عنيفة لدى الجمهور المرعوب؛ فيقوم رجل بقطع رأسها ويغرق المكان بالدماء في مشهد بالغ الرعب والعنف يحاول فيها الرأس المقطوع الزحف للالتصاق بالجسد ثم تبتسم وهي تهلوس بأنها تحظى بإعجاب الجميع من حولها قبل أن تذوب في بركة من الدماء. وفي اليوم التالي، يتم تنظيف دمها بواسطة جهاز تنظيف الأرضيات!!

 

المدى العراقية في

14.11.2024

 
 
 
 
 

المخرج والتر ساليس ينبش الماضي البرازيلي الديكتاتوري

الخراب النفسي الذي تسبب به نظام العسكر في فيلم "لا أزال هنا"

هوفيك حبشيان 

ملخص

الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت أميركا الجنوبية ألهمت كثيراً من الأفلام عبر الزمن. آخرها "لا أزال هنا" لوالتر ساليس، العائد بعد غياب 12 سنة عن الشاشات، وكنا شاهدناه في مهرجان البندقية الأخير، الذي نال فيه جائزة السيناريو، وتستعيده الدورة الحالية من مهرجان القاهرة، بعد فيلمه السابق، "على الطريق" (اقتباس سينمائي لرواية جاك كرواك).

ينبش المخرج البرازيلي والتر ساليس اليوم فصلاً من فصول تاريخ بلاده، في عمل سيبقى مرجعاً عن تلك الحقبة الدموية، يظهر مدى تأثير الاستبداد العسكري في حياة المواطنين الذين عاشوا تحته.

الديكتاتورية العسكرية في البرازيل حوصرت في عقدين من الزمن، لكن الأضرار النفسية والتروما الجماعية الناتجة منها تجاوزت تلك الفترة، إذ تركت خلفها آثاراً لم تمح بسهولة فصنعت كوارث إنسانية لا تحصى. والفيلم في طور توثيقه هذه الانتهاكات يهتم بمصير عائلة واحدة، لكن معاناتها تختزل مآسي كثر من الناس. الجرح الذي نكأه بطش العسكر وظلمهم لم يلتئم مع الزمن، خصوصاً إذا طاولت الخسارة التي تسبب بها فرداً من أفراد العائلة، وظل مصيره مجهولاً لسنوات طويلة. فبعضهم قضى تحت التعذيب في أقبية الأمن والاستخبارات ولم تعثر على جثته، فبات في عداد الأحياء الموتى. لكن، هل يموت الإنسان حقاً من وجهة نظر عائلته وأحبائه في غياب الجسد؟ أي حداد ممكن في مثل هذه الحالة؟ هذه المسألة لم تكن حكراً على النظام العسكري في البرازيل، بل رأينا مثلها في بلدان كثيرة من تلك التي عاشت حروباً أهلية وتقاتلاً.

الآلاف الذين قضوا من دون أن يعرف لسنوات طويلة ما حل بهم، هم الحجر الأساس لهذا الفيلم الذي يرد الاعتبار إلى عذابات أهاليهم. بعد سقوط الديكتاتورية ودخول البلد في مرحلة الديمقراطية، سلموا وثيقة وفاة تغلق نهائياً هذا الملف. والتر ساليس يوثق في "لا أزال هنا" الظلم الذي وقع على البرازيليين بين الستينيات والثمانينيات، من خلال فيلم سردي يستوفي كل شروط السينما التي تضع الإنسان في قلب التاريخ. 

الفيلم اقتباس لمذكرات مارسيلو روبنز بايفا، ابن نائب يساري (يلعب دوره سلتون ميللو). والكتاب روى في كتابه الصادر عام 2015 ما عانته أمه بعد الاعتقال التعسفي لوالده روبن بافيا. وكان هذا السياسي النزيه قد اعتزل العمل السياسي ليهتم بشؤون عائلته عندما داهمت عناصر من الجيش بثياب مدنية في يوم من أيام عام 1971. أُوقف وجُرَّ إلى التحقيق ثم سجن بعدما ألصقت به تهمة مساعدة أعداء النظام. مشهد الاعتقال يأتي بعد مقدمة جميلة نرى فيها هناء العيش الذي سيعكر النظام صفوه. يفتتح الفيلم على أحد شواطئ ريو دي جانيرو، واضعاً إيانا داخل تفاصيل الحياة العذبة. نلمس السعادة في عيون الكبار والبراءة في أفعال الصغار، علماً أن القمع والعسف كانا من يوميات البرازيليين منذ فترة لا تقل عن ست سنوات، عند لحظة بدء الفيلم.

بعد الاعتقال، تصبح الزوجة أونيس (أداء بديع لفرناندا توريس) بطلة الفيلم. تحاول طوال الساعتين التاليتين البحث عن زوجها ومحاولة الإفراج عنه، وصولاً إلى المصالحة مع فكرة أنه لن يعود بعد اليوم، وذلك عندما تعي أنه قُتل. لن يبقى لها بعد ذلك سوى إعالة أطفالها وكأن شيئاً لم يحدث، في سلوك إنساني حكيم يمكن وصفه بالنموذجي، خصوصاً لجهة تعاملها مع الأزمة على نحو يجنب الأطفال التروما النفسية الناتجة من غياب والدهم المحبب. لكن هذا كله سيكون له مخاض عسير نرى تفاصيله في الفيلم، إذ ستحاول مراراً التدخل لدى السلطات للإفراج عنه، بيد أن كل المحاولات سيكون مصيرها الفشل. أونيس ستبحث عن الحقيقة، كل ما تريده هو أن تعرف ما حل بزوجها، كي تحسم أمرها وتتابع حياتها، لكن لا جواب، فلا هو حي ولا هو ميت. وعليه، ستحتكر كل الأدوار، لتصبح أماً وأباً لأولادها الخمسة، فمناضلة حقوقية ومحامية في آن معاً. الفيلم إعادة اعتبار إلى هذه السيدة العظيمة التي لن تستسلم ولن تنتهي حربها مع الواقع الذي فرض عليها سوى مع رحيلها. 

تفاصيل كثيرة في الفيلم يمكن الإشارة إليها، منها المنزل العائلي الذي كان ينبض بالحياة. بعد غياب الأب/الزوج، سيصبح فجأة بؤرة ذكريات أليمة ينبغي على الزوجة التعايش معها بصورة يومية. ذكريات تحاول هي عدم تحويلها إلى ذكريات كونها لا تزال مقتنعة (في البداية)، بأن الأمر لم ينته تماماً والأمل لا يزال قائماً. المطبخ حيث يجتمع أفراد العائلة له رمزية أيضاً. في هذا المكان حيث كانت تعلو الأصوات سيعشش الصمت والموت والجمود. كل حادثة تحتاج إلى مكان، وفي غياب جسد المعتقل/المقتول، يصبح بيته (الغائب عنه) دليلاً على وجوده السابق وحضوره. داخل جدران البيت، سيجتمع الخاص والعام، حد الانصهار الكلي.

مع هذا العمل الذي يحرص على تذكيرنا بأن العالم الذي نعيش فيه اليوم قد ينتج ديكتاتوريات جديدة في أي لحظة، يختزل ساليس نضال نصف قرن، راسماً على وجه بطلته المرهفة ملامح مرور الزمن وقسوة الغياب الذي يترجم بحضور. إلا أن ما يميز تلك الملامح هو القوة التي لا تفتقر إلى الهشاشة. هذه سمة الذين لا ينكسرون، وإذا حاربوا الوحوش ظلوا في منأى عن الوحشية. 

 

####

 

"بيدرو بارامو" رواية خوان رولفو السحرية تتجلى سينمائيا

جماليات بصرية مستقاة من عوالم النص تفضي إلى بنية مرئية شديد الخصوصية

زياد عبدالله

ملخص

تتطلب مشاهدة فيلم "بيدرو بارامو" المعروض حالياً على منصة "نتفليكس"، وضع الرواية المأخوذ عنها جانباً، والمضي مع الفيلم وعوالمه، كما لأي مشاهد حصيف أن يفعل ما دامت الرواية أصبحت في عهدة وسيط فني آخر، ألا وهو الفيلم، وقد تحولت إلى سيناريو يكتب ليصور لا ليقرأ، وتركيزه الأساس على البصري والمرئي.

بينما تتحرك حكاية رواية بدرو بارامو" التي تعد رائدة أدب الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية، في نطاق فكري، للقارئ أن يتخيل ما يشاء أثناء القراءة، فالرواية لا تعرف أية حدود، فكيف إن كانت هذه الرواية هي "بيدرو بارامو" المتعددة الأصوات والشخصيات والأزمنة، الأموات أحياء، والأحياء أموات فيها، وقدرتها المدهشة على أن تقدم صوراً وعوالم متخيلة بلا حدود، صور قد تكون مختلفة تماماً عن الصور المتحركة على الشاشة.

هذا المطلب سرعان ما يتخلى عنه المشاهد إن كان قارئاً لرواية المكسيكي خوان رولفو (1917 – 1986) المفصلية في تاريخ أدب أميركا اللاتينية، المأخوذ عنها الفيلم، لا بل سيدعوه الفيلم إلى إعادة قراءتها، بما يدفع للقول إن مشاهدة الفيلم مرتبطة بضرورة قراءة الرواية، فنحن حيال فيلم لجنسه أو نوعه ألا يتعدى كونه "فيلماً مقتبساً عن رواية"، لا هو "رعب" ولا "تشويق" ولا "خيال علمي"، ولعل إحالة الفيلم إلى تلك الأنواع كانت من المخاوف التي راودتني حين الإعلان عن الفيلم، وبخاصة أنه من إنتاج "نتفليكس" التي تركز في إنتاجاتها على تلك الأنواع، ورواية رولفو تحتكم على هذه الإمكانية إن تمت معالجتها في هذا السياق، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فالفيلم هو مقترح بصري تجسيدي لدراما وعوالم الرواية، التي لم يؤلف رولفو سواها، إلى جانب مجموعة قصصية بعنوان "السهل المحترق".

من روائع القرن الـ20

للرواية سحرها ووقعها العظيم والمترامي، واقتباسها كفيلم بحد ذاته تحد كبير، خاضه رودريغو بريتو في أولى تجاربه الإخراجية، هو الذي عرف مدير تصوير لأفلام كثيرة مهمة، منها أفلام أليخاندرو غونزاليز أناريتو "كلاب الحب" (2000)، و"21 غراماً" (2003)، و"بابل" (2006)، وصولاً إلى فيلمي مارتن سكورسيزي الأخيرين، "الإيرلندي" (2019)، و"قتلة زهرة القمر" (2023)، كما أن كاتب السيناريو ماتيو غيل هو صاحب نصي فيلمين مميزين للمخرج أليخاندرو أمينابار هما "البحر بداخله" (204) و"أغورا" (2009)، وليجتمعا على رواية "بيدرو بارامو" التي نشرت في المكسيك عام 1955، ولاقت احتفاءً منقطع النظير، ما زال قائماً حتى أيامنا هذه، إذ اعتبرها خورخي لويس بورخيس "واحدة من أعظم الأعمال الأدبية التي كتبت على الإطلاق"، ووصفتها سوزان سونتاغ بأنها "من روائع القرن الـ20"، بينما رأى غابرييل غارسيا ماركيز أن "بيدرو بارامو" أجلست مؤلفها خوان رولفو على قمة الأدب إلى جانب سوفوكليس، وماثل أثرها عليه ما فعلته به رواية كافكا "التحول".

أصوات الموتى

يبدو يقيناً ومع اللقطات الافتتاحية من الفيلم أن مخرجه، في صدد تقديم جماليات بصرية مستقاة من عوالم الرواية، تفضي إلى بنية مرئية شديد الخصوصية، تجسد عوالم رولفو "الواقعية السحرية" بوصفه الأب المؤسس لهذا التيار، والبداية تأتي كما في الرواية "جئت إلى (كومالا) لأنهم قالوا لي إن والدي يعيش هنا، إنه شخص يدعى بيدرو بارامو (...) إنها قرية تقبع فوق جمار الأرض، في فم الجحيم وإن كثيرين ممن يموتون هناك يعودون بمجرد وصولهم إلى جهنم بحثاً عن بطانية". تتراءى "كومالا" لخوان بريثادو (تينوش هويرتا) من بعيد وهو برفقة البغال أبونديو الذي يصادفه في طريقه، وحين يصل "كومالا" يتحقق ما قالته له أمه: "هناك ستجد صوت ذكرياتي أقرب إليك من صوت موتي، هذا إن كان للموت صوت". القرية مهجورة، إنها مدينة أموات وأشباح، لكن للموت صوت وللأموات حياة أخرى فيها، إنها حياة المخيلة في الرواية والفيلم، وبريثادو في البداية بالكاد يعثر على أدوفيخيس ديادا (دولوريس هيريديا) التي تقول له "أخبرتني أمك بأنك ستأتي"، فيقول لها "أمي ماتت"، فتقول "لذلك كان صوتها ضعيفاً حين أخبرتني".

سيتوالى ظهور الشخصيات ثم اختفاؤها لأنهم أموات، وستحضر شذرات من أحداث غير مكتملة في ثنايا الفيلم، وهو يتناوب بين مشاهد معتمة شحيحة الإضاءة وأخرى مضاءة تأتي مما يمكن تسميته "تكامل الأحداث"، الأول يكون مع بريثادو في "كومالا" وكل من يقابلهم أو يقابلهن سيكتشف ونكتشف معه أنهم أموات، إذ يتم استدعاء كل الشخصيات والمصائر بداية إلى بيت ديادا،، ومن ثم تأتي داميانا (مايرا باتالا) بعد اختفاء الأخيرة، لتأخذه خارج البيت بينما المشاهد المضاءة تأتي بمثابة تمهيد لما سيستعاد كاملاً حين يموت الراوي أو بريثادو، وليتولى السرد، وإن من القبر، إذ أصبح لديه متسع من الوقت ليفكر ويدرك كل شيء، ذلك أنه أصبح ميتاً حاله حال أمه، بالتالي تتكامل كل القصص، ذلك أن كل الأحداث حدثت في الماضي، وجميع الشخصيات أموات، بالتالي فإن الراوي أصبح واحداً منهم وبمقدوره أن يعايش ما عاشوه بصورة كاملة، وليس من خلال "صوت الأموات" كما هو الحال مع ديادا وداميانا.

يحدث هذا بعد أن يلتقي بريثادو "المرأة التي تتحلل في ماء عرقها"، على شيء مما يرد في الرواية "أيقظني الحر والعرق عند منتصف الليل. كان جسد المرأة تلك مصاغاً من تراب، وتحيطه قشور من تراب، يتحلل وكأنه يذوب في بركة وحل. وأحسست أنني أسبح في العرق الذي يقطر من جسدها، وافتقدت ما يكفي من هواء لأتنفس، حينها نهضت، والمرأة نائمة، ومن فمها تتلفظ بدوي فقاعات أشبه بالحشرجة".

افتقاد الهواء الكافي للتنفس سيميت خوان بريثادو، وسنكون في الفيلم شهوداً على برك الوحل التي تتحول إليها تلك المرأة وآخرين، وسنرى قبراً ونسمع صوتاً خفيضاً آتٍ منه، ومن دفنوه يقولون له "لو لم يكن ثمة هواء لنتنفسه في تلك الليلة، لما أسعفتنا قوانا على حملك ودفنك، وها أنت ترى أننا ندفنك". هذا الاقتباس لن يرد في الفيلم، ولن نشاهد فيه عملية الدفن! لكن إيراده سيكون على شيء من إيضاح تلك الانتقالة المفصلية في الفيلم، وتسيد حكاية بيدرو بارامو السرد، وتوالي الأحداث في نسق أفقي.

أجمل امرأة على وجه الأرض

سنبدأ بمعرفة كل شيء عن بيدرو بارامو أفقياً وتتابعياً، وسيتحول الفيلم إلى فيلم آخر مهد له في ما سبق بشذرات هنا وهناك. سيتضح لماذا تزوج بيدرو بارامو أم خوان بريثادو ولماذا هجرها! حكاية ابنه ميغيل بارامو، الذي يعده بيدرو ابنه الوحيد، وكيف مات! ستظهر شرور بيدرو بارامو، وحيله وتلاعبه ومظالمه، بوصفه سيداً إقطاعياً يملك البشر والحجر، وإقدامه على قتل كل من حضر حفل الزفاف الذي قتل فيه والده، وغير ذلك كثير من تسلطه، ومن ثم ستحضر قصة حب بيدرو لسوزانا (إلسي سالاس)، "أجمل امرأة على وجه الأرض"، تلك التي تجمعه معها ذكريات الطفولة، وانتظرها 30 سنة، وظل يلاحق والدها يابارتولومي سان خوان الذي ينتقل في العمل من منجم إلى آخر ليعثر عليها في النهاية.

ستكون سوزانا تلك "المرأة التي ليست من هذا العالم"، لا تدع لبيدرو أن يقربها، مبقية ضوء غرفتها مضاء لثلاث سنوات، هي التي تخشى العتمة وتدور في فلك الرؤى والهواجس والذكريات، وحين تموت تبقى أجراس الكنائس تقرع وتقرع طويلاً، "استمر قرع النواقيس طوال الليل والنهار، وبات أقوى فأقوى إلى أن تحول إلى نواح (...) وبعد ثلاثة أيام أصيب الجميع بالصمم"، وبدأ الناس يتوافدون من كل مكان وقد تحول موت سوزانا إلى كرنفال، وليلازم بيدرو بارامو كرسيه بعد وفاتها، هاجراً كل شيء بانتظار قاتله.

 

الـ The Independent  في

15.11.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004