متحف الأوسكار "بارثينون السينما" يفتح أبوابه بعد عقود من
الانتظار
المتحف لا يتنكر لعنصرية الماضي مبينا التنوع العالمي
للإبداع السينمائي
يعتبر وجود متحف للسينما في أيّ مدينة في العالم دليلا على
الاهتمام بالفن السابع ومساواة هذا الفن بالفن التشكيلي، أي أنه يستحق أن
تخصص له متاحف ومعارض، ومهرجانات لا تكتفي باستعراض الأزياء والسير فوق
البساط الأحمر. ومن الغريب أن مدينة شهيرة بمنتجيها السينمائيين الأهم في
العالم مثل لوس أنجلس وأكاديمية الأوسكار ليس لديهما متحف سينمائي. لكن هذا
الاستغراب يتبدد بعد عقود من انتظار محبي السينما بافتتاح متحف الأوسكار في
المدينة الأميركية بعد أيام.
لوس
أنجلس
– أصبح
لمدينة لوس أنجلس الأميركية أخيرا متحف مخصص بالكامل للسينما التي صنعت
شهرتها، وهي خطوة آن الأوان لها على ما قال الممثل توم هانكس الثلاثاء خلال
إطلاعه وسائل الإعلام على محتويات متحف جوائز الأوسكار قبل افتتاحه رسميا
الأسبوع المقبل.
فمع أن المدينة تضمّ شركات الإنتاج الهوليوودية وتنتشر فيها
العشرات من المتاحف لشتّى المواضيع، من العلوم الطبيعية إلى صور السيلفي
الذاتية، لم يكن فيها إلى اليوم أي متحف مخصص للفن السابع.
بعد انتظار طويل
استلزمت ترجمة فكرة هذا المتحف المخصّص للفن السابع نحو
قرن، وكان من المفترض أن يكون عام 2017 موعد افتتاح المبنى، لكنه تأخّر
أكثر من مرة، وزاد انتشار فايروس كورونا المستجد في السنة الماضية من تأخير
موعد افتتاحه. ومع ذلك باتت المباني جاهزة للافتتاح بعد أيام قليلة. وبعد
عقود من التأخير، يفتح متحف الأوسكار في لوس أنجلس أبوابه للجمهور في
الثلاثين من سبتمبر الجاري. واعتبر هانكس الفائز بجائزتي أوسكار وعضو مجلس
إدارة المتحف أن “وجود متحف للسينما في لوس أنجلس أمر مهم”.
وقال “نعلم جميعا أن أفلاما تُصنَع في كل أنحاء العالم، وهي
رائعة. ثمة مدن أخرى لديها متاحف للسينما. ولكن، مع كل احترامي لها، هذا
المتحف الذي أقامته في لوس أنجلس أكاديمية الأوسكار يُفترض أن يكون في هذا
المجال بمثابة بارثينون السينما”، في إشارة إلى المعبد الإغريقي في مدينة
أثينا الذي يعتبر من أفضل نماذج العمارة الإغريقية القديمة.
وسيكون المتحف الواقع في غرب لوس أنجلس أكبر متحف مخصص
للسينما في أميركا الشمالية. وقد أمكن إنشاء المتحف بكلفة ناهزت 390 مليون
دولار تبرعت بها مؤسسات هوليوودية، من بينها “ديزني” و”وورنر” و”نتفليكس”،
وصممه المهندس المعماري الشهير رينزو بيانو الذي يُعتبَر “مركز بومبيدو” في
باريس من أبرز أعماله.
وكان المبنى الذي أقيم فيه المتحف أساسا متجرا كبيرا متعدد
الأقسام في ثلاثينات القرن الماضي، أعاد المهندس بيانو تصميمه ليضم صالات
العرض الرئيسية للمتحف، وأضيف إليه مبنى على شكل كرة معدنية عملاقة تبدو
وكأنها تحوم فوق فناء المتحف. وتضم هذه الكرة قاعة ديفيد غيفن السينمائية
البالغة سعتها ألف مقعد.
تنوع المعروضات
قال المهندس رينزو بيانو البالغ 84 عاما مازحا “لا تسموها
النجمة السوداءَ”، في إشارة إلى أفلام عالم “ستار وورز” (حرب النجوم)،
مضيفا “بل سمّوها منطادا صلبا (زيبلين). منطاد يأخذكم إلى عالم آخر”.
ويوفّر المتحف للزائر لمحة عامة واسعة عن السينما العالمية منذ بداياتها في
نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم.
ومن أبرز معروضاته أزياء دراكولا وكائنات “أورك” من فيلم
“لورد أو ذي رينغز” والكائن البرمائي في “شيب أو ووتر” والروبوتان الشهيران
“سي – 3 بي.آو” و“آر 2 – دي2” من سلسة أفلام “ستار وورز”.
وفي المتحف أيضا مزلجة “روزباد” من فيلم “سيتيزن كاين” الذي
يُعتبر أحد أعظم روائع السينما. وصُنعت ثلاث زلاجات فقط لزوم تصوير هذا
الفيلم. ولم يكن المخرج أورسون ويلز راضيا عن أول لقطة تحترق فيها الزلاجة
في المرجل فأراد تكرار هذا المشهد الذي يشكّل نهاية الفيلم، لذلك لم تبقَ
سوى النسخة الثالثة.
وستُدشّن المساحة المخصصة للمعارض الظرفية المؤقتة بأعمال
لملك الأفلام التحريكية اليابانية هاياو ميازاكي، بينها “نفق من الأشجار”
مستوحى من فيلمه الشهير “ماي نيبور توتورو”، يقود الزائر إلى قصور طائرة
ورسوم أخرى. وقال مدير المتحف بيل كرايمر “نريد أن نبيّن من خلال صالات
العرض التنوع العالمي للإبداع السينمائي”.
كما سيضم الموقع الذي تقرب مساحته من 28 ألف متر مربع،
بينها مساحات عرض تبلغ 4500 متر مربع، مجموعة من الآثار الهوليوودية التي
استخدمت في الأفلام، بينها على سبيل المثال لا الحصر، حذاء جودي غارلاند
الأحمر الشهير في “ساحر أوز”.
المتحف يوفر للزائر لمحة عامة واسعة عن السينما العالمية
منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم
وفي المتحف أيضا صالة سينما تتّسع لألف مقعد وتقع داخل كرة
عملاقة من الزجاج والفولاذ والخرسانة أقيمت على جانب المتحف. وسيكون سبايك
لي وبيدرو ألمودوفار من بين المخرجين الأوَل، الذين طلب منهم المتحف تنظيم
معارض مؤقتة مخصّصة للمخرجين الآخرين.
وفي الجناح المخصّص لتاريخ جوائز الأوسكار، سيُعرض 20
تمثالا صغيرا هي جوائز الأوسكار التي نالتها أفضل الكلاسيكيات الصامتة مثل
“شروق الشمس” (1927) لفريدريك ويلهلم مورناو أو لأفلام حديثة كـ”ضوء القمر”
(2016) لباري جينكينز.
وستخصّص صالات عرض أخرى لإبراز دور جميع الجنود المجهولين
الذين يساهمون من وراء الكاميرا في بث سحر السينما، ومنهم خبراء التحريك
ومصففو الشعر وفنانو الماكياج، وسواهم.
ويسلّط أحد الأقسام الضوء على الأزياء الشهيرة، كذاك
المستوحى من أفريقيا الذي ارتدته الممثلة داناي غوريرا في الفيلم الشهير
“النمر الأسود” (2018). وعلقت الممثلة قائلة “إن وجود زي أوكوي (وهي
الشخصية التي تؤديها) في متحف الأكاديمية أمر قويّ جدا، لأن تاريخ هوليوود
لا يشبه فريق النمر الأسود”.
ويحضر في قسم آخر من المتحف مجسم القرش “بروس” الذي روّع
السابحين في فيلم “جوز- الفك المفترس” قبل نحو نصف قرن. والقرش “بروس” الذي
قيل إنه سُمي تيمّنا باسم بروس رامير، محامي المخرج ستيفن سبيلبرغ، معلق
على علو تسعة أمتار من أرضية الطبقة الثالثة من المتحف.
والمجسم البالغ طوله ثمانية أمتار ويزن أكثر من نصف طن
والمصنوع من الألياف الزجاجية هو آخر نسخة أعدّت للوحش البحري لتصوير
الفيلم الشهير العائد إلى العام 1975، ويتجاوز عرض فكيه مترا ونصف المتر.
وقد تم إدخاله المتحف من النافذة باستخدام رافعة بعدما تعذّر تمريره عبر
أبواب المصعد.
تاريخ إشكالي
كما من المتوقع أن يتضمن المتحف المنتظر معروضات تعكس
“التاريخ الإشكالي” للإنتاج السينمائي بهوليوود، من العنصرية التي شابت
فيلم “ذهب مع الريح” إلى الجدل الأخير في شأن ضعف تمثيل النساء والأقليات.
وفي وقت سابق من هذا العام تولّت الممثلة لورا ديرن التي
حصلت على جائزة أوسكار لأفضل ممثلة في دور ثانوي العام الماضي مرافقة
الصحافيين خلال جولة افتراضية نظمت لهم في المتحف الواقع في غرب لوس أنجلس.
وقالت الممثلة “لن نتظاهر بتجاهل القصة الإشكالية”، في
إشارة إلى وسم “أوسكارز سو وايت” المتعلق بالنقص في تمثيل الفنانين السود،
وضعف حضور النساء، والطريقة التي تعامل بها منظمو الأوسكار مع الممثلة
السوداء هاتي ماكدانيال عام 1940.
ولم تتمكن ماكدانيال التي كانت أول فنانة سوداء تحصل على
جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم “ذهب مع الريح” من حضور العرض الأول
للفيلم بسبب لون بشرتها. وخلال احتفال توزيع جوائز الأوسكار، لم تتمكّن من
دخول فندق “أمباسادور” الذي كان يمارس الفصل العنصري إلاّ بعد تدخل
المنتجين، وكان عليها الجلوس على طاولة منفصلة بعيدا من الممثلين الآخرين
في الفيلم. |