معركة غولدن غلوب 2021.. حملة صحافية ناجحة ضد الفساد
هويدا حمدي
رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية في مأزق خطير بعد كشف
ألاعيب أعضائها.
توالت الاتهامات الموجهة إلى “رابطة هوليوود للصحافة
الأجنبية” في السنوات الأخيرة، وليس آخرها ما تقدمت به صحافية نرويجية رفعت
دعوى قضائية ضد الرابطة التي تمنح جوائز الـ”الغولدن غلوب” تتهم رئيسها
وأعضاءها باحتكار التغطيات الإعلامية في هوليوود، ووقوفهم عقبة أمام
الصحافيين الأجانب في الوصول إلى عالم النجوم، فيما تواترت تهم أخرى عن
فساد مالي وصفقات ورشاوى، وهو ما انكشف أخيرا.
بعد أشهر من التحايل والتخبط، وافق أعضاء رابطة هوليوود
للصحافة الأجنبية
HFPA
المانحة لجوائز “الغولدن غلوب” على لوائح جديدة أقرتها شركة محاماة شهيرة،
لإعادة هيكلة الرابطة التي تأسست عام 1943، وتواجه أزمة حادة بعد حملة
شنتها الصحيفة العريقة “لوس أنجلس تايمز” في فبراير 2021، واتهمت الرابطة
بالفساد المالي والإداري والعنصرية والتحايل على الضرائب.
اتهامات خطيرة في مجتمع ديمقراطي تحكمه ثلاث سلطات، رابعتها
الصحافة بتاريخها في هزّ عروش ومؤسسات وإطاحة رؤساء. وبحريتها واستقلالها
وحقها في الحصول على المعلومات، لا تزال الصحافة الأميركية تخوض معارك
شرسة، وتنتصر رغم ما يواجهها من تحديات.
انتصرت
الصحافة في معركتها ضد رابطة عمرها 78 عاما، وتمنح أكبر وأشهر جائزة
سينمائية أميركية بعد الأوسكار. وقد اكتسبت رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية
نفوذا خطيرا، ليس فقط لجوائزها المؤثرة في صناعة السينما، وعلاقاتها
الواسعة بعمالقة صناعة الترفيه في هوليوود ممن اعتادوا رشوة أعضاء الرابطة
من أجل جائزة أو ترشيح يؤثر في التسويق، وإنما لحفلها السنوي الشهير الذي
ينعش اقتصاد لوس أنجلس في أسبوع واحد بأكثر من مئة مليون دولار تستفيد منها
صناعات أخرى، مثل السيارات والملابس والماكياج والفنادق واللوحات الإعلانية
وغيرها.
اتهامات متوالية
في فبراير 2021 بدأت المعركة بتحقيق نشرته “لوس أنجلس
تايمز”، قبل إعلان جوائز الغولدن غلوب رقم 78. فتح التحقيق ملف الفساد
المسكوت عنه للرابطة الشهيرة التي تضم 87 صحافيا أجنبيا فقط، ليس بينهم
صحافي أسود، رغم اتهامات متوالية بالعنصرية الفجة للرابطة وجوائزها في
السنوات الماضية، ولم تعرها الرابطة اهتماما. وفتحت الصحيفة النار على
الرابطة التي تحصل على أكثر من 27 مليون دولار مقابل بث حفلها السنوي فقط،
فضلا عن ملايين خلف الستار، رشاوى مقنعة من شركات إنتاج وموزعي أفلام
ومسلسلات.
نجوم ومنتجون سينمائيون كبار وأستوديوهات وشبكات كنتفليكس
وأمازون قاطعوا الرابطة لإجبارها على الإصلاحات
رابطة لا تهدف إلى الربح وتعفى من الضرائب تتحكم في هذه
الأموال! وقد وجهت إليها الصحيفة اتهامات بالرشوة، منها رحلة فاخرة إلى
باريس قدمتها “بارامونت” لثلاثين عضوا، لزيارة موقع المسلسل المتواضع
“إميلي في باريس”، فنال المسلسل ترشيحين لأفضل مسلسل وأفضل ممثلة.
مثل هذه الاتهامات معتادة سنويا للرابطة، وتنسى بعد إسدال
الستار على الحفل، إلا أن هذا العام (2021) يبدو مختلفا، إذ قامت
الصحافيتان النرويجية كريستي فلا والإسبانية روزا جامازو بمقاضاة الرابطة،
بعد رفض عضويتهما. وجهت الصحافيتان إلى الرابطة اتهامات بالاحتكار
والعنصرية، وتكريس ثقافة الفساد، ودعم أعضائها بمبالغ مالية بشكل لا يليق
برابطة معفاة من الضرائب.
وكانت الرابطة قد منحت أعضاءها ما يقرب من مليوني دولار
خلال عام 2020، فسلطت “لوس أنجلس تايمز” الأضواء على مخالفت الرابطة لوائح
الإعفاء الضريبي، وهي جريمة ضخمة في الولايات المتدة، لتشعل ثورة من
الداخل، وتؤكد تلك الاتهامات في التحقيق الصحافي الخطير الذي توالت بعده
عدة تحقيقات نارية في الصحيفة العريقة وعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية.
وتسببت الحملة في هزة عنيفة للرابطة، لسبب واضح عنوانه “الصحافة الأميركية
الحرة”.
وبعد حفل باهت حاولت خلاله رابطة
HFPA
خداع الصحافة والرأي العام، فاعتذر رئيسها عن العنصرية، ووعد بإصلاحات
حقيقية، وإعادة الهيكلة وفتح الباب لأعضاء جدد من الملونين والأقليات.
واختارت الرابطة بعض السود للمشاركة في تقديم فقرات الحفل، وتقديم جوائز
لنجوم سود كانت بمثابة رشوة واضحة لتهدئة العاصفة.
انفجرت ثورة داخلية إثر التحقيقات الصحافية التي جعلت
الانتماء إلى الرابطة، ذات الثقل والنفوذ، عارا ينبغي التخلص منه، فاستقال
تسعة أعضاء بعد الحفل، ليصبح عدد الأعضاء الآن 78 عضوا. وأعلن المستقيلون
أن الرابطة أصبحت “سامة”، وأن الوضع خلف الستار قاتم ومخيف، وأن هناك
مدفوعات سخية لبعض المحظوظين، ولا توجد شفافية، ولا يعرف أحد شيئا عن
البيانات المالية للرابطة. وتبادلت الرابطة الاتهامات مع المستقيلين،
واتهمتهم في بيان معلن بالعمل لحساب أجندات خاصة!
الصحافة انتصرت في معركتها ضد رابطة عمرها 78 عاما، وتمنح
أكبر وأشهر جائزة سينمائية أميركية بعد الأوسكار
الاتحاد ضد الفساد
أصبحت
HFPA
في مأزق حقيقي وخطير يهدد وجودها وينذر بنهايتها، لكن الضربة القاصمة كانت
من رد فعل منتجي السينما والترفيه. في يونيو 2021 أعلنت النجمة الثورية
سكارليت جوهانسون في بيان نشرته مجلة “ڤارايتي” مقاطعتها للرابطة وحفلاتها،
داعية نجوم الصناعة إلى التراجع عن دعم الرابطة إلى أن تضع المزيد من
الإصلاحات الجوهرية. وكشفت جوهانسون أنها ابتعدت عن مؤتمرات صحافية نظمتها
HFPA
بسبب الأسئلة والملاحظات الجنسية من قبل بعض الأعضاء، واتهمتهم بالتحرش
الجنسي.
وقالت
جوهانسون “هذا هو السبب الحقيقي لرفضي لسنوات متعددة المشاركة في
مؤتمراتهم… إنها رابطة تم إضفاء الشرعية عليها من قبل منتجين أمثال هارڤي
وينستين، ويجب مقاطعتها، فقد حان الوقت لإنقاذ إنتاجنا بالتركيز على أهمية
وقوة الوحدة داخل نقابتنا”. هارڤي وينستين هو المنتج الأميركي الشهير
المحكوم عليه بالسجن ثلاثة وعشرين عاما في قضية شهيرة بعد أن اتهمته
العشرات من النجمات بالاعتداء الجنسي والاغتصاب عام 2017.
الرابطة منحت أعضاءها ما يقرب من مليوني دولار خلال عام
2020، فسلطت “لوس أنجلس تايمز” الأضواء على مخالفت الرابطة لوائح الإعفاء
الضريبي
وأعلن مارك روفالو مقاطعته للرابطة، وعدم شعوره بالفخر
بجائزة الغولدن غلوب التي فاز بها سابقا. وقام توم كروز بموقف أكثر عنفا
فأعاد إليهم جوائزه الثلاث. والأخطر من ذلك كانت مقاطعة الاستوديوهات
والشبكات منها نتفليكس وأمازون، لتتم محاصرة الرابطة تماما. وكان الإجهاز
عليها بإعلان شبكة
NBC
التي تبث الحفل السنوي مقابل حوالي 60 مليون دولار تتقاسمها الرابطة مع
شركة إنتاج الحفل، ليدرك الجميع أنه شبح النهاية. ولذلك أعلن رئيس الرابطة
إلغاء حفل العام القادم 2022، وربما الذي يليه؛ لإعادة ترتيب الأوراق.
ورغم خسارة شبكة
NBC
حوالي 50 مليون دولار، قيمة إعلانات تتخلل الحفل فضلا عن ترويج برامجها في
تلك الفترة، فإنها رضخت للرأي العام، وقاطعت الرابطة والحفل، وهو ما سوف
يكبد اقتصاد لوس أنجلس خسارة ضخمة كما ذكرنا. والأخطر أن إلغاء الغولدن
غلوب سيحدث خللا في نظام موسم الجوائز الذي ينتهي بالأوسكار؛ إذ يكون حفل
الغولدن غلوب نقطة انطلاق للموسم، وهذا يعني المزيد من الخسائر الاقتصادية
للوس أنجلس وولاية كاليفورنيا.
والأهم
من الاقتصاد هو المصلحة العامة، وإنقاذ صناعة الترفيه من تأثير سام. هكذا
انتصرت الصحافة الحرة التي لا تزال تحقق انتصارات رغم وجود أغبياء ينكرون
قوتها ويقلصون حضورها، ويقلمون أظفارها؛ حتى لا تنبش في أجساد أصابها العفن
من الفساد.
المفارقة أن الحملة الصحافية استهدفت رابطة للصحافيين لكنهم
أجانب مقيمون بالولايات المتحدة. ولم تتردد في كشف عورة بعض زملاء المهنة
ممن يقبلون الهدايا والدعوات والعطايا. أداء مهني راق ونزيه يؤكد الانتماء
إلى القارئ وحقه في المعرفة، ويرفض ما يتنافى مع أخلاقيات المهنة. وبخط
واضح كتبت الصحيفة العريقة هذه الجملة “يُمنع صحافيو لوس أنجلس تايمز من
تلقي الهدايا والدعوات”، وأصابت سهام الصحيفة جسدا كنا نحسبه صلبا كالصخر،
لكن الفساد دائما هش ويحمل بذور انهياره، فقد ترنح الخصم أمام ضربات
الصحيفة العملاقة التي لم تجامل، وإن رحمت “زملاء” اعترفوا بالخطأ ووعدوا
بالإصلاح.
ومنذ
أيام (أغسطس 2021)، طالبت الصحيفة المنتصرة بمنح الرابطة الجريحة فرصة
أخرى، لعل التغيير يكون حقيقيا. وناشدت الرأي العام الرأفة بالصحافيين
الأجانب؛ فمعظمهم يعمل بأجر زهيد، وبعضهم يعمل بالقطعة، وتبدو المكافآت
التي تمنحها لهم رابطة
HPFA
مساعدة زهيدة، في حين تغدق تبرعاتها على طلبة كليات السينما والصحافة
ومؤسسات أخرى.
صحافية وناقدة مصرية |