يسري نصر الله: المناخ السينمائي «يسدّ النفس» (حوار)
سياسة الحفظ في المدارس لا تتيح فرصًا للفن والإبداع
كتب: سعيد
خالد
وصف المخرج الكبير يسرى نصر الله تجربته في رئاسة تحكيم
مسابقة الأفلام الطويلة بمهرجان الإسماعيلية بالمثمرة، وأن مستوى الأفلام
المشاركة كان مدهشًا سينمائيًا، وكشف نصر الله في حواره لـ «المصرى اليوم»
أن فيلمه الجديد لا يزال في مرحلة الكتابة ولم يتعاقد مع جهة إنتاجية
لتنفيذه، وأنه استبعد فكرة فيلم سقوط أتوبيس من فوق كوبرى والتى كان ينوى
تقديمها في فيلم أكشن كوميدى بسبب عدم عثوره على ممثلين مناسبين للعمل،
وقال: «إن المناخ السينمائى الحالى يسد النفس ولا يتيح أي فرص للإبداع»،
وأنه كمخرج لا يحتاج دعمًا من الحكومة وإنما يريد أن تتركه في حاله ينفذ
مشروعاته كما يراها. وأضاف أن ابتعاد المخرجين الكبار عن السينما مسألة
خاصة، وأن كل مخرج عليه أن يجد بدائل لتمويل أعماله، وأنه لا يرى أن
المنصات الرقمية ستكون بديلة للسينما، وأن الاحتكار سيدمر صناعة السينما،
وشدد على أن سياسة الحفظ في المدارس لا تتيح مجالا للفن والإبداع.. وإلى نص
الحوار..
■ لنبدأ من رئاستك للجنة تحكيم مسابقة الأفلام التسجيلية في
مهرجان الإسماعيلية.. ما تقييمك للدورة وللأفلام؟
- شاهدت22 فيلما تسجيليا قصيرا و12 فيلما طويلا، المستوى
مدهش سينمائيًا، شاهدت سينما بطريقة تعبير مميزة ولغة سينمائية راقية، على
مدار تكوينى العمرى لا أميل أو أفضل نوعية عن أخرى، المهم بالنسبة لى ما
إذا كنت أمام فيلم سينما أم لا، هذا هو معيار حبى لأى عمل، وكم من أفلام
روائية طويلة لا تصلح أن يقال عليها سينما، تحكى حكاية لكنها لا تخاطب
وجدانى، لا تضيف لك معانى جديدة بها تراجع نفسك ونظرتك للجمال والحياة
والناس، ورأيى أن كلمة أفلام تسجيلية أو وثائقية محدودة جدًا لأن أي فيلم
وثيقة بمعنى انعكاس لرؤية ومشاهدات ووجهات نظر، بعيدًا عن الأفلام الصحفية
أو الإعلامية التي تريد توصيل مجرد نصيحة أو طلب أو معلومة، بينما السينما
شىء آخر، شرطى بها مخاطبة الوجدان.
■ الفيلم التسجيلى حقق نجاحات كبرى في 2018 ما تفسيرك لذلك؟
- بالتأكيد الأفلام التسجيلية تشهد نقلة نوعية بدون أدنى شك
على مستوى الأفكار والطروحات التي تناقشها من قضايا عالمية وإفريقية
ومحلية، العالم مفتوح حاليًا، ومثيرة تشغل الخيال، ليست مملة، دائما شغوف
بها، رأيى مع استمرار سياسة الحفظ في المدارس ليس هناك مجال للفن والإبداع
إجمالا ليس فقط في نوع معين من السينما، فكيف للجمهور أن يتفهموا ذلك، نعم
لديهم فضول في الاطلاع على الأمور المحيطة من خلال الإنترنت، ضرورى أن يفتح
الانسان نفسه لمشاهدة نوعية أفلام لم يعتد على مشاهدتها.. سافر من خلال هذه
النوعية، اكتشف العالم، كل ذلك يجب أن تربى عليه النشء وهذا دور الأسرة
والمدرسة والمدرس والجامعة، الأزمة ليست في توفير دور عرض لهذه النوعية من
الأفلام، ولكن السؤال لماذا لا يبحث المشاهد عنها؟، وكيفية خلق جزر متشابكة
لتوسيع قاعدة جماهيرها.
■ كانت لك تجربة وحيدة في هذا النوع في الأفلام «صبيان
وبنات» لماذا لا تفكر في تكرارها؟
- الفيصل بالنسبة لى وما يحرك إحساسى هو الموضوع، ظروف
تنفيذ فيلم صبيان وبنات خاصة جدا فكرت فيه عام 95، بعدما قرأت أن أحد قتلة
الرئيس الراحل أنور السادات التقى وزير الداخلية وقتها فرحا يقول إننا
انتصرنا لكثرة المحجبات في الشارع، وفى نفس الوقت تعرضت فتاة في فرنسا
ترتدى الحجاب للمنع من دخول المدرسة، وهنا استفزتنى الفكرة أن أتعرف على كل
من يرتدى الحجاب، وأنا لا أستطيع تقديم فيلم روائى بشخصيات لا أحبها وأشعر
بها.
■ شاركت في العديد من لجان تحكيم حول العالم، ماذا عن رؤيتك
للمهرجانات المصرية؟
- المهرجانات الكبرى بالنسبة لبلاد عديدة ليست لحظة
استثنائية بمعنى مثلا مهرجان لوكارنو في سويسرا بمدينة صغيرة، قادر على
استقطاب قاعدة جماهيرية ضخمة ويشاهد الأفلام 10 آلاف شخص أمام شاشة ضخمة،
وهذه ميزة يجب أن تحقق في مهرجاناتنا، ونحتاج سوقا لبيع وشراء الأفلام ودعم
الصناعة مثلما الحال في «كان» بفرنسا، وأكون حزينا دائمًا حينما أشاهد بلدا
مثل المغرب وهى بلد فقير والسينما فيه جديدة، فكروا في فكرة التصوير
المفتوح مجانًا وبناء استديوهات ضخمة بـ«ورزازات» وقاموا ببناء أهرامات
ومدينة أثرية وغيره، عكس مصر التي ترفض الاستثمار في هذا المجال وتعرقل كل
السبل التي تدفع صناع السينما في العالم للتصوير فيها، نتفنن في «تطفيشهم»
رغم أن ذلك بالتأكيد يخدم السياحة والاقتصاد وغيره.
■ ما حقيقة تحضيرك لفيلم جديد من إنتاج أحمد السبكى؟
- مازال الفيلم في مرحلة الكتابة ولم أنته منه، ولم تتحدد
جهة إنتاجه بعد، كان من المفترض أن أتصدى لإخراج فكرة أكشن كوميدى، عن
عبثية القاهرة، كيفية تقديم مطاردة في مرور لا يتحرك، تبدأ بسقوط أتوبيس من
أعلى كوبرى وفى الأسفل حالة لا مبالاة من شابين شاهدا الحادث دون أن يتحرك
لهما ساكن، لكنى قررت تجنب هذه الفكرة بسبب أزمة في الممثلين وليست مشكلة
إنتاجية.
■ وهل من الممكن أن تكرر التجربة للمرة الثانية مع السبكى؟
- حينما قدمت فيلم «احكى يا شهرزاد» مع الكاتب وحيد حامد،
قيل وقتها كيف يمكن أن تختلط تلك المدارس، «الماء والخضرة والوجه الحسن»
كان مشروع فيلم منذ التسعينيات وعلى مدار سنوات كنت أبحث عن منتج يتحمس له
وهو ما حدث مع أحمد السبكى ونفذته كما تخيلته، قد لا يعجب البعض لكنى أؤكد
أننى قدمته كما أريد، أشتغل مع أي أحد، السبكى منتج بمعنى الكلمة، نعم
يحاول تقليل التكاليف للتوفير، وأنا فعلت ذلك حينما أنتجت «سرقات صيفية».
■ توقع البعض أن أغنية محمود الليثى ضمن الفيلم كانت مفروضة
عليك؟
- إطلاقًا هذا لم يحدث تمامًا، وهى فكرتى تمامًا، واقترح أن
يتم الاستعانة بأغنية في الفرح، وكنت مبسوط جدًا أثناء تصويرها، مبهجة
ولذيذة.
■ هل لدى يسرى نصرالله محاذير لا يقبل أن يتخلى عنها؟
- عدد أيام التصوير، أرفض ضغط أيام التصوير «كروتة الفيلم»
لن أقدم عليه، واشترطت وقتها التصوير في بلقاس، وهو ما حدث.
■ كيف ترى مستقبل الصناعة، في ظل رفض وعدم منح تصاريح
للعديد من الأفلام؟
- ما يحدث «مهزلة»، ومنافسة غير شريفة، أن يقال للصناع إما
تعمل معنا بالمشاركة أو يتم منعك من العمل، أخلاقيًا هذا أمر غير ظريف،
اقتصاديًا ما يحدث بمثابة أننا نحفر قبرًا للسينما والدراما التليفزيونية
كذلك، بعد تسطيح الموضوعات وتوحيد الأفكار، الوسطية، وعمليًا أنا كمتفرج
حينما أشاهد التيمة أكثر من مرة أتجنبها تمامًا وأبحث عن مدارس جديدة،
السينما تضمحل هل هذا هو الهدف؟، إذا كان ذلك أقول لك إنك تفقد السياحة
وشعور السينمائيين بعدم الأمان، أنا كيسرى نصرالله إذا صورت فيلمًا حرًا
جيدًا وعُرض خارج مصر ذلك يحرك السياحة لأن تأتى للقاهرة لمشاهدة تلك
الأماكن التي كانت في الفيلم، يوسف شاهين كان دائمًا يتهم الأمريكان ويقول
لهم «إنتوا مش بتعرضوا أفلامنا.. بتعرضوا فقط أفلامكم»، الاحتكار وتوحيد
الفكر وجهة الإنتاج تؤدى إلى عزل السينما داخليًا وخارجيًا.
■ هل من الممكن ليسرى نصرالله أن يعمل في هذا المناخ؟
- أعمل في أي مناخ شرط ألا تفرض علىّ أي تعليمات، وألا
يُطلب تنفيذ «باب الشمس» في أسبوعين، أستطيع تنفيذ فيلم بهذه المدة في شقة
وشارع فقط، أستطيع تقديمه وتكرار نفس التجربة 3 أو 4 مرات، بعدها سينفرنى
الجمهور تمامًا، أنا ضد فرض الوصاية، وأستطيع التغلب على القيود، طول عمرنا
لدينا رقابة ويجوز أو لا يجوز.
■ العقبات التي تواجهها السينما هل تساهم في نشاط السينما
المستقلة؟
- بموبايل النهارده من الممكن لصانع فيلم تنفيذه، الأمر سهل
جدًا في زمن التطور التكنولوجى، وأنا من الممكن أن أقدم على هذا النوع من
السينما إذا توفر لدى الموضوع الذي أتطرق له، وفخور بتجارب الشباب، مثل
محمد حماد وأبوبكر شوقى، هايلة بصراحة وحققت نجاحات مهمة.
■ ما هي رسالتك للقائمين على الصناعة حاليًا؟
- أنتم تدمرون الصناعة، لكن مش هتعرفوا تموّتوا السينما.
■ كيف ترى اختفاء جيل كبار المخرجين؟
- هذه ظروف الصناعة، وعليهم أن يبحثوا عن طرق لتنفيذ
مشاريعهم حتى إذا لم يكن لديهم منتج، وكل ذلك مرتبط بما يتمنى كل منهم
تنفيذه من أفكار، بالتأكيد المناخ «يسدّ النفس»، لكن يجب عليهم البحث عن
طرق بديلة تغير «مود» العمل.
■ وماذا عن رأيك في غياب الدعم من جانب الدولة للسينما؟
- في تلك الظروف، بالنسبة لى لا أحتاج لدعم، إذا كانت لدى
مشاريع الأهم بالنسبة لى يسيبونى في حالى، أرفض الحصول على دعم مقابل تقديم
رسائل موجهة، أطلب من الحكومة أن تتركنى أصور، امنعوا بعد ذلك لكن اتركونى
أصور.
■ ما رأيك في توقف شركات عديدة عن الإنتاج؟
- موظفو الرقابة ليسوا أحرارًا، لا يدفعون ثمن أوامر بعض
الجهات، وأملى أن تنفتح السوق وتعود المنافسة، لا أعلم كيف تخرج السينما من
تلك الكبوة، والضوء في استمرار الفنانين بتقديم الأفلام، أنا مسؤول
كسينمائى عن التفكير في أعمال جيدة، لكنى لست مسؤولًا عن الصناعة، أرفض أن
أكون رقيبًا على نفسى، اتركنى أصور وقصّ كجهاز فيما بعد، وأؤيد التصنيف
العمرى، وضد الجمهور الذي يمارس دور الرقيب.
■ هل يمكن أن تقدم فكرة لا تؤمن بها؟
- هذا خط أحمر بالنسبة لى، ألا أتصدى لمعالجة لا أشعر بها،
السبوبة منهج بعيد عنى تمامًا.
■ ما حقيقة تقديمك مسلسلًا تليفزيونيًا؟
- كان بالفعل هناك مشروع مسلسل، لكنه توقف، بعد كتابة 3
حلقات قررت عدم الاستمرار، واشترطت عدم التصوير على الهواء وأن يكون
السيناريو مكتوبًا بالكامل، ومن الممكن أن أصور العمل كاملًا في 60 يومًا،
شرط أن أكون مُحضرًا له وجاهزًا بكل تفاصيله، أهم من التصوير التحضير.
■ دائمًا ما تواجه أفلامك بأنها لا تحقق إيرادات؟
- هذا أمر غير صحيح، لأننى أحصل على تمويل لأفلامى من جهات
أخرى، لأننى من مدرسة التكلفة المتوسطة، ويتم بيعه للفضائيات، ولا فيلم من
أفلامى خسر، وأكثر فيلم كسب «صبيان وبنات»؛ «سرقات صيفية» لم يكن فيه أي
ممثل معروف وقتها، فبالتأكيد لا أتوقع أن يكسر الدنيا.
■ هل تمنح أبطال أفلامك حرية الارتجال؟
- أمنحهم القدرة على تحسين أدوارهم شرط ألا يذهبوا به إلى
منحى آخر، وأن تخدم العمل نفسه، ويكون ذلك قبل التصوير، ولهم حق أن
يفاجئونى في الأداء أثناء التصوير.
■ هل المنصات الرقمية ستكون بديلة للسينما والتليفزيون؟
- لا أتوقع ذلك، في وقت سابق قالوا إن السينما ستكون بديلة
للمسرح، وبعدها التليفزيون سيكون بديلًا للسينما والمسرح، وهذا لم ولن
يحدث، نعم مشاهدة السينما أصبحت مكلفة، لكنها ستظل لها سحر.
■ صرحت بأنك سعدت بمشاهدة الفيلم الأخير لمحمد رمضان،
لماذا؟
- لأننى شاهدته في سينما ميامى، وتأثرت بحجم الحضور، حينما
التقيت بأحد الشباب وسألنى ما إذا كان البلكون أفضل أم الصالة، كدت أبكى،
لأن ذلك يعكس أن هذا الشاب لم يدخل السينما من قبل، وكنت سعيدًا أنه سيخوض
هذه التجربة وتكبّد عناء المشوار، واعتبرتها إعادة اكتشاف لسبب حبى
للسينما. |