دموع وحنين في يوم تكريم 3 رواد للسينما التسجيلية
والوثائقية بمهرجان الإسماعيلية
إيناس عبدالله:
•
أسرة فريدة عرمان تطالب مسئولي ماسبيرو بالبحث عن أرشيفها
الضائع.. ورئيس المركز القومي للسينما يتعهد بفيلم عن عطيات الأبنودي
•
مطالبة بإنقاذ أفلام أسامة فوزي من التلف
في لحظة وفاء كبيرة لرموز الفيلم التسجيلي والوثائقي، أقام
مهرجان الإسماعيلية الدولي للفيلم التسجيلي والقصير بدورته الـ21، 3 ندوات
لتكريم 3 قامات فنية مصرية كبيرة يحتفي بهم المهرجان هذا العام، وهم
المخرجة عطيات الأبنودي التي تم إهداء الدورة الـ21 لها، والمخرجة فريدة
عرمان إحدى رائدات الفيلم الوثائقي، والمخرج أسامة فوزي.
وشهدت الندوات دموع وحنين من أسر ومحبي وأصدقاء المبدعين
الراحلين الذين اجتمعوا على حقيقة لا تقبل الجدال، وهي أن الفنان لا يموت،
فربما رحل عن عالمنا بجسده، لكن تبقى روحه وأعماله على قيد الحياة أبد
الدهر.
بدأت الاحتفالية بندوة تكريم الراحلة عطيات الأبنودي، بحضور
ابنتها أسماء يحيى الطاهر، وابن شقيقها أحمد السعيد، وسبق بدء الندوة عرض
فيلم "ساندوتش واحد" من بين 25 فيلما أثرت بهم عطيات -الملقبة بـ"سفيرة
الغلابة"- ذاكرة السينما التسجيلية.
وبعد الفيلم، تحدثت أسماء يحيى الطاهر عن أمها المبدعة
الراحلة وقالت: "علاقتي بوالدتي عطيات تمت بالاختيار المشترك حينما كان
عمري 5 سنوات، فعندما جاءت إلينا لتجمع أوراق والدي الراحل (يحيى الطاهر
عبدالله) ولم تكن رأتني منذ أن كنت رضيعة، سألت عني وعلمت أني ابنة يحيى
الطاهر، وطلبت أن تقوم بتربيتي، وظلت تتعامل معي على أني ابنتها ورفضت أن
يطلق في أي مكان أنها تكفلني، ولكن دائما كانت تقول هذه ابنتي".
وتابعت: "لم تكن والدتي لديها أشياء مسلمة في حياتها، ولكن
كانت تتعامل مع حياتها دائما بالاختيار، سواء في العمل أو الحياة الشخصية،
فقد أعطت الجميع درسا أن كل إنسان يستطيع صنع حياته التي يحبها".
وقال أحمد السعيد ابن أخ الراحلة، إنه كان يستقي منها
معلومات عن الحياة، وقامت هي باختياره من بين كل أفراد العائلة ليكون مقربا
منها. وأضاف أنها لم تكن تهتم بالتقاليد وكانت تفعل دائما ما تريد، وتقول
إنها تحلم بمشروع كاميرا ديجيتال لكل مواطن؛ لتصوير يوم من أيامه ليعيد
مشاهدته مرة أخرى، ويجدد حياته.
ثم تحدث أصدقاء الراحلة الذين تعاونوا معها، فحكي محمود
عبدالسميع مدير التصوير، عن أول تجربة عمل جمعت بينهما، وكيف كانت عطيات
الأبنودي تعشق عملها ولا ترضى بأي نتيجة حتى لو اضطرت تصوير الفيلم مرة
ثانية وثالثة، ولو كلفها بيع ذهبها وإنفاق كل ما تملك عليه ليخرج بالشكل
الذي ينال رضاها.
ولم يجد المبدع الكبير هاشم النحاس حرجا في أن يصف عطيات
بأنها "كانت أكثر شجاعة منه".
وأضاف: "عطيات الأبنودي سيدة عظيمة، وهي صفة من الصعب أن ينالها إنسان في
ذهني، فكل مره أشاهد أعمال عطيات يزداد حبي لها ولأعمالها، فهي تعد أشجع
مخرجة في تاريخ السينما التسجيلية، ولم تتنازل يوما عن أفكارها، ونقلت
الفيلم التسجيلي نقله فعلية، واستطاعت تغيير تيار السينما التسجيلية
والتعبير عن أفكارها من خلال مناقشة مشاكل الإنسان المهمش والدفاع عن حقوقه
المهدرة".
كما تحدث عنها كل من المخرج يسري نصرالله، ومدير التصوير
سعيد شيمي، والكاتب خالد منتصر، والناقد كمال رمزي، وأسماء أخرى دفعت
الدكتور خالد عبدالجليل رئيس المركز القومي للسينما -الجهة المنظمة
للمهرجان- أن يعلن للجميع قراره بتكليف المخرج علي الغزولي بعمل فيلم
تسجيلي من إنتاج المركز يجمع فيه شهادات كل هؤلاء المبدعين عن الراحلة
عطيات الأبنودي، ووافق على اقتراح إطلاق اسمها على إحدى قاعات المركز
تكريما وتقديرا لها.
كما أعلن عن استعداد المركز لترميم أفلامها وعرضها في
احتفالية خاصة بها في شهر أغسطس القادم بتونس.
ثم جاء موعد ثاني ندوات تكريم هذا اليوم، وهي الندوة الخاصة
بالراحلة فريدة عرمان، وفوجيء الحضور بصور المخرجة الراحلة تزين القاعة، مع
وجود سيرة ذاتية مزينة بصورتها على كل مقعد، وعرف الجميع أن الإعلامية
جميلة إسماعيل ابنة المخرجة الراحلة هي من تقف وراء هذا الشكل المبهج
للندوة في إطار مشاركتها في تكريم والدتها، وجاءت بصحبة شقيقها وأحفاد
المخرجة الراحلة، كما حضرت أيضا المخرجة إيمان عرمان شقيقة فريدة عرمان،
وكان هناك جو عائلي رائع بالندوة عكس حب وإعجاب الأسرة بهذه القامة الفنية
التي نجحت في تخليد اسمها بحروف من نور.
ولكن فوجيء الجميع بخبر صادم أعلنته إيمان شقيقة المخرجة
الراحلة، حينما كشفت عن أن أرشيف شقيقتها المليء بالأعمال الرائعة والعظيمة
ليس له وجود بمكتبات التليفزيون المصري، حيث كانت تعمل.
وقالت: "واجهت مشكلة أثناء بحثي عن أفلام شقيقتي بمكتبات
التليفزيون، ولم أجد أي فيلم منها"، وتابعت: "طلبت في خطاب رسمي الحصول على
أرشيف فريدة عرمان، فأنا كنت مساعدتها، وقبل انتقالها لمجلة الإذاعة جمعت
لها كل أعمالها على شرائط ديجيتال وتم وضعها في المكتبة التسجيلية
للتليفزيون، وعندما ذهبنا إلى المكتبة للحصول على الأفلام لم نجد إلا فيلما
واحدا فقط من إجمالي 80 أو 90 فيلما، وعليه قررت التقدم بشكوى لرئيس
التليفزيون كي يبحث لنا عن باقي الشرائط".
وتحدث الكاتب الصحفي وائل عبدالفتاح عن فيلم "أفراح مصرية"
للمخرجة فريدة عرمان، والذي تم عرضه قبل الندوة، أنه حينما شاهده وقف أمام
شيئا هاما، وهي غواية التوصيف التي سيطرت على فريدة عرمان والتي ارتبطت
بوجود كاميرا التليفزيون، فهي كانت تحب التصوير والإخراج والمونتاج وظلت
تعمل لآخر نفس في عمرها، وتلك الغواية معتمدة على الأرشيف السياسي
والاجتماعي والفني، وتعتمد تلك الغواية على فكرة إظهار كيف نعيش ونفكر
بعيداً عن التنميط.
وقالت الناقدة ماجدة موريس، إن فريدة عرمان ظهرت في جيل
النساء الأول في التليفزيون المصري، في وقت وصلت فيه سيدات لمواقع قيادية
داخل التليفزيون، وأوضحت أن المخرجة الراحلة كانت تتسم بالابتسامة والصبر
الجميل وكان بها ملامح من فيلم "أفراح مصرية" الذي تم عرضه، وكيف تركت مهنة
الصحافة من أجل التليفزيون، وكان لديها حلم تقديم المجتمع المصري من خلال
أفلامها، وهي كاتبة سيناريو ومخرجة ومونتيرة رائعة، وما ساعدها في ذلك أن
الأفق كان مفتوحا في بداية التليفزيون المصري في توثيق الحياة المصرية، فهي
قامت بإخراج سلسلة أفلام عن العادات والتقاليد وغيرها عن المجتمع، وأخرى عن
المساجد والأناشيد وسلسلة أخرى عن الحضارة المصرية، فهي أكثر مخرجة قدمت
سلاسل من الأعمال التسجيلية على الشاشة.
وقالت موريس: "لم يكن لدى فريدة عرمان أي مشكلة أن تذهب
لمعاينة مكان التصوير أكثر من 5 مرات أو إعادة التصوير أو المونتاج، فكل ما
كان يهمها هو أن تصل رسالتها بشكل جيد للجمهور".
بعد ذلك، تحدثت ابنتها المذيعة جميلة إسماعيل التي توجهت
بالشكر لمهرجان الإسماعيلية على تكريم والدتها، وهو تكريم مستحق على
مشوارها الفني الغني بالأعمال، فهي لديها تاريخ فني مازال هم كعائلة
يتعرفون عليه حتى الآن، وأكدت أن والدتها كانت تعمل وتتعلم حتى آخر نفس لها
في الحياة، وطوال الوقت كان لديها شغف للعمل وتعلم الأساليب الحديثة، وتبحث
عن مواكبة أحدث طرق الإخراج والمونتاح، وكانت لديها القدرة على مواكبة
التطور، وتستعين بأحفادها كثيراً ليساعدونها على فهم كل ما هو جديد، وأوضحت
أن فيلم "أفراح مصرية" الذي تم عرضه قامت بإخراجه في وقت مرورها بمحنة
كبيرة عندما فقدت ابنتها "أميرة"، متابعة أنها كانت صغيرة في ذلك الوقت.
وأضافت أن شقيقها إسماعيل فكر في عمل مؤسسة "فريدة عرمان"
لتشجيع الأجيال الجديدة على العمل الوثائقي، مثلما كانت والدتهم تفكر
دائماً في التواصل مع الأجيال الجديدة.
بعدها تحدث إسماعيل ابن المخرجة الراحلة، وأكد أنه كان
يتمنى أن يكون هذا التكريم في حياتها، سواء من المهرجان أو الدولة، وقال إن
فكرة المؤسسة تقوم على مساعدة الشباب المهتمين بإخراج أعمال وثائقية
ومساعدتهم في تقديم أفكارهم سواء بالمشاركة في الإنتاج أو بالأجهزة
والمعدات، وتحدث عن الجزء الإنساني في حياة والدته، موضحا أنها كانت شخصية
قوية وتصمد أمام أي مشاكل وهموم، وتعرف كيف تخوض معاركها، مضيفا أنه سيكون
هناك تعاون بين المؤسسة والمهرجان في الدورات القادمة.
وأكد الناقد عصام زكريا رئيس المهرجان، أن تاريخ المخرجة
الراحلة كبير جدا، وهي لها السبق في أشياء كثيرة من خلال أفلامها، وقال إنه
سيتبنى اقتراح في جمعية النقاد بعمل برنامج لأفلامها بشكل أوسع، بالإضافة
لتبني حملة للبحث عن أفلامها والحصول عليها من خلال التليفزيون أو من أي
مكان آخر.
وشهدت ندوة تكريم المخرج الراحل أسامة فوزي، عرض فيلم
"إنساني إنساني جدا" الذي أخرجه عام 2009، ويدور حول أمانة وأخلاق طفل
مجتهد يعمل على ميكروباص، ويكافح للتوفيق بين العمل والتفوق في دراسته
ومساعدة أسرته ورعايتها.
حضر الندوة كل من شقيقته عفاف فوزي، والناقد كمال رمزي،
والمخرجة منى أسعد، والمخرج يسري نصر الله، وأدارها الناقد محسن ويفي الذي
قام بتأليف كتاب عن المخرج الراحل، وحرص في بداية كلامه على أن يشدد على
الدور الإيجابي الذي يلعبه مهرجان الإسماعيلية في الاحتفاء بالحاضرين
الغائبين من صناع السينما، ومنهم المخرج الراحل أسامة فوزي، الذي كان
إنسانا مميزا ولديه طاقة محبة كبيرة، كما تحمل أفلامه بصمة إنسانية مميزة.
وأضاف أنه تعرف على أسامة فوزي عن طريق صديقهما المشترك
رضوان الكاشف، منذ أكثر من 30 عاما، وكان قد قدم أول أفلامه "عفاريت
الأسفلت"، وزاره في بيته وتعرف عليه، وتابع: "منذ الوهلة الأولى أخذت
انطباعا جيدا جدا فهو شخص هاديء ومستمع جيد ومثابر".
وأوضح ويفي أنه لم تتح له الفرصة لمعرفته معرفة وثيقة جدا،
خاصة مع موته المفاجئ، ولكنه تأثر به بشدة كما تأثر بأفلامه المميزة، فعرض
على رئيس مهرجان الإسماعيلية فكرة تقديم كتاب لتكريمه وهو ما وافق عليه
فورا.
وتحدث الحضور حول إبداع فوزي في أفلامه، الذي اتفق عليه
الجميع، مستعرضون المشكلات التي واجهته في تقديم أفلامه للمجتمع، والتي
تأثر بها كثيرا، واختلفوا حول وفاته المفاجأة، فمنهم من رأى أنه توفي إثر
إحباطه بسبب محاولات ذبح أفلامه وإطفاء إبداعه، ومنهم من دافع بقوة عن
إيجابية فوزي وروحه البراقة التي تأبى الاستسلام للاكتئاب.
من جانبه، أكد المخرج يسري نصر الله أن السينما بشكل عام
تمر بأزمة احتكار كبيرة، وهو ما تسبب في تقييد إبداع شاب مثل فوزي وعدم
قدرته على تقديم كل ما يحمله في جعبته.
بدورها، طالبت المخرجة منى أسعد بفتح ملف الاهتمام بترميم
الأفلام وأخذ قرارات جادة للحفاظ على التراث السينمائي، خاصة لما تعرضت له
نسخ أفلام فوزي من تلف تسبب في ضياع بعضها، وتوافر نسخ سيئة للبعض الآخر.
واختتمت الندوات بتسليم عصام زكريا -رئيس المهرجان- دروع
التكريم لأهل المبدعين الراحلين والتقاط صور تذكارية معهم.
كما قدمت نقابة المهن السينمائية برئاسة النقيب مسعد فودة،
شهادة تقدير وميدالية فضية إلى شقيقة الراحل أسامة فوزي؛ تقديرا لتاريخة
السينمائي، وقام بتقديمها عبدالحكيم التونسي عضو مجلس إدارة نقابة المهن
السينمائية. |