(منذ ثمانية عشر عاماً كنت ممثلاً ومنتجاً،
كانت حياتي هادئة وبلا
مشاكل.. ثم حدث أن قرأت سيرة غاندي التي كتبتها لوفير فيشر، عندئد
إنقلب كل شيء.. ومنذ ذلك اليوم لم أتوقف لحضة عن التفكير بإخراج
فيلم عن حياة غاندي).
هذا
ماقاله المخرج البريطاني ريتشارد أتنبرو عن مشروع حياته، والذي
تمثل بإخراجه لفيلم
غاندي. ويواصل المخرج "أتنبرو" حديثه، فيقول: (...لمدة عشرين
عاماً، كنت كلما
رفضت أو قبلت العمل في فيلم، أفكر بشيء واحد هو بمثابة معيار، إذ
أنني أتساءل هل
سيساعدني هذا العمل على إخراج فيلمي؟ ولمدة عشرين عاماً تفاوضت،
وطرقت جميع
الأبواب.. رحلت أربعين مرة الى الهند.. وهاأنذا ـ أخيراً ـ أصل الى
غايتي...).
(غاندي ـ 1981)، فيلم تهيأت له كافة
الإمكانيات، فهو نموذج جيد
للإنتاج الهوليودي الضخم، وفيلم ذو رسالة نبيلة وجهها الى العالم
الغارق في كافة
أشكال العنف الهدام.. فيلم يحكي، على مدار ثلاث ساعات، عن حياة
"المهاتما غاندي"،
ذلك الإنسان الرافض للعنف والإنقسامات الدينية، والداعي للمقاومة
السلمية للتحرر من
نير الإستعمار.
نحن أمام فيلم مليء بإعجاب المخرج الشديد لهذا القائد الهندي
الكبير.. إعجاباً يذهب ـ أحياناً ـ الى حدود التأليه لهذه الشخصية،
وهو ما حذر
منه الرئيس الهندي "نهرو"، عندما إالتقى بالمخرج "أتنبرو" في عام
1963، حيث قال
لـ"أتنبرو" أثناء حديثه عن مشروع إنتاج الفيلم: (... أياً كان
فيلمك، فلا تجعل من
الرجل إلاهاً.. لقد كان رجلاً عظيماً، لذا يجب تجنب تأليهه، رغم أن
هذا هو
مافعلناه في الهند...). ورغم هذا التحذير من "نهرو"، إلا أن المخرج
لم يتفاد
إحاطة شخصية "غاندي" بهالة أفقدتها شيئاً من إنسانيتها، وبالتالي
جاء الفيلم ـ رغم
حسناته الكثيرة ـ ناقص الروح.
لقد قدم الفيلم صورة لـ"غاندي.. صورة خلت من
بعض إنسانية البطل، فسلبته بعض من حجمه الحقيقي، وأفقدت الفيلم
حرارة الإتصال
والمعايشة القريبة من هذا الزعيم، والذي نادى بالإتحاد والتسامح في
كل ماقاله
وكتبه.. وتفاصيل كثيرة حجبها "أتنبرو" عن فيلمه، تفاصيل صميمة تخص
حياة الزعيم
الأسطورة، منها ـ على سبيل المثال ـ خلافاته الحادة مع إبنه "هريلال
غاندي" الذي
إعتنق الإسلام وإنشغل في عمليات عقاريات واسعة.. كذلك هاجس العفة
الذي طارد
المهاتما، جسده المخرج من خلال سطرين في حوار سريع على لسان
زوجته.. ولاشيء يذكر
عن الليالي التي كان يقضيها عارياً في فراش فتيات، لتأكيد صموده ضد
رغباته الجنسية ..والكثير
من التفاصيل التي تدخل في صميم شخصية "غاندي" حذفها "أتنبرو" فأفرغ
الشخصية من بعض إنسانيتها مفضلاً شخصية خارقة شامخة ومبسطة.. شخصية
تاريخية
أسطورية
.
وقد رُشح فيلم (غاندي) لإحدى عشر أوسكاراً، فاز بثمان منها، ألا
وهي: أفضل فيلم، أفضل مخرج، أفضل ممثل، أفضل سيناريو، أفضل تصوير،
أفضل
مونتاج، أفضل ديكور، أفضل ملابس.. هذا إضافة الى جوائز الأكاديمية
البريطانية
للفن السينمائي، والتي قدمت له جوائز: أفضل فيلم ومخرج وممثل
وممثلة مساعدة ..للعلم
فإن كاتب السيناريو للفيلم هو البريطاني "روبرت بولت"، الكاتب
المفضل لدى
المخرج الكبير "ديفد لين"، حيث كتب له أفلام لورنس العرب، دكتور
زيفاجو، رجل لكل
العصور، إبنة ريان.
|