في عمود سابق من هذه الصفحة، كنا قد تحدثنا عن المخرج بريان دي
بالما وعن فيلمه
المعصومون، وهنا نواصل حديثنا عن هذا المخرج المهم ونتناول فيلمه
الأهم (سكارفيس
SCARFACE)
الذي أنتج عام 1984. قام ببطولة الفيلم الفنان الكبير
«آل باتشينو»، وكتب له السيناريو أليفر ستون، الذي فاز بأوسكار
أفضل سيناريو عن
الفيلم الشهير (قطار منتصف الليل).
يقدم فيلم SCARFACE
وجهاً جديداً ومعاصراً
لفيلم قديم قدمه المخرج «هوارد هوكس» بنفس
الإسم، وكان هذا الفيلم هو البداية
الحقيقية لأفلام العصابات، إلا أن «دي
بالما» و «ستون» كانا حريصين على أن يكون
فيلمهما الجديد معاصراً. فالفيلم في مشاهده الأولى، يكاد يكون
فيلماً تسجيلياً،
حيث يبدأ ـ وقبل العناوين ـ بوجه الرئيس الكوبي «فيدل كاسترو» يخطب
في جماهير شعبه:
»نحن
لا نريدهم.. نحن لا نحتاجهم»، وهو بالطبع يقصد تلك العائلات
الكوبية
المهاجرة التي تركت الجزيرة الصغيرة وآثرت العيش في أمريكا. 150
ألف كوبي، سمح
لهم كاسترو بالخروج للحاق بذويهم الذين هاجروا الى العالم الجديد..
الى أمريكا .
مع أول مشهد بعد العناوين، تمتلىء الشاشة بوجه توني مونتانا (آل
باتشينو
(وإسم
شهرته «كارا كورتادا» ومعناه «الوجه ذو الندبة»، وهو أحد جبابرة
الإجرام، من
بين 25 ألف مجرم، إعتزم كاسترو التخلص منهم، فكان أن أطلق سراحهم
وقدمهم هدية الى
الولايات المتحدة، مع مجموع المهاجرين. تحقق الشرطة الأمريكية مع
توني بمجرد
وصوله الى جنوب فلوريدا. يعطى ترخيص بالإقامة في معسكر اللاجئين،
بالرغم من أن
إجاباته في التحقيق تنطوي على أكاذيب في محاولة منه إخفاء ماضيه
الإجرامي. وبعد أن
يقتل عميلاً سايقاً لكاسترو، يمنح بطاقة عمل، لتكون جواز العبور
الى الفردوس .
هنا تبدأ التراجيديا المأساوية لصعود مجرم صغير الى عرش إمبراطورية
الكوكايين، ثم كيف هوى. إن توني تتوفر لديه كل الصفات التي تؤهله
لأن يصل الى مبتغاه، الى
هذا العرش. فهو محباً للمال بل أنه يعبده، وهو شجاع وجريء ظاهر
الفتوة.
هذه
الشخصية التي رسمها كاتب السيناريو «أوليفر ستون»، لم يكتبها من
الخيال أو من
خبرته بعالم المخدرات وغرائبه (حيث أن تجربته السابقة في فيلم
«قطار منتصف الليل
«كانت
عرضاً لحياة مهرب مخدرات). أثناء كتابته لفيلم SCARFACE
تقابل مع حماة
القانون (رجال مكتب المباحث الإتحادي) محققي جرائم المخدرات
ومخبري جنايات القتل. هذا إضافة الى أنه ذهب الى الجانب الآخر
الخارج على القانون، إستمع الى أولاد
الشوارع، التجار الصغار، الممولين الكبار.
بل إنه ـ في سبيل إستكمال سعيه بحثاً
عن الحقيقة ـ تابع كيف يصنع الكوكايين،
وكيف ينقل من أدغال أمريكا اللاتينية الى
الضحايا بالملايين. حيث زار جزيرة «بيميني» التي تعد واحدة من عدة
حلقات في سلسلة
تهريب المخدرات بالبحر الكاريبي، وكانت ـ بالطبع ـ مغامرة محفوفة
بالمخاطر .
وهكذا كان هذا الفيلم ثمرة مشقات ومخاطر إحتملها كاتب السيناريو
ليصل الى
واقعيته التي شاهدناها على الشاشة. حتى مشاهد العنف الدموية في
الفيلم قد جرى
تصويرها بأسلوب واقعي، لا يشبه ـ من حيث الشكل ـ أياً من أفلام «دي
بالما» السابقة. فقد أحدث أول مشاهد الفيلم العنيفة صدمة رهيبة
للمتفرج. في هذا المشهد نرى توني
مجبراً على رؤية أحد رفاقه مربوطاً ومكمماً في غرفة إستحمام ـ بأحد
الفنادق القذرة
المطلة على شاطىء ميامي ـ يمزق أمام عينيه شر تمزيق بواسطة منشار
كهربائي. إنه
حقاً مشهد عنيف جداً، كان سبباً في قرار الرقابة الأمريكية الى قصر
مشاهدة الفيلم
على الكبار فقط. وقد راعى دي بالما ـ عند إخراج هذا المشهد ـ أن
يكون منطوياً على
شخصية مهولة من العنف، غارقاً في كمية هائلة من الدم بحيث يكون له
وقع الصدمة
الداهمة على المتفرج، يعتاد بعدها على مذاق الفيلم بكل ما فيه من
مشاهد تزدحم
بالعنف الدموي. فالمتفرج من بعد هذا المشهد ـ وطوال ساعات الفيلم
الثلاث ـ لا يهتز
ولا يصدم لجثث القتلى المبعثرة والدماء المتناثرة. لا يفزع عندما
يقرر توني أن
يقتل غريمه ومنافسه على عرش الكوكايين.. لا يفزع عندما يقتل رفيقه
«ماني» لمجرد
إنه عاشر شقيقته «جينا».. لا يفزع عندما يمسك توني بمدفع رشاش
ويصوبه الى قلبه
لينطلق منه وابل من الرصاص وينهار به الديكور وينتشر الدمار في
مجمل القصر، بعد
معركة حامية الوطيس مع الفرقة الإنتحارية البوليفية التي أرسلها
أباطرة الكوكايين
للخلاص من توني
.
بعد هذا الختام الدموي، يصل الفيلم برسالته الى المتفرج. فهو
يشجب مجتمعاً مريضاً بالطموح والنجاح، والعنف فيه قد أصبح وسيلة
وغاية، حيث جعل
من توني مونتانا وطموحه المجنون للسلطة والمال عبرة الزمان .
|