في يوم من
أيام 1997، ها هو فريد رمضان ينهي سطر حكايته الأخير، يجمع حكايته في أربع »نسخ«،
تذهب لناقد، شاعر، صديق، أما الأخيرة، فتصل للمخرج بسام الذوادي، وعند الأخير تبدأ
الحكاية.
لا
أمل لفريد في أن يرى سيناريو حكايته، يقول »كتبتها خارج اعتبارات الزمان والمكان،
أنا هو (أنا)، كيف أدرك الأشياء وأتذكرها، كتبتها من دون أن يكون في مخيلتي أن أبحث
عن فرص ظهور ما كتبته كفيلم يراه الناس من تلك الشاشة«.
كان فريد ينتظر من
صديقه الذوادي ردة فعل، وكان بسام مصراً على أن يأخذ الحكاية، يقول »أريدها« بقوة،
فريد يسأل: لماذا يا بسام؟! حكايتي لن ترى النور؟ يقول بسام: »لطيفة - إحدى شخصيات
الفيلم - هو اسم أمي«! وتبدأ من حب المخرج البحريني بسام الذوادي لوالدته،
الحكاية.
ينتقل المشهد إلى العام 2006، ولا ندري أية تيمة موسيقية سيضعها
محمد الحداد على هذه النقلة، ها هو فريد يشاهد فيلم »حكاية بحرينية« قبل أن يعرض
على شاشات السينما. يبكي، يبكيان معا حلمهما الذي تحقق، حكايتهما التي ما كانت لترى
النور في منتصف التسعينات، لكنها اليوم حقيقة. أضاع الرجلان بوصلة البكاء لهنيأه،
أيبكيان الحكاية »الحلم«، أم يبكيان حكايتهما معها؟!
في مبنى »الوسط«... البحرين فخورة بكم
»البحرين
فخورة بكم،
أهلاً بطليعة ومبدعي ونجوم الإنتاج السينمائي في (الوسط)«، يقول ذلك رئيس التحرير
منصور الجمري في حفل تكريم »الوسط« لطاقم »حكاية بحرينية«. ويضيف »من الممكن أن
تنطلق بكم جميعاً إضافة جديدة للثقافة والإعلام، عبر مَن يكتُب، وبمن يُنتج، ويخرج،
ويمثل. ولا نملك إلا أن نشكر جهود المستثمرين خميس المقلة وأكرم مكناس وغيرهما ممن
ساهموا في هذا العمل، نحاول اليوم أن نشكركم على ما قدمتموه للبحرين، وأن نساهم
معكم بما نستطيع أن نساهم...«.
يبدو »حكاية بحرينية« أكثر من مجرد حكاية، تقول
الفنانة مريم زيمان: »يحتاج إنتاج مثل هذا العمل، إلى أناس يحبون البحرين، ويبحثون
عن النوعية...«. رجل الأعمال البحريني خميس المقلة يرى أن شركة البحرين للسينما
قرأت »حكاية بحرينية« بوصفه فرصة كبيرة للبحرين لتنشيط جانب من الجوانب الإعلامية.
ويضيف »نؤمن بإبداعات أبناء البحرين، وأن علينا دعمها وتشجيعها، أبهرني الأعزاء حين
شاهدت العرض الأول، مبدعونا يستحقون الدعم والتشجيع، وهذه وظيفتنا ووظيفة الصحافة،
شكراً لـ (الوسط)«.
يعتبر مخرج الحكاية أن رحلة البحث عن الممول، والتي انتهت
لعمل مؤسساتي كبير وضعته أمام مسئولية كبيرة، اضطر بسام هذه المرة لتقديم ما هو
مختلف. إنه مُنتَج سينمائي يعدِل »البحرين« في حقبة من حقبها التاريخية. كانت
الرحلة طويلة وشاقة، أعد لها بسام بخلاف طاقمه الكبير من الممثلين والفنيين 400
ورقة إعداد فني، ولم تكن كافية أمام تلك الدقة التي بدت واضحة على كل من ساهم في
إنتاج هذا العمل.
كان الذوادي في عمله يبحث عن احترام الناس. وعليه، تغير
المكان مرات، وكان على رمضان أن يبعث للحياة أبطال حكايته من جديد. الأخير يعتبر أن
المدة الطويلة بين الإعداد والتنفيذ أضافت إلى العمل تراكم خبرته وتطور تجربته
شخصياً، لا ندري من منهما كان يعكس تجربة الآخر، »هو«، أم الحكاية
نفسها.
زيمان الخروج من الحكاية... وعبدالرحيم لداخلها
شاهدت مريم
زيمان في صغرها، من شاشة نافذتها تحديداً الجنائز الوهمية للرئيس المصري الراحل
جمال عبدالناصر. كانت طفلة بريئة، كبراءة ملامحها التي مازالت تشي بالحب، أتاح
»حكاية
بحرينية« لزيمان أن تخرج لمشهد طفولتها، إلى ما بعد نافذتها، أتاح لها أن
تعود إلى سنوات تعرفها، إن أجمل إحساس تهديه لامرأة، هو أن تعود بها لطفولتها، فقلب
الأنثى »طفل« صغير لا تستطيع مقاومته.
»كانت
أمنية من أمنياتي أن تعود تلك
الفترة التي تعج بها ذاكرتي أمامي، تعود أيما عودة، برنامجا، تمثيلية، لكن أن تعود
فيلماً سينمائياً، فمعناه أن تكتمل لحظتي الخاصة، وذلك ما لم أتوقعه، لقد عشت
الحكاية حكايتي، بذاكرتي أنا، قبل أن أقوم بأدائها كممثلة...«، تقول ذلك زيمان،
وتتذكر صوت أخيها حين أتى معلناً وفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر، سمعته زيمان »مرتين«،
من نافذتها وهي طفلة، وفي »حكاية بحرينية« مرة أخرى، لكنها لم تتأكد بعد،
من منهما أتى قبل الآخر؟
تعتبر زيمان أن تلك الفترة الزمنية احتوت بعداً
إنسانياً خاصاً، قد يهمل إذا ما حصرنا اهتمامنا بـ »السياسي« فقط. »كان الحب
ممنوعا، كانت إنسانية الإنسان نفسه ممنوعة«، وكان لزيمان في »حكاية بحرينية« أن
تنتقم لذاكرتها المجروحة من جهة، وكان لفاطمة عبدالرحيم أن »تتعلم« فنون الهتافات
والمظاهرات من جهة أخرى. تبدو »السُكَّرَةُ« مهووسة بمشاركتها، ولا تسهب في الحديث
عن سعادتها بالمشاركة في الفيلم. عوض ذلك تقول لبسام الذوادي - ممازحة - »إياك أن
تخرج فيلماً جديداً ... بدوني«.
»حكاية
بحرينية«... الحفاظ على الذاكرة
يحاول بسام الذوادي
في »حكاية بحرينية« أن يحافظ على ذاكرة البحرين، يقول: »الحياة بالنسبة إلي سينما،
بالنسبة إلي وإلى فريد رمضان فإن السينما هي (ذاكرة الناس)، الموضوع (السياسي) أخذ
حيزاً كبيراً من قراءة هذا التاريخ، ونحن نعود إليه الآن لنحافظ عليه«. وإذا كان
دور السينمائي أن ينقل التاريخ، فهي مهمة يصفها بسام بـ »الصعبة«. يريد مخرجنا أن
يعرف السينما بـ »الأمل«، ويرى أن قتل »السينما« هو انتهاك لـ »الأمل«، وكان بذلك
يعلق على النقد الذي يستهوي »القتل«.
بالنسبة إلى السيناريست فريد رمضان، يبدو
الأمر أكثر تعقيداً، ولعله تورط في حكايته بحكايات أخرى، لِمَنْ مِنَ شخصيات »حكاية
بحرينية« يريد رمضان أن ينتصر؟ هو لا يدري، فلم نطرح السؤال إن كان يقول لنا في
حديثه »بعض الشخصيات، رسمتها كشخصيات ثانوية أو مكملة، ولم أتخيل حينما شاهدت العرض
الأخير قبل العرض الأول أنها ستؤثر فيَّ بهذه الصورة. لقد بكيت لشخصية ثانوية،
وللعمل بأكمله«. ألم أخبركم أن »حكاية بحرينية«، هو حكاية من أنتجوه، ولعله حكاية
من يشاهده؟
الهوية التي... تعود دائماً
تعج الفترة التاريخية للفيلم
نهاية الستينات بالحوادث والأفكار، وليست الصعوبة فيما تكتب، الصعوبة بالنسبة إلى
فريد رمضان هي كيفَ تكتب، وبأي طريقة.
زاخرة ذاكرة فريد، مزدحمة بالحوادث
والحكايات، لكنه »نخبوي« مشغول بالناس، وبهويتهم أكثر وأكثر. تشغل فريد مسألة
الهوية، وينتصر خميس المقلة للحديث عن الهوية، يراها أتت في سياقها الحاضن، عربية
إقليمية بذاكرة واحدة. ويحاول فريد في مشروعه - الذي لايزال يسير في مسألة الهوية
في رواياته الثلاث وسيناريوهاته الثلاثة أن يدخل هذه المنطقة، أن يفككها، أن يقدمها
مع بسام في قالب »مفهوم«، و »مسالم«.
وكان لـ »حكاية بحرينية« أن يكون أكثر
أعمال رمضان نضجاً، فقد نما العمل معه، يقول فريد: »مستوى النضج وتأكيد موضوع
الهوية أصبح أكثر اكتمالا ودقة في الحكاية«، ويشترط الرجل في اكتماله حاجة ملحة،
ترى أية حاجة هذه؟ يقول فريد: »محتاجون إلى الإنصات إلى الآخر«.
محمد الحداد... بوصفه إنسان موسيقى
كان محمد الحداد طفلاً
في مشاركته الأولى مع الذوادي في »الحاجز«، هو يقول ذلك. لكنه يبدو كبيراً جداً في »حكاية
بحرينية«، والمختلف بحسب الحداد هو »الحرية«. أدرك الذوادي أن الحداد هو ابن
للحرية نفسها. أعطاه مساحات الحرية والثقة، وكان للصغير أن يكون أكبر مما كان
الجميع ينتظر، الممثل القدير يوسف بوهلول ينتصر لهذا الرأي، ويبدي حماسة في
ذلك.
وضع الحداد لكل شخصية »ثيمة« موسيقية خاصة، وكانت لثقة بسام به، أن تجعله
مصراً على أن يترك بصمته الخاصة، يؤكد الذوادي أنه وضع ثقته في من يستحق، وكان
للموسيقى أن تتحصل على »السلطة«. وضع
الحداد موسيقاه على الحوادث قبل أن يراها،
وليس في ذلك »عيب« يقول محمد ذلك، ويؤكد »نجحنا، كانت تقديراتي في مدة المشاهد
الساخنة دقيقة، ما خلا بعضها«. كان الذوادي يدرك أهمية أن يترك لكل فنان ومشارك في
الفيلم مكانه في الحكاية، وكان للحداد أن ينجح ذلك.
يوسف بوهلول: بسام يحفر في الصخر... لقد نجحنا
الفنان
القدير يوسف بوهلول توقع لهذا العمل أن يكون ناجحاً، فعوامل النجاح برأيه متاحة،
يقول نجمنا - الذي لم ينسَ أن يوضح ما يلاقيه من إزعاج لأدواره الشريرة من معظم
مشاركاته الفنية - إن »المخرج بسام الذوادي مخرج مميز يحفر في الصخر، والمؤلف
الرائع فريد رمضان هو نموذج للكاتب المميز، الزملاء والزميلات في التمثيل مريم
زيمان فاطمة عبدالرحيم جمعان الرويعي، المصورون الفنيون، كلهم عناصر نجاح
مؤكدة...«. ولن ننسى يا يوسف أن نخبرك بعامل نجاح آخر لم تذكره، هو »أنت«.
يوسف
بوهلول أثبت علو كعبه كممثل قدير، ليس هذا النجم صنيعة »المصادفة« فلقد أثبت مدى
اتساع إمكاناته في أكثر من عمل. يوسف كان مهتماً بالتداخل على رغم حضوره المتأخر،
وكان يرسل كلمات الثقة بـ »حكاية بحرينية« بطريقة واضحة، ويقول: »لقد توافرت شتى
عوامل النجاح، ولقد نجحنا والحمد لله«.
ما بعد »حكاية بحرينية«... لا ما قبلها
يحتاج رجل الأعمال
خميس المقلة وأصدقاؤه للمسير في أحلامهم إلى أفكار جديدة، يفكرون في الانطلاق
لأسواق جديدة، ويسعى أبطالنا إلى الدخول للمساهمة في الرأي العام الذي تُشكله
»السينما«
اليوم.
لا يفكر المقلة في الربح السريع، يبدي وشركاؤه، استعدادا
للمساهمة والاستثمار ويرى أن ثمة مكانا للفرص، وأن المشاركة بـ »الحكاية« في مهرجان
دبي السينمائي، والتطلع لما بعده إقليمياً ودولياً أمر ممكن، ويحلم الذوادي بـ »كان«
الفرنسية، وتضع زيمان شرطها »النوعية«، فيوافقها الجميع.
ويؤكد المقلة أن
الشركة ستنتج أفكاراً جديدة، وأن الطموح لايزال في بدايته. يقول المقلة ورفاقه ذلك،
من دون أن يعلموا أننا نضعهم اليوم في مسئولية لا يستهان بها، نريد منهم أن يدركوا
جميعاً أننا لا نقرأ »حكاية بحرينية« بوصفه تجربة، بل نضعه كفاصل بين أمسنا واليوم،
فأي مسئولية تلك التي نلقي بها عليهم، وبماذا سيكون ردهم علينا. نترك لفريد كتابة
هذا الرد، وللذوادي إخراجه، ولمريم زيمان وفاطمة عبدالرحيم ويوسف وجمعان الرويعي أن
يرسموه لنا، وخميس المقلة وأكرم مكناس أن يساهموا فيه، فنحن نثق بهم، وحقوقهم على
البحرين وعلينا »حقوق محفوظة«.
الوسط البحرينية
في 7 ديسمبر 2006 |