عاشق للتمثيل إلي حد الجنون, يتقمص شخصياته الدرامية بصورة مذهلة, وتري ذلك عندما يمشي ويتكلم أو نظرة ذهول أو ابتسامة مصحوبة بنوع من الكسوف, أو حين تدمع عيناه في لحظات الفرح.. إنها عبقرية تمثيلية ربما تفوق عملاق هوليوود جاك نيكلسون في القدرة علي اللعب بالشخصية حين يتماهي معها في حوار داخلي يعكس قدرة فائقة نابعة من تلك الموهبة التي يحملها بين جوانحه. كل ما مضي ليس من فرط خيالنا, لكنها شهادات حية سطرها أبناء جيل أحمد سبع الليل أقصد أحمد زكي الذي قدم لنا أروع ما فيه من طاقة إبداعية استحقت تلك الشهادات التي نرصدها في ثنايا التحقيق التالي: في البداية يقول سعيد شيمي, مدير التصوير, لم أحب فيلما من أفلامي كما أحببت البريء وربما هو أحب فيلم لكل العاملين به وقتها فهو يحمل شجنا خاصا لي وحبا حقيقيا في نفسي لا أعلم سره ولكن هذا الحب ظهر علي الشاشة, فقد كان المخرج عاطف الطيب في أعظم حالاته الفنية تألقا. وأتذكر أول يوم تصوير في الفيلم حين بدأنا العمل في إحدي القري وأثناء أخذ لقطة للأم في الحقل وهي تعمل مهمومة لمحت من بعيد عسكريا قادما, فقلت لعاطف: بص يا عاطف هذا العسكري يكاد يكون مثل شخصيتنا أحمد سبع الليل في الفيلم ورويدا رويدا يقترب العسكري لنكتشف إنه أحمد سبع الليل هو أحمد زكي, وقد تقمص الشخصية بشكل مذهل في المشية وحركة الجسم وضرب أرجله بالحذاء الميري في التراب وبالرغم من أنني صورت عددا من الأفلام لأحمد زكي قبل وبعد ذلك إلا أنني أجده في هذا الفيلم قد تفوق علي نفسه, وفي أي وقت أشاهد الفيلم يزداد إعجابي فهو يتساوي إن لم يزد في عبقريته في التمثيل مع الممثل العالمي جاك نيكلسون ولاحظوا أثناء مشاهدتكم له في هذا الفيلم كيف يمشي أحمد زكي؟ وكيف يتكلم؟ وكيف ينظر نظرة الذهول أو نظرة الكسوف أو نظرة عدم الفهم أو نظرة الفرح؟ لاحظوا كيف يطور كل شيء يحمله علي قدميه إلي شخصية حقيقية أذكر في مشهد سجنه داخل الزنزانة مع ممدوح عبدالعليم وإطلاق الثعابين عليه أثناء اندماجه أمسك الثعبان وشده وملصه من جلده أمام الكاميرا ولكني لم أتحمل المنظر فأغمضت عيني التي أصور بها اللقطة ولم أرها إلا وهي مركبة في سياق الفيلم. ويقول خيري بشارة, تجربتي مع أحمد زكي, ذات خصوصية شديدة, فهو بلاشك يقع في دائرة الممثلين الذين تنشأ بينك وبينهم كيمياء, كان فيلم العوامة70 أول فيلم يوضع فيه اسمه كأول اسم في التتر وكانت هذه مغامرة بالفعل صحيح إنه لعب معي دورا صغيرا في فيلمي الأول الأقدار الدامية لكن كانت بدايته الحقيقية في العوامة70 وأحمد كان بالنسبة لي ولجيلي كله الوجه واللسان والهيئة التي نريدها في الممثل, كنا نريد أن نصنع منه بطلا يحل محل البطل النجم الذي كان سائدا في السينما التي كانت قبلنا, والعوامة70 كان المخبر الذي أطلق عفويته الكامنة, خاصة أن الفيلم كان عبارة عن سيرة ذاتية في جزء منه, وكان تعبيرا عن الرغبات غير المتحققة لجيلنا كله والذي كان هو أحد أفراده, فخرج تعبيره عن الإحباط والهزيمة بتفهم عال كما أتصور, كانت مشكلتي مع أحمد بعيدة عن موهبته أو ذكائه, مشكلته أنه عنيد ويأخذ وقتا طويلا لكي يقتنع وأعتقد أن هذا من حقه, ولكن في كثير من الأحيان أشعر بالاستهلاك النفسي مع هذا الأسلوب, فمثلا في فيلم كابوريا أدت معايشتي للملاكمين في الأحياء الشعبية إلي ملاحظة أن لهم طريقة في قص الشعر وهي القصة التي ظهر بها أحمد في الفيلم, وفي البداية رفض أحمد هذا الشكل وكان مصرا علي موقفه فما كان مني إلا أن أحضرت له الحلاق إلي الفندق ووضعته أمام الأمر الواقع. أما المخرج علي بدرخان فيقول لقد عملت مع أحمد زكي عددا كبيرا من الأفلام مثل شفيقة ومتولي ـ نزوة ـ الرجل الثالث ـ والراعي والنساء ولا أستطيع أن أقول عنه سوي إنه مجنون بالتمثيل إذا تحدثت معه تحدث إليك وهو يمثل لك ما حدث بالأمس, وإذا كان مرتبطا بفيلم معين أخذ يتحدث عن الشخصية أو بالشخصية ويأخذ آراء المقربين إليه فيها وفي ملابسها والإكسسوار الذي اختاره لها, عندما أعمل معه أعطيه السيناريو وأطلب منه أن يكتب لي ملاحظاته, أحيانا يكتبها بدون تفسير, كأن يقول إن هذا المشهد مثلا دمه تقيل أو عندما أقرأ المشهد ربما اكتشف فعلا مشكلة فيه قريبة من المعني الذي قاله أو علق به, أحمد زكي يعيش الشخصية24 ساعة في اليوم, من الممكن أن يتصل بي في الفجر ليضيف تفصيلة ما فمثلا مشهد الفأر الذي يخرجه من بين فخذيه في فيلم الراعي والنساء هو الذي تخيله, أيضا مشهد الضابط في نهاية فيلم نزوة هو الذي تصوره, هكذا هو يعيش الحالة تماما وهذا هو أسلوبه. ويتذكر محمد خان أول لقاء مع أحمد زكي قائلا: أول مرة شاهدته كانت من خلال مسلسل الأيام وبعد ذلك شاهدته في مرة خاطفة في مكتب الفنان محمود ياسين, ولم نجلس معا لكن شئيا ما بداخلي قال لي إنه ممثل جيد, وأحمد كممثل يعشق أن يستفزه المخرج, وعندما يستفز في مناطق معينة يخرج بالأداء الجميل الذي أريده, دائما علي أن أتحداه خاصة في قدرته كممثل وهو يحب أن يعارض طول الوقت وهذه مشكلة أو أحيانا تصبح مشكلة حقيقية فمثلا في أحد مشاهد فيلم أحلام هند وكاميليا كان يفترض أن يقفز أحمد من النافذة ليدخل إلي الحمام حيث سيري عايدة رياض, وهي في الحمام مضروبة وعندما طلبت منه القفز رفض وتحديته بأنني سأقفز وعندما قمت بالقفزة بشكل ليس جيدا انفعل هو وقفز ليثبت لي أنه أفضل مني ويستطيع أن يفعل ذلك لكنه أحيانا فعلا لا يسمع الكلام, في أحد مشاهد فيلم موعد علي العشاء كانت يده في لقطة ما تظهر بوضوح وهو كوافير فطلبت منه أن يقص أظافره أكثر من مرة ولكنه لم يفعل واللقطة ظهرت فيها أظافره الطويلة بوضوح, وفي نفس الفيلم كان عندي مشهد المشرحة وكان عندي أحمد زكي وسعاد حسني وكل منهما يمثل مدرسة في التمثيل لكل منهما طريقة مختلفة في التعامل, ورغم صعوبة مشهد المشرحة إلا إنه صور مرة واحدة فقط ولم يعد تصويره وهذا نادر جدا, يومها كانت معي كاميرتان والمكان كئيب جدا وسعاد كانت جالسة تأكل سندويتش وتشرب كوكاكولا, لكي تداري توترها وجاء أحمد فقلت له لديك خياران إما أن أضعك في درج المشرحة وهنا يصبح المشهد قويا أو أضعك علي الرخامة في الخارج وسيكون هذا شيئا عاديا وكنت أحاول بهذه الطريقة أن أستفزه وأتحداه وكنت متأكد أنه سيختار أن يوضع في الدرج من الداخل وبالفعل أحضرنا له كولونيا, أما سعاد فشرحت لها ماذا عليها أن تفعل كان عليها أن تنادي شكري وهو اسم أحمد في الفيلم, وهي تبكي ثم تلمسه, وفوجئت بها تقول لي لا لن ألمسه, قلت لها حتلمسيه يا سعاد, قالت لا أشعر أنني سألمسه, قلت لها نصور وسنري ماذا سيحدث وضعت كاميرا علي مسافة متوسطة والكاميرا الأخري علي مسافة بعيدة وبدأنا وبالفعل لمسته سعاد بل إنها أمسكت به وأخذوا يجذبونها ووقعت ثم قامت ورغم جمال المشهد إلا أنني اضطررت إلي اختصار جزء كبير منه في المونتاج, ومن قوة أدائها كان السيناريست بشير الديك يقف بجانبي ويبكي وتلقائيا وجدتني أصرخ بإيقاف الكاميرا ولا أعرف حتي الآن لماذا فعلت ذلك, عرفت بعد ذلك أن أحمد بالداخل كان متوترا جدا وكان المكان حوله مظلما ولم يكن به سوي ثقب صغير يدخل منه شعاع النور ورغم هذا تحامل علي نفسه من أجل أن يخرج المشهد قويا. يؤكذ المخرج داود عبدالسيد أن أحمد زكي ينتمي لجيل مهم في تاريخ السينما المصرية ويقصد تحديدا علي مستوي التمثيل, فجيل أحمد زكي يختلف في أسلوبه التمثيلي وتطويع أدواته عن الأجيال التي تسبقه والتي تليه. وهو من الفنانين القلائل في تاريخ السينما المصرية الذي وازن بين النوعية التجارية والفنية فهو قدم العديد من الأفلام الفنية ذات المستوي العالي جدا ونفس الحال في الأفلام التجارية, ولكن أنا شخصيا أفضله في الأفلام الاجتماعية. وعن تجربته معه في أرض الخوف بالفعل ما أنجزه أحمد زكي من شخصية يحيي التي صغتها علي الورق كان مرضيا بالنسبة لي, لم يحدث أي خلاف بيننا أثناء التصوير, ولكنه كان دائم التوتر والقلق, وكثيرا ما كان يخرج توتره هذا في نقاش حاد مع أحد العاملين ولكن بعيدا عن الطاقم الأساسي للفيلم وأقصد مع الإنتاج مثلا, لأنه في نفس الوقت كان حريصا علي أن يبعد هذا التوتر عن الممثلين أمامه أو المخرج ومدير التصوير. وقد يكون هو من نوعية الفنانين الذين يحبون أن يعيشوا هذه الحالة من التوتر والقلق خاصة وأنه دائما ما يعمل علي الدخول في أدق تفاصيله الشخصية, وأقصد جوانياتها حتي يستطيع تجسيدها بأقصي درجة صدق ممكن. بالتأكيد كان يحدث وأن يقترح بعض التفاصيل للشخصية قبل التصوير, وإذا وجدتها لصالح الشخصية كنت أوافقه فورا مادام الاقتراح لصالح العمل والشخصية. ويري شريف عرفة أن أحمد زكي مدرسة في الانغماس التام في الشخصية الدرامية, وهذا في كثيرمن الأحيان يسبب مشكلات له وللفيلم حيث إن نسبة الاحتراف في أداء أحمد زكي بسيطة جدا فهو لا يدخل ولا يخرج من الشخصية الدرامية بسهولة, مشكلته إنه في كل مرة يتحول تماما إلي هذه الشخصية وهذا خطير لأن عدم وعيه هذا بموقعه الحقيقي كممثل قد يجعله يفقد السيطرة علي الأداء, وأعتبر زكي الوجه الآخر لعدم سيطرة الممثل علي شخصيته الأصلية لحساب الشخصية الدرامية, لكن المحصلة النهائية في أدائه أنه تلقائي بحيث لا يمكن أن يشك المشاهد في أن الذي يتحرك أمامه سوي بواب عمارة أو قاتل من الصعيد أو عسكري في الأمن المركزي, وتلقائية أحمد هو الذي يصنعها يبحث عنها ويشكل تفاصيلها فهي تلقائية محسوبة وليست عشوائية, والحقيقة أنه فاجأني في فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة الذي قمت بإخراجه لأن الشخصية كانت مختلفة تماما عن المساحة التي لعب فيها أحمد حتي ذلك الفيلم, فالشخصية لرجل في الخمسينيات شديد الطيبة والنبل والنزاهة وشديد الحب والتعلق بإبنته المراهقة ومع ذلك كان أداؤه مذهلا وهذه ميزة فيه, إنه ممثل غير متوقع يفاجئك بأدائه طوال الوقت, أذكر مثلا في أحد المشاهد بينه وبين أمه سناء جميل يقول لها إحنا كبار قوي يا أمه بس إحنا اللي مش شايفين نفسنا هذه جملة حوار تحتاج إلي إحساس معين ينعكس علي الوجه وينعكس في نبرة الصوت وربما أيضا ينعكس في حركة يد بسيطة, وفوجئت بأحمد يقولها بمنتهي البساطة وبمنتهي التركيز في الوقت نفسه, وأتصور أن ممثلين آخرين كان من الممكن أن يقولوها بحدة بنبرة صوت عالية وكأنهم يضعون تحتها خطوط حمراء وهذا يؤكد كم هو ممثل لديه قدرة حقيقية علي التلوين. ويقول المخرج سعيد مرزوق لم يحدث أنني تعاونت مع أحمد زكي في أي من الأفلام لكن من زمان ومنذ شاهدته وأنا معجب به جدا وأذكر أنني أثناء تصوير فيلم الخوف لنور الشريف وسعاد حسني كان هو يمثل دوره في مسرحية مدرسة المشاغبين فكان ينتهي من العمل ويحضر لي في أماكن التصوير, وأذكر أنني تنبأت له بمستواه حيث قلت إنه سيصبح واحدا من قلائل مميزين في عالم التمثيل وفي رأيي فإن ملعبه الحقيقي هو نجاحه التام في التقمص هو يدخل الشخصية إلي حد التماهي معها لا يكتفي فقط بأن يرتدي روح هذه الشخصية إنه يصبح هي نفسها. ويؤكد رأفت الميهي أن أحمد زكي أفضل ممثل في العالم العربي وهو لا يستطيع أن يعيش إلا من خلال التمثيل مثله مثل السمكة التي لا تستطيع الحياة خارج المياه وهو أشبه بالحصان الجامح الذي يحتاج إلي جوكي بمعني مخرج قوي يفهمه ليضبط أداءه ويخرج منه جواهر الأداء. وفي النهاية يقول عادل أديب, أحمد زكي هو الذي منحني الفرصة الأولي لإخراج فيلمي الأول هيستيريا وأصر علي وجودي في الفيلم حيث كان السيناريست محمد حلمي هلال ومنتجة الفيلم ناهد فريد شوقي رافضين منذ اللحظة الأولي قيامي بإخراج الفيلم وكانا يضعان كل العراقيل التي يمكن تخيلها لي وقت التصوير وكان أحمد زكي يساندني بقوة ويقول لي دائما اسكت واشتغل لأنه كان يعرف ما يفعلانه جيدا* الأهرام العربي بتاريخ 19 مارس 2005 |
أبناء جيله من المخرجين: عاشق التمثيل إلي حد الجنون تحقيق ـ أحمد السماحي |
النمر الأسود.. هل يرفع الراية البيضاء؟ تدهور خطير في حالته واستدعاء والدته من الشرقية أحمد زكي كتب سيناريو جنازته.. كاملاً سمير الجمل عند الثانية ظهر أول أمس.. دخل الفنان أحمد زكي مرحلة جديدة.. استدعت إعلان الطواريء بمستشفي دار الفؤاد.. وعند السابعة من مساء نفس اليوم تم تركيب أجهزة التنفس الصناعي له.. وانتشر الخبر.. واستسلم الجميع بما فيهم الفريق الطبي لمشيئة المولي سبحانه وتعالي فالحالة خرجت عن السيطرة. وبعد ماراثون رهيب من المقاومة سقطت الراية البيضاء.. من يد النمر الأسود ودخلت في عيبوبة.. وكان في صباح نفس اليوم قد خرج إلي الحديقة مع سمير عبدالمنعم ابن خالته وجلس تحت الشمس وأطلق بعض النكات وداعب من حوله.. بروح مطمئنة.. وكثيراً ما كان يبحث عن هيثم.. ابنه الوحيد في كل لحظة.. وقبل أن يتم منع الجميع من دخول غرفة العناية المركزة.. معه. وتوافد العشرات من الفنانين والفنانات علي المستشفي.. ووصلت والدته من الشرقية عند الفجر. سيناريو الجنازة وفي الأيام الأخيرة كان يناقش كل شيء.. حتي أنه كتب شفوياً سيناريو جنازته وأن تنطلق من عمر مكرم وأن يكون العزاء بمسجد الحامدية الشاذلية.. وأن يدفن في مقبرته ب 6 أكتوبر التي سبقه إليها زميله المرحوم ممدوح وافي وافتتحها قبل صاحبها وسبحان من له الدوام. إلي حد كبير طهره المرض اللعين من أوزاره البشرية.. وبلغ معه حد الشفافية وأمر بصدقات وهبات عديدة للفقراء من حوله بأشكال مختلفة ويشهد علي ذلك عمال المستشفي.. في تنظيف الغرف أو المصاعد.. حيث كان يطل عليهم.. بمقعده المتحرك وهو يفلت من عذاب النوم المتصل في الغرفة إلي شمس الشتاء.. والهواء النقي.. في فناء المستشفي.. أو حديقة الفندق المجاور. مواجهة شرسة الأطباء منذ اللحظات الأولي لمرضه في فبراير 2004 لم ينكروا أنه السرطان القاتل لا محالة.. وأنها مسألة وقت.. ولأنه واقعي مع نفسه.. ومع مرضه.. أخرج له لسانه.. وقاوم بكل ما يملك.. ودفعته دعوات الملايين دفعاً.. لكي يحقق الجزء الأكبر من فيلم "حليم" وساعده علي ذلك وجود مخرج متمكن واستثمر كل لحظة لوجوده في البلاتوه بأكثر من مرة.. حتي لا يرهقه بالإعادة.. وما تبقي من مشاهد يمكن الاستعانة فيها بهيثم ابنه.. والمسألة محسوبة كما قال القائمون علي الإنتاج.. وبالاتفاق معه وبرضاه كاملاً بل إنه طلب تصويره في المستشفي ورفض عماد أديب بعد أن تغيرت ملامحه.. وتوغلت الخلايا الملعونة في أجزاء متفرقة من جسده.. حتي أن زيارة الدكتور ياسر عبدالقادر الأخيرة إلي باريس تمت لجبر الخاطر ورفع المعنويات ليس أكثر وكان أحمد "الذكي" يعرف ذلك.. ولا يناقشه.. وينتظر قضاء الله وقدره بكل الرضا. جلسات طويلة جمعته مع محاميه لبيب معوض لكي يرتب أموره المادية.. مع هيثم في المقام الأول.. ثم مع المقربين منه. المفاجآت في أشد لحظات مرضه.. كان يوصي سمير عبدالمنعم ابن خالته بالاتصال بمجموعة كبيرة من الفنانين والإعلاميين وخص "الجمهورية" بمكالمة منها.. شكرنا علي لسانه بالصياغة الموضوعية الإنسانية لما نكتبه.. وقلنا إن هذا واجبنا. واستعاد سمير عبدالمنعم معنا الشريط الساخن منذ اللحظات الأولي للإعلان عن مرضه.. ودخول غرفته ورفض تصويره أثناء عمليات بزل الماء وإزالته من فوق الرئة الموجوعة. آخر نكتة في أصعب اللحظات ألقي نكتة شهيرة.. يعرفها الوسط الفني كله.. فقد قرر أحد بلدياتنا أن يعزي في وفاة رفيق الحريري ولم يجد أمامه إلا عمر الحريري.. علي أساس أنه شقيقه.. لم يحدث مع أي نجم سابق بما فيهم عبدالحليم حافظ.. أن تلقي مثل هذا الكم من الاتصالات والهدايا والمصاحف والآيات القرآنية والمسابح وسجاجيد الصلاة.. وكان أحمد بملابس المستشفي.. يصلي جالساً.. ويستمع بشكل دائم إلي القرآن الكريم.. ومن حوله كثيراً ما دخلت الحاجة شهيرة تتلو آيات المصحف الشريف.. وفعلت ياسمين الخيام نفس الشيء. هذا بخلاف ما كان يتردد في طرقات المستشفي والاستراحة.. من زوار لا يعرفهم ولا يعرفونه.. ولا تجمعهم به صلة إلا فنه وموهبته. وقد تسابق الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات للسؤال عنه.. والاطمئنان عليه.. وإبداء استعدادهم التام لتحمل تكلفة علاجه في أي مكان بالعالم وقد وضع الرئيس مبارك تحت تصرفه الامكانيات واتصل به مراراً وتكراراً ورغم مشاغله كان يتلقي من الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة تقارير شفوية عن حالته أولاً بأول. الآن يتفق الجميع من أهل الفن والسياسة.. وكبار الشخصيات علي أن الفنان الذي جسَّد حياة العمالقة.. لابد من تجسيد حياته؟.. فمن يستطيع أن يلعب دور أحمد زكي! الجمهورية المصرية 22 مارس 2005
|