الأداء التمثيلي كالكتابة، نبش في النفس البشرية وتحرير للأحاسيس من إسر العقل، هذا بالصوت والحركة، وتلك بالحبر والقلم، وكلاهما السهل الممتنع، فلا كل الكتابة كتابة، ولا كل التمثيل أداء، كثيرون يكتبون، وكثيرون يشخصون، ولكن القليل منهم من يملك القدرة علي الغوص في أعماق النفس وسبر أغوارها والوصول إلي مكنونها، إلي أحاسيسها وأفكارها المحبوسة، وربما المقهورة بحكم الخوف أو العادات والتقاليد، وتعريتها أمامنا علي الشاشة أو فوق الأوراق. أحمد زكي من هذا النوع من الممثلين، بأدائه يكتب علي الشاشة حياة شخوصه ينبش في نفوسهم، يدخل إلي عوالمهم، يعيش حياتهم، يعايشهم، فيؤدي الشخصية وكأنه هي، لا هو، يخرج بنفسه من نفسه وتحل الشخصية مكانها، إنها الكتابة الحية -إن صح التعبير- الكتابة بالصوت والجسد. فهل التشخيص مرادف للمعايشة في فن التمثيل أم أن هناك فرقا؟! أعتقد أنه هناك فرقا، بل وفرقا كبيرا، فالمعايشة من العيش، فيها روح وحياة، أما التشخيص فهو صنعة تقليد للشخصية المرسومة علي الورق.. محاكاة لوهم صنعه كاتب ليجسده ممثل، والممثل الحقيقي لا يشخص بقدر ما يعايش وإن كان فن التمثيل فيه هذا وذاك ولكن بقدر، ولكل ممثل قدرات وإمكانات، فإن زاد مقدار التشخيص غلبت الصنعة، وإن زاد مقدار المعايشة كان الصدق. وأعتقد أن المعايشة هي جوهر الفن لأن الفن حياة، والمعايشة حياة، حياة الآخرين في الفنان أو حياة الآخرين من خلاله. وأحمد زكي لا يحاكي ولا يقلد، بل يعيش ما يؤديه من شخصيات يقرأ الشخصية من داخلها، يقرأ ما بين سطورها، يدخل إلي أعماقها، يتلمس ملامحها وتفاصيلها الدقيقة، العقلية، والنفسية، العاطفية، والوجدانية يبحث عن جذورها، أصولها، بل أخاله يحاورها، يناقشها، يحللها كطبيب نفسي، وعندما يكتمل استيعابها، ويمتلكها يفرزها، تنطلق من داخله، تتصرف بمنطقها هي لا بمنطقه هو، بأسلوبها لا بأسلوبه، تنطق بلسانها لا بلسانه. إن قدرته علي استخدام أدواته، وتشكيلها وتطويعها بما يتلاءم مع مواصفات الشخصية هو ما يميزه، وما يفرق بينه وبين غيره من الممثلين، القدرة علي إبراز وتجسيد التفاصيل الدقيقة للشخصية، التي قد لا نلتفت إليها فيحولها من مجرد شخصية متخيلة مكتوبة علي الورق، إلي شخصية من دم ولحم فتشعر بهذا التجاوب معها والاقتراب منها، وكأننا رأيناها من قبل، بل ونعرفها جيدا. أحمد زكي لا يؤدي دورا ولا يمثل بل يقدم حالات إنسانية من دم ولحم بكل مواصفاتها الواقعية الحياتية، يعيش حياة الشخصية، يصدقها، فنصدقها معه، بل أكاد أجزم بأنه يتنفس كما تتنفس، لذلك فكل شخصية يقدمها تختلف عن الأخري تماما كحال البشر لا يتشابهون إلا في كونهم بشرا. فأحمد "سبع الليل"، القروي الساذج المسالم يختلف عن "عبد السميع البواب" رغم انتمائهما لبيئة واحدة.. كلاهما يختلف اختلافا بيناً، وكليا عن الآخر، والضابط "هشام" في "زوجة رجل مهم" لا يتصرف أو يتحرك كالضابط في "الباشا"، كلاهما ضابط، لكن كلا منهما حالة إنسانية تختلف عن الأخري، و"مصطفي خلف" المحامي في "ضد الحكومة" لا يتشابه مع المحامي في "التخشيبة" رغم أن للمهنة مفرداتها، وشكلياتها ولكن حتي هذه المفردات أو الشكليات تتطبع بصاحبها، كل شخصية لها تاريخها وثقافتها لها بيتها ومواصفاتها المختلفة، وهنا تكمن قدرة أحمد زكي، القدرة علي استخلاص تفاصيل الشخصية والتي تمنحها خصوصيتها وتفردها وتميزها عن غيرها من البشر، إن أحمد زكي كممثل، يلبس الدور، أو يتلبسه الدور، فيستميل إلي الشخصية وينفصل بقدر الإقناع عن نفسه. ويظل باقتدار علي حافة المعايشة الكاملة حتي لا يفقد قدرته علي التحكم في الشخصية يوازن ببراعة بين قدرته علي التحكم في الانفعال والتعبير، وبين انفصاله عن نفسه، عن أدائه كممثل، ومن خلال هذا التوازن القاسي نفسيا وبدنيا. لذلك تجد أن فارس في "طائر علي الطريق" هو ذلك السائق الذي يمكن أن تصادفه في أي مكان، وشكري الكوافير في "موعد علي العشاء" هو هذه الشخصية بدمها ولحمها، وأحمد الشاذلي في "العوامة 70" بانكساره وإحباطاته.. بتمرده وخضوعه، حسن هدهد في "كابوريا" الفقير العاطل باستهتاره وعفويته بقصة شعره الغريبة ومفرداته الخاصة ومشيته المتصعلكة التي تنم عن خلل في تركيبة الشخصية فلم يكن إلا حسن هدهد، و"عيد" في "أحلام هند وكاميليا" الصعلوك، الأفاق غير المستقر نفسيا أو اجتماعيا لم يكن إلا "عيد" بكل مفرداته ومكوناته، كل هؤلاء هم وليس أحمد زكي، أما أحمد سبع الليل في "البريء" فحكايته حكاية، إنه بالفعل أحمد سبع الليل بمشيته الغريبة، المهرولة، وتهدل كتفيه، بل وقفاه العريض، ولا أعرف كيف فعل هذا، لم يكن في أي لحظة من اللحظات أحمد زكي، بل كان أحمد سبع الليل الذي يمكن أن تقابله في أي كتيبة من كتائب الأمن المركزي أو أي قرية من قري مصر. إن انغماس أحمد زكي في حياة الشخصية وفهمه لها وإحساسه بها هو الذي يعطي لأدائه التميز خلال تطويع قدراته وإمكانياته الصوتية والحركية، فتجد قصة شعر "حسن هدهد" الغريبة تعبيرا عن غرابة الشخصية وخروجها علي المألوف، ومشية أحمد سبع الليل المهرولة مرادفا لتلقائيته وعفويته، بل وسذاجته، أما ذقن "مصطفي خلف" غير الحليقة، وملابسه غير المهندمة فلم تكن إلا معادلا مرئيا لقبحه الداخلي وانغماسه في الخطأ، لذا فعندما يثوب إلي رشده تتبدل ملابسه وتتهندم، بل وتتغير ملامحه، أما نظرات الضابط هشام الجريئة المقتحمة فلم تكن إلا تعبيرا عن شخصيته الفظة المتوحشة، إنه بالمشية واللفتة، بالإيماءة والنظرة، بالهمسة والتنهيدة، بالضحكة والبسمة.. بعلو وخفوت، بحدة وغلظة بهمس وجهر الصوت، يعزف علي أوتار شخصياته فتستحيل إلي كيان نابض شاخص له استقلاليته وحضوره ووجوده في الحياة. إنه بالفهم العميق والنظرة المتأملة والتحليل والمعايشة، يقدم شخصياته متحررا من أغلال التمثيل، والصنعة والتكلف. ومن هنا نستطيع القول إن كل هذه الشخصيات التي قدمها لم يكن أي منها أحمد زكي ولم يكن هو أيا منها، فكل شخصية كانت هي في حد ذاتها كلا لا يتجزأ، وربما لا يتكرر، كل منها حالة، كيان مستقل، رسمه أحمد زكي ومنحها "صك الحياة" بيننا. العربي المصرية بتاريخ 22 فبراير 2004 |
أحمد زكي العازف على أوتار البشر محمد حمودة |
"النمر الأسود" الحقيقي..حضر من السويد لزيارة أحمد زكي لا موانع طبية تحول دون خروج النجم المحبوب من المستشفي 23 فبراير 2004 أثبتت التقارير الطبية عن الحالة الصحية للفنان أحمد زكي ان قدرته علي احتمال العلاج الكيماوي ممتازة وان الحالة الآن مطمئنة كما جاء علي لسان د. حسن متولي أحد المشرفين علي علاج الفنان وتأتي الجلسة الثانية لتلقي العقاقير خلال أسبوعين...أكد د. متولي أنه لا توجد أي موانع طبية تمنع خروج أحمد زكي من المستشفي إلا أنه يفضل البقاء ليكون تحت الملاحظة الطبية. تجول الفنان صباح أمس في ممرات المستشفي لمدة 10 دقائق وأخذ حماما دافئا وتناول الافطار ثم العلاج.. بعدها قامت السيدة جيهان السادات بزيارته وتحدثت معه وحضر من السويد لزيارته "محمد حسن" النمر الأسود الحقيقي الذي قام أحمد زكي بتجسيد شخصيته في فيلم "النمر الأسود" وتبادلا الحديث معا عن ذكريات الفيلم. زاره من الفنانين رغدة وهشام عبدالحميد والمنتصر بالله ومني زكي إلي جانب الفنان محمود ياسين وممدوح وافي كما قام أحمد راتب ونادر جلال ومادلين طبر والكابتن طاهر أبوزيد بزيارته والاطمئنان عليه.
|