«الإسماعيلية
التسجيلى والقصير».. يوثق الأفلام الإنسانية
عصام سعد
عدد من الندوات والفاعليات المتميزة.. شهدها مهرجان
الإسماعيلية الدولى للأفلام التسجيلية والقصيرة، الذى اُفتتح مساء الأربعاء
الماضى، ويُختتم بعد غد «الثلاثاء»، وتناولت أهمية الأفلام التسجيلية فى
توثيق الأحداث الإنسانية، وشهد المهرجان عرض باقة متميزة منها، تحت رئاسة
المخرجة هالة جلال، وذلك فى ظل حضور عدد كبير من صناع السينما والنقاد
والإعلاميين، وخروج حفل الافتتاح بشكل بسيط.
فى البداية، شهد المهرجان عقد ندوة «السينما التسجيلية وحفظ
الذاكرة»، التى أقيمت بقصر ثقافة الإسماعيلية بمشاركة نخبة من الخبراء
والمتخصصين فى مجالات السينما والتوثيق والهوية. وناقشت موضوعات عدة تتعلق
بدور السينما فى توثيق الذاكرة الثقافية والتاريخية والحفاظ عليها.
كما أقام المهرجان ورشة تعليم صناعة الفيلم للأطفال،
واستهدف الفئات العمرية بين 9 و15 عامًا بهدف تدريبهم على أساسيات صناعة
السينما بأسلوب تفاعلى مبسط، إذ تضمنت الورشة أنشطة تعليمية تعتمد على
الألعاب ووسائل تدريب متطورة تتناسب مع قدرات الأطفال مما أتاح لهم فرصة
تنمية خيالهم السينمائى، والتعبير عن أفكارهم عبر حكى قصصهم الخاصة.
وشملت التدريبات مراحل صناعة الفيلم بدءًا من تطوير الفكرة
والتصوير والمونتاج، بالإضافة إلى شرح أساسيات الإخراج بطريقة مبسطة تساعد
الأطفال على فهم فن السينما وإتقانه، مما يمكن المشاركين من إنتاج أعمال
فنية مصغرة، إذ تمثل أحد أهدافها الرئيسة فى تصوير وتحرير فيلم قصير عن أحد
معالم محافظة الإسماعيلية، مما يعزز ارتباطهم بالبيئة المحلية ويدفعهم
لاكتشاف مواهبهم فى مجال السينما.
ومن الورش المهمة كذلك ورشة صناعة الفيلم الروائى القصير،
التى بدأت بمحاضرة تمهيدية مكثفة حول كيفية كتابة السيناريو، وقدّمها كاتب
السيناريو محمود خليل، وتناولت أسس اختيار الفكرة المناسبة، ومواصفاتها
الفنية، إلى جانب استعراض مراحل كتابة السيناريو وفق ترتيب يضمن الوصول إلى
عمل محكم متقن الصنع، عبر تواصل فعاليات الورشة يوميًا بقسميها النظرى
والعملي، وحصل المشاركون فيها على تدريبات تطبيقية مكثفة لصقل مهاراتهم فى
كتابة وتصوير وإخراج الأفلام الروائية القصيرة.
ومن ضمن الفاعليات أقامت إدارة المهرجان ندوة خاصة للفيلم
المصرى «وكان مساء وكان صباح، يوماً» للمخرج يوحنا ناجى، وتحدث عقب عرضه عن
التحديات التى واجهها فى أثناء تنفيذه خاصةً مع اعتماده بالكامل على تقنيات
الذكاء الاصطناعى فى إعادة بناء الذكريات الشخصية، موضحا أن التجربة كانت
بمثابة تحد كبير إذ سعى إلى استعادة الماضى بأسلوب بصرى مبتكر يدمج بين
الذكريات الحقيقية والمتخيلة عبر محادثات بين شخصيات الفيلم.
وأشار إلى استخدامه مزيجًا من الصور والفيديوهات التى قام
بمعالجتها عبر «الفوتو شوب» وتقنيات الذكاء الاصطناعى، معتبرًا أن الصور
ليست مجرد وثائق بل وسيلة لاكتشاف الذكريات الضائعة، وصنع قصص جديدة.
ليست نشرات الأخبار
وتضمنت حلقة نقاشية - أقيمت ضمن فاعليات المهرجان - كيفية
نقل الصورة التسجيلية بعيدا عن إطار الخبر التقليدى، وأدار النقاش الكاتب
والسيناريست المصرى زين العابدين خيرى بمشاركة الإعلامية والناشطة الحقوقية
الفلسطينية عندليب عدوان والمخرجة اللبنانية إيليان الراهب.
وتحدث زين العابدين عن أهمية الأفلام التسجيلية فى توثيق
الأحداث الإنسانية بعيدًا عن التغطية الإخبارية السريعة، مشيرًا إلى أن
السينمائى الذى يحيا تحت القصف قد يتساءل عن دوره خارج نقل الأخبار ليجد
لنفسه دورًا أعمق وأكثر ارتباطًا بالواقع والإنسان.
وأعربت عندليب عدوان عن امتنانها لمشاركة الصوت الفلسطينى
فى مهرجان الإسماعيلية مشيرة إلى أن الإعلام التقليدى كان يهتم بالمانشيتات
دون تسليط الضوء على حياة الشهداء وأسرهم.
وأوضحت أنه فى خلال عملها بمركز شئون المرأة لاحظت أن
الإعلام كان يتعامل مع الضحايا كأرقام دون التعمق فى تفاصيل حياتهم
وأحلامهم، كاشفة عن أن التغطية الإعلامية كانت تركز على أخبار السياسيين
فقط مما دفعهم إلى إنشاء مؤسسة شئون المرأة عام 2006 لتوثيق قضايا النساء.
وأضافت أن المؤسسة وثّقت 30 فيلمًا وثائقيًا عن معاناة
الصحفيين الفلسطينيين، لكن بعض القصص لم تُنشر بسبب القيود فى غزة، وتطرقت
إلى التحديات التى تواجه صناع الأفلام الوثائقية سواء من الاحتلال
الإسرائيلى أو من الداخل الفلسطينى، مضيفة أن بعض القضايا مثل الاعتداءات
الجنسية داخل الأسر واجهت منعًا رقابيًا حال دون عرضها.
وتحدثت إيليان الراهب عن تجربتها فى تصوير المعاناة الشعبية
فى لبنان وفلسطين، مؤكدة أن الإعلام اعتاد على تقديم الشعوب المتضررة
كضحايا فقط دون التعمق فى حقيقة الأحداث.
وأضافت أن تنوع مصادر تمويل الأفلام يساعد على الاستقلال
مما يتيح للمخرجين تقديم رؤيتهم بحرية أكبر، وشددت على أهمية تجسيد الهوية
فى الأفلام التسجيلية، مشيرة إلى أن فيلمها عن محمد الدرة يُعد من أبرز
الأعمال التى وثّقت الهوية الفلسطينية، داعية إلى إتاحة الفرصة لجميع
الأفلام دون قيود.
الوثائقية المغربية
تطور السينما الوثائقية المغربية وتفاعلها مع القضايا
المحلية والعالمية.. كانا ضمن محاضرة المخرج المغربى هشام فلاح، إذ تحدث عن
دوره كمدير فنى لمهرجانى سلا الدولى لسينما المرأة وأكادير الدولى للفيلم
الوثائقى فيدا دوك، وعرض فى المحاضرة فيلمًا بعنوان «فى رأس اللص»، وهو أحد
المشاريع التى قدمها الطلاب المشاركون بإحدى الورش التى يشرف عليها إذ يعكس
الحياة اليومية لأحد أفراد المجتمع المغربي، إلى جانب عدد من المشاريع
الأخرى التى أنجزها طلبة الورشة.
وتأتى مشاركة هشام فلاح فى المهرجان لتبرز تطور السينما
الوثائقية المغربية وقدرتها على التفاعل مع القضايا المحلية والعالمية مما
يعزز حضورها فى المهرجانات الدولية، كما تأتى ضمن برنامج مخصص لتكريم رواد
السينما التسجيلية فى العالم، إذ قدم رؤيته وتجربته الفنية إلى جانب أسماء
بارزة كالمخرجين: الأمريكى روس كوفمان، والكاميرونى جان مارى تينو.
توسعة دائرة عروض المهرجان
فى اطار الحرص على توسيع دائرة عروض الافلام التسجيلية
والقصيرة لتعزيز ثقافة السينما التسجيلية فى مختلف انحاء محافظة
الاسماعيلية اقامت ادارة المهرجان عرضا خاصا لعدد من الأفلام المختارة فى
مركز شباب فنارة بمدينة فايد ضمت مجموعة من الأفلام تعكس التنوع الفنى
والموضوعى اذ تناولت قضايا اجتماعية وثقافية ذات ملمح انسانى بأساليب سردية
متميزة. |