ملخص
تحمل الدورة ال 77 من مهرجان "كان" السينمائي مفاجآت عدة،
منها عودة المخرج فرنسيس فورد كوبولا بفيلم جديد هو "ميغالوبوليس"، يرسخ
فيه مساراً رائدا في السينما العالمية، عطفاً على أفلام غربية جديدة
ينتظرها الجمهور. اما المفاجأة العربية، فتتمثل في مشاركة أول فيلم سعودي
في المهرجان، وهو "نورة" للمخرج السعودي توفيق الزايدي.
بعد دورة العام الماضي التي كانت استثنائية بما حملته من
روائع واكتشافات سينمائية يستعد مهرجان "كان"
لتنظيم دورته الـ77 التي ستقام من الـ14 حتى الـ25 مايو (أيار) المقبل في
البلدة الساحلية الواقعة في جنوب فرنسا، والتي تشهد منذ عام 1946 أبرز موعد
مع الفن
السابع في
العالم. كل الأنظار اتجهت الخميس الماضي لمتابعة المؤتمر الصحافي الذي
عقدته مديرة المهرجان إيريس كنوبلوك ومفوضه العام تييري فريمو للإعلان عن
اختيارات النسخة الجديدة، داخل ما يعرف بالـ"تشكيلة الرسمية" على أن يلحق
بها بعض الأفلام الإضافية
في الأيام المقبلة. هذا مع العلم أن الأفلام المعروضة خارج التشكيلة
الرسمية، أي في "أسبوعي المخرجين والمخرجات" و"أسبوع النقاد" التي يعلن
عنها تباعاً في الأيام المقبلة.
استهل اللقاء مع تذكير بإيرادات الدورة الماضية التي حققت
رقماً قياسياً في عدد المشاهدين (220 ألفاً)، مع التشديد على أن المهرجان
غير مفتوح أمام الجمهور العريض، ولا يمكن شراء تذاكر للعروض، كما في
مهرجانات أخرى مثل "برلين" و"البندقية"، وهو محصور في أهل المهنة. أما
المشاركون في سوق الفيلم، فبلغ عددهم 14 ألفاً، وجاؤوا من 120 دولة. اما
الفيلم الفرنسي "تشريح سقوط" الفائزة العام الماضي بـ"السعفة"، فشاهده
ثلاثة ملايين متفرج. وتباهت الإدارة، بأن تسعة من أفلام "كان"، رشحت لـ26
جائزة "أوسكار" في فئات مختلفة، ونالت في المحصلة 3 "أوسكارات". مسيرة هذه
الأفلام لم تنته بعرضها في المهرجان، بل انتقل نجاحها إلى الصالات
التجارية، "مما يحبط النظرية القائلة إن المشاهدة داخل الصالات في تراجع
أمام صعود منصات العرض التدفقي"، كما قالت كنوبلوك بكل اعتزاز. وأضافت،
"سحر الشاشة الكبيرة لم يمس. الأفلام تشق طريقها إلى الصالات أكثر من أي
وقت مضى. المنصات وسيط مهم للوصول إلى جمهور عريض، لكن حرب الشاشات لن
تقع". وعليه، لا بد من التذكير أن المهرجان كان من أشد المعارضين لفكرة ضم
أفلام من تمويل منصات متل "نتفليكس" إلى المسابقة الرسمية، لما تشكل من
انتهاك للقوانين الفرنسية التي لا تسمح بذلك، على رغم أن فريمو عبر غير مرة
عن استعداده للحوار مع أصحاب المنصات لإيجاد حل.
السؤال المطروح الآن: هل من الممكن أن تحقق الدورة التي
نستعد لها ما حققته الدورة الماضية؟ لا أحد يستطيع حسم مسألة كهذه، فوحدها
المشاهدة قادرة على ذلك، ولهذا ينبغي الانتظار حتى نهاية مايو المقبل. كل
ما يمكن أن نفعله حالياً هو التقاط المؤشرات، فالأسماء المشاركة في الدورة
77 هي أسماء كبيرة، يتصدرها المخرج الأميركي المعلم فرنسيس فورد كوبولا
الذي يعود إلى مسابقة المهرجان بعد 45 سنة على نيله "السعفة" عن رائعته
"القيامة الآن".
بعد أكثر من عقد لم يقدم خلاله أي جديد يعود كوبولا إلى
الشاشة مع "ميغالوبوليس" لتحقيق المشروع الذي يخطط له منذ الثمانينيات،
والذي أجهض مرات عدة، أشهرها غداة 11 سبتمبر (أيلول) (نيويورك مستقبلاً هي
مسرح الأحداث في الفيلم). هذه المرة صرف كوبولا من جيبه 120 مليون دولار،
ثروة جناها من تجارة النبيذ، اشترى بها الاستقلالية الفنية التي كثيراً ما
طمح لها. أكثر من مرة قال إنه سيضع فيه كل ما تعلمه من السينما مذ كان
مراهقاً، وسيشهد الفيلم ذروة أسلوبه وطموحه الفني. لسنوات، اعتبر
"ميغالوبوليس" من المشاريع الملعونة التي لم تبصر النور، لعدم اكتمال شروط
الإنتاج من بين أسباب عدة. هل يحقق كوبولا حلمه وهو في الـ84؟
إلى "ميغالوبوليس" هناك 19 فيلماً في المسابقة التي ستترأس
لجنة تحكيمها الأميركية غريتا غرويغ (مخرجة "باربي")، بانتظار أن تضاف
ثلاثة أفلام جديدة إليها في الأيام التالية. في الآتي، تفاصيل عن بعضها:
"إيميليا بيريز" لجاك أوديار، فيلم يجمع بين البوليسي والموسيقي، صوره
المخرج الفرنسي الذي اشتهر مع "نبي"، باللغة الإسبانية. الحكاية: تكلف سيدة
لمساعدة زعيم عصابة مكسيكي على إجراء عملية جراحية لتغيير جنسه بهدف الهرب
من السلطات. فرنسا، هي هذا العام، البلد الأكثر حضوراً في المسابقة (بعد
أميركا)، فإلى عمل أوديار هناك فيلمان فرنسيان، بانتظار إضافة ثالثة:
"مارتشيللو ميو" لكريستوف أونوريه الذي أسند البطولة إلى كيارا ماستروياني،
ابنة أسطورة السينما الإيطالية، التي تقرر ذات صيف بأنه عليها أن تعيش حياة
والدها، فتلبس وتتكلم مثلما كان يفعل، حتى إن الآخرين يصدقون أنها
مارتشيللو. ثالث الأفلام الفرنسية يحمل توقيع جيل لولوش ويدعى "الحب
الأوف"، عن قصة حب كلاسيكية تجمع شاب بفتاة ثم يفرقهما، ثم يجمعهما من
جديد، والرهان على مخيلة لولوش الذي استعان بالممثلة أديل إكساركوبولوس،
للخروج من نمطية قصص الحب.
من الواضح أن إضراب الممثلين وكتاب السيناريو في هوليوود لم
يؤثر سلباً في المسابقة، إذ ضمت ستة أفلام أميركية هذا العام، بعضها
لمخرجين من خارج أميركا. نبدأ مع القدير بول شرايدر، السيناريست والمخرج
الشهير الذي يقدم "أو كندا" المقتبس من رواية لراسل بانكس، وفيه يحكي عن
كاتب صحافي يلجأ إلى كندا هرباً من الخدمة العسكرية خلال خرب فيتنام.
استعان شرايدر بنجمين هما ريتشارد غير وأوما ثورمان. السويدي من أصل إيراني
علي عباسي (صاحب "عنكبوت مقدس") يأتي بفيلم إنتاج أميركي عن دونالد ترمب
خلال سنوات عمله في مجال العقارات. الفيلم يأتي بعنوان "المتدرب". المخرج
شون بايكر يدخل المسابقة أيضاً مع "أنورا" الذي يتعقب عاملة جنس بين
نيويورك ولاس فيغاس. خامس الأفلام الأميركية المشاركة في المسابقة هو
"المادة" لكورالي فرجا، وهي فرنسية. لا نعلم عنه شيئاً حتى هذه اللحظة، سوى
أنه فيلم رعب من بطولة ديمي مور. أما آخر الأفلام الأميركية المشاركة، فهو
"أنواع اللطف" لليوناني يورغوس لانثيموس، الذي بعد أقل من سنة على فوزه
بـ"أسد" البندقية عن "كائنات مسكينة"، سيمشي على سجادة كان، مع نفس فريق
فيلمه السابق، إيما ستون وويلم دافو، ليقدم عملاً يوحي ملصقه بغرائبية
عودنا عليها.
من كندا، يأتينا المخرج الشهير ديفيد كروننبرغ مع "أكفان"،
بطولة فنسان كاسيل وديان كروغر، عن رجل أعمال شهير يضع اختراعاً ثورياً
يسمح للأحياء التواصل مع أحبائهم الأموات. أميركا اللاتينية حضورها محدود
هذا العام، فيلم واحد منها: "موتيل دستينو" للبرازيلي كريم عينوز (من أصل
جزائري) الذي كان شارك العام الماضي بفيلم تعرض لفشل ذريع. تدور أحداث
جديده على الساحل الشمالي للبرازيل. وصول وافد جديد إلى أحد الفنادق، سيغير
القوانين التي كان يخضع لها هذا المكان حتى الأمس القريب.
واذا كان هناك مخرج كثر ينتظرونه هذا العام، بعدما عرض آخر
فيلم له في البندقية، فإنه الإيطالي باولو سورنتينو الوفي لـ"كروازيت".
غاري أولدمان وإيزابيللا فيراري هما بطلا فيلمه "بارتنوب"، الذي وفق ما صرح
به المخرج، فإنه يحكي عن "سيدة تحمل اسم مدينتها لكنها ليست لا أسطورة ولا
حورية". لننتظر ونَرَ ماذا أعد لنا مخرج "الجمال العظيم"!
أربع نساء يشاركن في مسابقة هذا العام، وهناك من انتقد هذا
العدد الذي تراجع قياساً بالعام الماضي، نجد من بينها المخرجة البريطانية
القديرة أندريا أرنولد التي ستأتينا بـ"طير"، عن قصة بطلتها ابنة الـ12
التي تعيش مع شقيقها ووالدها. هذا الأخير لا يملك كثيراً من الوقت للاهتمام
بهما، مما يجعلها تبحث عن الانتباه في مكان آخر. "ماس خام" للمخرجة
البلجيكية الشابة أغات ريدينجيه هو العمل الأول الوحيد في المسابقة، يروي
قصة مشابهة لقصة فيلم أرنولد: مراهقة تعيش مع أمها وأختها وتجد في ظاهرة
تلفزيون الواقع احتمال الحصول على الحب.
من البرتغال، سنشاهد "جولة كبيرة" لميغيل غوميز الذي كان
سبق أن ذاع صيته من خلال "تابو" و"ألف ليلة وليلة". جديده يأخذ من بيرمانيا
في مطلع القرن الماضي مسرحاً له، وهو عن سيدة تطارد عريسها في جولته
الآسيوية، بعدما كان هرب منها يوم الزفاف. الفيلم الدنماركي "الفتاة ذات
الإبرة" لماغنوس فون هورن، تدور أحداثه تقريباً في نفس الحقبة نفسها، وهو
أفلمة لقضية القاتلة المتسلسلة داغمار أوفرباي التي كانت تساعد النساء على
قتل أطفالهن غير المرغوب فيهم، قبل أن يحكم عليها بالسجن.
"ليمونوف" للروسي كيريل سيريبرينيكوف (المقيم في فرنسا
حالياً بعد اضطهاده من قبل السلطات الروسية)، من الأفلام المشاركة في
المسابقة، وهو عن الشاعر الروسي الراديكالي إدوارد ليمونوف (1943 - 2020).
اقتبس صاحب "زوجة تشايكوفسكي" رواية إيمانويل كارير التي تروي سيرته
الفضائحية بالتفاصيل. كتب السيناريو المخرج نفسه بالتعاون مع بافل
بافليكوفسكي، مخرج "حرب باردة". بيعت من كتاب كارير مليونين ونصف مليون
نسخة، وهذا واحد من أكثر الأفلام المنتظرة هذا العام.
فيلمان آسيويان في المسابقة: الأول هو "كل ما نتخيله كضوء"
للهندية بايال كاباديا، وهو أول فيلم هندي يدخل المسابقة منذ 30 عاماً. قصة
امرأتين ورغباتهما. أما الثاني، فهو "أسرى المد والجزر"، للعائد بعد غياب،
المخرج الصيني الكبير جا جانكه.
في الأقسام الموازية أفلام لسينمائيين مكرسين إلى جانب عدد
من المواهب الجديدة التي يحاول المهرجان الإضاءة عليها عاماً بعد عام. فلا
مكان أفضل من "كان" للانطلاق. وإذا كانت المسابقة تنطوي على عمل أول واحد
لا أكثر، فهناك سبعة أفلام أولى في قسم "نظرة ما" (ثاني أهم الأقسام
التنافسية من حيث الأهمية بعد المسابقة)، يتقدمها "نورة" للمخرج السعودي
توفيق الزايدي الذي يدخل التاريخ باعتباره صاحب أول فيلم سعودي يشارك في
مهرجان "كان". سيجب عليه منافسة مجموعة من الأفلام من مثل "محاكمة الكلب"
لليتيثيا دوش و"قصة سليمان" لبوريس لوجكين، أو "القرية المجاورة للجنة" لمو
هراوي. وإذا كان الزايدي هو أول سعودي يشارك في "كان"، فهو ليس العربي
الوحيد فيه. فالمخرج المغربي نبيل عيوش يشارك مع "الجميع يحب تودا" في قسم
"كان بروميير" الذي يضم إلى الآن ستة أفلام من بينها أحدث أعمال ليوس
كاراكس وآلان غيرودي وريتي بأن الذي يأتي بـ"موعد مع بول بوت".
فقرة "خارج المسابقة" تشهد عودة المخرج والممثل الشهير كافن
كوسنر إلى الوسترن مع "أفق، ملحمة أميركية"، 34 سنة بعد "رقص مع الذئاب"
وعقدين على "مدى مفتوح". جديده ملحمة تتجاوز 10 ساعات، عن الحرب الأهلية
الأميركية وغزو الغرب، سنشاهد الجزء الأول منها في "كان". في الفقرة نفسها،
سيعرض جديد المخرج الأوسترالي جورج ميلر الذي ليس سوى الجزء الخامس من
ملحمته "ماد ماكس".
الافتتاح يتولاه هذا العام فيلم فرنسي، وذلك للمرة الرابعة
على التوالي. إنه "الفصل الثاني" لكانتان دوبيو الذي يأتي بكوميديا عن
السينما يموضعها في عالمه العبثي المجنون وكان تجلى أخيراً في "يانيك". في
الفيلم عدد من أبرز وجوه السينما الفرنسية الحالية، من بينها ليا سيدو
وفنسان لاندون ولوي غاريل.
على مستوى التكريمات أعلن المهرجان أن جورج لوكاس (80 سنة)
صاحب ملحمة "حرب النجوم"، سيعطى "سعفة فخرية" عن مجمل أعماله. بعد "دب"
سبيلبيرغ في برلين العام الماضي وآخر لسكورسيزي في المهرجان نفسه قبل
شهرين، تعود "هوليوود الجديدة" (آخر تيار سينمائي شهدته السينما الأميركية)
إلى محطة "تناول الحلوى" كما يقول دينو ريزي عن المرحلة الأخيرة من حياة
السينمائي، خصوصاً مع مشاركة كوبولا في المسابقة، وهو أحد أعمدة هذا
التيار. |