هشام سليم.. «المتمرد» الذى خلع جلباب أبيه
كتب إيمان مندور
فى الساعات الأولى من صباح الخميس 22 سبتمبر 2022، فوجئ
الجميع بنبأ وفاة الفنان هشام سليم، بعد صراع مع مرض السرطان، ليرحل عن عمر
ناهز 64 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا كبيرًا ومحبة أكبر فى قلوب
الجماهير.
«التمرد»
مع فاتن حمامة
بداية هشام سليم مع الفن جاءت مبكرة، حين كان فى عمر 13
عامًا، وتميزت أدواره حينها بالتمرد، إذ أجاد تقديم شخصية الفتى الشقى أو
المتمرد، وكانت البداية فى فيلم «إمبراطورية ميم» فى عام 1972 مع الفنانة
فاتن حمامة، ثم ظهر معها فى فيلم «أريد حلًا» عام 1975، لكن النقلة الأهم
جاءت مع يوسف شاهين فى «عودة الابن الضال» عام 1976، لكنه ابتعد عن التمثيل
بعد ذلك بسبب قرار من والده بضرورة الانتهاء من دراسته أولاً، ليعود للفن
لاحقًا فى مرحلة الشباب فى منتصف الثمانينيات.
الفنان الذى خلع جلباب أبيه
مع عودته للفن فى شبابه، حرص المنتجون على استغلال اسم
والده صالح سليم، نجم الرياضة والتمثيل، فأصر على حذف اسم أبيه وألا يتم
كتابة اسمه ثلاثيًا، وأكد أنه «هشام سليم» فقط؛ ليس انتقاصًا من قدر والده،
لكنه يريد صناعة اسمه بنفسه، لا أن يعيش فى ظل جلباب أبيه وعائلته، وبالفعل
نجح فى ذلك.
لم يأخذ هشام سليم حقه من النجومية رغم أهليته لها أكثر من
كثيرين غيره، لكنه رغم ذلك استطاع تقديم مسيرة فنية مهمة ومؤثرة وخالدة فى
ذاكرة الجماهير. إذ شارك فى أعمال سينمائية عديدة، مثل «إسكندرية كمان
وكمان»، و«يا مهلبية يا»، و«تزوير فى أرواق رسمية»، و«يا دنيا يا غرامى»،
و«الناظر»، و«الأراجوز»، و«الأوباش»، «وميت فل»، و«اغتيال مدرسة»، و«قليل
من الحب كثير من العنف»، أما فى الدراما فقد كان أكثر حظًا وشهرة فيها من
السينما، حيث حقق حضورًا لافتًا فى مسلسلات باتت من كلاسيكيات الدراما
العربية مثل «ليالى الحلمية» و«وقال البحر»، و«الراية البيضا»، و«أرابيسك»،
و«هوانم جاردن سيتى»، و«أهالينا»، و«درب الطيب»، و«أماكن فى القلب». ومع
الوقت تم حصره فى أدوار ضيف الشرف كالضابط أو الأب أو رجل الأعمال، كما فى
«كلبش» و«موسى» و«هجمة مرتدة» آخر أعماله.
وعلى الرغم من أن تجاربه المسرحية قليلة للغاية، فإنه ترك
من خلالها أثرًا كبيرًا فى التلقائية والأداء الصادق وخفة الظل، حيث قدّم
تجربتين مسرحيتين فقط فى مشواره الفنى، الأولى مسرحية «شارع محمد على» مع
فريد شوقى وشريهان فى عام 1991، واستمرت لمدة أربعة أعوام، والثانية مسرحية
«لما بابا ينام»، لكن لم يستمر عرضها سوى عام واحد فقط بسبب وفاة بطلها
الفنان علاء ولى الدين.
«الإنسان»
هشام سليم
علاقة هشام سليم بالجمهور لم تكن من خلال فنه فقط، بل كانت
أيضًا من خلال مواقفه التى كشفت جوانب مهمة فى شخصيته، أبرزها دعمه الواضح
لابنته نورا فى رحلة تحولها جنسيًا لتصبح ابنه «نور»، حيث تحدث فى الأمر
إعلاميًا وأعلن دعمه الكامل لنجله فى كل قراراته، خاصة أن الأمر ناتج عن
معاناة منذ الولادة وتم التأكد منه طبيًا، مشددًا على أنه لا يهمه أى
تعليقات سلبية ولا أى شىء آخر سوى مصلحة نجله ودعمه فى كل ما يساعد فى
تحسين حياته.
الميزة الأهم فى شخصيته أيضًا أنه كان يجيد الاعتزاز بالنفس
دون الوقوع فى فخ الغرور، لذلك كان لا يتصارع ولا يتهافت على أى عمل. وهو
ما أكده الإعلامى محمود سعد حين تحدث عنه بعد رحيله، مؤكدًا أن هذه الميزة
كانت الأهم فى شخصيته، أنه «لا يتصارع على شىء»، فلن تجد له خلافات على
أدوار فنية أو خلافات مهنية مع زملائه، فهو يقدم ما يحبه ويقتنع به فقط،
لذلك أعماله فى معظمها جيدة وناجحة لدى الجماهير.. «وأعتقد إذا كان فى
سلطان للممثلين يبقى هشام سليم.. لأنه رايق ولا يتصارع على شىء»، على حد
تعبير محمود سعد.
نبوءات السرطان
فى نهاية مايو الماضى، أعلن هشام سليم إصابته بالسرطان،
وبدأ رحلة علاجه فى هدوء تام، كعادته فى مواجهة كل شىء بهدوء ودون متاجرة
بأى شىء، فقط ما قاله كان عن الرضا والأمل فى الشفاء. وكأنه اتخذ نفس
الطريق التى سلكها والده فى مواجهة نفس المرض، حيث ذكر هشام سليم خلال حوار
تليفزيونى سابق أن والده تعامل مع خبر إصابته بالسرطان بمنتهى الهدوء، كما
قضى فترة تعبه الأخيرة وسط عائلته دون أن يشتكى على الرغم من صعوبة تلك
الفترة فى حياته.
المفارقة أن هذا الرضا أعاد لأذهان الجمهور ما قاله هشام
سليم فى تصريحات تليفزيونية قبل نحو 30 عامًا، حين سألته المذيعة «إن كنت
تملك جائزة مالية لمن تهديها»، فأجاب: «أهديها لمعهد السرطان، مرض خبيث
بايخ، اللى بيمرض بيه محتاج فترة علاج طويلة قوى، والعلاج ثمنه غالى قوى..
متهيألى معهد السرطان يبقى حاجة كويسة إن أودع الجائزة المالية فيه». وكأنه
تنبأ بما سيعانيه مع هذا المرض الخبيث بعد 3 عقود من اللقاء.
المفارقة الثانية كانت فى رحيله، حيث أكدت الفنانة نهال
عنبر أنه تنبأ بموعد وفاته وأخبر عائلته به، قائلة: «هشام قال للفنانة يسرا
وشقيقه خالد، إنه سيرحل يوم 22 سبتمبر، وكان يقول: تن تن، والجميع لم يعلم
معنى جملة تن تن، إلا بعد الوفاة، حيث إن هشام توفى الساعة 10 إلا 10 دقائق».
الأصعب من ذلك أن والدته لم تعلم بمرضه، فقد أكد الإعلامى
محمود سعد أن الفنانة يسرا أخبرته أن والدة هشام لم تعرف بمرضه ولم يخبروها
بالأمر على الإطلاق حتى لا تتأثر حالتها الصحية، بل أكدت بعض المواقع
الإخبارية أنه لم يتم إخبارها بالوفاة أيضًا، وتم التأكيد على كل العاملين
والمحيطين بها بعدم إخبارها بالأمر الآن، نظرًا لظروفها الصحية الصعبة. |