وداعـًا هشام سليم.. نبيل الفن وحبيب المصريين
كتب شيماء سليم
عندما أصيب الأسطورة «صالح سليم» بمرض السرطان منذ سنوات
طويلة اتخذ موقفًا سار على دربه وأعاده إلى حد التطابق ابنه الأصغر «هشام»،
الذى فعل كما الأب، من حيث رفضه للإفصاح عن مرضه مثل والده، واعتبار أن
الرأى العام لا علاقة له بالأمر، وأن ما يحدث شىء شخصى، يخصه وحده، إلى أن
بدأت الأخبار تنتشر حول مرض «هشام»، وهو ما أدى لحالة من الحزن الشديد على
ذلك الشاب الجميل الذى كبَر أمام أعين المصريين، وقد وصل الحزن إلى ذروته
بعد الإعلان عن وفاته فى صباح الخميس الماضى؛ حيث رحل عن عمر يناهز 64
عامًا.
صفات «صالح سليم» ورثها الابن «هشام» كاملة، شكلاً
ومضمونًا، هيئتهما واحدة وطبائعهما لا تختلف كثيرًا، حتى أداؤهما التمثيلى
متشابه، فقد شارك «صالح» فى التمثيل فى ثلاثة أفلام. وقد ورث الابن من الأب
أيضًا مَحبة الناس ووضعهما له فى مكانة كبيرة. ورُغْمَ أن كليهما عُرف عنه
الاعتداد بالنفس والصلابة والقسوة أحيانًا، لكن الناس أحبت «هشام» كما أحبت
والده لأنهما يتمتعان بالشجاعة والصراحة ولا يتقبلان «الحال المايل» بلغة
المصريين.
فى صباه وشبابه، كان «هشام» شقيًا ومشاغبًا، طبائعه جعلت
صديقة العائلة «فاتن حمامة» تشعر أنه الأقدر على أداء دور ابنها المراهق
الشقى «مدحت» فى فيلم (إمبراطورية ميم) فقامت بترشيحه للمخرج «حسين كمال»
لينال أول دور تمثيلى فى حياته عام 1972 وكان عمره وقتها 14 عامًا.
من (إمبراطورية ميم) بدأت خطوات الفتى فى عالم التمثيل؛
خصوصًا أنه فى العمل التالى (أريد حلاً) عام 1975 وقف للمرة الثانية أمام
سيدة الشاشة «فاتن حمامة» وأيضًا أمام عدسة واحد من أهم مخرجى تلك الفترة
«سعيد مرزوق». لكن تأتى الانطلاقة الحقيقية لـ«هشام سليم» وهو فى الثامنة
عشرة من عمره عندما يختاره المخرج الكبير «يوسف شاهين» ليقدم واحدة من
الشخصيات الرئيسية فى رائعته (عودة الابن الضال) عام 1976. من خلال شخصية
«إبراهيم» تتضح قدرات «هشام سليم» كممثل، تلقائى، بسيط، مدرك لمقدار وحجم
الانفعالات المطلوبة فى كل مشهد.
يغيب «هشام» عن الشاشة بعد هذا الفيلم لمدة ست سنوات،
والغريب أنه يختار أن يدرس فى تلك الفترة السياحة وليس التمثيل، ويعود عام
1982 وقد صار شابًا قد تجاوز العشرين ليقف من جديد أمام عملاقة من عمالقة
الفن، وهى الراحلة «شادية»، فى فيلم (لا تسألنى من أنا) إخراج «أشرف فهمى».
ذكاء «هشام» فى اختياره لهذا الدور جاء من محاولته للخروج من عباءة الفتى
الوسيم الأرستقراطى المدلل، فيقدم هنا شخصية شاب فقير، ابن بلد وابن
لخادمة، يعمل فى تصليح السيارات، صريح وفخور بأصوله الشعبية الفقيرة، وضوحه
يجعله مصدر ثقة لجميع من حوله، ويجعله أيضًا الأقوى بين إخوته.
ورُغْمَ تألق «هشام» فى هذا الدور؛ فإن المخرجين أصروا أن
يعيدوه مرة أخرى، لنفس الشخصية التى بدأ بها، والتى تشبه إلى حد ما شخصيته
الحقيقية، الشاب الثرى، المدلل، المشاغب، يتجلى ذلك فى أعماله فى فترة
الثمانينيات ومن أهمها دوره فى فيلم (تزوير فى أوراق رسمية) 1984، إخراج
«يحيى العلمى».
وفى عام 1988 وقف «هشام» أمام واحدة من كبار نجمات السينما
«ماجدة» فى فيلم (عندما يتكلم الصمت) إخراج «كريم ضياء الدين». بعد هذا
الفيلم يبدأ «هشام» فى اختيار أدواره بدقة وعناية، وبالفعل يقدم عددًا من
الأدوار الجيدة، واحدًا تلو الآخر.. فمثلاً يدخل فى نفس العام عالم الدراما
التليفزيونية برائعة (الرايا البيضا) إخراج «محمد فاضل»، ثم يقدم واحدًا من
أهم أدواره فى السينما أمام نجمة مصر الأولى «نبيلة عبيد» فى فيلم (اغتيال
مُدرسة) إخراج «أشرف فهمى». بعدها يأتيه أحد أهم أدوار عمره، «عادل البدرى»
فى مسلسل (ليالى الحلمية) إخراج «إسماعيل عبدالحافظ»، وبداية من الجزء
الثانى عام 1989 حتى الجزء السادس عام 2016. يكبر الشاب «عادل البدرى»
وينضج أمام أعين ملايين المصريين والعرب، يشاهدون تحوله من الشاب المتهور..
الطائش.. الأنانى، إلى الرجل العاقل.. المتزن.. العطوف، الذى يساند مَن
حوله ويغدق عليهم بمشاعره النبيلة.
الدخول لقلوب الناس من خلال (ليالى الحلمية) صاحَبَه أيضًا
الدخول لعالم كبار نجوم وصناع السينما؛ حيث بدأ «هشام سليم» فى المشاركة فى
عدد من أهم الأفلام فى تلك الفترة، مثلاً وقف أمام «عمر الشريف» فى فيلم
(الأراجوز) عام 1989 من إخراج «هانى لاشين»، وفى (إسكندرية كمان وكمان)
1990 أمام «يوسف شاهين»، و(أرض الأحلام) لـ«داود عبدالسيد» عام 1993 الذى
وقف فيه للمرة الثالثة أمام «فاتن حمامة»، وفى فيلمين من إخراج «رأفت
الميهى» هما: (قليل من الحب كثير من العنف) و (ميت فل) فى عامَى 1995
و1996.. كما شهدت بعض الأفلام المهمة فى تلك الفترة ظهورًا مميزًا لـ«هشام
سليم» سواء كبطل أول أو ثانٍ، منها (يا مهلبية يا) إخراج «شريف عرفة عام
1991 و(يا دنيا ياغرامى) إخراج «مجدى أحمد على» عام 1996 و(جمال عبدالناصر)
إخراج «أنور القوادرى» عام 1999 الذى قدّم به شخصية المشير «عبدالحكيم
عامر» بصورة شديدة البراعة، ربما لم يتمكن أحد من تقديمها مثله.
ويتألق «هشام سليم» فى بعض الأعمال الدرامية فى تلك الفترة
أيضًا، مثل (وما زال النيل يجرى) إخراج «محمد فاضل»، (أرابيسك) إخراج «جمال
عبدالحميد» و(هوانم جاردن سيتى) إخراج «أحمد صقر».. بالإضافة إلى موهبة
جديدة أعيد اكتشافها فى «هشام سليم» وهى قدرته على تقديم الاستعراضات من
خلال مسرحية (شارع محمد على) إخراج «محمد عبدالعزيز»، التى شارك فى بطولتها
مع «شريهان وفريد شوقى» عام 1991.
فى السنوات التالية، يمكن القول إن «هشام سليم» تم حصره فى
أدوار «الجراند» وهى أدوار ثانية غالبًا، ومساعدة أحيانًا، بالإضافة لظهور
خاص فى أعمال أخرى. كان دائمًا يتواجد بشكل متوازن فى السينما والتليفزيون،
يختاره المنتجون والمخرجون لأداء شخصيات درامية تبدو عادية، لكن حضوره
المتميز كان يضع تلك الشخصيات فى إطار غير عادى.
|