هشام سليم.. نصف قرن من الإبداع والتمرد
محمد قناوي
يجمع كل من اقترب من الفنان الراحل هشام سليم على أن نشأته
الناعمة وسط أسرة ثرية، لم تؤثر على جيناته الطبيعية، كان متواضعا، ومحبا
لكل الناس، دائما تجده مبتسماً وكأن الابتسامة جزء من تكوين ملامحه
المصرية، ولكنه كان شخصية عنيدة لأبعد الحدود، ولا يحب السكوت على أوضاع
خاطئة مهما كلفه الأمر ودفع ثمن ذلك سنوات من نجوميته التى كان يستحقها، فى
محنته الأخيرة الشديدة بعد اصابته بالسرطان لم يتاجر «ابن الأصول» بمرضه،
ترك كل شىء وانعزل يعانى وحيدا وسط أسرته الصغيرة حتى وافته المنية.
لقد دخل
«هشام
سليم»
قلوب جمهوره منذ أول إطلالة له على الشاشة الكبيرة أمام سيدة الشاشة
العربية فاتن حمامة فى «امبراطورية ميم»، فى شخصية «مدحت» الابن المراهق،
الذى عبر عن مشاعر ملايين المراهقين فى مثل سنه.
ومنذ هذا الحين ارتبط به الجمهور وشعر بأنه ابن لكل أسرة،
بعدها اختاره المخرج العالمى يوسف شاهين ليجسد شخصية «إبراهيم» فى فيلم
«عودة الابن الضال» فى مواجهة ماجدة الرومى، فشكلا ثنائيا لا يزال يتصدر
قصص الحب حتى هذه اللحظة.
غاب هشام سليم عن الوسط لفترة تعليمه بالخارج تحديداً فى
العاصمة البريطانية «لندن» ليبدأ دراسة الفن فى الأكاديمية الملكية للفنون
التى تخرج منها الكثير من الفنانين، هذه الأكاديمية تأسست من خلال عمل
الملك جورج الثالث وتم إنشاؤها من أجل دعم الفنون والتصميم من خلال نظام
تدريبى قوى وفعال والتدريب على يد خبراء فى مجالات الفن والتصميم.
ومن المعروف أنه من يتخرج من هذا الأكاديمية يصبح فناناً
محترفاً ومبدعاً.. ثم عاد مرة أخرى ليظهر من جديد فى مرحلة الشباب ويخطف
الأنظار فى فيلم «تزوير فى أوراق رسمية» أمام ميرفت أمين عام 1984، ثم
توالت أدواره ليبدع فى كل مرحلة من مراحل عمره بهدوء وسلاسة وبلا ضجيج،
يختار أدواره بعناية ويجسدها ببراعة وإتقان وسهولة وصدق فقد برع فى تجسيد
شخصية «عادل البدرى» بكل تحولاتها فى «ليالى الحلمية».
واستفز المشاعر وهو يجسد شخصية «بهلول» الابن الوصولى العاق
فى فيلم الأراجوز»، وصدقناه وأحببناه وهو يجسد شخصية «هشام أنيس» الشاب
المثالى صاحب المبادئ فى «الراية البيضا»، ومحسن الشاذلى الشاب المدلل فى
مسلسل «هوانم جاردن سيتى» و«حسنى النعمانى» الشاب المتعلم شقيق الأسطى حسن
فى «أرابيسك».
ممثل من العيار الثقيل وهو يؤدى الاستعراضات امام شيريهان
فى مسرحية «شارع محمد على» وفيلم «يامهلبية يا» مع ليلى علوى، و«فوازير خد
وهات»، يفاجئك بقدرته على تجسيد شخصية ابن البلد أوالفلاح والعمدة فى
«المصراوية» الذى جسد فيه شخصية العمدة فتح الله االحسينى أوشخصية شمس
الدين عاشور الناجى فى مسلسل «الحرافيش».
ويصل إلى قمة النضج الفنى حين قام بدور رجل المخابرات فى
مسلسلى هجمة مرتدة وكلبش، وغيرها عشرات الأدوار المتنوعة.. بدأ هشام سليم
المولود 24 يناير 1958حياته لاعبا لكرة القدم، فلم ينجُ من المقارنة بينه
وبين أبيه المايستروصالح سليم، بدأ «هشام سليم» كأحد المرفهين الذين جاءوا
إلى الحياة وفى فمهم ملعقة ذهب، فأحب أولا أوكما قال أبوه فى أحد اللقاءات
التليفزيونية أن يخلفه فى الملاعب إلا أنه كان يلقى عندا أكبر من المدربين
والزملاء فى الملعب ومع كونه أكثر كسلا اعتمادا على الاسم فشل بشكل واضح
قال: «مفيش مقارنة..صالح سليم نموذج لا يتكرر.. مهما كنت وصلت لشىء فى
الكرة لن أصل إلى ما وصل إليه صالح
سليم.
وحتى الآن لم يصل أحد إلى مجد صالح سليم.. لكن فى الفن أنا
أحسن».. على الرغم من كونه نجل أسطورة كرة القدم والرياضة المصرية
المايسترو إلا أن ذلك كان أحد آلامه التى لم تنته حتى الوفاة بالسرطان،
فبعد فشله فى الرياضة اتجه هشام إلى الفن، بدأت ملامحه الفنية فى التشكل
وربما اختار أدواره من طبيعة حياته.
متمرداً على الأسرة على الاسم الذى يطارده مهما ذهب، ابن
صالح سليم يعنى واسطة مهما بلغت موهبته، فحصل على أول أدواره هذه المرة مع
فاتن حمامة- كانت صديقة الأسرة - فى فيلم «امبراطورية ميم» من إخراج حسين
كمال وحقق نجاحا لافتا فى ظل كونه طفلاً يافعاً فى هذا الوقت.
وعندما
اختاره الفنان الكبير عمر الشريف للمشاركة فى» الأراجوز» اتُهم ايضا انه تم
اختياره لانه صديق لوالده صالح سليم، وكات رد هشام سليم على هؤلاء كافاً
حين قال:»لوكان اخدونى عشان كده ولم أثبت نفسى يبقى عندكوا حق.. لكن مدام
أنا أثبت نفسى قدام عمر الشريف وفاتن حمامة يبقى أنتم غلطانين»
كبر هشام سليم، وحاول قدر الإمكان محى صلة اسمية بينه وبين
أبوه الأسطورة الذى تفتح له الأبواب ما إن ذكر اسمه، باعتباره رئيس جمهورية
الأهلى التاريخى، حصل على أدوار أكبر فى الفن وأهمها»عودة الابن الضال» مع
يوسف شاهين الذى حقق فيه نجاحا كبيرا.
ومع ذلك لم يكفه ذلك عن التمرد عن الألم الأكبر المتعلق
باسم العائلة والذى طارده أيضا لإيقاف مسيرته وإلصاقها بالواسطة لا
الموهبة.. حاول الكثيرون إقناع أسامة أنورعكاشة ومحمد فاضل بالتخلى عن
اختيار هشام سليم فى مسلسل»الراية البيضا»لكن الثنائى تمسكا به، لذلك وجه
لهما الشكر حين سئل «لومعاك شهادة تقدير تحب تهديها لمين» ليجيب: لأسامة
أنور عكاشة ومحمد فاضل، لأنهما منحاه الفرصة ووقفوا قدام ناس كتير قالولهم
بلاش هشام سليم مش هيبقى كويس.. والحمد لله إنى استغليت الفرصة كويس وأثبت
نفسى لهما وللجمهور».
لقب
هشام سليم بـ»نجم التسعينيات» فلم يكن يستطيع النوم فى بيته بسبب كثرة
استقبال المكالمات التليفونية حتى فى أوقات نومه، لكنه رفض اللقب وتمنى أن
يطلق عليه «ممثل التسعينيات» وليس النجم، فلم يكن يفضل لقب نجم على الإطلاق.
وقال: أنا ممثل أولا وأخيرا وبحب شغلى.. وأحب الناس تكون
مبسوطة باللى أنا أقدمه.. وهذا ما أطمح فيه».. خلال مشواره الفنى تميزت
أدوار«هشام سليم» بالتمرد والشقاوة وابتعد عن التكرار والنمطية فلم يقدم
دورا يشبه الآخر طوال مشواره وعندما أُصيب بالسرطان قبل عامين تكتم الامر
وظل يقاوم المرض بروح الفتى المتمرد ولم يستسلم طوال عامين كاملين ولكنه
اضطر امام قسوة المرض ان يرفع «الراية البيضا» ويرحل عنا تاركا بصمة واضحة
فى تاريخ الفن المصرى والعربى. |