عاش مخلصاً للفن ولسيرة عائلته وواجه السرطان بشجاعة
الحكماء وتحمل آلامه الأخيرة منزوياً في صمت
كان صباحاً صعباً للغاية ذلك الذي استقبل فيه الجمهور والوسط
الفني نبأ وفاة هشام سليم، فتى الأحلام المتمرد والموهوب وعدو الصخب
المتألم في صمت، المخلص دائماً لاسم وسيرة عائلته، وأحد أكثر نجوم التمثيل
قرباً من المشاهدين الذين تربى أمام أعينهم وكبر على الشاشة وبين
الاستديوهات، وتنقل من فيلم إلى مسلسل إلى مسرحية، وظل متوهجاً وحاضراً حتى
قبيل رحيله.
كان آخر ظهور له في مسلسل "هجمة مرتدة" في رمضان الماضي،
وأيضاً في فيلم "موسى" الذي عرض في أغسطس (آب) 2021، وبعدها انزوى تماماً
وخاصم الأنشطة الفنية حتى جاء مطلع صيف 2022 ليأتي صوته عبر تسجيل مختصر
ساخراً بمرارة من نبأ إصابته بمرض السرطان، وفي حين لم ينف لكنه أبى أن
يؤكد أو أن يستعطف أو يطلب الاهتمام، وتعامل مع الأزمة بطريقة جعلته يعيش
أيامه الأخيرة في سلام وهدوء، في ما كانت صدمة الرحيل مدوية وسط حزن كبير
ممتد ظهر في رسائل النعي المتدفقة من زملائه وآلاف التعليقات من كل حدب
وصوب.
الرحلة الأخيرة
هشام سليم قال إن السرطان قد يكون أكثر رأفة من فيروس
كورونا الذي يفتك بالناس خلال أيام، وقضى فترة الألم القاسية في منطقة
ساحلية بعيدة من القاهرة كي لا يعطي فرصة لتداول مزيد من الأخبار حول
محنته.
لكن السرطان الذي سخر منه نجل الرياضي المصري البارز
والممثل الراحل صالح سليم هزمه في النهاية بعد رحلة معاناة قصيرة نسبياً،
وكان الأب الذي تميز في أفلام "الباب المفتوح" و"الشموع السوداء" و"السبع
بنات" توفى بالمرض نفسه قبل 20 عاماً في العاصمة الإنجليزية لندن عن (71)
سنة، بينما فارق هشام سليم الحياة قبل أن يكمل الـ 65 من عمره.
بعد ساعات من ليلة مبهجة عاشها النجوم احتفالاً بانطلاق
مهرجان القاهرة الأول للدراما ووسط التكريمات والجوائز، أعلن شرف زكي نقيب
الممثلين وأحد مسؤولي المهرجان وفاة هشام سليم أحد فرسان الدراما
التلفزيوينة في مصر، واصفاً إياه بصديق العمر.
والحقيقة أن هشام سليم صديق كثير من الأسر العربية، إنه
عادل سليم البدري في "ليالي الحلمية" وحسني في "أرابيسك" والشيخ هاشم في
"وما زال النيل يجري" وأشرف في "امرأة من زمن الحب" ووجيه في "أهالينا"،
وهشام أنيس في "الراية البيضا" وفتح الله الحسيني في "المصراوية".
وليست مصادفة أن كل تلك الأعمال من تأليف أحد كبار كتاب
المسلسلات في المنطقة العربية وأحد روادها الذين بنوا مجدها الأول منذ
سنوات، وهو أسامة أنور عكاشة، إذ كان سليم بطلاً مثالياً ومفضلاً لتلك
الحكايات التي خطتها يد عكاشة لتعبر عن البيئة المصرية بصدق وتفرد قلما وجد
مثيله.
موهبة هشام سليم أيضاً جعلته يكسب ثقة المخرج العالمي
الراحل يوسف شاهين، فقدم أداء لافتاً في فيلم "عودة الابن الضال" عام 1976،
إذ كان حينها مراهقاً في الـ 17 من عمره، وهو العمل الذي وقف فيه أمام
ماجدة الرومي، ثم تكرر التعاون مع شاهين مرة أخرى عام 1990 في "إسكندرية
كمان وكمان".
صديق العائلات العربية
في سجل هشام سليم السينمائي محطات بارزة كثيرة بينها "أرض
الأحلام" مع داوود عبدالسيد وسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة التي كانت لها
اليد البيضاء في شهرته الأولى حينما اختارته لتقديم شخصية أحد أبنائها في
فيلم "إمبراطورية ميم" عام 1972 للمخرج حسين كمال، وكان وقتها طفلاً في الـ
12 من عمره، وبعدها بثلاث سنوات شارك معها في "أريد حلاً" من إخراج سعيد
مروزق، وهو الفيلم المهم الذي أسهم في تغيير أحد قوانين الحياة الشخصية
بمصر.
ومن ضمن أفلامه الشهيرة أيضاً "لا تسألني من أنا" و"الزيارة
الأخيرة" و "الأراجوز" و "يا مهلبية يا" و "يا دنيا يا غرامي" و"كريستال"،
وشاركته شريهان بطولة الفيلم الأخير عام 1993، وقبلها تعاون معها في فيلم
"فضيحة العمر" للمخرج عادل الأعصر، إذ تكرر التعاون بينهما أكثر من مرة
بينها أيضاً فيلم "ميت فل" عام 1996 للمخرج رأفت الميهي، وكذلك مسرحية
"شارع محمد علي" وكانت البطولة الرئيسة فيها للفنان فريد شوقي، وتعتبر من
أنجح الأعمال المسرحية على مدى مشوار أبطالها، وهي من تأليف بهجت قمر
وإخراج محمد عبدالعزيز وعرضت عام 1991.
كما تعددت بطولاته أيضاً مع الفنان يسرا زوجة أخيه رجل
الأعمال خالد سليم، وبينها "لقاء على الهوا" و"ملك روحي" و"لدي أقوال أخرى"
و "في إيد أمينة "، إضافة إلى فيلم "العاصفة".
الممثل والمذيع والأب الشجاع
قدم هشام سليم أكثر من 100عمل فني منوع بين التلفزيون
والمسرح والسينما والإذاعة، كما كانت له تجارب في التقديم التلفزيوني، وكان
محظوظاً بالعمل مع نجوم العصر الذهبي للسينما، ولم يتردد أيضاً في أن يشارك
بأدوار أقل مساحة ولكن ذات تأثير قوي مع نجوم هذا الجيل، إذ كان دائم
الحضور في أعمال الممثلين الشباب وإن شهدت السنوات الأخيرة زيادة عدد
مشاركاته كضيف شرف في الأعمال الفنية، ولكنه ظل حاضراً مع ذلك، إذ شارك في
أعمال "كلبش" و"بين عالمين" و"اختفاء" و"اسم موقت" و"طايع" و"حرب الجواسيس"
و "ظل المحارب" و"مجنون ليلى"، وغيرها من المسلسلات الشهيرة، وشارك أيضاً
في أفلام حققت نجاحاً مثل "45 يوماً" و "الأولة في الغرام" و"خيانة مشروعة"
و "إنت عمري" و"الناظر".
أما على الصعيد الاجتماعي فخاض هشم سليم كثيراً من
الصراعات، فقد ظل سنوات ممنوعاً من رؤية بناته بسبب مشكلاته مع والدتهم
بحسب تصريحات تلفزيونية له، كما دخل في خلاف بسببهن قبل سنوات مع الفنانة
ياسمين عبدالعزيز ووصل الأمر حينها إلى القضاء، لكن تظل النقطة الأبرز هي
ظهوره قبل عامين وحديثه بشجاعة عن تحول ابنته جنسياً لتصبح الشاب نور،
مؤكداً أنه يدعم أولاده في كل الأحوال وأنها باتت أفضل حالاً نفسياً بعد
عملية التصحيح هذه، وهي سابقة في الوسط الفني العربي، إذ يفضل النجوم إبعاد
تلك القضايا الخاصة عن التناول الإعلامي، لكن هشام سليم كسب احترام الجمهور
بهذه المساندة النادرة، بخاصة أنه أشار إلى أن الأمر كان طبياً تماماً.
ومع ذلك كانت هناك تعليقات سلبية من قبل بعض رواد "السوشيال
ميديا" على موقف الراحل من ابنه العابر جنسياً، واللافت أن تلك التعليقات
اختفت تماماً وتحولت إلى دعوات بالرحمة بعد إعلان وفاة الفنان المصري،
الأمر الذي يثبت أن رصيده من الشعبية لم يهتز أبداً.
وفي جانب آخر حرصت نقابة المهن التمثيلية على إصدار بيان
كمحاولة استباقية منها لاحتواء أزمة التغطيات الإعلامية لجنازات الفنانين،
وفي ظل حرص أسرة الراحل على خصوصية هذا الموقف جاء في البيان، "تهيب نقابة
المهن التمثيلية بالسادة المصورين والصحافيين والجمهور الحاضرين جنازة
الفنان الكبير هشام سليم الالتزام بالقواعد المتعارف عليها واحترام حق ذوي
الراحل في الخصوصية، وتتقدم النقابة بخالص العزاء لأسرة الفنان القدير وكل
محبيه في مصر والعالم العربي". |