"الأرشيف
الوطني للأفلام" في السعودية… ذاكرة بصرية لرحلة قصيرة
سينمائيون: المنتج السينمائي وثيقة تاريخية بغض النظر عن
جودته
زياد الفيفي صحافي @ZIAD_online
عند الحديث عن التجربة السينمائية السعودية، لن تجد كثيراً
من الأشياء التي يمكن الوقوف عندها، كيف لا والدولة الخليجية الكبيرة التي
تستهلك المنتج المرئي لم تفتتح أولى صالاتها السينمائية سوى قبل سنوات
معدودة.
فمسيرة صناعة الأفلام في السعودية لا تبدو للوهلة الأولى
تجربة قادرة على أن تثري نقاشاً فنياً بخلاف قريناتها في عملية صناعة
الأغنية والمسرح والفنون السردية، التي خطت أقصرها عمراً خطواتها الأولى في
منتصف القرن الماضي.
إلا أن هذا الرأي لا يبدو توافقياً، إذ أعلنت هيئة الأفلام
التابعة لوزارة الثقافة السعودية على هامش توقيعها على تمويل عدد من
المشاريع السينمائية ضمن برنامج "ضوء" لدعم الأفلام، أعلنت عزمها إطلاق
مشروع لأرشفة الحركة السينمائية السعودية.
ولم تفرد الهيئة أي تفاصيل عن المشروع الذي يعطي زخماً
لتجربة تبدو أقصر من أن تستحق ذلك، أو هكذا نظن في بادئ الأمر.
ما هو مشروع التوثيق؟
توجهنا إلى المهندس عبد الله آل عياف، رئيس هيئة الأفلام
السعودية، بالسؤال حول تفاصيل ما كان يفترض أنه إعلان جانبي على هامش حفل
أكبر، أراد تسليط الأضواء على المشاريع الوليدة التي ينوي دعمها مالياً.
آل عياف ابن التجربة القصيرة منذ بداياته مخرجاً قبل أن
يكون على رأس هيئتها، يملك نظرة مختلفة إلى مسيرة أقرانه، إذ أكد
لـ"اندبندنت عربية" أن هيئته تعمل على "مبادرة الأرشيف الوطني للأفلام
لتوثيق إنجازات السينمائيين السعوديين، الذين أثروا الساحة الفنية المحلية
خلال السنوات الماضية بجهد ذاتي، وقدموا أعمالاً وإرثاً فنياً كان بمثابة
المنهج لمن لحق بهم من السينمائيين وصناع الأفلام".
وحول أهمية الخطوة، يضيف عبد الله "لقد كان لهم السبق في
وضع الخطوط العريضة لاتجاه الفن السينمائي السعودي مع ضعف الإمكانات
والموارد آنذاك، ودون وجود صالات للعرض أو مهرجانات محلية"، وهذا برأيه
يدفع بأهمية أن تقوم الهيئة بحفظ "حقوق السينمائيين السعوديين المعاصرين،
وتوثيق أعمالهم تقديراً وتكريماً لهذا المجهود الكبير الذي وضع لبنات
التأسيس للقطاع في وقت مبكر جداً"، تحت ما يسميه بـ"مبادرة الأرشيف الوطني
للأفلام"، وهو مشروع قيد التأسيس والتطوير، وسيتم الإعلان عن بقية التفاصيل
عندما تكون المرحلة مواتية، والتفاصيل أكثر وضوحاً.
هذا الاهتمام لدى المؤسسة الرسمية، دفعنا للبحث في تفاصيل
الرحلة القصيرة التي باتت تحت محبرة التوثيق، وعما تحتويه من تجربة استحقت
به ذلك.
في كل مرة تعود القصة إلى "الخليج"
حين بدأنا بمراجعة أوراق التجربة التي بدأت في 2010 - 2011
كفترة تقريبية لبداية زخم صناعة الأفلام السعودية، بغض النظر عن الجودة،
أصر محمد سندي، وهو صانع أفلام سعودي، على إعادة خط بداية البحث إلى سنوات
معدودة قبل ذلك.
ففي عام 2008 انطلقت أولى نسخ مهرجان الخليج السينمائي، وهي
مسابقة أطلقت على هامش مهرجان دبي السينمائي العالمي، كانت مخصصة لصناع
الأفلام الخليجيين، يترافق مع طقوسها الاحتفالية ورش لتقديم الدورات للجيل
السينمائي الذي بدأ بالتشكل في هذا النطاق الجغرافي من العالم العربي،
بالإضافة إلى مختبرات تطوير النصوص.
ويصف سندي التجربة، وهو الذي عايشها في بدايتها "هذا
المشروع الجديد نجح في جدولة أجندة أعمالنا، فقد صار شهر أبريل (نيسان)
موعداً سنوياً نستعد له منذ سنة"، وعن سبب أهمية ذلك "في ذلك الوقت لم يكن
هناك مسابقات كثيرة في الخليج، وأتى هذا المهرجان الذي كان مصمماً لدفع
الحركة الجديدة إلى الأمام، فعلى سبيل المثال كانت اللجان تتغاضى عن معايير
الجودة في بعض الأحيان لصالح المخرجين الذين قدموا أعمالاً جيدة في نسخ
ماضية، فقط للحفاظ على استمراريتهم في الإنتاج وإعطائهم فرصة المشاركة من
جديد"، فربما يكون ذلك غير مُجدٍ على مستوى المنافسة، لكنه مفيد على مستوى
حماية استمرارية المخرج في العمل، وهو ما يمكن أن يكون مقبولاً إذا ما
فهمنا أهداف الفعالية، بحسب سندي.
الأمر ذاته يؤكده فهد الأسطا، السيناريست والناقد السينمائي
السعودي، الذي يشعر بالامتنان للمهرجان في تكوين البدايات، فقد شكل الأسطا
ومجموعة من السينمائيين المبتدئين في بلاده مجموعة سموها "تلاشي"، حرصت على
اصطياد الفرص التي قدمت لمن هم في الخليج زخماً تجاوز مهرجاناتهم المحلية.
وأضاف الأسطا "لا يوجد سينمائي سعودي إلا ويدين بالفضل لهذا
المهرجان، إذ علمه الكثير وعرض التجارب أمامه حتى يعرف موقعه في العالم".
ويضيف "كل هذه الحركة الموجودة في الخليج اليوم بدأت من هناك، وكثير منها
تعطل بعد توقف المهرجان".
حديث مشابه قاله المخرج صالح ناس من البحرين، الذي خسر منصة
التقائه بأقرانه في دول الخليج بعد توقفه، وهو ما تكرر في حديثنا مع آخرين
من عمان والبحرين، ما يضطرنا لبداية البحث من هذه النقطة، الأمر الذي
أوصلنا إلى مسعود أمر الله.
مسعود أمر الله... في ظل السجادة الكبيرة
مطلع القرن الحالي، خرجت الإمارات إلى العالم، إذ أبدت
الدولة الغنية رغبة في تقديم نفسها كدولة عالمية، ووجهة إقليمية عصرية
ومستنيرة، خلقت هذه الرغبة عملية واسعة من التجديد على صعيد الفعاليات
المحلية مصحوبة بحملة ترويج دولية للوجه الجديد.
كانت مسابقة أفلام الإمارات في أبوظبي أولى تجارب الدولة
الخليجية السينمائية، إلا أن هذا المشروع ذهب لأبعد ما كان يراد له.
فالمسابقة التي أطلقها مسعود أمر الله في أبوظبي 2001، كمهرجان للإماراتيين
بدأ يستقطب الخليجيين بشكل أوسع.
انتشرت المسابقة بين السعوديين، خاصة الكتّاب في زاويا
الفنون القصيرة في الصحف السعودية أمثال عبد الله آل عياف، وفهد الأسطا،
ورجا ساير المطيري، وعبد المحسن المطيري، وآخرين، كانوا يحرصون على حضور
المناسبة والكتابة عنها، ليستحدث المهرجان مساراً للخليجيين، وهنا كانت
البداية. إذ أسهم المسار في نقل المهرجان نقلة نوعية، فشكل بداية لعدد من
المخرجين، مثل هيفاء المنصور التي شاركت بفيلمها الأول بعنوان "من" من
خلاله. هذا التوهج للحركة الخليجية والسعودية صاحبه زخم صنعه مهرجان دبي
السينمائي الدولي الذي انطلق بعد سابقه ببضع سنوات تحت قيادة أمر الله
أيضاً.
أراد مسعود أن يستثمر الانجذاب الخليجي في المسابقة الجديدة
أيضاً، إلا أنه لم يرَ تأسيس مسار خليجي في مهرجان دبي، بل رأى مهرجاناً
مستقلاً للخليجيين في ظل المهرجان العالمي الكبير، وهنا بدأ مهرجان الخليج
للأفلام.
ويصف أمر الله تجربة مهرجان الخليج، قائلاً "كنا نقدم
للمبتدئين حينها نفس الوهج الذي يمكن أن يحصلوا عليه في مهرجان دبي، فصار
جاذباً لصناع الأفلام من كل دول الخليج، وليس السعودية فحسب". وعن سبب
نجاحه يقول "كان النافذة الوحيدة لعرض الأفلام في حينها، فلم يكن هناك
مهرجانات محلية في دول الخليج، بل إن بعضها كالسعودية لم يكن فيها سينما
أصلاً، فصرنا نستقبل في كل نسخة قرابة الـ60 فيلماً من كل دولة، وكانت
المهرجانات الأخرى التي تبحث عن مشاركات شرق أوسطية تأتي إليه لتختار من
أفلامه التي يعرضها".
ويرفض القول إن المهرجان كان يقدم مجاملات وتنازلات على
مستوى الجودة، لكن يحب أن يصفها بطريقة مختلفة "الحركة السينمائية في
الخليج حينها كانت شابة وغير أكاديمية، لذلك كنا نتفهم بعض المشاكل
البنيوية والرؤيوية، ونقوم بتطويرها". ويضرب بفيلم "وجدة" لهيفاء المنصور
مثالاً للذي تم تطويره في أحد مختبرات المهرجان التي كان يعدها بجوار
المحفل.
على الرغم من ذلك تم طي السجادة
ظل مسعود أمر الله، المشرف على المهرجان، يتحدث بحماس لا
يقل عن حماس الشباب الذين كانوا يشاركون فيه لأول مرة، هذا الحماس يثير
تساؤلاً عن سبب توقفه على الرغم من هذا الموقف الإيجابي الذي يملكه منه
مسيروه. ففي 2015 أعلن المهرجان الخليجي الشهير، عن تنظيم آخر نسخه بشكل
مفاجئ دون أن يقدم أي تفسيرات على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حظي بها،
وهو التساؤل الذي تمت إحالته إلى أمر الله، فضحك قليلاً، ثم سكت، وقال
"أسباب مالية".
كما أن أمر الله لم يبدُ مقتنعاً بما قاله، كانت تلك هي ردة
فعل صناع الأفلام أيضاً، فالأسطا الذي شارك مع مجموعة تلاشى في كل نسخه،
قال إن "الحركة التي أسسها المهرجان تعطلت بعد توقفه. والسعوديون كانوا
محظوظين بوجود بديل محلي (مهرجان أفلام السعودي) انطلق بالتزامن مع أيام
الخليج الأخيرة، لكن من هم خارجها تأثروا"، وهو ما يقوله البحريني صالح ناس
"فقدنا التواصل مع كثير من المخرجين الذين كنا نشاهدهم هنا، بل إن بعضهم
توقف عن العمل لافتقاده المنصة التي كان يشارك فيها".
ولكن، إن كان أمر الله لا يملك إجابة كاملة عن سبب توقف
المهرجان، فهو بلا شك يملك إجابة عما سببه توقفها، وهو الذي يقول "الحقيقة،
لقد عادت الحركة إلى الوراء، الدفعة الهائلة التي كان الشباب يجدها هناك
اختلفت، انطفأت الشعلة التي كانت تبقيهم على الانتظار كل عام، والضرر كان
متفاوتاً، فبالنسبة للسعوديين فقد نجح أحمد الملا في مهرجان أفلام السعودية
في احتوائهم، لكن بقية دول الخليج ضلوا بلا مهرجان".
مهرجان أفلام السعودية
وما دام الحديث قد قادنا إلى مهرجان أفلام السعودية، فقد
بات من الضروري الانتقال لمحطة ثانية في رحلة قراءة التاريخ القصير لتجربة
الأفلام التي تقف على مشارف مشروع توثيقي.
نجح مشروع مدينة الدمام في احتواء المجموعة التي ولدت في
دبي، وهو ما كان يهدف له، بحسب أحمد الملا، مؤسس ومدير مهرجان أفلام
السعودية، الذي انطلق في 2008، وتوقف بضع سنوات بسبب معارك لا علاقة لها
بالسينما كان يضطر لخوضها كل عام.
مثل هذه المناسبات في ذلك الوقت، كانت تضع متبنيها في
مواجهة مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) التي
اضطرتهم لتوقيع تعهدات بعدد النسخ التي نظموها، إلى حين كف يد هذا الجهاز
في 2016.
ويقول أحمد الملا "حرصنا على رفع معايير الجودة، لكن ليس
إلى الدرجة التي تضطرنا لاستبعاد التجارب الأولى، إذ كنا نتيح الفرصة
للتجارب الواعدة من مختلف الفئات". وجود الملا على رأس المسابقة جعله
متابعاً للحركة السينمائية وما تنتجه منذ البدايات، لذلك يؤمن بأهمية خطوة
التوثيق. ويسجل الملا تحفظه على التقليل من جودة الأفلام الماضية، ويضيف
حول توثيقها "البدء في حفظ وتدوين الذاكرة البصرية هو أشبه بمرحلة التدوين
التي تلي المرحلة الشفاهية. وهنا أجزم بأهمية الأرشيف الوطني، وأتمنى أن
يمتد لكل المجالات".
الذاكرة البصرية
وعلى الرغم من أنه ينفي مشاركته بمشروع التوثيق، فإن مسعود
أمر الله يصر على أهليته لقيادة العملية "الملا عاصر التجربة كاملة، لذلك
أراه أجدر من يقوم بهذه الخطوة المهمة". ويضيف حول مشروع التوثيق "كل فيلم
يصنع في التاريخ هو مهم، بغض النظر عن جودته، لأنه يمثل مرحلته، فلا يجب أن
يقيم على الجودة، بل على المرحلة، فالذاكرة البصرية هي الوسيلة الوحيدة
لدراسة المرحلة، فهي وثيقة تاريخية تصف المكان واللهجة واللباس".
ويتفق الأسطا مع أمر الله في ذلك، ويؤكد قيمة مشروع الأرشفة
من ناحية "حفظ تصاعد التجربة السينمائية، فلا نعلم إلى أين ستصل في
المستقبل، ونحتاج إلى دراستها يوماً، كيف كانت وكيف صارت؟". ويضيف فائدة
أخرى لمشروع التوثيق "يمكن أن نعرف حين تستقر التجربة هل كانت يوماً
انعكاساً أميناً للمجتمع؟ كيف كانت علاقتها بالحالة السياسية؟ وهل كانت
متوائمة مع مزاجهة أم مقاومة له"، وهي عمليات تتم اليوم على أفلام القرن
الماضي.
هذه الرحلة القصيرة لشريط أحداث التقطته الكاميرا، لم تحقق
فيه ما يذكر سوى أنها وثيقة لمرحلة ما، سينمائياً واجتماعياً، تحكي قصصاً
رأى مخرجوها أنها تستحق التوثيق من دون أدنى فكرة عن فرص عرضها في بلاد
تعرفت على مقاعد السينما الجلدية قبل أربع سنوات فقط، هي ما يبدو أنها تعطي
مشروع التوثيق الوطني أهميته، فوجود الثغرات التاريخية في بعض السير سببه
عدم إيمان عصره بأهمية توثيقه تلك المرحلة في حينها، التي بدورها باتت مهمة
بعد مرور سنوات طويلة عليها. |