15
فيلماً عالمياً في عنق زجاجة الأوسكار
السودان غاب... وتونس الترشيح العربي الوحيد
هوليوود: محمد رُضا
أعلنت أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قائمتها القصيرة
من الأفلام التي اختيرت للتنافس على جائزة أفضل فيلم عالمي (أجنبي، كما كان
اسمه). هي المرحلة الثانية من الترشيحات. الأولى ما بعثت به الدول
ومؤسساتها من أفلام التي يزيد عددها كل عام عن 75 فيلماً يزيد حيناً ويبقى
ضمن هذا المعدل أحياناً.
هذه المرحلة الثانية تؤدي إلى مرحلة ثالثة وهي اختيار
الأفلام الخمسة التي ستدخل السباق فيما بينها تمهيداً للمرحلة الأخيرة وهي
إعلان الفيلم الفائز في حفلة الأوسكار الثالث والتسعين المقبلة.
هذا هو المنوال في كل سنة منذ العديد من الأعوام. المختلف
هذه المرّة أن «القائمة القصيرة» تتألّف، وللمرّة الأولى، من خمسة عشر
فيلماً وليس تسعة أفلام كما في غالب السنوات السابقة (في بعضها بلغ عدد
الأفلام في هذه الفئة عشرة).
يعكس هذا أكثر من مجرد اهتمام بالسينما الناطقة بلغات
أجنبية. يعكس وفرة الأفلام التي استحقت الترشيح ويعكس رغبة الأكاديمية في
الاعتراف بعالمية السينما ومصادرها المتنوّعة ويعكس أيضاً نمو الصناعة
السينمائية (المحاصرة اليوم بمشاكل خلقتها ظروف الوباء) إلى أفق جديد لم
يتوفر من ذي قبل.
مسابقة
«أفضل فيلم بلغة أجنبية» أسست رسمياً سنة 1957. الدول التي تنافست على
أوسكار هذه المسابقة كانت خمسة (لم يكن هناك، ولعشرات السنين بعد ذلك
التاريخ، ما يُعرف بالقائمة القصيرة) هي اليابان («الفيتارة البرموزية»)
لكن إتشيكاوا وألمانيا («كابتن كوبينيك» لهلموت كوتنر) والدنمارك
(«كيفيتوك» لإريك بولينغ) وفرنسا («جيرفيز» لرينيه كليمان) وإيطاليا («لا
سترادا» لفديريكو فيلليني). وهذا الأخير هو الذي فاز بالأوسكار الأول في
هذا التقليد.
قبل ذلك العام جرت العادة توزيع جوائز شرفية لأفلام وشخصيات
بعضها عالمي. كانت مستحقة في معظم السنوات، لكنها بدت عشوائية وبالتأكيد
غير منظمة في منهجها.
منذ عام 1957 داومت الأكاديمية الاهتمام بالسينمات العالمية
لكن الترشيحات لم تكن ذات تنوّع كبير. كما الحال في الأفلام المذكورة أعلاه
غلب على الترشيحات الرسمية لهذه الجائزة الأفلام القادمة من القارة
الأوروبية (الغربية آنذاك بعدما تم تقسيم القارة سياسياً إلى شرق وغرب).
وصول عدد الأفلام في القائمة القصيرة إلى الرقم 15 خطوة
تعزز أهمية الأفلام العالمية بالنسبة للأوسكار كما تعزز الأوسكار بالنسبة
للدول العالمية. هذا الاهتمام المتبادل والاعتراف بقيمة الأعمال الناطقة
بلغات بلدانها، قد يكون تمهيداً لانتقال الترشيحات الرسمية (المرحلة
التالية) من خمسة أفلام فقط إلى تسعة كما حال أوسكارات الأفلام الناطقة
بالإنجليزية.
-
الترشيح
ما يلفت الاهتمام الجاد هنا هو أن سبعة من أفلام القائمة
أتت من دول أوروبية. الثماني الأخرى خارج أوروبا. تلك الأوروبية تتكوّن من
بوسنيا («كيو فاديس، عايدة»)، جمهورية التشيك («شارلاتان»)، الدنمارك
(«دورة أخرى»)، روسيا («الرفاق الأعزاء»)، فرنسا («كلانا»)، نورواي
(«أمل»)، رومانيا
(«جَمَعي»
Collective).
أما الدول غير الأوروبية فهي تونس («الرجل الذي باع ظهره»)،
تشيلي («العميل الجاسوس»)، غواتيمالا («لا لورونا»)، هونغ كونغ («أيام
أفضل»)، ساحل العاج («ليلة الملوك»)، تايوان («شمس»)، إيران («أطفال
الشمس») والمكسيك («لم أعد هنا»).
وصول تونس وغواتيمالا إلى هذه القائمة يتم للمرّة الأولى.
بالنسبة لفيلم كوثر بن هنية «الرجل الذي باع ظهره» (العنوان الإنجليزي
للفيلم «الرجل الذي باع جلده») الشامل على عدّة مواضيع ضمن سياق قصّته،
فإنها المرّة السابعة التي تتقدّم فيها تونس للاشتراك في سباق أفضل فيلم
عالمي. أما غواتيمالا فهذه مرّتها الثالثة التي ترسل فيها فيلماً
للترشيحات. كما عرضناه سابقاً فإن فيلمها «لا لورونا» حدث رائع على صعيد
السينما كفن، لجانب أن موضوعه يلقي نظرة جديدة على الديكتاتوريات اللاتينية.
خمسة من الأفلام الخمسة عشر هي من إخراج نسائي بينها «الرجل
الذي باع ظهره»). واثنان من هذه الأفلام تسجيليان («جَمَعي» لإلكسندر ناناو
و«العميل الجاسوس» لميتي ألبردي).
ثلاثة أفلام من هذه المذكورة في القائمتين الأوروبية وغير
الأوروبية تم ترشيحها قبل نحو أسبوع لجوائز غولدن غلوبز وهي الفرنسي
«كلانا» والغواتيمالي «لا لورونا» والدنماركي «دورة ثانية» لكن قوّة هذه
الأفلام الثلاثة وجودتها لم تكن ستغيب عن اهتمام اللجنة الأكاديمية التي
توصّلت للأفلام الخمسة عشر.
إلى حد كبير كان الأمر مخيباً للآمال بالنسبة لصانعي
(وموزّعي) الفيلم السوداني «ستموت في العشرين».
فيلم أمجد أبو العلا الإنساني الذي يفوح بنسيم من الواقعية
الشعرية حظي بإعجاب النقاد على نحو واسع وعلى عشرة جوائز مختلفة من عشر
مهرجانات (بينها فريبورغ (الجائزة الكبرى) ومالمو للسينما العربية (أفضل
مخرج) وأيام قرطاج السينمائية (أفضل سيناريو) وعلى النجمة الذهبية (مهرجان
الجونة) كما على جائزة مهرجان هامبورغ للإنتاج بين أخرى.
هل هناك طريقة لفهم سبب فوز الترشيح التونسي المتمثّل بفيلم
«الرجل الذي باع جلده» وعدم فوز «ستموت في العشرين»؟ على المرء أن يسأل كل
فرد في لجنة الترشيحات، كلاهما جيد لكن الفيلم التونسي يتميّز بلمعة
أوروبية وبتمويل عالٍ، بينما يواكب الفيلم السوداني إطاره المحلي بميزانية
محدودة. هذا فارق ملحوظ لكنه لا يجب أن يؤدي إلى فهم سبب التفضيل.
نلحظ غياب الفيلمين معاً في ترشيحات سيزار الفرنسية (أعلنت
قبل أيام قليلة بدورها). قائمة «أفضل فيلم أجنبي» تحتوي على أفلام ناطقة
بالإنجليزية. كون المسابقة فرنسية، ونلحظ أن أربعة منها أوروبية المنشأ وهي
بريطانيا («1917» لسام منديس ولو أن الفيلم ارتبط بتمويل أميركي أيضاً)
وبولندا («كوربوس كريستي» ليان كوماسا، الذي ينعى الأخلاقيات والمبادئ
الدينية المختلفة) والدنمارك («دورة أخرى» الفيلم الوحيد في القائمة الذي
يظهر في القائمة الأميركية) وإسبانيا («عذراء أغسطس» ليوناس ترويبا).
الفيلم غير الأوروبي الوحيد هو «مياه داكنة» لتود فيليبس (الولايات
المتحدة).
طبعاً الغياب لف بجناحه أفلاماً أخرى مهمّة توسلت الوصول
إلى هذه القائمة (على الأقل) بينها الفيلم البولندي «كوربوس كريستي». من
بين الأفلام التي نالت رعاية نقدية عالية ولم تتمخض عن دخول لائحة الأوسكار
فيلم ناوومي كواسي «أمهات حقيقيات»… لكن إذا ما كنا نريد أن نكون واقعيين
فإن فيلم هذه المخرجة اليابانية ليس من بين أعمالها المشهودة حقاً.
جوائز الأوسكار بحد ذاتها أكثر طموحاً في تغطية نتاجات
العالم، وهذا سبب مهم للتنبؤ بأن عدد الأفلام التي ستخرج من أنبوب الاختبار
الحالي إلى الترشيحات الرسمية سيرتفع إلى أكثر من خمسة أفلام كما هو الحال
الراهن. إن لم يكن هذا العام فبالتأكيد قبل بلوغ الأوسكار عامه الـ100 بعد
سبع سنوات. |