لوائح الأوسكار مثل كل المهرجانات العالمية تحكمها السياسة
أمل رمسيس: فجأة
تم اكتشاف السينما السورية وكأنها لم تكن موجودة
لمى طيارة
صورة واحدة للعرب في السينما: وجوه قبيحة وعادات غريبة
وتوتر دائم.
تلعب المواقف السياسية والجماعات الضاغطة والمصالح
الاقتصادية دورا مباشرا ليس فقط في إنتاج الأفلام السينمائية العربية
وإتاحة الفرص المتكررة لتوزيعها ومشاركتها في المهرجانات الدولية الكبرى،
بل أيضا في الوصول إلى قوائم الجوائز العالمية والتي تأتي في مقدمتها جائزة
الأوسكار، فما هو رأي النقاد العرب في تلك المعضلة؟
تتسابق الأفلام العربية وخاصة ذات الإنتاج المشترك
والمدعومة من قبل مهرجانات عربية عريقة لنيل شرف المشاركة في المهرجانات
الدولية كمهرجان كان وبرلين والبندقية، والحقيقة أن بعضا منها فقط يحظى
بفرصة وخاصة في حال ارتبط بمواضيع شائكة تهم الغرب وتستدعي انتباهه.
الدعم المادي والمعنوي الذي تتلقاه بعض الأفلام العربية قد
لا يكون كافيا لوصولها إلى القائمة القصيرة من ترشيحات الأوسكار أو حتى
لوصولها إلى القائمة الطويلة على الرغم مما تتمتع به من جودة سواء في مستوى
السيناريو أو في الجانب التقني والفني، فهل يتعلق الأمر بأذواق الرقيب
ولجان الاختيار أم أن المسألة لها أبعاد سياسية أخرى؟
كليشيهات حول العرب
منذ فترة وأثناء حوار مع المخرجة المصرية أمل رمسيس حول
الرقابة والرقيب في إجازة الأفلام السينمائية، أشارت إلى أنه في الغرب لا
يوجد رقيب ولا رقابة رسمية بالمعنى الحرفي للرقابة التي نعرفها في بلادنا
العربية، لكن من المؤكد أن هناك طريقة يريد الغرب أن يرانا من خلالها،
وبالتالي هناك أفلام عربية قد تكون مهمة جدا ولا تجد طريقها إلى أي مهرجان
أوروبي.
وترى رمسيس أن مسألة اختيار الأفلام ترتبط بأمور أعمق
موجودة في عقلية المبرمج، وهي عقلية تطالب برؤيتنا بطريقة معينة أو من خلال
وجهة نظر مختلفة في قوالب لها علاقة بالثقافة والميديا وتناسب الأوروبيين
الذين اعتادوا على رؤيتنا من خلالها.
وتشير رمسيس إلى أن هذا الأمر بات واضحا مؤخرا وخاصة
بالنسبة إلى الأفلام السورية التي يتم الاحتفاء بها، وكأنه فجأة تم اكتشاف
السينما السورية، وكأنها وليدة اليوم أو لم تكن موجودة في زمن ما قبل الحرب
على الرغم من أن الجميع يعلم بوجودها وبوجود مخرجين ومصورين سوريين وحركة
سينمائية هامة ويعتبر هذا إنكارا لواقع مهم، لكن يبدو أن السينما السورية
لم تكن سابقا من ضمن أولويات المهرجانات.
وموقفها هذا يتوافق تماما مع موقف المخرج والناقد المغربي
عبدالاله الجوهري الذي يرى أن موضوع إجازة الأفلام لا يقتصر على السينما
العربية، فالسينما الغربية أيضا ومنذ نشأتها ومع بدء الصراع العربي –
الإسرائيلي والمواجهات بين الدول العربية والغربية كان لها دور أساسي في
تقديم وعرض تلك الصراعات، ولكن ضمن قوالب فنية موجهه للرأي العام الغربي.
ويضيف “مع مرور الأيام والسنوات وضعت لائحة يمكن تسميتها
فنية تضم مجموعة من الكليشيهات التي يجب أن تلتزم بها بشكل خاص السينما
الهوليوودية المرتبطة بالعرب تحديدا من حيث عاداتهم وتقاليدهم، وأي فيلم
يحاول أن يخرج عن هذه اللائحة أو الخط العام يعاني كثيرا من ناحية التوزيع
وقلة المشاركة في المهرجانات”.
أما بالنسبة إلى الأفلام العربية أو المنتجة في العالم
العربي وخصوصا المدعومة من قبل الصناديق الغربية فعليها أن تلعب على نغمة
واحدة، وهي الوجوه القبيحة والعادات والتقاليد الغريبة والتوتر الذي يسود
العالم العربي.
القضية السورية والأوسكار
التفتت المهرجانات العالمية في الغرب إلى قضايا الصراعات
الكبرى فاهتمت بالأفلام الفلسطينية التي تدور في فلك الصراع العربي –
الإسرائيلي، وفي مرحلة أخرى اهتمت بالأفلام المعارضة للنظام الشيوعي كما
اهتمت بالأفلام التي يقدمها مخرجون إيرانيون معارضون وغيرها من الأعمال.
ولكن الاهتمام بالقضية السورية أخذ حيزا كبيرا لم يقتصر على
الأفلام التي قدمها المخرجون السوريون أنفسهم، بل توسع ليشمل أفلاما أخرى
لمنتجين ومخرجين عرب وتلقت ترحابا كبيرا مثل الفيلم الروائي “كفر ناحوم”
للمخرجة اللبنانية نادين لبكي.
عبدالإله الجوهري: سر
نجاح أي فيلم أن يلتزم بالصورة المطلوبة عن العالم العربي
كما قوبلت بعض الأفلام السورية الوثائقية بنفس الحماس
والترحاب نذكر منها “آخر الرجال في حلب”، “طعم الإسمنت”، “عن الآباء
والأبناء”، “من أجل سما” و”الكهف” وغيرها من الأفلام التي حازت في مجملها
على جوائز دولية ووصل البعض منها إلى القائمة القصيرة في جائزة الأوسكار
لأفضل فيلم أجنبي، وها هي اليوم المخرجة التونسية كوثر بن هنية تقدم فيلما
بعنوان “الرجل الذي باع ظهره” والذي يدور في إطار مشكلة اللجوء التي يعاني
منها الشباب السوري فتلقى نفس القبول والترحاب وتصل إلى القائمة القصير من
جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
وبدأت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة بتنظيم جائزة
أوسكار منذ العام 1929، لكنها لم تخصص جائزة شرفية لأفضل فيلم أجنبي (غير
ناطق بالإنجليزية) حتى العام 1956، وكانت فكرة تلك الجائزة تقوم على أساس
ترشيح فيلم سينمائي من قبل دولة أو منظمة أو لجنة أو حتى مجرد مجلس مكون من
أشخاص يعملون في السينما للمشاركة في الأوسكار، على أن يكون قد عرض تجاريا
لمدة أسبوع كامل في إحدى قاعات العرض السينمائية وسبق وأن حصل على جائزة من
أحد المهرجانات المتعارف عليها دوليا.
وبعد أن تتم مشاهدة الأفلام المرشحة والتي تمت ترجمتها إلى
الإنجليزية من قبل أعضاء الأكاديمية المكونين من مجموعة كبيرة من الممثلين
إلى جانب العاملين في اختصاصات سينمائية مختلفة، يتم اختيار القائمة
القصيرة منها والتي تقتصر على خمسة أفلام.
نبيل حاجي: الأفلام
المرشحة للأوسكار تتمتع ببعد سياسي وبجمالية كبيرة
وكانت قد بدأت المشاركات العربية في جائزة الأوسكار لأفضل
فيلم أجنبي منذ وقت مبكر تحديدا مع فيلم “باب الحديد” للمخرج المصري
العالمي يوسف شاهين، ثم توقفت إلى أن عادت مع فيلم “زاد” للمخرج كوستا
غافراس الذي اعتبر أول فيلم عربي يتوج بجائزة في الأوسكار رغم أن مخرجه لم
يكن عربيا، ودارت أحداثه حول الانقلاب العسكري الذي حصل في اليونان في
منتصف الستينات والذي تسبب في سيطرة الجيش على السلطة، إلا أنه كان من
إنتاج مشترك ما بين الجزائر ممثلة بالمؤسسة القومية لتجارة وصناعة السينما
وفرنسا.
أما أول فنان عربي رشح لجائزة الأوسكار كأحسن ممثل مساعد
عام 1962، فكان الفنان المصري العالمي عمر الشريف عن دوره في فيلم “لورانس
العرب”.
وعادت الأفلام العربية للمشاركة في جوائز الأكاديمية بتواتر
معقول فسجلت حضورا لافتا للأفلام التي دارت حول قضايا سياسية كبرى وعلى
رأسها القضية الفلسطينية، ومؤخرا مع ازدياد الاهتمام بالقضية السورية بدأت
تتوهج الأفلام الروائية والوثائقية التي تخوض في الشأن السوري وباتت تتخذ
مكانا لها ليس فقط في الترشيحات الأساسية للأوسكار بل للوصول إلى القائمة
القصيرة منه.
ووصل الفيلم الروائي اللبناني “كفر ناحوم” إلى القائمة
القصيرة كما وصل الفيلمان الوثائقيان السوريان “من أجل سما” لوعد الخطيب
و”الكهف” لفراس فياض. وهذا العام ضمت القائمة القصيرة الفيلم التونسي
“الرجل الذي باع ظهره” لكوثر بن هنية، فهل فعلا تلعب السياسة وأجنداتها
دورا في وصول تلك الأفلام للعالمية أم أنه كان وصولا مستحقا؟
تأثيرات سياسية
يقول الجوهري “كل المهرجانات الكبيرة مثل كان والبندقية
وبرلين وحتى جوائز الأوسكار تحكمها إلى حد كبير خلفيات سياسية، وإذا ما
أردنا أن نتتبع مجمل الأفلام التي فازت بجوائز في السنوات الأخيرة أو تلك
التي ترشحت لها نجد أسبابا سياسية تقف وراءها، إما لها علاقة بما يقع في
الشرق الأوسط عامة أو لها علاقة مثلا بإيران أو الصين الشعبية أو صراع
الكوريتين، بمعنى أن الجوائز لا تحتكم دائما للخلفيات التقنية والجمالية”.
أسامة عبدالفتاح: فيلم
"الرجل الذي باع ظهره" جيد تقنيا لكن له مشاكل في السيناريو
أما بالنسبة إلى فيلم كوثر بن هنية “الرجل الذي باع ظهره”
ووصوله إلى القائمة القصيرة من جائزة الأوسكار فيرى الجوهري أنه لم يأت
اعتباطيا، وإنما لكون الفيلم يدور حول موضوع يعتبر اليوم حديث الساعة سواء
في المحافل السياسية أو الثقافية، مؤكدا على أنه وبالرغم من أن اختيار
الأفلام يجب أن يكون بالحد الأدنى من الجودة والإمكانيات التقنية، إلا أن
الفيلم كان أقل قيمة تقنيا وفنيا مقارنة بأفلام عربية أخرى مثل الفيلم
السوداني “ستموت في العشرين” وفيلم “غزة مونامور” وفيلم “200 متر”، إلا أن
الحاسم لاختيار أي فيلم في مسابقة أو مهرجان أو حتى لدعمه سياسيا أن يلتزم
بالصورة المحددة والمطلوبة عن العالم العربي، وهو الأمر الذي بسببه تقفل
الأبواب أمام بعض الأفلام العربية الجيدة سواء في التوزيع أو المشاركة في
مهرجانات كبرى.
ويتفق الناقد الجزائري نبيل حاجي مع ما قاله الجوهري حول
جوائز الأوسكار قائلا “على الرغم من أن لتلك الجائزة أبعادا كبيرة ومتابعة
من طرف الكثير من المهتمين والشغوفين بالسينما، فإنها دائما تحمل طعما
سياسيا وخاصة بالنسبة إلى الأفلام الأجنبية”، مؤكدا على أن “اختيارات
الأفلام الأميركية أو الأفلام الأجنبية على حد سواء تخضع لاعتبارات كثيرة،
منها ما هو متعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل عام، أو
lobby
(المجموعات الضاغطة) التي تشتغل وراء هذه الأفلام، أو تتعلق بالإنتاجات
المشتركة التي تسلط الضوء على بعض الدول وما تعيشه من تقلبات سياسية وأمنية
وحروب وغيرها”.
ويرى حاجي أنه “منذ أكثر من ثلاثة عقود وحيث توجد بؤرة توتر
أو أزمات سياسية يكون هناك تعاط استثنائي للحصول على التعاطف والمساندة
ومحاولة تقديم مقاربات أخرى لما يحدث في الواقع، كما حصل في حال القضية
الأفغانية والعراقية والإيرانية وغيرها، حتى بالنسبة إلى الجزائر كانت مادة
دسمة في تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية، بمعنى أن كل الأفلام التي
كانت تتعاطى مع الشأن الجزائري كانت تشكل حدثا وهناك ركوب سياسي عليها
وهناك مطامع سياسية واقتصادية من وراء الاهتمام وتسليط الضوء”.
رغم ذلك لا ينفي الناقد الجزائري أن الأفلام المرشحة
للأوسكار تتمتع ببعد وعمق سياسي وبجمالية كبيرة، لكنه لا ينفي أيضا وجود
اعتبارات اقتصادية، لأن السينما قبل أي شيء صناعة ويقف خلفها الكثير من
رجال الأعمال، وهناك دائما مجال للعب اقتصاديا على هذه المسألة.
خميس الخياطي: كوثر
بن هنية ستصبح علامة عالمية من خلال فيلمها الأخير
أما بالنسبة إلى فيلم “الرجل الذي باع ظهره” والذي يتعاطى
مع إحدى القضايا السورية ألا وهي اللجوء، فيعتقد حاجي أن اختيار موضوعه من
قبل المخرجة ليس بريئا أو مجردا ضمن السياقات العامة التي نعرفها عن
مساراتها وعن القائمين على إنتاج وتمويل الفيلم، وأشار إلى أن القضية
السورية في النهاية ليست هي المهمة سينمائيا بقدر أهمية تداعيات أخرى
متعلقة بالمنطقة وما سيحدث لها من تطورات وتحولات مستقبلا.
ويخالف الناقد التونسي خميس الخياطي كلا من الجوهري وحاجي
فيرى أن فيلم كوثر بن هنية يستحق وجوده في القائمة القصيرة للأوسكار لأكثر
من سبب، أهمهما أنه استمرار لأسلوب المخرجة في النسق الدرامي الذي يجمع
شتات الشخصيات على مر الدراما ويجعل منهم أبطالا، ولأنه فيلم يقدم شخصية
لاجئ سوري، وكما أن المخرجة رويدا رويدا ستصبح علامة عالمية في تمكينها
لعنصر جسدي من أن يكون دلالة حضارية.
وأكد الخياطي أن قيمة السرد الدرامي للفيلم واختيار
الممثلين والمزج الإنتاجي بين عدة شركات إنتاج، منذ فيلم المخرجة المعنون
"شلاط تونس" حتى فيلمها الأخير، كلها عوامل تؤكد أنها مخرجة بحق.
بينما يرى الناقد السينمائي المصري أسامة عبدالفتاح أن فيلم
“الرجل الذي باع ظهره” جيد الصنع على المستوى التقني، ولكن هناك بعض
المشاكل على مستوى السيناريو وخاصة بالنسبة إلى البناء الدرامي، وتحديدا في
النهاية التي رآها البعض وهو منهم ساذجة.
ويؤكد عبدالفتاح أن تناول القضية السورية كان له دور كبير
في اختيار الفيلم ووصوله إلى القائمة القصيرة في حين خرجت أفلام أخرى لم
تكن أفضل منه وإنما كانت جيدة أيضا مثل الفيلم السوداني “ستموت في العشرين”.
وتبقى مسألة برمجة الأفلام وحضورها ضمن المهرجانات العالمية
أو المسابقات الدولية ذات بعد سياسي مهما حاول البعض تجاهل ذلك، وستبقى
للأسف الأفلام التي تقدم صورة طبق الأصل عن الواقع العربي التي لا يود
الغرب مشاهدتها خارج إطار العرض والطلب حتى إشعار آخر.
كاتبة سورية |