في يوم جنازته، لماذا هذا الإجماع العربي بالحزن على المخرج
الراحل حاتم علي؟
راما طبه
“رحل
الرجل الكبير وتركني أتساءل وراءه عن معنى البطولة… وقريباً يموت آخر
الشهود المجهولين، آخر الرواة المنسيين، أولئك الذين عرفوه أيام شبابه
جواداً بريّاً لم يُسرج بغير الريح، فمن يحمل عبء الذاكرة ومن يكتب سيرة من
لا سير لهم في بطون الكتب”، بضعة أسطر من رثاء “علي” للبطل “أبو صالح” في
مسلسل التغريبة الفلسطينية حين وفاته، لكنها اليوم موجهة إليك، فليس كل
الأبطال أبطال المعارك فقط وإنما في ساحات التصوير أيضاً. وبوفاتك تشكلت
صدمة وفاجعة كبرى لدى هذا الجيل الذي كبر على أعمالك، ولا شكّ أن ألم هذا
الخبر يزداد يوماً تلو الآخر، لأننا مع مضي الوقت نكتشف أنه خبر حقيقي وليس
كابوساً أو مشهداً تراجيدياً ننتظر أن تقول له “ستوب”، فكانت سنة 2020 من
إخراج حاتم
علي.
رثاء المحبين
تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى
خيمة عزاء كبيرة وواسعة لم نشهد مثل ردة الفعل العربية هذه التي امتدت من
لحظة إعلان الخبر حتى جنازته اليوم بعد ثلاثة أيام والأمر مستمر، ولم يقتصر
على الفنانين أو من عملوا معه وحتى الذين جمعوا بين الصداقة والعمل كالممثل
الصديق له جمال
سليمان والمخرج
الليث حجو، بل اكتشفنا العدد الهائل من متابعي أعماله والمتعطشين لها. ولن
تهدأ على ما يبدو إعادة مشاركة العديد من المشاهد فهذه الواقعة قد جمّعت
المحبين مع بعضهم إلكترونياً متجاوزين بُعد المسافات على امتداد خارطة
العالم، الجديد أن البعض بدأ بمنشور خاص للدعاء لك وآخر لبدء قراءة ختمة
قرآن عن روحك، ما أعظم هذا الأثر الذي تركته في نفوسنا!
يُذكر أنه قد أنشأ صفحة فيسبوك شخصية له منذ بضعة شهور، على
الرغم من عدم رغبته بخوض وسائل التواصل الاجتماعي ولكنه اضطر إلى ذلك بسبب
وجود بعض الأشخاص الذين ينتحلون شخصيته عبر الفيسبوك ويستغلوا الناس، لا
أدري أنني سأشكر فعلتهم هذه اليوم التي جعلت لمحبيك مرجعاً يشيرون لك
بمنشوراتهم، وكأنك كنت تشعر بما سيحصل فكنت تتواصل مع جمهورك كمن يودّعهم.
هذه الواقعة جعلتني أتذكر حلقة الفصول الأربعة عند حزن فاتن
على وفاة الأميرة
ديانا التي
قد جمعتها معها صورة عابرة فقط ولكن لتخفيف ألمها قد أقامت عزاء، كنا قد
سخرنا من ردة الفعل، ولم ندري أننا الآن بحاجة لخيمة عزاء تواسي حزننا،
ونحن الذين جمعتنا بك أعمال مصوّرة طويلة. ولم يكن ذلك المشهد الوحيد الذي
أعادته ذاكرتنا بل هناك مشهد قاسي في الفصول الأربعة أيضاً لخالد تاجا
عندما قال: “الموت حق، كاس بدو يمر على كل هالناس، بس يعني أنا زعلان على
حالي، زعلان من حالي، يعني زعلان على حالي لإنو نحنا بالموت ما منكون عم
نبكي عالميت، الميت راح لوجه ربو، بس نحنا اللي منكون فقدنا شخص عزيز بيترك
بحياتنا فراغ ما بيتعبى أبداً ومنحس بإنو نقصنا شي، منبكي لإنو نقصنا شي”
والمؤثر أكثر في هذا الكلام أن هذه الحلقة من كتابة زوجة الراحل دلع ممدوح
الرحبي، وكأنها كتبتها لهذا اليوم.
مقتطفات من أعماله مع الحوارات والموسيقا التصويرية شاركت
في رثاءه، فنسجت أسماء المسلسلات جملاً
عن ألم وقساوة هذا الحدث على متابعيه. وقد تفاعلت أيضاً الصحافة السينمائية
العالمية مع خبر الوفاة لينتقل اسمه من مخرج عربي إلى عالمي.
بالنسبة لي شخصياً، سيبقى رحيله ألماً أبدياً وإشارة بأن
التأجيل الدائم -حتى ولو كان لظروف خارجة عن إرادتنا- نظنه قليلاً، ولكنه
اليوم بات كثيراً. لم أكن أتخيل أن يجمعني به مقال بخبر عن وفاته بالتحديد،
في حين كان المخطط غير ذلك. فلم يعد للخطة طعم ولا الفكرة ستكتمل كما كنت
قد أحببت.
لماذا هذا الإجماع العربي بالحزن على المخرج حاتم
علي؟
معظم الفنانين ومن في الوسط الفني والإعلامي العربي قد نعوا
خبر الوفاة ببالغ الحزن سواء من عمل معه أم لا، ولكن إذا ذكرناهم ستكون
شهادة مجروحة، لأن ذلك لم يقتصر عليهم فقط بل شمل المحبين في الوطن العربي
بمختلف بلدانه بالإضافة إلى كُتّاب، مؤثرين، بضع من رجال الدين وإعلاميين
من سائر الدول العربية (اللبناني، المصري، الخليجي، المغربي والتونسي…).
لأول مرة نشهد هكذا إجماع وبرأي واحد سواء في بلده سوريا أو حتى في البلدان
العربية متأسفين عن حجم هذه الخسارة. سنطرح هنا بعض العوامل التي عززت
الإجماع العربي كله حزناً على هذا المخرج.
أعمال موجهة لكل أفراد العائلة وتعزز معنى العائلة:
ربما تكون فكرة بسيطة، ولكنها السهل الممتنع، والأكثر
انتشاراً حينما أجاب العامّة، لمَ نبكي حاتم إلى هذه الدرجة؟ إنهم يبكون
فيه شبابهم وقضاياهم اليومية التي عرضها بصورة إنسانية متكاملة، يبكون
جمعاتهم العائلية بمسلسلاته والتي برز دورها مؤخراً عندما تتم إعادة مشاهدة
هذه الأعمال بعدما تباعدت المسافات وفقدنا قوة الروابط الأسرية واغترب
الكثير، فكنا نلجأ للقطاته لنتذكر أنفسنا ووطننا ودفء العائلة، فعرفه
الصغير قبل الكبير، جميعنا يوم من الأيام تمنينا أن نكون جزءاً من عائلة
الفصول الأربعة، حُفرت بذاكرتنا شخصياتها وإلى الآن نعيد المشاهدة وكأنها
أول مرة، تيتا نبيلة وجدو كريم وفاتن ومجدة وشادية وناديا وليلى والأستاذ
عادل ومالك بيك ونجيب وبرهوم، ولا بدّ أن أحداً منّا عاش حلماً ضائعاً من
مسلسل أحلام كبيرة.
“نامي
إذاً يا روح، نامي الآن، هي آخر الأيام، نطويها، ونرحل في سلام…” أحلام
كبيرة
أعمال تحمل رسالة
حَمل على عاتقه إيصال العديد من القضايا والأوجاع وليتم
أرشفة ذلك في التاريخ ويتناقله الأجيال مستقبلاً فيحمي الثقافة من الضياع.
كالقضية الفلسطينية بأعمال مختلفة مثل التغريبة الفلسطينية وصلاح الدين
الأيوبي والعدل في مسلسل عمر، وقضايا اجتماعية حقيقية في الفصول الأربعة
وأحلام كبيرة و الغفران وعصي الدمع وحتى في المرة التي أخرج بها عملاً
كوميدياً كان يحمل طابع الكوميديا السوداء الواقعية في مسلسل عائلتي وأنا،
ولا ننسى إسقاطات ثلاثية الأندلس وصلاح الدين الأيوبي ومحاكاتهم مع الواقع
الآني. “ومضيت وكأنما أعجبك الفراق” من شارة مسلسل له.
الخلفية الثقافية الشخصية
عُرف باطلاعه وثقافته العامة والخاصة بأعماله فلا يدخل في
عمل إلا وهو مُلم بكل التفاصيل ومتأكد من المعلومات فقد كان من أواخر
الفنانين المثقفين العرب، قال يوماً عن عمله كمخرج: “إن شعوبنا لا تهتم
بالكتب والثقافة، فأصبح مصدر وعيها الصورة، التلفاز والسينما)، ونحن لكي
نواكب هذا العصر، يجب أن نقدم للمشاهد صورة فنية على قدر كبير من الجمالية،
وفي نفس الوقت وجبة فكرية دسمة، هكذا يجب أن نعمل لنعوض النقص الثقافي
عندنا “معاذ الله، أنا لا أريد أن أقول لك وداعاً، لأن ذلك يعني أن كل شيء
قد بات منتهياً” موسيقا تصويرية من أحلام كبيرة.
نقل روح التاريخ العربي على الشاشة، وباللغة الفصحى موجهاً
للوطن العربي
قد قال: “إن سرّ إنقاذ الدراما التاريخية التي تتحدث عن
قضايا كبيرة، يكمن في إكسابها روحاً وحياة”. أعماله التاريخية كانت
بالشراكة مع الدكتور الكاتب وليد سيف نصف الفضل الآخر في روعة هذه الأعمال
بعدما شكّلا مع بعض ثنائياً فنياً ناجحاً وبتصريح من الإثنين، فقد خلّدا
اسمهما بمسلسل صلاح الدين الأيوبي والتغريبة الفلسطينية ومسلسل عمر وثلاثية
عن التاريخ الإسلامي في الأندلس والذي كان يفترض أن ينتهي بمسلسل سقوط
غرناطة لتكون رباعية بدلاً من ثلاثية ولكن الظروف لم تساعدهما، على الرغم
من مطالبة الإعلامي والمؤثر أحمد الشقيري عندما ناشد قناة الـ
mbc
لتسهيل إنتاج هذا العمل وذلك بعد جمل من الإطراء الموجه للمخرج الراحل
بحضوره كلجنة تحكيم في برنامج قمرة لأحمد الشقيري، وكل ذلك لأنه استطاع أن
يضع الدراما التاريخية في قالب مختلف عما يتم تقديمه عادةً. بلاغة اللغة
العربية وجمال الحوارات وجودة الإخراج هي ما جعلت هذه الأعمال تسافر عبر
الحدود لتصل إلى المشرق العربي كله، فالكثير من الناس كانت هذه المسلسلات
سبباً لحبهم وتعمقهم باللغة العربية وحتى في الحضارة الإسلامية في الأندلس.
والذي ميّز دراماه التاريخية هو نقله للشخصيات هذه ببشريتها وأخطائها
وإنجازاتها، فقد كانت أفضل عرض ونقد موضوعي لتاريخ الخلافة الإسلامية. ولم
تكُن هذه (الثلاثية وصلاح الدين الأيوبي والتغريبة الفلسطينية) إلّا
إسقاطات على الواقع بالرغم من أنها جرت في زمن بعيد ولكن عبقرية الكتابة
الدرامية للدكتور وليد سيف وإخراج حاتم علي جعلتهم مجردين من الزمان
والمكان. “قُـدِّرَ البـيـنُ بـيـنـنـا، بيننا فـافْـتـرقـنـا، وطـوى
الـبـيـنُ عـن جُـفـونـيَ، عن جفوني غـمـْضِـي، قـدْ قـضَـى الدهر
بالـفِـراقِ عـلـيْــنــا، فـعـسَـى بـاجْـتـماعِـنـا، فعسى سـوْف
يـقْـضِـي” موسيقا
تصويرية لمسلسل صقر قريش.
تناوله للمواضيع الدينية قوبلت بالرضا
من النادر جداً من بعد فيلم الرسالة أن تجد عملاً دينياً
تقبله أكبر من رفضه لدى الناس، وموافقة الأغلبية عليه من الجهات الدينية
كمسلسل عُمر الضخم الذي كلّف قرابة 200 مليون ريال سعودي و300 يوم تصوير
وتُرجم إلى العديد من اللغات العالمية، فهذه الأمور ما زالت من المواضيع
الحساسة ورغم الصعوبات استطاع أن يتخطى ذلك ليتم إخراج هذا المسلسل الكبير
لأنه قد آمن به. من إحدى أقواله عن المسلسل: “مثل سيدنا عمر بن الخطاب رضي
الله عنه في عمل فني في هذا الوقت يعد اختياراً جيداً لأن عالمنا العربي في
حاجة ماسّة إلى حكام في حكمة وعدل سيدنا عمر، بالمناسبة عمر بن الخطاب رضي
الله عنه ليس مجرد رجل عاصر الدعوة الإسلامية ولكنه خليفة المسلمين الذي
أسس لمفهوم الدولة بشكلها السليم”. ولم يكُن ذلك في مسلسل عُمر فقط وإنما
في ثلاثية الأندلس وحياة الخلفاء بالعصور الأموية والعباسية، بالإضافة إلى
مسلسل عصي الدمع الذي تناول أفكاراً جانبية توعوية عن هذه المواضيع.
مناصرته لقضايا المرأة بطريقة غير مبتذلة وبعيدة عما يسمى
بحركة النسوية:
برز هذا الموضوع بشكل مكثف أكثر في الأعمال التي أخرجها
وكانت من كتابة زوجته الأستاذة المحامية دلع الرحبي، وذلك في بعض حلقات
الفصول الأربعة ومسلسل عصي الدمع الذي جسّد حالات المرأة بقوتها وضعفها
وبإنجازاتها ومعوقاتها وحياتها اليومية.
الإتقان بالإخراج
من أقواله: “ما يصنع مسيرة أي مخرج ليس فقط تلك الأعمال
التي يقبل بإخراجها، وإنما أيضاً تلك الأعمال التي يستطيع أن يقول لها لا”.
كل من يعمل معه من ممثلين أو فنيين أو منتجين قالوا عنه بأنه متطلب ولكن
يقولون هذه الصفة بسعادة غريبة، لمعرفتهم أن العمل الحقيقي والخالد بحاجة
لجدّية ومقومات واحتياجات أكثر. فقد كان ذكيّاً في اختياراته سواء النصوص
بين الكاتبة ريم حنا وأمل حنا والأبرز الكاتب الدكتور وليد سيف الذي خطّ
معه نتاجات درامية عديدة. ولا ننسى آلية انتقائه لكادر العمل وإذا أردنا
التحدث عن الممثلين فنجد مجموعة معينة ترافقه بمعظم أعماله وبالمقابل نجده
في كل عمل مظهراً لنا وجوهاً جديدة حتى ولو كانت في دور بطولة، كسامر
اسماعيل في مسلسل عمر وتيم حسن في ثلاثية الأندلس والذي قد ذكر فضله عليه
عندما نعاه بمنشور وقال بأن اختياره له لمسلسل ربيع قرطبة كانت بمثابة
إمضاء على شهادة تخرج ثانية، ولم يكن اختياره للممثلين حكراً على جنسية
معينة وإنما كانت وفق الكفاءة وهذا ما برز عند اختياره للممثل المغربي محمد
مفتاح ليكون بأدوار البطولة في أعماله التاريخية، والعديد من الممثلين من
مختلف البلدان العربية الذين كان لهم حصة في أعماله، وهذا يؤولنا لفكرة أنه
صاحب المسلسلات ذات البطولة الجماعية كما هي الحياة لا تعتمد على فرد واحد
فقط. العامل الآخر الذي ميّز معظم أعماله ذات الإنتاج السّوري هو اللقطات
العامة لحياة الشارع والحارات الدمشقية سواء اللقطة الافتتاحية للمسلسل أو
حتى الانتقالية بين المشاهد وكأنما يقول لنا إن هذه القصص قادمة من عندكم
من قلب بيوتكم.
عدم وجود منافس بنفس الرؤية والأهداف
إن عدم وجود مخرج يوازيه في الساحة العربية الآن جعلت من
اسمه متفرداً في هذا المجال، فإذا سألوك نريد فناً حقيقياً قالو لك حاتم
علي، فمن وجهة نظري الشخصية أنه كان خليفة المخرج العالمي مصطفى
العقاد مخرج
فيلم الرسالة بنسختيه الإنجليزية والعربية، وسؤالي هل لنا أن نجد خليفة
لهما؟ أم سننتظر لسنين بعد؟ أم العمر بأكمله؟
التغريبة الفلسطينية العمل الصعب تكراره
عليّ أن أكتب عن هذا العمل التاريخي الملحمي ولو بضع جمل،
لم يكُن عاديّاً ولا وثائقياً ولا سياسياً وبعيداً عن الصراعات الدينية
والتاريخية، فقد روى الحياة والآثار الإنسانية والاجتماعية آنذاك وكأن
القضية الفلسطينية وأحقيتنا فيها هي من الأمور المسلّمة، أما عن الأحداث
فحتماً سترى نفسك في الشخصيات الموجودة، أحداثه تروي واقعنا الحالي
والماضيّ والمستقبليّ، وفي كل مجموعة حلقات وبطريقة غير مباشرة تُطرح لنا
فكرة بأسلوب كتابة وإخراج ذكي وغير نمطيّ كالجهل وآثار العادات والتقاليد
والخرافات المعشعشة والظلم والعنف والصراعات الطبقية والأنانية والعشائريات
التافهة وظلم النساء والعديد من القصص التي تصلح لكل زمان ومكان وتخصّ
بالذكر معاناة واقعنا العربيّ.
“لا
تسل عن سلامته، روحه فوق راحته، بدّلته همومه، كفناً من وسادته” من شارة
مسلسل التغريبة الفلسطينية
جنازته
بالتهليل والتكبير والزغاريد، الحشود في الشام قد ودعوا
جثمانه يوم الجمعة واختتموا بالتصفيق الذي غطّى على أصوات الدموع وكأنما
يصفق الجمهور لشارة نهاية الأعمال السّامية. لم نشهد مثل هذه الجنازة منذ
وفاة نزار
قباني والذي
جعلنا نستذكر مشهد خالد تاجا في حلقة وفاة الشّاعر نزار قباني مسلسل الفصول
الأربعة حين وقف جانب الجنازة وأنزل قبعته من رأسه وقال جملته التي حفظها
الجميع والتي سنستبدلها اليوم بكلمة مخرج بدل شاعر: “الدنيا لسا بخير، إذا
فيه بلد كامل بتطلع بجنازة مخرج”. قد كان وداعاً يليق بنُبل أعماله التي
ناضل من أجل أن تُنتج، في حياته جمع الناس حبّاً في إبداعاته والإرث
الثقافي الحضاري، وفي رحيله اليوم قد وحدهم حزناً عليه، رغم شتات وأزمة
تفرّق السوريين إلا أنهم أجمعوا على هذه الخسارة. ليكون درساً لنا بأن
العظماء والمبدعين الطيبين لا يمكن أن يختلف عليهم أحد وأن احترام النفس
والناس وحمل رسائل فكرية هادفة ترتقي بالوعي الإنساني، لا يمكن أن تذهب سدى
بل يبقى أثرها باقٍ.
ماذا تعلّمنا؟
خبر الوفاة على الرغم من قساوته وتيتُّم الدراما العربية
الهادفة بعده، إلّا أنه أعطانا درساً بأنك تستطيع أن تكون فناناً محترماً
عظيماً، يقدّرك الجميع في غيابك. ويرثي أعمالك وغيابك حتى الغرباء. كقول
الدكتور الكاتب احمد خيري العمري: “المفرح في هذه الجنازة الحزينة.. أن
الفن (حامل القضايا) أثبت نفسه”، أما أحلام
مستغانمي فقد
نعت بطريقة مختلفة وذكرت أفضل مخرجَين عندي فقالت: “عندما رثيتُ المخرج
السوري العالمي (مصطفى العقاد) الذي رحل مع ابنته في انفجار إجرامي بعمان،
كنت على تواصل مع (حاتم علي) رحمه الله الذي كان مرشحاً سنة 2005 في البدء
لإخراج مسلسل ذاكرة الجسد. قال لي متأثراً برثائي للعقاد: “ليتني أعرف
ماذا ستكتبين حين أموت!” قوله المازح ذاك آلمني اليوم بقدر خبر موته.
الشاعر الفرنسي الكبير (جان کوکتو) أخرج فيلماً قصيراً يصور فيه جنازته،
يقول فيه لأصدقائه وهم يرافقونه لمثواه الأخير: “لا تبكوا هكذا.. تظاهروا
فقط بالبكاء فالشعراء لا يموتون إنهم يتظاهرون بالموت فقط!”. حاتم یا شاعر
الصورة كُف عن التظاهر بالموت فنحن لن نصدق خبر رحيلك! اعذرني إن لم أرثيك
بما يليق بحضورك في وجداننا العربي. ما عاد الموت حدثاً، بل حديثاً يومياً
يطاردنا في كل نشرات الأخبار، حتى بتنا لا نقدر على الرثاء”.
رحمه الله.
والآن هل يعتَبِر بعض المخرجون والفنانون بأن المبادئ وتبني
القيم هي الأكثر تأثيراً واستدامة؟ |