أخي و صديقي المخرج المبدع حاتم علي
أكتب إليك و أنت في الطائرة التي تقلك إلى وطننا سوريا في عودة
أبدية، و أنا هنا في القاهرة. اليوم كان وداعنا الأخير. لا أعرف
متى سنلتقي ثانية، و لكن لا شك أننا سنلتقي.
كنا قد تحدثنا أنا و أنت مطولا يوم الاثنين حول العمل و أخبرتني
انك ستبدأ التصوير مع بداية العام، و اتفقنا أننا سنكون معا بعد
يومين كي نودع العام الحالي و نستقبل العام القادم و تمنينا أن لا
يكون بسوء هذا العام، لكن الأقدار غيرت المواعيد و الخطط فلا
الكاميرا ستجدك وراءها و لا العام الجديد سيجدك في استقباله. فقد
أصبحت في ملكوت آخر حيث لا أسماء و لا أرقام فيه للأيام و الشهور،
و لا حدود فيه بين السنين.
رحيلك المفاجئ هذا أحدث صدمة كبيرة، و خلف حزنا ليس فقط بين أهلك و
أصدقائك و كل الذين أسعدهم العمل معك و أضاف لمسيرتهم الكثير، بل
في كل أرجاء الوطن العربي. الناس تنعيك بأسى شديد و تقول إنك كنت
مخرجا كبيرا و إنسانا مثقفا تركت لهم تراثا فنيا استثنائيا سيعيش
دائما في وجدانهم. هم محقون في قولهم هذا.
لطالما عاتبتك عن عدم رضاك عما تقدمه.. بعد كل نجاح كبير كنت تصنعه
بتفانيك و دأبك و إخلاصك و اهتمامك بأدق التفاصيل كنت أحزن لأنك لا
تعيش فرحة النجاح كما يحق لك أن تعيشها. و كنت تقول لي "كان من
الممكن أن نفعلها بشكل أفضل".. كنت تتحدث عن عيوب لم ينتبه لها
أحد، و كنت أستاء و أقول لك يا رجل الكمال لله، دعك من تلك
التفاصيل و احتفل بالنجاح فأنت تستحق ذلك، و لكنك كنت ناقدا قاسيا
على نفسك. كنت تحب الناس و تؤمن بوعيهم و ذكائهم و كنت تؤمن بأهم
يستحقون أن يعرفوا الحقيقة، و بأنك لم تفعل ما يكفي من أجل ذلك.
و اليوم، هؤلاء الذين سعيت لأن تمتع قلوبهم و عقولهم يقولون فيك
كلمتهم التي لاشك أنها ستسعد روحك و تجعلك أخيرا تصدق يا أخي و
صديقي أنك نجحت في أن تصل إليهم، و هم يقدرون ذلك... إن ما قيل فيك
يثبت أن الناس هم كما كنت دائما تراهم يعرفون الفرق بين الغث و
الثمين، وبين الحقيقة و التلفيق. ما يقولونه بك هو تعبير عن رفضهم
للتفاهة انحيازهم للقيمة.
أما نحن زملاءك في هذه المهنة فنحن ندين لك بالكثير. نيابة عنا
جميعا قاتلت كي تأخذ العمل الفني إلى مستويات غير مسبوقة، و تفتح
أفاقا جديدة، و تضع مقياسا جديدا لما يجب أن تكون العملية
الإنتاجية و الفنية عليه. لك ندين بالكثير من نجاحاتنا لأنك وضعتنا
أمام تحد كبير بعد أن هيأت لنا كل الظروف. معك كنا نطمأن و نعرف أن
كل تفصيل مهما صغر كان ضروريا لا لأنه كان جميلا ومبهرا فقط، بل
لأنه كان ذا معنى..
أما رحلتي الشخصية و المهنية معك فهي حكاية طويلة مليئة بالتفاصيل
الفنية و الإنسانية و الفكرية يطول الحديث عنها، و لكن كي لا أطيل
عليك سأكتفي هنا بالقول شكرا لك.. لقد تشرفت بالعمل معك، و بالرغم
من كل الصعوبات و التحديات كنت سعيدا و فخورا. شكرا يا صديقي أنك
وثقت بي و منحتني صداقتك... شكرا على كل مرة طلبت مني أن أعيد
اللقطة بطريقة مختلفة.. شكرا على كل مرة قلت لي "يمكن لنا أن
نفعلها بشكل أفضل".
لا شئ سيعوض فقدانك عند زوجتك و رفيقتك دلع و أبناءكما عمر و غزل و
غالية و لكن تأكد أنهم سيبقون دائما في قلوبنا و سنبقى و إياهم
أسرة واحدة، فمحبتهم من محبتك.
ملاحظة أخيرة: عندما التقطت لك هذه الصورة أثناء تصوير التغريبة
الفلسطينية لم أتخيل أبدا أن أعود و أبحث عنها كي استخدمها في
وداعك. |